عادت أزمة الجزر اليونانية المنزوعة السلاح لواجهة الخلاف بين تركيا واليونان مجدداً، إذ حذر وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، الخميس 10 فبراير/شباط 2022، من أن بلاده ستبحث مسألة السيادة على جزر بحر إيجة ما لم تتخلّ اليونان عن تسليحها، مؤكداً أن سيادة الجزر ستكون موضع شك ما لم توقف اليونان تحركاتها.
وقال أوغلو، في مقابلة تلفزيونية، إن أنقرة أرسلت رسالتين إلى الأمم المتحدة بشأن انتهاك اليونان وضع الجزر منزوعة السلاح في بحر إيجة، مشيراً إلى أن هذه الجزر منحت لليونان بموجب اتفاقيتي لوزان وباريس للسلام بشرط نزع سلاحها، لافتاَ إلى أن أثينا بدأت انتهاك ذلك منذ الستينيات.
وعلى مدار سنوات، ظلت قضية جزر بحر إيجة مصدراً للخلاف والتوتر بين أنقرة وأثينا، وفي سبتمبر/أيلول 2020، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن اليونان سلّحت 18 جزيرة بشكل مخالف للاتفاقيات، وهذا يصعد التوتر ويقوض الحوار.. فما قصة هذه الجزر، ولماذا تعتبرها أنقرة تهديداً لها؟
ما قصة الجزر اليونانية منزوعة السلاح في بحر إيجة؟
تحيط العديد من الجزر اليونانية الصغيرة (أغلبها ضئيلة الحجم) بتركيا من الحدود الجنوبية الغربية لها، وتريد اليونان أن تخلق منطقة بحرية اقتصادية واسعة لهذه الجزر، تمثل أضعاف مساحتها، تاركة لأنقرة مساحة اقتصادية ضئيلة لا تتناسب مع طول سواحلها على البحر المتوسط.
ومن المعروف أن اليونان ودولاً غربية أخرى احتلت أجزاء من تركيا عقب هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وبعد تحرير البلاد من الاحتلال بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، فقدت تركيا عدداً كبيراً من الجزر، عبر عدد من المعاهدات ومنها معاهدة لوزان التي وقّعها أتاتورك، بعضها لصالح اليونان، والبعض الآخر لصالح إيطاليا، إذ قامت تركيا بتسليم جزر بحر إيجة لإيطاليا، مقابل تعهد روما بنزع السلاح في الجزر القريبة من الحدود التركية.
وانتقلت هذه الجزر إلى يد ألمانيا خلال الحرب العالمية، وبعد الهزيمة في الحرب سلم الألمان هذه الجزر للبريطانيين، الذين سلموها بدورهم إلى اليونان، وتم تثبيت ذلك في معاهدة السلام بين الحلفاء وإيطاليا عام 1947، مع إنكار حق تركيا رغم كونها انتزعت من الدولة العثمانية بالأصل، وتشكل امتداداً جغرافياً طبيعياً للأناضول.
وبالتالي فأغلب هذه الجزر نُقلت ملكيتها لإيطاليا، ثم ألمانيا، فبريطانيا، ثم أخيراً اليونان، ومن نقل ملكيتها لليونان هي قوى هي بالأساس استعمارية، وضعت يدها على الجزر بالقوة.
ما الوضع القانوني الدولي لجزر بحر إيجة منزوعة السلاح؟
يمكن تلخيص الصكوك القانونية التي تحدد وضعاً منزوع السلاح لجزر بحر إيجة الشرقية من منظور تاريخي على النحو التالي:
1- معاهدة لندن لعام 1913: تُرك مستقبل جزر بحر إيجة الشرقية لقرار الدول الست في المادة 5 من معاهدة لندن.
2- قرار عام 1914 من ست دول: تم التنازل عن جزر ليمنوس، وساموثريس، وليسفوس، وخيوس، وساموس، وإيكاريا وغيرها، اعتباراً من عام 1914 إلى اليونان بموجب قرار عام 1914 من الدول الست (بريطانيا العظمى، فرنسا، روسيا، ألمانيا، إيطاليا، النمسا، المجر) بشرط إبقائها منزوعة السلاح.
3- معاهدة لوزان للسلام لعام 1923: في المادة 12 من معاهدة لوزان للسلام تم تأكيد قرار الدول الست لعام 1914. نصت المادة 13 من معاهدة لوزان على طرق نزع السلاح عن جزر ليسفوس وخيوس وساموس وإيكاريا. وفرضت بعض القيود المتعلقة بوجود القوات العسكرية وإقامة التحصينات التي تعهدت بها اليونان كالتزام تعاقدي بالمراعاة النابعة من هذه المعاهدة.
حددت اتفاقية المضائق التركية الملحقة بمعاهدة لوزان الوضع منزوع السلاح لجزيرتي ليمنوس وساموثراس. ونصت على نظام أكثر صرامة لهذه الجزر، نظراً لأهميتها الحيوية لأمن تركيا، لقربها من المضائق التركية.
4- اتفاقية مونترو لعام 1936: لم تحدث اتفاقية مونترو أي تغيير في الوضع منزوع السلاح لهذه الجزر. مع البروتوكول الملحق بالاتفاقية المذكورة، تم رفع الوضع منزوع السلاح عن المضائق التركية لضمان أمن تركيا. لا يوجد في اتفاقية مونترو أي بند يتعلق بعسكرة جزيرتي ليمنوس وساموثريس.
5- معاهدة السلام بباريس لعام 1947: تم تأكيد وضع جزر بحر إيجة الشرقية منزوعة السلاح مرة أخرى في عام 1947، بعد فترة طويلة من معاهدة لوزان. تم التنازل عن "جزر دوديكانيز" من قبل دول الحلفاء لليونان، بشرط صريح، أن تظل منزوعة السلاح، وهذه الجزر على مرمى حجر من الساحل الجنوبي الغربي لتركيا.
لماذا تم تجريد هذه الجزر من السلاح؟
كان تجريد جزر بحر إيجة الشرقية من السلاح بسبب الأهمية القصوى لهذه الجزر لأمن تركيا. وترى تركيا أن تفسير هذه المعاهدات يجعل هناك صلة مباشرة بين امتلاك اليونان السيادة على تلك الجزر ووضعها منزوعة السلاح. وتقول إنه "لا يمكن لليونان ، في هذا الصدد، عكس هذا الوضع من جانب واحد تحت أي ذريعة".
وتقول وزارة الدفاع التركية إن المعاهدات الدولية المذكورة أعلاه سارية، وبالتالي فهي ملزمة لليونان، وتحظر بشكل صارم عسكرة جزر بحر إيجة الشرقية، وتحمل التزامات ومسؤوليات قانونية على اليونان.
وتقول الوزارة مع ذلك، على الرغم من احتجاجات تركيا، فإن اليونان كانت تنتهك وضع جزر بحر إيجة الشرقية، من خلال عسكرة الجزر منذ الستينيات، في انتهاك لالتزاماتها التعاقدية. زادت هذه الأعمال غير القانونية لليونان بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وأصبحت نزاعاً حيوياً بين البلدين. وتتهم أنقرة أثينا بتجاهل النداءات العديدة التي وجهتها تركيا لليونان باحترام وضع هذه الجزر منزوعة السلاح.
من جهتها، قدمت اليونان تحفظاً على الاختصاص الإجباري لمحكمة العدل الدولية بشأن المسائل الناشئة عن التدابير العسكرية المتعلقة بـ"مصالحها المتعلقة بالأمن القومي"، بهدف منع إحالة النزاع حول عسكرة الجزر إلى محكمة العدل الدولية.
كيف تبرر أثينا عسكرة الجزر اليونانية منزوعة السلاح؟
تحاول وجهة النظر الغربية التقليل من أهمية هذه المعاهدات، إذ تقول إن مسألة الوضع منزوع السلاح لبعض الجزر اليونانية الرئيسية معقدة بسبب عدد من الحقائق. تم وضع العديد من الجزر اليونانية في شرق بحر إيجة، وكذلك منطقة المضائق التركية تحت أنظمة مختلفة من نزع السلاح في معاهدات دولية مختلفة. وقد تطورت الأنظمة بمرور الوقت، ما أدى إلى صعوبات في تفسير المعاهدات.
وتقول اليونان إن من حقها عسكرة جزرها في نفس السياق مثل بقية أوروبا، حيث توقف تطبيق قانون نزع السلاح على الجزر والأقاليم مع إنشاء منظمة حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو؛ أي وقف نزع السلاح من جزر بانتيليريا الإيطالية، ولامبيدوزا ولامبيون ولينوسا وألمانيا الغربية من جانب الناتو، ووقف نزع السلاح من بلغاريا ورومانيا وألمانيا الشرقية والمجر من جانب حلف وارسو، ووقف نزع السلاح فنلندا. من ناحية أخرى، تدين تركيا هذا الأمر باعتباره عملاً عدوانياً من جانب اليونان، وخرقاً للمعاهدات الدولية.
ولكن يجب ملاحظة أن السياق العام مختلف، فوقف تطبيق نزع السلاح كان مرتبطاً بالصراع بين الكتلة الشرقية الأوروبية بزعامة الاتحاد السوفييتي والكتلة الغربية بزعامة الولايات المتحدة، وهو نزاع جد بعد الحرب العالمية الثانية، بينما النزاع اليوناني التركي أقدم، والمعاهدات التي فرضت عدم عسكرة الجزر اليونانية جاءت لتنظيم هذا النزاع.