تُسلط أزمة الأوكرانية الضوء على الأهمية البالغة الاقتصادية والسياسية لهذا البلد الذي تجاهله الغرب لسنوات، وقرر الاهتمام به بعد فوات الأوان بعد أن عانى اقتصاد أوكرانيا لسنوات من تبعات هذا الإهمال.
وبينما كانت روسيا تعي دوماً أهمية أوكرانيا؛ لذا كانت السيطرة عليها واحداً من ثوابت السياسة الروسية في العهدين القيصري والسوفيتي وأخيراً البوتيني، فإن أوروبا الغربية ولاسيما الدول القائدة لها مثل بريطانيا وفرنسا وكذلك الولايات المتحدة كانت بعيدة دوماً عن أوكرانيا لذا لم تمنحها الاهتمام الكافي.
وعندما كان كييف تتطلع إلى إرضاء الغرب والانضمام له، كانت الناتو والاتحاد الأوروبي لا يعيرانها كثيراً من الاهتمام، حتى إن رئيس إستونيا السابق توماس هندريك إلفيس في مقال نشره بموقع مركز تحليل السياسة الأوروبية (CEPA) لفت إلى فريدريكا موغيريني خلال السنوات الخمس التي أمضتها كممثلة عليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد، زارت أوكرانيا مرتين فقط، كما أنها لم تزُر قط جبهة القتال بين أوكرانيا والأراضي التي تحتلها روسيا.
أهمية أوكرانيا الاستراتيجية جعلت الإمبراطوريات تتنازع عليها
لدى أوكرانيا أهمية استراتيجية كبيرة على مدى التاريخ، ولكن ظلمتها ظلماً بالغاً أيضاً، إذ تعتبر ممراً بين آسيا وأوروبا من ناحية وبين روسيا وشمال شرق أوروبا وبين البحر الأسود من ناحية أخرى.
ولكن هذا الموقع الجغرافي الوسيط والطبيعة السهلية الواسعة للبلاد الخالية من الغابات والجبال ويغلب عليها المراعي الغنية، جعل الدفاع عن البلاد صعباً، فكانت البلاد ساحة لنزاعات إمبراطوريات عظيمة آخرها روسيا القيصرية والكومنولوث البولندي الليتواني والدولة العثمانية.
والأراضي التي تتشكل منها أوكرانيا كانت ممراً بالغ الأهمية لهجرات القبائل البدوية التي جاءت من السهول الآسيوية لأوروبا، فعبر أوكرانيا جاءت القبائل الإيرانية الشمالية (مختلفين عن سكان إيران الحاليين ولكن أبناء عمومتهم) مثل سكوثيون والقرميون، كما أسس البيزنطيون مستعمرات لهم في البحر الأسود.
ثم توافدت بعد ذلك عبر أوكرانيا قبائل الهون الشهيرة التي أرعبت أوروبا كلها وكادت تقضي على الإمبراطورية الرومانية، ثم قبائل وشعوب تركية متعددة منها الخزر والبلغار.
حينما كانت موسكو تابعة لكييف.. أهم دولة في تاريخ أوكرانيا
وكانت أهم دولة في تاريخ أوكرانيا هي دولة "كييفان روس" التي كانت من أقوى دول أوروبا في العصر الوسيط، وتمثل أول دولة للشعوب السلافية الشرقية، وينظر لها الروس على أنها البلد المؤسس لروسيا الحالية، ويعتبرونها ذريعة لهيمنتهم على أوكرانيا، رغم أن مواطني كييفان روس هم الذين أسسوا موسكو، التي ظلت تابعة لكييف لقرون، وهذه الدولة هي التي أعطت روسيا اسمها الحالي.
واستمرت دولة "كييفان روس" من منتصف القرن التاسع الميلادي إلى عام 1240 إلى أن أطاح بها الإعصار المغولي وأصبحت أوكرانيا جزءاً أساسياً من إمبراطورية خانية القبيلة الذهبية المغولية التي تحولت للإسلام، وكان قوام مقاتليها وسكانها الأساسيين التتار (شعب تركي قريب وحليف للمغول وشكلوا نسبة كبيرة من جيوشهم).
وفي نهاية العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة، قسمت أوكرانيا لقرون بين دويلات الفرسان القوازق الأوكرانيين وخانات التتر المتعددة، بينما غربها وشمالها يخضع للكومنولوث البولندي الليتواني الكاثوليكي الذي اضطهد الأوكرانيين الأرثوذكس وحاول تحويلهم للكاثوليكية وإكسابهم الطابع الولندي (دون وجود أي تأثير روسي على أوكرانيا في هذه الفترة)، فيما كان التتار المسلمون متسامحين مع المسيحيين، ولكنهم اشتهروا بغاراتهم على براري أوكرانيا لاقتناص العبيد.
وأدت حروب هذه الفترة بين التتر والعثمانيين البولنديين والروس والقوازق الأوكرانيين إلى انخفاض كبير في عدد سكان البلاد وتحولت معظم المناطق المكونة لأوكرانيا حالياً إلى أراضٍ قليلة السكان أطلق عليها الحقول الوحشية أو البرية، ولكن في القرن السادس عشر بدأت روسيا تزداد قوة وتزحف تدريجياً على مناطق أوكرانيا بعد أن هزمت بعض خانيات التتر المسلمين، وفي القرون التالية هزمت روسيا الكومنولوث البولندي الليتواني وكذلك خانية تتار القرم المتحالفة مع الدولة العثمانية لتستولي على أوكرانيا الحالية برمتها (انتزعت الوسط الذي يضم كييف من بولندا، والجنوب والشرق من التتار)، ووطنت موسكو في هذه المناطق فرسان القوزاق الأوكرانيين وفلاحين أقنان (عبيد الأرض) من أوكرانيا وبصورة أقل روسيا، مع تمليك الأراضي للنبلاء الروس.
وخلال القرن العشرين تعرضت البلاد لمذابح على يد السوفييت، ففي أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، لإجبار الفلاحين على الانضمام إلى المزارع الجماعية، دبر الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين مجاعة أدت إلى موت ملايين الأوكرانيين. بعد ذلك، جلب ستالين أعداداً كبيرة من الروس، وكثير منهم ليس لديهم القدرة على التحدث بالأوكرانية ولديهم القليل من العلاقات مع المنطقة، للمساعدة في إعادة إسكان شرق أوكرانيا، كما عانت البلاد من تدمير كبير خلال الحرب العالمية الثانية.
وأدت هذه الأوضاع المعقدة لأوكرانيا لتأثير روسي بولندي تتري عليها، فثلث سكان البلاد قبل أزمة 2014 كانوا يتحدثون الروسية ونحو 17% من سكانها من أصل روسي، وفي الوقت ذاته، فإن اللغة البولندية لها تأثير كبير على اللغة الأوكرانية الحديثة، بينما يمثل التتار شطراً هاماً من سكان شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا، حيث يمثلون نحو 10% من السكان وينظر لهم على أنهم السكان الأصليون للقرم.
واليوم، يبدو أن البلاد في الخطوط الأمامية لتنافُس متجدد بين القوى العظمى يقول العديد من المحللين إنه سيهيمن على العلاقات الدولية في العقود المقبلة.
أهمية أوكرانيا لموسكو
ويمكن معرفة أهمية أوكرانيا من حقيقة أنها كانت الجمهورية الأكثر أهمية في الاتحاد السوفييتي السابق بعد روسيا، فلقد كانت الثانية في السكان والثالثة في المساحة، وكانت سلة قمح الاتحاد السوفييتي (وما زالت منتجاً مهماً للحبوب) وموطناً مهماً للصناعات السوفييتية الثقيلة والعسكرية والتكنولوجية (ورثت قدرات مهمة في هذا المجال رغم جمودها).
كما أن أوكرانيا كانت تمثل ممر الاتحاد السوفييتي الأساسي للبحر الأسود.
وكان الأوكرانيون رغم تعرضهم للاضطهاد الروسي هم معاوني الروس (مع البيلاروسيين) في حكم الإمبراطورية القيصرية، باعتبار أن الأوكرانيين ينتمون للجنس السلافي الشرقي كالروس، وأرثوذكس مثلهم.
وكان القياصرة والشيوعيون يوطنون الأوكرانيين مع الروس في المناطق الحساسة التي يخشون من تمرد سكانها مثلما فعلوا في كازاخستان، بهدف تغيّر هويتها القومية والإسلامية.
حتى إن الاتحاد السوفييتي جعل أوكرانيا وبيلاروسيا أعضاء في الأمم المتحدة رغم أنهم جزء من أراضيه.
لديها واحدة من أخصب أراضي العالم وصناعة ثقيلة متقدمة
تمتلك أوكرانيا أراضي زراعية شاسعة وغنية ورثت من الاتحاد السوفييتي، قاعدة صناعية متطورة، وعمالة مدربة تدريباً عالياً، ونظام تعليم جيداً.
وهي واحدة من أهم الدول المنتجة للمعادن في العالم، من حيث نطاق وحجم احتياطياتها على رأسها الفحم الذي يتواجد جزء كبير منه في إقليم الدونباس الإنفصالي، ولكنها لا تحقق الاكتفاء الذاتي من النفط والغاز.
كما تمتلك أوكرانيا قاعدة كبيرة جداً من الصناعات الثقيلة وهي واحدة من أكبر مصنعي المنتجات المعدنية في أوروبا الشرقية، وهي معروفة أيضاً بإنتاجها للسلع عالية التقنية ومنتجات النقل، مثل طائرات أنتونوف العملاقة وأوكرانيا إحدى الدولة القليلة في العالم التي تصنع محركات الطائرات حتى إن دولاً مثل الصين وتركيا وإيران تلجأ إليها لشراء محركات الطائرات منها.
كما أن لديها صناعات عسكرية متقدمة، وتصدر منتجات متنوعة مثل الدبابات والطائرات والمحركات إلى دول كثيرة في مقدمتها الصين وباكستان وتركيا.
خامس مصدر للقمح ومصر زبون رئيسي لها
وبسبب أراضيها الزراعية الخصبة الواسعة والسهلية، تعد أوكرانيا واحدة من أكبر مصدري الحبوب في العالم.
وهي كانت منتجاً مهماً للقمح لعدة قرون والمعروفة بـ"سلة الخبز" في أوروبا، وتبرز باعتبارها خامس أكبر مصدر للقمح في العالم.
وبلغت قيمة صادرات أوكرانيا من القمح 3.1 مليار دولار في 2019، واستحوذت مصر على حصة الأسد منها بـ 22.2%، بقيمة تبلغ نحو 685 مليون دولار.
بلد رائد في المفاعلات النووية ولكنه سيئ في تأمينها
وتعتمد أوكرانيا على الطاقة النووية السلمية إلى حد كبير في توليد الكهرباء، واحتلت في عام 2016 المرتبة السابعة في العالم بمجال القدرات النووية السلمية، في عام 2019، كان ما لا يقل عن 55% من الكهرباء الأوكرانية تأتي من الطاقة النووية، ولدى أوكرانيا أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا.
وشركة Turboatom الأوكرانية من بين أكبر عشر شركات لبناء التوربينات في العالم، منها توربينات محطات الطاقة النووية.
بصفة عامة ورثت أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي قدرة علمية وتكنولوجية وصناعية قوية في المجال النووي.
ولكن أوكرانيا من أسوأ البلدان في مجال الأمن النووي، وسجلت نقاطاً ضعيفة في مؤشر الأمان لعام 2018 الذي نشرته منظمة مبادرة التهديد النووي، حيث نالت 70 نقطة من أصل 100 نقطة، مما جعلها تحتل المرتبة الـ30 من بين 45 دولة تمت فهرستها، حسب تقرير لصحيفة Kyiv Post الأوكرانية.
"أفقر دولة في أوروبا".. كيف تدهور اقتصاد أوكرانيا مقارنة بجيرانها؟
كان الأوكراني المواطن رقم اثنين في الاتحاد السوفييتي بعد الروس من بين 15 جمهورية، وكانت البلاد معقلاً للصناعات السوفييتية المتقدمة.
ولكن في الوقت الحالي متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي في أوكرانيا من أقل المستويات في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، باستثناء بعض دول آسيا الوسطى والقوقاز
وأوكرانيا رغم تقدمها الصناعي هي دولة نامية تحتل المرتبة 74 في مؤشر التنمية البشرية، وهي أفقر دولة في أوروبا، وتعاني من معدل فقر مرتفع للغاية بالإضافة إلى الفساد الشديد، حيث تعد الدولة الأكثر فساداً في أوروبا.
كان الانخفاض الهائل في الإنتاج والتضخم المرتفع، أمراً شائعاً في التسعينيات في معظم جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق ودول كتلة أوروبا الشرقية برمتها، لكن أوكرانيا كانت من بين الأكثر تضرراً من هذه المشاكل.
تضمن الكساد خلال التسعينيات تضخماً مفرطاً وهبوطاً في الناتج الاقتصادي إلى أقل من نصف الناتج المحلي الإجمالي الذي سجلته البلاد عندما كانت جمهورية سوفيتية.
صراع 2014 مع روسيا يُفسد محاولة التعافي
بعد سنوات التسعينيات الكئيبة، نما بسرعة الاقتصاد من عام 2000 حتى عام 2008، ومع ذلك، بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2013 جراء الأزمة الداخلية ثم الصراع مع روسيا، سقط الاقتصاد الأوكراني مرة أخرى في حالة ركود، وانخفضت الصادرات الأوكرانية إلى روسيا بشكل كبير بسبب تشديد الرقابة على الحدود والجمارك من قبل موسكو.
وألحق ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في أوائل عام 2014، والحرب في دونباس التي بدأت في ربيع عام 2014 أضراراً بالغة أثرت على اقتصاد أوكرانيا وكان الضرر أكبر في إقليمي دونيتسك ولوهانسك الإنفصالين (الدونباس)، وهما كانا من أكثر المناطق الصناعية في البلاد أهمية.
من عام 2014 إلى عام 2015 جراء الأزمة مع روسيا، عانى اقتصاد أوكرانيا من الانكماش، حيث كان الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015 أعلى قليلاً من نصف قيمته في عام 2013.
في عام 2016، بدأ الاقتصاد في النمو مرة أخرى. بحلول عام 2018، كان الاقتصاد الأوكراني ينمو بسرعة، ووصل إلى ما يقرب من 80٪ من حجمه في عام 2008، ولكن ها هو معرض الآن لأزمة جديدة.
أوكرانيا فشلت في أن تكون روسيا أو بولندا
بالإضافة إلى التأثير بالغ السلبية للأزمات مع روسيا على اقتصاد أوكرانيا، إلا أن هناك عوامل أخرى جعلت اقتصاد البلاد يتحول من واحد من أقوى اقتصادات أوروبا الشرقية إلى أسوئها على الإطلاق.
فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 عانت دول أوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفييتي من انهيار اجتماعي واقتصادي لم يعرف حتى في فترة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.
ولكن بعد نحو ثلاثة عقود من هذا التاريخ، أصبحت اقتصادات معظم دول أوروبا الشرقية التي انضم للاتحاد الأوروبي في وضع جيد، كما حققت روسيا وبيبلاروسيا أداء اقتصادياً لا بأس به وأفضل من أوكرانيا كثيراً رغم نظاميهما المستبدين وتعرضهما لبعض العقوبات الأوروبية والأمريكية.
فلماذا فشلت أوكرانيا أن تصبح معجزة اقتصادية مثل جاراتها الغربيات بولندا، التشيك، السلوفاك ودول البلطيق، أو دولة متماسكة وناجحة اقتصادياً جزئيا ًحتى لو لم تحقق معجزة مثل بيلاروسيا وروسيا.
الإجابة معقدة، ولكنها تكون جزئياً في أن أوكرانيا سقطت في هوة بينية بين حضارتين، الروسية القوية والأوروبية المتقدمة.
فأوكرانيا بلاشك، أكثر من ديمقراطية من روسيا وبيبلاروسيا، ولكنها ديمقراطية ضعيفة، يشوبها الفساد والانقسام وغياب الرؤية، في مقابل دول أوروبا الشرقية التي انضمت للاتحاد الأوروبي والتي طبقت معايير صارمة لضمان الحوكمة والشفافية وأضيف لذلك أن تدفق الاستثمارات والمساعدات الأوروبية الضخمة على دول أوروبا الشرقية التي لحقت بالاتحاد الأوروبي كان مشروطاً بعدد من المعايير التي ساعدت هذه الدول على التغلب على فساد وفوضى التسعينيات والبيروقراطية الموروثة عن العهد الشيوعي.
في المقابل، فإن ديمقراطية أوكرانيا البلد الذي كان يعاني يوماً من خلاف على هويته، أدت إلى حكم ضعيف غير مركزي مخترق من الغرب وروسيا على السواء، فأحزاب موالية لموسكو وأخرى لواشنطن، وتناوب الحكم بين هذه الأحزاب (حتي عام 2014) أضاع بوصلة البلاد.
كما أن كون أوكرانيا كانت معقلاً للصناعات السوفييتية الثقيلة، جعل خسائرها أكبر لأن هذا النمط الاقتصادي أصيب بضربة كبيرة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وكان أقل قدرة على التكيف مع المعايير الغربية، وساعد الفساد وتغير الحكومات وعدم الحسم، في بطء تطوير هذه القطاعات، بينما كانت روسيا وبيلاروسيا تحت الحكم المستبد أكثر حزماً في التكيف ولديهما موارد أكبر في الوقت ذاته (خاصة مواد الطاقة الروسية).
والأهم أن هذا الوضع منع أوكرانيا من تطوير أعظم ما ورثته عن الاتحاد السوفييتي، ففي الصناعات العسكرية نادراً ما تطور كييف شيئاً عما تركه لها السوفييت، فالتطوير قرار يتطلب تمويلاً والأهم حسماً وهو أكثر عنصر تفتقده أوكرانيا.
وعلى غرار لبنان، فإن الخلاف السياسي والإثني يسمح لزعماء الأحزاب بممارسة الفساد دون محاسبة تُذكر؛ لأن الجمهور مشغول بالاستقطاب الإثني والهوياتي والسياسي.
ديمقراطية أوكرانيا المهترئة لم تسبب فقط في أن البلاد لم تسر على النموذج الإصلاحي لأوروبا الوسطى المهتدي بمعايير الاتحاد الأوروبي، بل أدت كذلك إلى أنها لم تخُض مثل روسيا وبيلاروسيا عملية تصليب الدولة وتقويتها على يد حاكم مستبد، قلل عملية نهب موارد البلاد، وأنهى فوضى التسعينيات، وأعاد بناء اقتصاد يعتمد على الذات، ويوفر للمواطنين حاجاتهم الأساسية حتى لو لم يحقق نمواً ورخاء كبيراً.
سقطت أوكرانيا في فخ الديمقراطية الفاشلة، فلم يكن لديها اتحاد أوروبي يرعاها ويحاسبها أو زعيم منتخب قوي كالرئيس التركي رجب طيب أردوغان لديه الجرأة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية حتى لو انتقدها البعض، ولم يكن لديها حكام مستبد مثل فلاديمير بوتين يعيد بناء هيبة الدولة.
تبدو أوكرانيا نموذجاً يتكرر في العديد من البلدان العربية مثل لبنان وتونس قبل انقلاب الرئيس قيس سعيد، وهي نموذج يثبت أن أخطر طريق للاستبداد والفوضى وحتى الاحتلال هي الديمقراطية المهترئة التي يضيعها أصحابها.