في تهديد غير مسبوق، وعلى وقع الحرب الروسية في أوكرانيا والتصعيد بشرق أوروبا، هددت الصين الولايات المتحدة الأمريكية بـ"دفع ثمن باهظ" إذا استمرت في تحركاتها بدعم تايوان، التي تعتبرها بكين جزءاً لا يتجزأ منها وترفض محاولات دعم استقلالها من قِبَل واشنطن. فهل تتطور التحذيرات الصينية إلى تحركات عسكرية في جزيرة تايوان، مستغلة انشغال الغرب بالحرب الروسية التي تهدد شرق القارة الأوروبية؟
الصين تحذر أمريكا من "اللعب بالنار".. هل تندلع الحرب في تايوان بعد أوكرانيا؟
حذرت وزارة الخارجية الصينية، الثلاثاء 1 مارس/آذار 2022، من أن "أي محاولات تقوم بها الولايات المتحدة لدعم تايوان ستكون عبثية وغير مجدية"، وذلك في الوقت الذي وصل فيه وفد من كبار مسؤولي الدفاع والأمن السابقين الأمريكيين إلى تايوان.
حيث أضافت الخارجية الصينية، في بيان لها، أن "الولايات المتحدة تضخّم مرور سفنها الحربية عبر مضيق تايوان، إن كان قصدها إرسال رسالة لدعم استقلال تايوان، فإن هذه التصرفات لن تؤدي إلا إلى تسريع انهيار قوي لاستقلال تايوان، وستدفع الولايات المتحدة ثمناً باهظاً لأفعالها".
فيما أكدت أنه "إذا حاولت الولايات المتحدة ترهيب الصين، والضغط عليها بهذه الطريقة، لدينا هذا التحذير الصارم: ما يسمى بالردع العسكري سوف يتحول إلى نفايات حديدية عند مواجهة السور العظيم الحديدي المتكون من 1.4 مليار صيني"، وفق تعبيرها.
وبحسب وسائل إعلام غربية، جاءت زيارة وفد من المسؤولين الأمريكيين السابقين إلى تايبيه كخطوة يُنظر إليها على أنها طريقة الرئيس جو بايدن لطمأنة شعب الجزيرة بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا؛ حيث ذكرت صحيفة "نيوزويك" الأمريكية أن المراقبين في جميع أنحاء العالم سارعوا للتنبؤ بأن الرئيس الصيني شي جين بينغ سيحاول قريباً اتباع خطوات روسيا ضد تايوان.
في الوقت نفسه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين، إن "إرادة الشعب الصيني في الدفاع عن سيادتنا الوطنية ووحدة أراضينا ثابتة"، مردفاً: "أياً كان من ترسله الولايات المتحدة لإظهار ما يسمى بدعمها لتايوان، فلن يكون مجدياً". المتحدث ذاته، استطرد قائلاً إنه "يتعين على واشنطن التعامل مع موضوع تايوان بحكمة، حتى لا تزيد من تقويض العلاقات الصينية- الأمريكية بشكل خطير".
وكان مايك مولين، الذي كان رئيساً لهيئة الأركان المشتركة في إدارتي جورج دبليو بوش وباراك أوباما، قد ترأس الوفد الأمريكي نحو تايوان؛ حيث حضر معه كبار مسؤولي الدفاع السابقين ميغان أوسوليفان وميشيل فلورنوي ومستشارا الأمن القومي السابقان مايك غرين وإيفان ميديروس؛ حيث سيجتمع هذا الوفد مع رئيسة تايوان تساي إنغ ون، وموظفي الأمن القومي لديها، ووزير الدفاع تشيو كو تشنغ يوم الأربعاء، بحسب ما ذكرت وكالة رويترز.
بعد أوكرانيا.. هل تتحول الأزمة في تايوان إلى صراع عسكري بين الصين وأمريكا؟
يقول المحللون الغربيون إن المبررات التي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدخول أوكرانيا، تشابه مبررات الصين حول حقها التاريخي في جزيرة تايوان، وحماية نفسها من النفوذ الغربي.
والمقصود بالطبيعة المتشابهة لبعض جوانب الأزمتين هو أن روسيا تريد بالأساس منع حلف الناتو من ضم أوكرانيا، وبالتالي تهديد حدودها مباشرة، والصين تريد أيضاً أن تبعد قوات الناتو بزعامة أمريكا عن محيطها الإقليمي، فالأزمتان تتعلقان بنظام عالمي تقوده وتهيمن عليه واشنطن وترفضه موسكو وبكين وتتحديانه وتريان الوقت مناسباً للتخلص منه.
ولا يزال الموقف الرسمي للصين بشأن النزاع في أوكرانيا "غامضاً"، على الرغم من أن بكين رفضت المقارنات بين تايوان وأوكرانيا. وفي 23 فبراير/شباط 2022، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ إن المقارنات بين تايوان وأوكرانيا أظهرت "عدم وجود فهم أساسي لتاريخ قضية تايوان".
وأضافت أن "تايوان ليست أوكرانيا"، مؤكدة أن "تايوان جزء لا يتجزأ من أراضي الصين". واتهمت هوا السلطات التايوانية بجعل القضية الأوكرانية "موضوعاً ساخنا". وبصرف النظر عن تصريحات الصين الرسمية بشأن النزاع في أوكرانيا، تنظر السلطات التايوانية بقلق إلى التطورات في أوكرانيا.
لكن على عكس أوكرانيا التي تجنبت أمريكا التدخل العسكري المباشر فيها، تحذّر أمريكا من أن أي تحرُّك من جانب الصين لغزو تايوان "ربما يكون قراراً كارثياً"، متعهدة في أكثر من مناسبة بالدفاع عن الجزيرة، وهو ما يرفع مخاطر الصدام المباشر بين بكين وواشنطن إلى درجة أعلى.
وكان السفير الصيني لدى الولايات المتحدة تشين غانغ، قد حذر، يوم الجمعة 29 يناير/كانون الثاني 2022، من احتمال نشوب "صراع عسكري" بشأن تايوان، متهماً تايبيه بـ"السير على الطريق نحو الاستقلال".
إذ قال تشين غانغ، في مقابلة مع الإذاعة الوطنية الصينية، إنه "إذا استمرت السلطات التايوانية، بتشجيع من الولايات المتحدة، في السير على طريق الاستقلال، فمن المرجح أن تنخرط الصين والولايات المتحدة، الدولتان الكبيرتان، في صراع عسكري".
كما حذر السفير الصيني من أن واشنطن "تلعب بالنار"، في تصريحات أشد حدة من تلك التي تدلي بها عادة الحكومة الصينية فيما يخص التوترات بين البلدين.
في حين لفت إلى أن تايوان هي "أكبر برميل بارود" يواجهه البَلَدان حالياً، في ظل وجود عدد من القضايا الأخرى التي تضغط على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، كقمع بكين المستمر لأقلية الإيغور المسلمة.
"بكين تراقب تماسك الناتو والغرب عن كثب".. ما أوجه التشابه والاختلاف بين أوكرانيا وتايوان؟
أدانت الحكومة التايوانية الاجتياح الروسي لأوكرانيا، مؤكدة على الخلافات بين الأوضاع في تايوان وأوكرانيا. وقالت رئيسة تايوان تساي إنغ ون في بيان يوم 25 فبراير/شباط لطمأنة شعبها: "أريد أن أؤكد أن الوضع في أوكرانيا يختلف اختلافًا جوهرياً عن الوضع في مضيق تايوان".
"يمثل مضيق تايوان حاجزاً طبيعياً، وتايوان لها أهميتها الجيواستراتيجية الفريدة. جيشنا ملتزم بالدفاع عن وطننا ويواصل تحسين قدرته على القيام بذلك، ويسهم شركاؤنا العالميون في أمن منطقتنا"، وأضافت تساي: "لدينا ثقة قوية في أمن تايوان".
يقول بعض الخبراء إنه بينما رفضت الصين المقارنة بين أوكرانيا وتايوان، لا تزال الحكومة الشيوعية في بكين تحلل رد فعل المجتمع الدولي على الغزو الروسي لأوكرانيا. وقالت بوني جلاسر، مديرة برنامج آسيا في صندوق مارشال الألماني بالولايات المتحدة، لشبكة دويتشه فيله الألمانية، إنه "من المؤكد أن بكين ستستخلص الدروس التي يمكن أن تستخدمها في استراتيجيتها تجاه تايوان"، مضيفة أن "الصين ستراقب تماسك حلف الناتو والتحالفات الأمريكية الأخرى، واستعدادهم لتحمل تكاليف فرض عقوبات على روسيا. وسوف يتابعون عن كثب دليل الحرب المختلطة لروسيا، وكيف يجمع بين المعلومات المضللة والهجمات الإلكترونية للتأثير على الوضع على الأرض وتشكيله للمواقف تجاه الصراع ".
من جهته يقول ليف ناشمان، الباحث في مركز فيربانك للدراسات الصينية بجامعة هارفارد، إن "الصين تحاول موازنة خططها بالنظر إلى الصراع في أوكرانيا". وقال لـ DW: "تريد الصين منح نفسها بعض المساحة الدبلوماسية حتى لا يتوقع الناس بالضرورة أن تتصرف بنفس الطريقة العدوانية التي تتصرف بها روسيا، على الأقل في المدى القصير". وأضاف أنه "إذا حان الوقت للصين لاستعادة تايوان، فلن يتصرفوا بنفس الطريقة التي تتصرف بها روسيا"، حسب تعبيره.
كيف سيرد الغرب على الصين إذا ما اجتاحت تايوان؟
يقول الخبراء الغربيون إن رد أمريكا والغرب على صراع محتمل بين الصين وتايوان سيكون على الأرجح مختلفاً عن الطريقة التي استجابوا بها للحرب في أوكرانيا. حتى الآن، تفرض الدول الغربية عقوبات اقتصادية على موسكو وتزود موسكو بالمعدات العسكرية كطريقة لدعم أوكرانيا.
لكن قد يكون رد فعل الولايات المتحدة مختلفاً إذا ما اجتاحت الصين لتايوان، بالنظر إلى تصريحات المسؤولين الأمريكيين المتكررة حول حماية تايوان وأهمية أمنها القومي لواشنطن. ومنذ أن تولى بايدن منصبه، سلطت الحكومة الأمريكية الضوء على أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان في العديد من البيانات الدبلوماسية التي أصدرتها مع الحلفاء.
وأظهرت واشنطن اهتماماً كبيراً بالوضع في مضيق تايوان، على العكس من ذلك، لم تدل الولايات المتحدة مطلقاً بتصريحات مماثلة بشأن أوكرانيا، وما زالت تصر على أنها لن ترسل قوات إلى أوكرانيا.
من جانبها، قالت الرئيسة التايوانية تساي، بُعيد دخول الجيش الروسي لأوكرانيا، إن تايبيه واصلت تعزيز دفاعها المدني وقدرتها على مواجهة الحرب المعلوماتية، وذلك لمنع "القوى الخارجية" من استخدام الوضع في أوكرانيا لنشر معلومات مضللة تهدف إلى تقويض الروح المعنوية بين التايوانيين، بحسب وصفها.
لكن حقيقة الأمر هي أن المقارنات بين أوكرانيا وتايوان لم تأتِ فقط على لسان المسؤولين في الجزيرة ذات الحكم الذاتي، إذ كان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون نفسه قد حذر مع بداية الاجتياح الروسي لأوكرانيا، أثناء خطاب له أمام البرلمان، من أن فشل الغرب في منع غزو روسيا لأوكرانيا سيشجع الصين على أن تفعل الأمر نفسه في تايوان.
"المواجهة العسكرية بين واشنطن وبكين حول تايوان ستأتي حتماً"
منذ العام الماضي، يروج الإعلام الرسمي الصيني أن المواجهة العسكرية بين واشنطن وبكين حول مستقبل تايوان "ستأتي حتماً"، واصفاً السيناريو الوارد بأنه "صراع حياة أو موت" بين الأمتين، طبقاً لما أوردته مجلة Newsweek الأمريكية في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وحذَّر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، من أن أي تحرُّك من جانب الصين لغزو تايوان "ربما يكون قراراً كارثياً"، لافتاً إلى أنه يأمل أن يفكر الزعماء، في بكين بتأنٍّ شديد في "عدم التسبب بأزمة". فيما أضاف بلينكن، أن "الولايات المتحدة ملتزمة تماماً بالتأكد من أن تايوان لديها الوسائل للدفاع عن نفسها، وأن الصين تحاول منذ سنوات، تغيير الوضع الراهن في مضيق تايوان".
الصين الآن تتمتع بثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، ويقول خبراء الاقتصاد إن بكين قد تزيح واشنطن من الصدارة على المدى القصير، ومن الناحية العسكرية بات جيش التحرير الشعبي الصيني واحداً من أقوى جيوش العالم وأكثرها تسليحاً وتطوراً.
ويبدو أن نزوع الصين إلى القتال آخذ في التزايد خلال عام 2021، فجيشها يتدرب من أجل حرب قادمة، كما يقول أحد كبار القادة العسكريين الأمريكيين، وذلك في ظل ما تبنيه من قوة عسكرية تقليدية ونووية، هدفها مضاهاة القدرات العسكرية الفائقة للولايات المتحدة الأمريكية.
وزاد مؤخراً أحد كبار القادة العسكريين الأمريكيين، وهو الجنرال الأمريكي جون هيتن، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة المنتهية ولايته، المخاوف حدةً بعد تحذيره من أن الصين قد تُقدم يوماً ما على شن هجومٍ نووي مفاجئ على الولايات المتحدة.
وتقول صحيفة The Times البريطانية إنّ صوت الجنرال الأمريكي المحذِّر من قارعة التقدم العسكري الصيني سريع النمو، والذي وصفه سابقاً بأنه "تقدُّم مذهل"، يعكس اتجاهاً عاماً بين كبار قادة البنتاغون بأن بكين على مسار "يمكن أن يؤدي حتماً، وعلى نحو يبدو لا مفر منه، إلى صراع عسكري مع الولايات المتحدة".
وخلال عام 2021، حشدت الصين قواتها ونفذت طلعات جوية فوق تايوان أكثر من مرة، كان أضخمها في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث انتهكت 93 طائرة صينية "منطقة الدفاع الجوي" التايوانية، وفي الرابع من الشهر نفسه أعادت 52 طائرة للجيش الصيني الانتهاك، وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2021، كررت 27 مقاتلة صينيةً الأمر ذاته، وسط تحذيرات تايوانية من غزو محتمل لها.
وفي نفس اليوم الذي شنت فيه روسيا الحرب على أوكرانيا، قال سلاح الجو التايواني إنه 9 طائرات عسكرية صينية دخلت "منطقة الدفاع الجوي" في تايوان، يوم الخميس 24 فبراير/شباط 2022، وذلك بعد ساعات فقط من بدء الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، حيث تخشى تايبيه أن تشجّع الأزمة بكين على زيادة الضغط على الجزيرة أو حتى مهاجمتها.
ما خلفية الأزمة بين الصين وتايوان؟
تعد تايوان قضية محورية للصين التي ترفض أي محاولات لأنصار الاستقلال، لسلخ الجزيرة عن الصين، وتؤكد أنها لن تتوانى عن حماية أمنها الإقليمي وسيادتها، وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ في أكثر من مناسبة، إن "بكين ستعيد الجزيرة إلى السيادة الصينية بالقوة إن لزم الأمر".
بينما أصبحت الصين عام 1945 عضواً مؤسساً بالأمم المتحدة وإحدى الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي، إلا أن خسارتها الحرب الأهلية (القوات القومية) عام 1949 دفعت بأعضاء الحكومة للهرب إلى تايوان وتشكيل حكومة هناك، فيما أسس الشيوعيون في الصين بزعامة ماو تسي تونغ، جمهورية الصين الشعبية.
يذكر أن بكين تتبنى مبدأ "الصين الواحدة" وتؤكّد أن جمهورية الصين الشعبية هي الجهة الوحيدة المخول لها تمثيل الصين في المحافل الدولية، وتلوّح بين الحين والآخر باستخدام القوة والتدخل عسكرياً إذا أعلنت تايوان الاستقلال. ولا تحظى تايوان باعتراف دولي كامل، بل فقط من 22 دولة.