غابت الملكة إليزابيث الثانية عن حفل زفاف نجلها الأمير تشارلز من كاميلا باركر عام 2005، لكنها قررت أخيرا منحها لقب "الملكة عقيلة الملك"، فهل انتهت معاناة كاميلا من "عدم القبول"؟
وكانت ملكة بريطانيا قد وصفت عام 1992 بأنه "العام الأبشع للعائلة على الإطلاق"، إذ شهد ذلك العام طلاق أبنائها الثلاثة دفعة واحدة، كما اشتعل حريق في قلعة وندسور دمّرها تماماً. وكان الطلاق الأول هو انفصال ولي العهد الأمير تشارلز عن زوجته الأميرة ديانا بعد 11 عاماً من الزواج؛ وهو ما تسبب في تغطية إعلامية فضائحية بامتياز.
ووقتها تعرضت العائلة الملكية لهزة عنيفة بعد تسريب تفاصيل صادمة عن الحياة داخل قصر باكنغهام، من خلال مذكرات ديانا التي نشرها المؤلف أندرو مورتون في كتابه الصادر عام 1992، بعنوان "ديانا: قصتها الحقيقية، بكلماتها الخاصة".
وكانت كاميلا أندرو باركر أو "عشيقة تشارلز" وقتها أكثر شخصية مكروهة داخل بريطانيا وربما حول العالم أجمع، كونها كانت السبب في فشل زواج تشارلز وديانا، أو هكذا تم تصوير الأمر وقتها.
ماذا قررت الملكة إليزابيث؟
قررت الملكة إليزابيث الثانية، البالغة من العمر 95 عاماً، منح زوجة ابنها الأمير تشارلز، كاميلا دوقة كورنوال، لقب "عقيلة الملك" حين يعتلي تشارلز العرش، وذلك بعد سنوات من التكهنات عن وضع كاميلا في المستقبل.
وهذا القرار، الذي أعلنته الملكة إليزابيث يوم السبت 5 فبراير/شباط في خطاب بمناسبة مرور 70 عاماً على اعتلائها العرش، يعتبره بعض المؤرخين وخبراء الشؤون الملكية ختم موافقة رسمياً على زواجهما، فضلاً عن أنه محاولة لتمهيد الطريق أمام الأمير تشارلز في رحلته إلى العرش.
ونيل كاميلا للقب "عقيلة الملك" سيرفع مكانتها، وبالتالي سيعزز دورها وهي زوجة ملكة لتشارلز، ويعني أيضاً أنها ستساهم بدور أهم في حفل تتويجه وأنها ستُتوج.
والدور الملكي لكاميلا كان قد توسع بالفعل منذ زواجها من الأمير تشارلز عام 2005، لكن مراقبي الشؤون الملكية لم يستطيعوا الخروج بصورة أكيدة عن وضعها حين يصبح الأمير تشارلز ملكاً.
فهذا الزواج كان الزواج الثاني لكليهما، ولم ترحم الصحف البريطانية كاميلا لسنوات بعد افتضاح أمر علاقتها الغرامية بتشارلز أثناء زواجه من ديانا، أميرة ويلز.
وكانت كاميلا متزوجة في السابق من أندرو باركر بولز، لكن الزوجين انفصلا عام 1995. ووسط كل هذه الأحداث الدرامية عن هذه العلاقة، ظهرت مقابلات وتسجيلات تفضح كل شيء عن حياة تشارلز وكاميلا الخاصة.
ورصد تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية، عنوانه "قرار الملكة بمنح كاميلا لقب "عقيلة الملك" ينهي سنوات من العمل على تحسين الصورة"، ما يعنيه قرار الملكة إليزابيث بالنسبة لمستقبل العرش الأقدم على وجه الأرض.
فخلال الـ17 سنة التي تلت زواج كاميلا وتشارلز، عملا معاً على ترسيخ صورة عامة لهما بأنهما خدومان وأن حياتهما يسودها الاستقرار والعقلانية. وفضلاً عن دور قرار الملكة في تحسين الصورة العامة للزوجين، فهو يشير أيضاً إلى قبولها الكامل بزوجة مُطلَّقة.
هل تغيرت نظرة إليزابيث للمطلقات؟
يقول إدوارد أوينز، المؤرخ ومؤلف كتاب "The Family Firm: Monarchy, Mass Media and the British Public, 1932-53,"، إن قرار الملكة منح كاميلا لقب عقيلة الملك يشير إلى أن الملكة تساير العصر فيما يخص المُطلَّقين.
ومن المعروف أن الملكة لم تحضر حفل زفاف تشارلز وكاميلا، لأنها رئيسة كنيسة إنجلترا، التي لم تكن تسمح للمطلقين بالزواج مرة أخرى حينذاك (ولكنها تفعل الآن). وقال الدكتور أوينز إن قرار الملكة يعني أن كاميلا تلقت "ختم موافقة الملكة".
وأضاف أوينز للصحيفة الأمريكية: "الملكة بإعلانها شديد الوضوح بأنها تمنح كاميلا برغبة شخصية منها هذا اللقب يبدد كل الشكوك. ورفض فكرة جعل كاميلا ملكة يعني رفض الرغبة الشخصية للملكة، لذلك فهو يفيد بحب الشعب لإليزابيث الثانية".
وساعدت جهود كاميلا التي امتدت لسنوات لخدمة عامة الشعب بهدوء في تعزيز صورتها وصورة تشارلز. ويُنظر إليها، إلى جانب ابنة الملكة، الأميرة آن، على أنها واحدة من أكثر أفراد العائلة المالكة نشاطاً، حيث تؤدي المهام الأساسية التي تدعم النظام الملكي، مثل الفعاليات الخيرية والاجتماع مع الجمهور.
وقد تغيرت الفكرة العامة عن كاميلا بشكل ملحوظ خلال زواجها من الأمير تشارلز، مثلما كتب المؤرخ سيمون هيفر في صحيفة The Telegraph: "نجاحها ليس راجعاً إلى أنها تغيرت كشخص لحمل الناس على حبها، بل لأن الناس غيروا نظرتهم لها، وأدركوا أنها كانت شخصية جيدة من البداية".
وفي شوارع لندن، يوم الإثنين 7 فبراير/شباط، بدا كثيرون ممن تحدثوا عن عقيلة ملك المستقبل مرحبين بالقرار.
وقال إيمون غان (56 عاماً)، الذي يعمل في الموسيقى، لنيويورك تايمز: "الناس تقبلوها بعد قصة ديانا وما بعدها. فهي تكتفي بالعمل في الخفاء والاهتمام بشؤونها ولا تتدخل فيما لا يعنيها، وأرى أن هذا في صالحها".
ماذا عن ردود فعل الشارع؟
رأى البعض أن الموضوع ليس أكثر من زوبعة في فنجان، إذ قال أوليفر فولي (43 عاماً) الذي يعمل مصمم ديكور: "لا يشغلني ذلك في كل الأحوال، فأنا لست من مناصري الملكية، وصحيح أنني أحب الملكة لكن النظام الملكي لا يشغل ذهني يومياً".
بينما اعتبر محللون مختصون بالشأن الملكي أن الإعلان إقرار مستحق من رأس المؤسسة الملكية بعد سنوات من ولاء دوقة كورنوال وعملها الجاد. ووصف الأمير تشارلز ذلك بأنه شرف كبير له ولزوجته "الحبيبة"، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
ومنذ انضمامها إلى العائلة بزواجها بالأمير تشارلز قبل 17 عاماً، تمكنت كاميلا التي يبلغ عمرها 74 عاماً، من القيام بدورها لتصبح من كبار الشخصيات في العائلة الملكية البريطانية.
لكن طريق دوقة كورنوال لنيل القبول الشعبي لم يكن سهلاً، ولا مفروشاً بالورود. ففي البداية اعتبرت كاميلا شخصية مثيرة للجدل، وقد حمَّلها البعض مسؤولية فشل زواج ولي العهد من الأميرة الراحلة ديانا، ووصوله إلى الطلاق.
وفي عام 1994، اعترف الأمير تشارلز بخيانة زوجته مع كاميلا، لكنه قال إن ذلك جاء بعد أن "انهار زواجه من ديانا بشكل لا رجعة فيه".
لكن علاقتهما لم تُصبح علنية حتى عام 1999، عندما أظهرا رسمياً ارتباطهما العاطفي، وتم تصويرهما معاً خارج فندق ريتز في لندن، وكان ذلك ضمن حملة علاقات عامة خطط لها بعناية.
ومنذ ذلك الحين تمكنت كاميلا من كسب ولاء قسم كبير من الجمهور، الذي كان حذراً في نظرته إليها. ونالت إشادات لدفاعها عن القضايا التي تهتم بها وتدعمها، بما في ذلك دعمها جمعيات خيرية لمحو الأمية وأخرى للدفاع عن الحيوان، إلى جانب منظمات تساعد ضحايا العنف المنزلي.
كما كسبت الدوقة تأييداً بسبب موقفها القوي في قضية محاربة العنف الجنسي ضد المرأة. وفي خطاب ألقته في لندن العام الماضي، أشارت إلى قضية سلامة النساء في الطرقات ومقتل سارة إيفرارد على يد ضابط شرطة، بعد أن اختطفها واغتصبها، ودعت الرجال أيضاً إلى "الانخراط" في الجهود للقضاء على العنف الجنسي.
وقالت بيني جونور، المؤلفة المختصة بالكتابة عن العائلة المالكة، عن كاميلا: "لقد كانت مخلصة، ورصينة، وملتزمة بالعمل مع جمعياتها الخيرية، وداعمة دائماً للأمير". وأضافت لبي بي سي أنها تسلمت هذه المهام في سن متأخرة نسبياً، لكنها كانت دائماً رائعة.
كاميلا روزماري شاند من مواليد 17 يوليو/ تموز عام 1947، لعائلة من الطبقة العليا، وهي الابنة الكبرى لبروس وروزاليند شاند، ونشأت في ساوث داونز في شرق ريف ساسكس.
وهي معروفة بحبها للخيل، وتقول إنها في طفولتها لم تكن تفكر تقريباً في شيء ما عدا المهور الصغيرة. وتلقت تعليمها بمدرسة كوينز غيت في حي ساوث كينزينغتون اللندني، وأكملت تعليمها في سويسرا وفرنسا.
وتزوجت كاميلا عام 1973 أندرو باركر بولز، الضابط في الجيش البريطاني، وأنجبت منه طفلين، لكن زواجهما انتهى بالطلاق عام 1995.
وتشمل اهتمامات كاميلا الأخرى القراءة، وقد تحدثت عن أهمية كتب الأطفال، وأشارت إلى رواية "الجمال الأسود"، التي تتحدث عن مغامرات ومعاناة حصان أسود جميل كأحد الكتب المفضلة لديها، وهي من محبي مهرجان "هاي" الأدبي، الذي يقام سنوياً في ويلز، وخلال فترة الإغلاق بسبب وباء كورونا، أنشأت نادياً للقراءة على تطبيق إنستغرام.
وتقول فيكتوريا هوارد، المشرفة على تحرير موقع "ذا كراون كرونيكالز"، المختص بأخبار العائلة المالكة "لقد رأى الكثير من الناس العمل الجيد الذي قامت به دوقة كورنوال على مر السنوات، وولاءها، وطبيعتها الرصينة، وجديتها في العمل". وتضيف "أعتقد أن الكثير من الناس أعجبوا برؤية هذا".
أما المؤرخ روبرت لاسي فقد رأى أن توقيت إعلان الملكة، بعد أقل من عام على وفاة الأمير فيليب، كان مؤثراً. وقال لبي بي سي: "من الواضح أنها كانت تفكر في أهمية الشريك والقرين بالنسبة لها، لقد فقدت رفيقها مؤخراً، وأعتقد أن هذا عامل كبير في سبب سماعنا لهذا الإعلان الآن". وأضاف "إنهم يدعونها الشركة، وهذا يجعل كاميلا تنضم إلى الشركة بشكل صحيح".