هل يمكن أن يشهد العالم حرباً نووية على خلفية تداعيات الهجوم الروسي على أوكرانيا؟ رغم ثقة بايدن أن إجابة السؤال هي "لا"، رغم قرار بوتين وضع أسلحته النووية في حالة تأهب، فإن الإجابة قد أصبحت ضبابية، وهذه هي الأسباب.
الهجوم الروسي على أوكرانيا دخل يومه السادس الثلاثاء 1 مارس/ آذار، وسط تزايد متسارع في عزلة روسيا على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والرياضية وحتى الثقافية والسينمائية، ولا تزال القوات الروسية لم تحقق انتصاراً حاسماً وسريعاً كما كان يأمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولأن الأزمة الأوكرانية هي بالأساس صراع جيوسياسي بين روسيا وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، فقد توحدت العواصم الغربية بصورة غير مسبوقة في رفضها لما تصفه بالغزو الروسي وسارعت بفرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة وتزويد أوكرانيا بأطنان من الأسلحة وفتح باب التطوع للقتال في أوكرانيا، وهو ما لم يكن يتوقعه الرئيس الروسي، بحسب كثير من المحللين.
وعلى الجانب الآخر، يرى بوتين أن الغرب يريد استخدام أوكرانيا كنقطة ارتكاز لغزو وتدمير روسيا، ويستخدم ما يقول إن الأقلية الروسية في أوكرانيا تتعرض له من "إبادة جماعية" على يد النظام الأوكراني الذي يصفه بوتين "بالنازي"، كمبررات لشن ما يسميها العملية العسكرية الخاصة الهادفة لمنع عسكرة أوكرانيا.
ماذا يعني رفع حالة "التأهب النووي"؟
في خضم الحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية والخطوات الغربية المتسارعة لمعاقبة روسيا والضغط عليها لوقف توغلها في أوكرانيا وسحب دباباتها والعودة إلى الطريق الدبلوماسي، أمر بوتين وزارة الدفاع بوضع قوات الردع النووي الروسية في "حالة تأهب".
أوامر بوتين، التي أصدرها الأحد 27 فبراير/شباط، جاءت خلال اجتماعه مع وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان العامة فاليري غيراسيموف، حيث وجَّه الرئيس الروسي أوامره لهما بوضع قوات الردع النووي في "حالة تأهب قتالية خاصة".
وبرَّر بوتين تلك الخطوة بأنها رد على مسؤولي الغرب الذين "لم يكتفوا باتخاذ خطوات عدائية اقتصادية وحسب، بل أدلى مسؤولهم بحلف الناتو بتصريحات عدوانية ضد روسيا". ولاحقاً قالت مصادر في الخارجية الروسية إن تصريحات وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس بشأن دعوة البريطانيين للتطوع للقتال في أوكرانيا وإشارة الوزيرة إلى أن حلف الناتو يمتلك أسلحة نووية كانت السبب المباشر لقرار بوتين.
وفي اليوم التالي، أي الإثنين، قالت وزارة الدفاع الروسية إن وحدات الصواريخ الاستراتيجية وأسطولها الشمالي وأسطول المحيط الهادي وُضعت في مهام قتالية متقدمة بناء على أوامر الرئيس بوتين.
ونقلت وكالة إنترفاكس للأنباء عن الوزارة أن وزير الدفاع شويغو أبلغ بوتين أن "المناوبات في مواقع قيادة قوات الصواريخ الاستراتيجية وأسطولي الشمال والمحيط الهادي وقيادة الطيران بعيد المدى بدأت في تنفيذ مهام قتالية مع تعزيز عدد الجنود".
والصواريخ الاستراتيجية هو المصطلح المستخدم للإشارة إلى الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية، وتلك الصواريخ توجد في البحر على متن الغواصات والسفن الحربية وفي البر في قواعد إطلاق خاصة بالصواريخ النووية. والمقصود بحالة "التأهب النووي" بشكل عام هو وضع تلك الأسلحة في حالة جهوزية للإطلاق.
لكن ما قصده بوتين بالتحديد من خلال أوامره وضع قوات الردع النووي في "حالة تأهب قتالية خاصة" ليس واضحاً بشكل كامل، إذ قد يعني تسليح أو رفع جاهزية القتال النووي لقاذفاته، أو قد يعني إرسال المزيد من الغواصات المجهزة بالصواريخ البالستية إلى البحر، بحسب تقرير لشبكة CBS الأمريكية.
ماذا عن رد فعل الغرب تجاه خطوة بوتين النووية؟
الغرب بالطبع ندَّد بخطوة بوتين واعتبرها تصعيداً غير مبرر، لكن مجمل التصريحات الغربية صبت في خانة الطمأنة واعتبار قرار الرئيس الروسي رفعاً لسقف الضغوط، وقالت وزيرة الدفاع السويسرية فيولا أمهيرد إن تقييماً لمسؤولين سويسريين خلص إلى استبعاد استخدام روسيا أسلحتها النووية ضد الغرب.
وقالت الوزيرة السويسرية، التي كانت تتحدث بعد أن انضمت بلدها إلى الغرب في عقوباته ضد روسيا وتخلت عن الحياد، في مؤتمر صحفي في بيرن: "بالطبع نحن ندرس جميع السيناريوهات، لكن تحقيقاتنا تشير إلى أن احتمال استخدام الأسلحة النووية ضعيف".
أما الرئيس الأمريكي جو بايدن فقد بدا واثقاً تماماً أن نظيره الروسي لن يقدم على الضغط على الزر النووي"، وقال بايدن إنه ينبغي ألا يشعر الأمريكيون بالقلق من اندلاع حرب نووية.
والإثنين قال البيت الأبيض إن الولايات المتحدة "لا ترى داعياً لتغيير" مستويات التأهب النووي لديها في الوقت الحالي، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي في مقابلة مع شبكة "إم.إس.إن.بي.سي": "لم نغير مستويات تأهبنا، ولم نغير تقييمنا في ذلك الصدد، لكن ينبغي أيضاً ألا تساورنا أوهام إزاء استخدامه للتهديدات".
وعلى هذا المنوال جاءت تصريحات أغلب قادة العالم الغربي بشأن احتمالات أن يفعلها بوتين ويشعل حرباً نووية، ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قرار بوتين بوضع قوة الردع النووي الروسي في حالة تأهب قصوى بأنه "تطور مروع"، وقال أمام الجمعية العامة إن الصراع النووي "لا يمكن تصوره".
بينما وصف سفير أوكرانيا لدى الأمم المتحدة سيرجي كيسليتسيا القرار بأنه "جنون"، وقال أمام الجمعية العامة: "إذا كان يريد الانتحار، فليس مضطراً لاستخدام ترسانة نووية، فكل ما عليه هو أن يفعل ما فعله الرجل في برلين في قبو عام 1945″، في إشارة إلى انتحار أدولف هتلر.
لماذا يجب أن يقلق العالم من سيناريو الحرب النووية الآن؟
الأمر المؤكد هنا هو أن روسيا هي أكبر قوة نووية على وجه الأرض، إذ تمتلك أكثر من 6 آلاف رأس نووية مقابل 5500 سلاح نووي لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من أن السلاح النووي يسمى عسكرياً سلاح "الردع"، فإن ما تشهده الساحة السياسية الآن على خلفية الهجوم الروسي على أوكرانيا يجعل استبعاد أي سيناريو ترفاً لا تملكه البشرية، بحسب أغلب المراقبين والمحللين.
"أشعر الآن بقلق أكبر بكثير مما كنت أشعر به قبل أسبوع"، هذا ما قاله العالم النووي في اتحاد العلماء الأمريكيين هانس كريستنسن لموقع Vox الأمريكي، في تعليقه على احتمال اندلاع حرب نووية، مشيراً إلى رد فعل حلف الناتو على قرار بوتين؛ حيث رفع الحلف العسكري الغربي من جهوزية استجابته "لجميع الاحتمالات".
ويرى كريستنسين أن ذلك كله يصب في خانة "ضبابية الحروب التي قد ينتج عنها تحولات أو أخطاء أو مفاجآت ترفع من حالة عدم اليقين بشكل عام"، مضيفاً أن تلك الحالة التي بدأت مع الهجوم الروسي على أوكرانيا تضاعفت واتخذت بُعداً نووياً من الصعب استبعاده بعد قرار بوتين وضع أسلحته النووية في حالة "تأهب قتالي".
ورداً على سؤال حول ما تعنيه خطوة بوتين تحديداً، قال العالم النووي الأمريكي إنه "لا يوجد أي شيء على الإطلاق في القواعد النووية الروسية المعلنة يبرر ما أقدم عليه الرئيس الروسي. وما أقدم عليه هو أنه اتخذ خطوة أخرى غير ضرورية، لكنها تضيف بُعداً تصعيدياً مباشراً من خلال التهديد بحرب نووية".
المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الذي حاصرته أسئلة الصحفيين بشأن الحالة النووية، رفض تماماً تقديم أية توضيحات بشأن تعليمات الرئيس فلاديمير بوتين حول وضع قوات الردع النووي الروسية في حالة تأهب، وهو ما يضيف مزيداً من الغموض حول نوايا بوتين.
لكن كاثيو بان، المستشار للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، يعتقد أنه "لا يوجد أي احتمال لأن يستخدم بوتين أسلحته النووية خلال الحرب الأوكرانية الحالية"، مفسراً ذلك بموقف الولايات المتحدة وحلف الناتو والأوروبيين المعلن من رفض إرسال قوات عسكرية إلى الأراضي الأوكرانية، وبالتالي حرمان بوتين من أي ذريعة لإطلاق السلاح النووي، خصوصاً أن الجيش الروسي يتفوق على نظيره الأوكراني بشكل كاسح.
"لا أحد على الإطلاق خارج الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس الروسي يمكنه أن يعرف يقيناً لماذا أقدم بوتين على تلك الخطوة النووية، لكن تخميني هو أن الهدف هو إرسال إشارة ردع واضحة لأي طرف يفكر التدخل عسكرياً لدعم أوكرانيا"، بحسب ما قاله كاثيو لموقع Vox.
الجدير بالذكر هنا أن المرة الوحيدة التي تم فيها بالفعل تفجير سلاح نووي كانت من جانب الأمريكيين ضد مدينتي هيروشيما ونجازاكي عام 1945 وتسبب ذلك في قتل عشرات الآلاف من اليابانيين بشكل مباشر وتدمير شبه كامل للمدينتين بالكامل، مما أجبر اليابان على الاستسلام وانتهاء الحرب العالمية الثانية.
لكن تلك القنابل كانت قنابل ذرية، بينما شهدت الأسلحة النووية تطوراً ضخماً على مدار العقود الماضية، ونظراً للدمار الشامل الذي تحدثه فقد أصبحت فكرة الحرب النووية تشبه الذكرى البعيدة لزمن عانت فيه البشرية من الحرب الباردة بين حلفي وارسو بزعامة السوفييت والناتو بزعامة الأمريكيين.
قرار بوتين وضع أسلحته النووية في حالة تأهب قتالي أعاد شبح الرعب النووي مرة أخرى للواجهة، وما يزيد من خطورة هذا الاحتمال هو الفارق الشاسع بين ما يريده الرئيس الروسي في الأزمة الأوكرانية من جهة وموقف الغرب من جهة أخرى، فهل يمكن أن يتراجع أي من الطرفين قبل أن تصل الأمور إلى حرب نووية؟ لا أحد يمكنه الجزم بالإجابة، رغم ثقة الرئيس الأمريكي.