بعد أن بدأ الجيش الروسي بشنّ هجومه العسكري على مناطق مختلفة من أوكرانيا، طلب المسؤولون الأوكرانيون، مناشدتهم لـ تركيا إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن الروسية، وبموجب اتفاقية مونترو التي تم إقرارها عام 1936، تسيطر تركيا على مرور السفن بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، مما يجعلها لاعباً أساسياً في الصراع الحالي بين أوكرانيا وروسيا. فما هذه الاتفاقية وما بنودها؟
ما هي اتفاقية مونترو التي تعطي تركيا نفوذاً على مضائق البحر الأسود؟
في عام 1936، اتفقت القوى العالمية، بما في ذلك بريطانيا والاتحاد السوفييتي وفرنسا، في مدينة مونترو بسويسرا على أن تركيا ستسيطر على مضيقَي البوسفور والدردنيل، نتيجة لقربها من روسيا وأوكرانيا ورومانيا وبلغاريا وجورجيا على البحر الأسود.
بالإضافة إلى السيطرة على المضائق، تمنح الاتفاقية تركيا السلطة بتنظيم عبور السفن الحربية البحرية، بما في ذلك إغلاق المضائق أمام جميع السفن الحربية الأجنبية أثناء الحرب. كما يمكن لتركيا أيضاً رفض مرور السفن التجارية إذا كانت من دول في حالةِ حربٍ مع أنقرة.
ويجب على جميع دول البحر الأسود، بما في ذلك روسيا وأوكرانيا وبلغاريا ورومانيا وجورجيا، التي ترغب في إرسال سفن عبر المضيق، إخطار تركيا قبل ثمانية أيام لمرور سفنها. في المقابل، يجب على الدول غير المطلة على البحر الأسود إخطار تركيا قبل 15 يوماً.
وتقول الاتفاقية أيضاً إنه يجب على الحكومة التركية أن تأذن للطائرات إذا عبرت هذه المضائق. مع ذلك، يمكن لدول البحر الأسود إرسال غواصات دون إشعار مسبق، طالما تم بناؤها أو شراؤها أو إرسالها للإصلاح خارج البحر الأسود.
ما هي بنود اتفاقية مونترو؟
1- الإجراءات الخاصة بالسفن التجارية:
- في زمن السِّلْم، تدخل السفن التجارية بصرف النظر عن الحمولة أو العَلَم، عبر مضيق البسفور دون أي إجراء أو تفتيش، ولكن يبقى الحق لتركيا في إجراء رقابة صحية على السفن العابرة من المضيق.
- في زمن الحرب، ستدخل السفن التجارية غير المتحاربة مع تركيا بصرف النظر عن الحمولة أو العَلَم دون أي عوائق، ولكن يحق لتركيا منع السفن التجارية للدولة المتحاربة معها من دخول المضيق.
- إذا كان هناك دولتان في حالة حرب، فإن تركيا ستسمح لسفنهما التجارية بالدخول، لكن بشرط عدم نقل مستلزمات عسكرية.
- يمكن لتركيا فرض إجراء معين على عبور السفن التجارية الخاصة بالدول الأخرى، في حين شعرت بأن هناك تهديداً أمنياً يُحيط بها.
2- الإجراءات الخاصة بالسفن الحربية:
- في زمن السِّلم، يحق لجميع الدول العبور بسفنها الحربية عبر المضيق، ولكن بشرط إعلام الحكومة التركية قبل وقت العبور بمدة 8 أيام لدول البحر الأسود، و15 يوماً للدول غير المُطلّة على البحر الأسود، ويُمكن للغواصات الحربية المرور من المضيق شريطة الظهور على السطح، ولكن يُمنع مرور حاملات الطائرات بشكل قاطع.
- في زمن الحرب، إذا كانت تركيا من الدول غير المشتركة في الحرب، فإن السفن الحربية لجميع الدول غير المشتركة في الحرب يمكن لها العبور من المضيق.
- في زمن الحرب، إذا كانت تركيا مشتركة في الحرب، فإنه يحق لها التصرف في إجراءات المضيق كما تشاء ولكن دون مخالفة مواثيق وأعراف القانون الدولي الخاصة بالملاحة البحرية.
- يمكن لتركيا فرض إجراء معين على قضية عبور السفن الحربية الخاصة بالدول الأخرى، في حال شعرت أن هناك تهديداً أمنياً مُحيطاً بها، ولكن في حين رأى "مجلس عصبة الأمم" بمقدار 3/2 أن الإجراءات التي قامت بها غير عادلة، يجب على تركيا تغيير هذه الإجراءات.
- تُحدد حمولة السفن الحربية، دون استثناء، في زمني الحرب والسلم، بـ15 ألف طن.
ما الذي تخشاه أوكرانيا من جبهة البحر الأسود؟
السفير الأوكراني لدى تركيا فاسيل بودنار قال، الأربعاء 23 فبراير/شباط 2022، إن أوكرانيا تعتبر وجود السفن الحربية الروسية بالبحر الأسود قرب حدودها تهديداً، وهي تطلب من تركيا بحث إغلاق مضيقَي البوسفور والدردنيل أمام السفن الروسية إذا غزت موسكو بلاده، وكذلك إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الروسية.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي عبرت ست سفن حربية روسية وغواصة مضيقَي البوسفور والدردنيل إلى البحر الأسود فيما وصفته موسكو بتدريبات بحرية قرب المياه الأوكرانية.
ورداً على سؤال عن وجود سفن حربية روسية قرب حدود أوكرانيا، قال بودنار لوكالة رويترز إن السفن الروسية تشكل "تهديداً خطيراً" لكييف، مضيفاً أن "تركيز قوات بحرية روسية في البحر الأسود كان هائلاً مؤخراً".
وتابع بودنار: "نعتقد أنه في حالة غزو عسكري واسع النطاق أو بدء أنشطة عسكرية ضد أوكرانيا، أي عندما تكون الحرب ليست فقط حرباً بحكم الأمر الواقع بل حرباً بحكم القانون، سنطلب من الحكومة التركية بحث إمكانية إغلاق المضيقين إلى البحر الأسود أمام الدولة المعتدية".
وبعد شن روسيا هجومها العسكري صباح الخميس على أوكرانيا، عاد بودنار وقال في تصريح للصحفيين من مقر السفارة بأنقرة، إن بلاده "تطالب تركيا بمساعدة أوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا"، مضيفاً أن كييف قدمت طلباً رسمياً إلى تركيا من أجل إغلاق المضائق والمجال الجوي التركي أمام روسيا.
وأوضح السفير: "قدمنا الطلب بشكل رسمي لإغلاق مضيقي البوسفور (بين البحر الأسود وبحر مرمرة) والدردنيل (بين بحري مرمرة وإيجة) أمام حركة السفن الروسية، ونطالب أيضاً بفرض عقوبات على الأعمال التجارية والمالية لروسيا في تركيا، كما نطالب بتوفير آليات لتعزيز الدفاع وتوفير الدعم المالي والإنساني، ونناشد دعم المواطنين الأوكرانيين في تركيا وتوفير الحماية لهم".
ما موقف تركيا الآن من الأزمة الروسية- الأوكرانية؟
ترتبط تركيا بعلاقات قوية مع أوكرانيا وصلت إلى حد التعاون في تصنيع الطائرات المسيَّرة، وتبادل الأسلحة والإنتاج، كما تدعم مواقف أوكرانيا وبنفس الوقت تطالب روسيا باحترام سيادة أوكرانيا، كما تتمتع تركيا بعلاقات استراتيجية مع روسيا أيضاً وتجاور الدولتين في البحر الأسود.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال بُعيد الهجوم الروسي على أوكرانيا، إن بلاده تساند كييف في الدفاع عن وحدة أراضيها وتعتبر هجوم روسيا "ضربة كبرى" للاستقرار والسلام في المنطقة، وكرر دعوته لحل الأزمة عبر الحوار.
وتابع أردوغان قائلاً: "تلك الخطوة التي نعتبرها متعارضة مع القانون الدولي هي ضربة كبرى للاستقرار والسلام والتناغم الإقليمي"، مضيفاً أنه أبلغ الرئيس الأوكراني خلال مكالمة هاتفية اليوم الخميس دعم تركيا له، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن تركيا تعتبر أوكرانيا وروسيا دولتين صديقتين مضيفا أنه يشعر "بحزن حقيقي" بسبب الصراع بين موسكو وكييف.
ومع اندلاع التوترات في الأسابيع الأخيرة بين أوكرانيا وروسيا، قالت تركيا إن العمل في مونترو له دور فعال في الحفاظ على السلام الإقليمي. وقال الرئيس رجب طيب أردوغان إن تركيا ستفعل كل ما هو ضروري كحليف للناتو إذا غزت روسيا، دون مزيد من التفاصيل.
بينما تعتمد تركيا على روسيا في الطاقة والسياحة وقد طورت تعاوناً وثيقاً مع موسكو في السنوات الأخيرة، فقد باعت أيضاً طائرات بيرقدار بدون طيار لأوكرانيا، ووصفت تحركات روسيا ضد أوكرانيا بأنها غير مقبولة. لكن أردوغان قال خلال الأسابيع الماضية إن تركيا ستحاول إدارة أي صراع بين البلدين دون التخلي عن العلاقات مع روسيا أو أوكرانيا.
"التعاون التنافسي" بين تركيا وروسيا
في السياق، تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية إن ميزان القوى بين تركيا وروسيا وتهديدات التدمير بينهما تضمن أنه في حالة غزو روسيا لأوكرانيا، فإن تركيا ستبذل قصارى جهدها لتجنب مواجهة موسكو وجهاً لوجه.
ورغم وقوفها مع روسيا على طرفَي نقيض في النزاعات حول العالم -في سوريا وليبيا والآن أوكرانيا- فإن تركيا تعتمد بشدة على علاقتها مع روسيا، حيث يحافظ البلدان على "تعاون تنافسي" بينهما، بحسب المجلة الأمريكية.
وتصف "فورين بوليسي" بوتين وأردوغان بأنهما "رئيسان عمليان" يمكنهما الحفاظ على تحالفات متداخلة وأحياناً متناقضة؛ لأنهما يفكران في الدبلوماسية من حيث الدولة وما سيفيدها بشكل مباشر.
ومرت العلاقة بين أنقرة وموسكو خلال العقدين المنصرمين بمحطات مختلفة، لكنها حافظت على متانتها، فبدءاً من الحرب الروسية الجورجية عام 2008، وفي غزو روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، وهي أعمال أدانتها تركيا على نطاق واسع، لكنها انتقدت في الوقت نفسه العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي على موسكو. وحتى بعد أن أسقطت تركيا طائرة حربية روسية في عام 2015، تمكن البلدان من إحياء علاقة عمل بينهما لأن أردوغان أصدر اعتذاراً، وكانت العقوبات الوحيدة التي فرضتها روسيا على تركيا هي وقف استيراد "الطماطم التركية"، بحسب وصف المجلة الأمريكية.