انتقاد نادر وجهته إيران إلى روسيا، بعدما طلبت الأخيرة ضمانات مكتوبة من واشنطن اعتبرتها طهران ذريعة روسية لعرقلة المفاوضات النووية التي أوشكت على الوصول لاتفاق، فيما يعد مؤشراً واضحاً على التداخل السلبي بين الأزمتين الأوكرانية والإيرانية.
وشابت حالة من الغموض محادثات إحياء الاتفاق النووي بعد مطالب روسيا بضمانات من الولايات المتحدة بأن العقوبات التي تواجهها بسبب الصراع في أوكرانيا لن تضر بتجارتها مع إيران، في المقابل، اتهمت طهران موسكو بمحاولة عرقلة عودتها لسوق النفط الدولية، في وقت أصبحت أزمة النفط أكبر سلاح في يد روسيا.
ويأتي المطلب الروسي في وقت تبحث فيه الولايات المتحدة فرض عقوبات على النفط الروسي، ولكنها تبحث عن بديل حتى لو كان لدى خصومها مثل فنزويلا، ولكن المفارقة أن إيران قد تكون الأقدر على تعويض أي حظر على تصدير النفط الروسي، وهذا على ما يبدو ما يجعل موسكو تريد عرقلة سير المفاوضات النووية في اللحظة التي اقتربت من إحياء الاتفاق النووي الإيراني.
موسكو تحاول خلق حالة من التداخل بين الأزمتين الإيرانية والأوكرانية
جاءت هذه الأزمة غير المتوقعة في الملف النووي الإيراني، بعد أن طالب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بضمانات أمريكية مكتوبة بأن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب الصراع في أوكرانيا لن تضر بتعاونها مع إيران، وقال إن القيود الأمريكية أصبحت حجر عثرة أمام الاتفاق النووي الإيراني، محذراًِ الغرب من أن المصالح الوطنية الروسية يجب أن تؤخذ في الاعتبار.
وقال لافروف يوم السبت 5 مارس/آذار 2022 إن هناك "مشاكل ظهرت مؤخراً من وجهة نظر مصالح روسيا"، بسبب العقوبات الغربية على روسيا بشأن أوكرانيا، و"إننا طلبنا من زملائنا الأمريكيين، تقديم ضمانات مكتوبة على المستوى الأدنى (لوزارة الخارجية) بأن العقوبات الحالية التي فرضتها الولايات المتحدة لن تضر بأي شكل من الأشكال بحقنا في التجارة والاقتصاد والاستثمار الحر الكامل والتعاون العسكري والتقني مع إيران".
وقال دبلوماسيان، أحدهما غير مشارك بشكل مباشر في المحادثات، إن الصين طلبت أيضاً ضمانات مكتوبة بأن شركاتها التي تمارس أنشطة تجارية في إيران لن تتأثر بالعقوبات الأمريكية.
قد تؤدي مثل هذه المطالب إلى تعقيد الجهود المبذولة لإبرام اتفاق نووي في وقت بدا فيه احتمال التوصل إلى اتفاق أقرب من أي وقت مضى.
ويعتقد أن الاتفاق سوف يتضمن نقل اليورانيوم المخصب من قبل إيران بمستوى أعلى من المتفق عليه في خطة العمل، إلى روسيا كضمانة بحيث تستعيده إيران في حال إخلال واشنطن بالاتفاق، وهو ما يجعل دور روسيا محورياً بالاتفاق.
ويمكن للولايات المتحدة إصدار إعفاءات للعمل المتعلق بنقل المواد الانشطارية الزائدة إلى روسيا من أي عقوبات تفرض على موسكو.
وانتقد الجانب الإيراني الطلب الروسي، واعتبره مطلباً خارج سياق المباحثات بشأن الملف النووي الإيراني.
وذكرت وكالة تسنيم الإيرانية شبه الرسمية للأنباء، الإثنين 7 مارس/آذار 2022، أن مسؤولين إيرانيين انتقدوا "التدخل" الروسي في المراحل النهائية للمحادثات التي تهدف إلى إحياء اتفاق طهران النووي مع القوى الكبرى.
على وشك الوصول لاتفاق
وقالت جميع الأطراف المشاركة في محادثات فيينا الجمعة الماضي إنها على وشك التوصل إلى اتفاق.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة إنه يمكن التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني "في أقصر وقت" شريطة أن تقبل الولايات المتحدة النقاط التي أثارتها طهران في المحادثات الجارية في فيينا. وأضاف زادة أنه تم إحراز تقدم كبير في المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن اتفاق لتبادل السجناء.
وقال مسؤول الملف النووي الإيراني محمد إسلامي في مؤتمر صحفي مشترك مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي: "اتفقنا على تزويد الوكالة الدولية للطاقة الذرية بحلول 21 مايو/أيار 2022 بوثائق تتعلق بالمسائل العالقة بين طهران والوكالة".
وأثارت رحلة جروسي الآمال في أن اتفاقاً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من المحتمل أن يمهِّد الطريق لإحياء الاتفاق النووي الذي تخلى عنه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 2018، والذي أعاد أيضاً فرض عقوبات بعيدة المدى على إيران.
وتقول مسودة تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن إيران اطلعت عليها رويترز مؤخراً، إن مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب (البالغ 60%) قد تضاعف، وهو الآن يساوي ثلاثة أرباع الكمية المطلوبة لتخصيب يورانيوم يكفي لصنع، قنبلة نووية واحدة.
إليك النقاط العالقة المتبقية
قالت النائبة الرئيسية للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جالينا بورتر في 3 مارس/آذار الجاري: "لقد تم إحراز تقدم كبير ونحن قريبون من صفقة محتملة، ولكن لا يزال هناك عدد من القضايا الصعبة دون حل".
وأضافت: "إذا أبدت إيران جدية، فيمكننا وينبغي علينا الوصول لتفاهم للعودة المتبادلة إلى التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة في غضون أيام".
إدارة بايدن، التي جعلت من العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة ومنع السلاح النووي الإيراني إحدى أولوياتها القصوى، لا تريد إطالة المحادثات، بالنظر إلى الأزمة مع روسيا بشأن أوكرانيا.
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة في 28 فبراير/شباط 2022، إنه لا تزال هناك ثلاث قضايا يتعين حلها: إغلاق تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية في آثار اليورانيوم التي تم العثور عليها في مواقع غير معلنة (والتي تعتبرها إيران مسيسة)، ونطاق وتسلسل تخفيف العقوبات، وما إذا كانت الولايات المتحدة تستطيع "ضمان" أن تبقى الصفقة سارية في عهد الإدارات الأمريكية القادمة خاصة لو كانت جمهورية، وهو أمر سبق أن أكدت إدارة بايدن أنه لا تستطيع تقديمه.
وقال البروفيسور محمد ماراندي، أحد المستشارين المعنيين بالمفاوضات: "إن المفاوضين ما زالوا يحاولون سد الفجوة. إذا لم تكن الولايات المتحدة والدول الأوروبية مستعدة لتلبية المتطلبات الإيرانية للضمانات، فيحتمل أنه لن يكون هناك اتفاق"، حسبما ما نقل موقع Energy Intel.
وتتطلع إيران أيضاً إلى إلغاء بعض التصنيفات المتعلقة بالإرهاب التي فرضها ترامب.
وهناك أيضاً مسألة الأشخاص ذوي الجنسية المزدوجة الأمريكية المحتجزين في إيران، والتي قد يخفف إطلاق سراحهم من التوتر بين أمريكا وإيران وقد يقلل الاعتراضات على الصفقة في الكونغرس الأمريكي، حسب موقع al-Monitor الأمريكية.
ولكن المطالب الروسية قد تعرقل الوصول لاتفاق
قد تؤدي المطالب الروسية بتقديم واشنطن ضمانات مكتوبة بعدم تعرضها للعقوبات بسبب دورها في الاتفاق إلى تعقيد الجهود المبذولة لإتمام الصفقة.
وفي الأصل، قالت الإدارة الأمريكية للإيرانيين إنها لا تستطيع تقديم أي ضمانة مكتوبة إلى إيران بأن الاتفاق ملزم للإدارات القادمة، لأن الاتفاق ليس مصدقاً عليه من الكونغرس، وهذا الأمر سوف ينطبق في الأغلب على أي مطلب روسي بالحصول على ضمانات مكتوبة، وخاصة في ظل التوتر الهائل بين واشنطن وموسكو جراء أزمة أوكرانيا.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان مطلب روسيا سيضر 11 شهراً من المحادثات بين طهران والقوى الدولية.. قال مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، علي فايز: "ليس بعد، لكن من المستحيل الفصل بين الأزمتين الإيرانية والأوكرانية لفترة أطول".
ويمكن للولايات المتحدة إصدار إعفاءات للعمل المتعلق بنقل المواد الانشطارية الزائدة إلى روسيا. لكنها علامة على أن اختلاط المسألتين قد بدأ"، حسبما قال فايز لموقع Euro News.
لماذا تفعل موسكو ذلك؟
يبدو أن الطلب الروسي يتعلق بشكل كبير بصراع موسكو مع الغرب ومؤشر على محاولة روسيا خلق حالة من التداخل بين الأزمتين الأوكرانية والإيرانية، والاستفادة من الأخيرة لتحسين موقفها في المواجهة مع الغرب في الملف الاقتصادي تحديداً.
ونقلت وكالة تسنيم للأنباء الإيرانية عن مسؤولين إيرانيين قولهم إن المطالب الروسية تهدف إلى ضمان مصالح موسكو في مجالات أخرى وإنها "غير بناءة".
وقالت الوكالة، دون أن تذكر مصدراً لهذا التقييم، إن روسيا تسعى من خلال تأجيل إحياء الاتفاق بين إيران والقوى الغربية وتأخير عودة طهران إلى سوق النفط العالمية إلى رفع أسعار الخام وزيادة عائداتها من الطاقة.
وأصبح الارتفاع الهائل في أسعار النفط والغاز أكبر أدوات القوة لروسيا في مواجهة أمريكا، ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا زاد مداخيل موسكو المالية رغم العقوبات، وجزء كبير من هذا الدخل يأتي من جيوب الأوروبيين، وبصورة أقل الولايات المتحدة.
وأسعار النفط الحالية تقوي ميزانية روسيا وتقلل آثار العقوبات، الأمر الذي دفع الأمريكيين إلى التفكير في فرض عقوبات على صادرات النفط الروسية التي تمثل أكبر دخل لموسكو وتعادل ضعف إيرادات الغاز، ولكن السوق تحتاج إلى بدائل للنفط الروسي حتى لا تصل الأسعار لأرقام فلكية تضر بالمواطن الأمريكي. ومن هنا أرسل الرئيس الأمريكي جو بايدن وفداً إلى فنزويلا للتفاوض حول زيادة إنتاج هذا البلد اللاتيني الذي يمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم ولكنه مكبل بالعقوبات الأمريكية والاضطرابات السياسية وسوء الإدارة الحكومية.
ولكن إيران قد تكون أقدر على تعويض نقص النفط الروسي بفضل قدراتها الكبيرة في مجال النفط والغاز.
وبحسب ما ورد سيتم رفع العقوبات بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة على مدى فترة زمنية، ربما عشرة أيام، ويمكن ربطها بالخطوات التي حددتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
بمجرد اكتمال تسلسل تنفيذ، وعودة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، ستنفتح أمام إيران مرة أخرى مجالات العمل في قطاعات الطاقة والشحن والمعادن والسيارات والتأمين وغيرها من القطاعات – وهو ما عُرف باسم "يوم التنفيذ" في الاتفاق النووي لعام 2015.
السعودية وروسيا تريدان تأخير عودة إيران للسوق النفطية
ويريد المنتجون الآخرون، وخاصة روسيا والسعودية، عودة إيران إلى سوق النفط بشكل تدريجي، لكن طهران تريد استعادة حصتها في السوق في أقرب وقت ممكن.
وقد تكون عودة إيران المحتملة كمورد للنفط الخام إلى مصافي التكرير الأوروبية أسرع مما كان متوقعاً الآن، يساعد على ذلك أن صادرات النفط الروسية تواجه تحديات لوجستية وقلقاً من التجار لا سيما الأوروبيين، والأهم فرض حظر محتمل نتيجة توسيع العقوبات الغربية.
قبل انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015 وفرض عقوبات على صادرات النفط الإيرانية كانت إيران قد تنتج 3.8 مليون برميل من النفط يومياً. بعد ذلك، انخفض هذا إلى 1.9 مليون برميل ويبلغ حالياً حوالي 2.4 مليون برميل.
سوف يستغرق الأمر وقتاً حتى يعود إنتاج البلاد إلى مستويات ما قبل العقوبات بسبب هذا الانخفاض الكبير، بالإضافة إلى انخفاض مستويات استثمار المنشآت النفطية في السنوات الأخيرة.
وتتوقع بعض المصادر أنه مع رفع العقوبات، يمكن لإيران شحن 500 ألف برميل إضافية من النفط يومياً إلى الأسواق الدولية من أبريل/نيسان المقبل إلى مايو/أيار، وبحلول نهاية هذا العام قد يصل هذا الرقم إلى 1.3 مليون برميل يومياً.
ولكن بعد دخول خطة العمل الشاملة المشتركة حيز التنفيذ في عام 2016، زادت إيران إنتاجها النفطي بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعاً. وتوقع معظم المحللين آنذاك أن تزيد إيران إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يومياً في غضون عام بعد رفع العقوبات، لكن في الواقع وصلت إيران إلى هذا الرقم في أقل من أربعة أشهر، وبحلول نهاية ذلك العام كانت قد زادت الإنتاج بنحو مليون برميل.
كما أنه بعد إعادة فرض العقوبات في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2018، خزنت إيران النفط في ناقلات، وخزانات برية.
وتشير التقديرات إلى أن إيران قد خزنت أكثر من 85 مليون برميل من مكثفات النفط والغاز في البحر. يمكن تصدير هذه الإمدادات بسرعة إذا تم رفع العقوبات.
وقال مسؤول نفطي إيراني كبير لموقع "إنيرجي إنتليجنس": "المشترون الآسيويون يريدون نفطنا بشكل خاص. الطلب الأوروبي ليس جيداً، لكن هذا قد يتغير بسبب الوضع الروسي".
وطهران قد تقدم أيضاً بديلاً للغاز الروسي
هناك أيضاً احتمال أن تلعب إيران دوراً في استبدال صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا، التي تلبي نحو 40% من احتياجات القارة، بالنظر إلى أن طهران تمتلك ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم بعد روسيا.
وقد يجعل كل ذلك إيران واحدة من أكثر الدول التي يمكنها الاستفادة من الأزمة الروسية الأوكرانية.
وقد يفسر ذلك حماس الإيرانيين إلى الوصول لاتفاق، بينما يبدو أن الروس يحاولون عرقلته عبر طلب ضمانات مكتوبة من واشنطن، كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت قلق جداً من إتمام الاتفاق، وقال إنه بلاده لن تكون ملزمة به.