إسرائيل وتركيا أم الصين والهند.. ما الدولة المرشحة لأن تكون وسيطاً فعالاً بين روسيا وأوكرانيا؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/03/07 الساعة 15:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/07 الساعة 15:20 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي/رويترز

الوساطة بين روسيا وأوكرانيا باتت مسألة شديدة الصعوبة في ظل الموقف الحاد من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وشروطه القاسية على كييف، في مقابل ميل القادة الأوكرانيين إلى المبالغة في قدرتهم على الصمود. 

ولكن الوساطة بين روسيا وأوكرانيا أصبحت حاجة مُلحَّة للعالم كله، في ظل تحوُّل الحرب الأوكرانية إلى أزمة سياسية واقتصادية يشعر العالم كله بوطأتها، والأهم أنه لا يوجد أي ضمانة بألا تتطور إلى حرب نووية.

فبينما قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، صراحة، إنه مستعد للقتال حتى النهاية من أجل بلاده، فإن بوتين لم يلوّح فقط بالأسلحة النووية، بل إنه يلمّح إلى أنه لا معنى للعالم بدون وجود روسيا كقوة عظمى، وكأنه يقول إما يحافظ على مناطق نفوذ موسكو وإما ينتهي العالم!

وفي ظل العزلة الشديدة والتصلب الذي يتسم به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يصبح السؤال: أيُّ زعيم عالمي يمكنه كسب ثقة بوتين، الذي يشير هجومه على أوكرانيا إلى عقلية عدائية يسيطر عليها "جنون الارتياب"؟ حسب وصف تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

ويُستبعد أن يتقبل بوتين وساطة باريس أو برلين؛ إذ أصبحت ألمانيا تزوّد الجانب الأوكراني بعتاد عسكري هائل، يشمل أسلحة مضادة للدبابات وصواريخ ستينغر، بعد أن كانت تكتفي بإرسال الخوذ والمعدات الطبية لكييف. 

أما فرنسا التي كانت تتحدث عن أوروبا الموحَّدة الكبيرة التي تشمل روسيا، فلقد قدَّمت أسلحة دفاعية ودعماً أكثر شمولاً لأوكرانيا. 

ورغم أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو الزعيم الأوروبي الوحيد في غرب أوروبا الذي يتواصل مع بوتين بصفة منتظمة، فإنه بعث برسائل لا تبعث على التفاؤل حول استعداد الرئيس الروسي للمفاوضات.

إذ كتب ماكرون على تويتر، يوم الخميس 3 مارس/آذار: "يرفض بوتين في هذه المرحلة وقف هجماته على أوكرانيا".

فهل يمكن أن يؤدي زعيم عالمي آخر هذه المهمة؟ 

إسرائيل وتركيا مرشحتان لتأدية دور الوساطة بين روسيا وأوكرانيا

وأعلن وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، الإثنين 7 مارس/آذار 2022، أن وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا "سيلتقيان بوساطة تركية لإجراء مباحثات"، في مدينة أنطاليا التركية يوم 10 مارس/آذار.

وقبل ذلك، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، موسكو مطلع هذا الأسبوع؛ حيث عقد اجتماع غير معلن مع بوتين. وقال بينيت في وقت لاحق، الأحد 6 مارس/آذار، إنه على اتصال بروسيا وأوكرانيا، وإنه يتمنى أن يساعد في التوسط لتحقيق السلام.

وأفادت تقارير بأن الزيارة تمت بمواقفة إن لم يكن بدفع من واشنطن.

وبصفة عامة، تعتبر تركيا وإسرائيل من أفضل المرشحين للوساطة بين روسيا وأوكرانيا وبين روسيا والغرب. 

فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، لديهما ما يجعلهما طرفاً ثالثاً مرغوباً فيه. 

فإسرائيل حليف قديم للولايات المتحدة، وتركيا عضو كامل العضوية في حلف شمال الأطلسي (الناتو). ومن مصلحة كلا البلدين إنهاء الحرب: فإسرائيل موطن لأعداد كبيرة من الروس والأوكرانيين المهاجرين، في حين أن روسيا شريك اقتصادي مُهم لأنقرة، والاقتصاد التركي يستفيد من ملايين السياح الروس والأوكرانيين الذين يزورون البلاد كل عام.

أردوغان يتصل ببوتين ويعلن موافقة الطرفين على لقاء وزاري بينهما

وأجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اتصالاً هاتفياً مع بوتين أمس الأحد. وجاء في ملخص الاتصال الذي أصدره مكتب أردوغان، أن الزعيم التركي "قال إن وقفاً فورياً لإطلاق النار لن يحدّ من المخاوف الإنسانية في المنطقة فحسب، بل سيوفر فرصة للبحث عن حل سياسي"، وجدد دعوته: "لنمهد الطريق للسلام معاً"، وفقاً لوكالة رويترز.

فيما أشار الرئيس التركي إلى أنه على تواصل دائم مع الجانب الأوكراني والبلدان الأخرى، مؤكداً أنه سيواصل بذل الجهود لعقد مفاوضات شاملة والخروج بنتيجة.

بينما بحث وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مع نظيره الأوكراني أوليكسي رزنيكوف، قضايا المساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار وإرساء الاستقرار. جاء ذلك في اتصال هاتفي بين الوزيرين، بحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع التركية، الأحد.

إذ شدد أكار خلال الاتصال على الحاجة الملحة لوقف إطلاق النار، ولو لفترة معينة، من أجل إجراء عمليات الإجلاء بشكل آمن وتحسين الأوضاع الإنسانية. وأعرب عن تطلعاته بشأن ضمان أمن المواطنين الأتراك الذين لم يتم إجلاؤهم بعد أو ما زالت عمليات إجلائهم مستمرة.

وسبق أن دعا الرئيس التركي حتى قبل اندلاع الحرب، رئيسَي روسيا وأوكرانيا إلى عقد اجتماع في بلاده لحل الأزمة.

واليوم الإثنين 7 مارس/آذار 2022، قالت تركيا إن وزير الخارجية الروسي لافروف سيلتقي نظيره الأوكراني كوليبا، في تركيا، الخميس.

الوساطة بين روسيا وأوكرانيا
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان خلال تقفدهما لطائرة سوخوي روسية في معرض روسي للطيران/رويترز

وقال تشاووش أوغلو، في بيان متلفز من أنقرة، إنه سيحضر اجتماع وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا.

وكتب أوغلو على تويتر: "بناءً على مبادرات الرئيس أردوغان وجهودنا الدبلوماسية المكثفة، قرر وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف ودميترو كوليبا من أوكرانيا الاجتماع، بمشاركتي على هامش منتدى أنطاليا الدبلوماسي".

وقال أوغلو في البيان المتلفز: "طلب كلا الوزيرين مشاركتي في الاجتماع، وأن يكون الاجتماع ثلاثياً".

وقال تشاووش أوغلو إن كلاً من نظيريه الروسي لافروف والأوكراني كوليبا أكد مشاركته.

يعد منتدى أنطاليا الدبلوماسي حدثاً سنوياً، وقبل أن تغزو روسيا أوكرانيا، ضمَّت قائمة الحضور رئيس الناتو ينس ستولتنبرغ، ومنسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.

وقال تشاووش أوغلو: "نأمل أن يكون هذا الاجتماع نقطة تحوُّل. نريد أن يكون هذا الاجتماع خطوة مهمة على طريق السلام والاستقرار. سنعمل من أجل سلام واستقرار دائمَين".

تركيا حافظت على علاقة تجمع بين التنافس والتنسيق مع روسيا

ولدى تركيا علاقة مركَّبة مع روسيا، فالبلدان خصمان تاريخيان، كما أنهما يتنافسان في مناطق نفوذ عدة، من البلقان وأوكرانيا للقوقاز وسوريا وليبيا.

ولكنهما يتفقان على دور بلديهما في مواجهة محاولات التهميش الغربية إلى جانب العلاقات الاقتصادية الوثيقة.

والنتيجة أنهما دعما أطرافاً متعارضة في حروب إدلب وليبيا والقوقاز، وكانت قواتهما تقف متأهبة على خطوط النيران، ولكنهما أظهرا براغماتية ومهارة في صياغة اتفاقات جزئية لإيجاد حلول في المناطق الثلاث دون الوصول لاشتباك مباشر.

ولديها أيضاً تعاون في مجالات حساسة مع أوكرانيا

وفي أوكرانيا، وقبل الأزمة الحالية، كانت العلاقة بين البلدين حساسة، فلقد حافظت تركيا على علاقة وثيقة مع موسكو، ورفضت المشاركة في العقوبات الغربية على روسيا بعد ضمّها للقرم عام 2014، وواصلت التعاون معها وضمن ذلك شراء نظام إس 400 المضاد للطائرات، رغم غضب واشنطن.

ولكن في المقابل، حافظت أنقرة على علاقة وثيقة مع أوكرانيا، وضمن ذلك التعاون في مجال الصناعات العسكرية، الذي يُنتظر أن يتوسع ليشمل التعاون في مجالي محركات الطائرات العسكرية والأقمار الاصطناعية تحديداً، واللذين تتفوق فيهما كييف، في المقابل، تحتاج أوكرانيا للتكنولوجيا التركية في مجال السفن الحربية وصواريخ كروز.

وكانت تركيا إحدى الدول القليلة التي قدمت أسلحة فعالة لأوكرانيا قبل الأزمة عبر تصدير طائرات بيرقدار المسيرة (الأمر الذي أغضب موسكو) زالتي أظهرت كفاءة ضد القوات الروسية خلال الحرب، لدرجة أن الأوكرانيين قد قاموا بتأليف أغنية لها!.

لماذا تبدو تركيا الدولة الأكثر رغبة في إنهاء الأزمة؟

تبدو تركيا إحدى الدول القليلة التي لا تريد تضرر لا روسيا ولا أوكرانيا من الأزمة، فالعلاقات الاقتصادية الوثيقة بين موسكو وأنقرة تعني أن عزلة روسيا مشكلة بالنسبة للاقتصاد التركي.

كما أن سواحل تركيا الطويلة في البحر الأسود تجعل ضم أوكرانيا لروسيا أو تنصيب نظام عميل لموسكو في كييف أمراً يخل بتوازن القوى في هذا البحر.

رغم إعلان تركيا تفعيل اتفاقية مونتري التي تعني عدم السماح بدخول السفن الحربية الروسية للبحر الأسود عبر المضائق التركية، وتصويتها لصالح قرار إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنها لم تفرض حظراً للطيران الروسي عبر أجوائها، مثل أغلب دول أوروبا.

هل تقترح حلاً للأزمة على غرار ما حدث في القوقاز وسوريا وليبيا؟

وقد حافظ أردوغان على علاقة مركبة مع بوتين تجمع بين المنافسة الخشنة أحياناً إلى التنسيق لإبعاد المنافسين عن ساحات النفوذ المشترك، كما حدث في سوريا وليبيا والقوقاز وليبيا.

وصفقة بين أوكرانيا ورسيا بوساطة تركية على غرار صفقات بوتين وأردوغان في الساحات الثلاث المشار إليها قد تكون الحل الوحيد للأزمة الأوكرانية.

وفي الأزمات الثلاث، كانت الحلول بين تركيا وروسيا وحلفاء الطرفين، تُصاغ بطريقة تبعد عن المباريات الصفرية، أي بصرف النظر عن المنتصر في الميدان، فإن الاتفاقات قدمت بعض المكاسب لكل الأطراف، كما ضغطت موسكو وأنقرة على حلفائهما لتقديم بعض التنازلات، وتضمن الاتفاقات دوراً ميدانياً للجيشين الروسي والتركي في مراقبة وقف إطلاق النار، مع انتهاكات كانت تحدث أحياناً من قبل روسيا أو حلفائها غالباً.

الهند والصين مرشحتان أيضاً للوساطة

وقد يكون أحد المرشحين للوساطة واحدة من الدول التي امتنعت عن التصويت ضد قرار إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا.

والأسبوع الماضي، حصد القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بمطالبة روسيا بإنهاء الحرب دعماً هائلاً. وحتى حركة طالبان الأفغانية والمجلس العسكري في ميانمار وقعا عليه. وكذلك فعلت إسرائيل وتركيا.

ولم تصوت سوى خمس دول فقط ضد هذا القرار، هي بيلاروسيا وإريتريا وكوريا الشمالية وروسيا نفسها وسوريا، ولا تصلح أي منها لجهود دبلوماسية. لكن 35 دولة أخرى امتنعت عن التصويت، ومنها دول قوية مثل الهند والصين اللتان ابتعدتا حتى الآن عن الانحياز لجانب دون الآخر في هذه الحرب.

وقد عرضت الهند تسهيل محادثات السلام، ورغم أنها من المشترين الرئيسيين للأسلحة الروسية، يرى عديد من المحللين أنها مرتعبة من إغضاب موسكو. لكن بعض الدبلوماسيين في أوروبا الغربية، وحتى أوكرانيا نفسها، يرون أن طريق السلام لا يمر عبر نيودلهي وإنما بكين.

الرئيس الصيني شي جين بينغ مع بوتين/رويترز

إذ أكد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في مقابلة مع صحيفة El Mundo نُشرت يوم الجمعة 4 مارس/آذار أنه لا يوجد بديل عن الصين في التوسط للسلام. وقال بوريل للصحيفة الإسبانية: "لم نطلبها ولم يطلبوها، لكن بما أنه من الضروري أن يكون الوسيط قوة عظمى ولا يمكن أن تتوسط الولايات المتحدة ولا أوروبا لأنهما طرف في النزاع، فالصين هي الأنسب".

وقال وزير الخارجية الفرنسي إنه بإمكان الصين أن تضغط على روسيا ويجب أن تستخدم تأثيرها لتفادي الأسوأ في أوكرانيا.

وقال دميترو كوليبا، وزير الخارجية الأوكراني، في مؤتمر صحفي على الإنترنت يوم السبت 5 مارس/آذار إن المسؤولين في بكين أكدوا له أن "الصين مهتمة بوقف هذه الحرب"، مضيفاً أن الحرب تتعارض مع مصالح الصين وأن الدبلوماسية الصينية "لديها أدوات كافية لتصنع فرقاً".

ولدى الصين علاقات وثيقة سياسية واقتصادية وعسكرية مع روسيا، ومؤخراً أعلن البلدان إطلاق شراكة بلا حدود، (حسب تعبيرهما)، تتضمن صفقة لتصدير الغاز والنفط من روسيا إلى الصين قيمتها أكثر من مائة مليار دولار، وفي الوقت ذاته تقليدياً كان لدى بكين علاقة وثيقة مع الصناعات العسكرية الأوكرانية تحديداً.

وستتأثر الصين سلباً بارتفاع أسعار الطاقة جراء الأزمة، وإضافة للعلاقات التجارية الوثيقة بين بكين وموسكو، يتوقع أن تؤدي العقوبات الغربية على روسيا إلى مزيد من الاعتماد من قبل موسكو على بكين، الأمر الذي يزيد من التأثير الصيني المحتمل لإقناع موسكو بحل الأزمة.

ولكن حتى لو كان للصين تأثير على روسيا، فلا تزال على خلاف مع الغرب في العديد من القضايا ونادراً ما تتوسط في النزاعات الدولية، كما أنها مستفيدة من صرف اهتمام الغرب عنها. 

وشكك بعض المحللين في أنها ستدعم المفاوضات. يقول جون ديلوري، أستاذ الدراسات الصينية في جامعة يونسي في سيول الكورية الجنوبية، لصحيفة Financial Times البريطانية: "موقفهم ليس محايداً. فهم أقرب إلى روسيا بكثير".

تحميل المزيد