أعلنت جماعة الحوثي اليمنية أن هدفها الرئيسي من القصف المتكرر للإمارات هو الاقتصاد تحديداً، فهل يمكن أن تصمد أبوظبي، ليس من الناحية العسكرية بل فيما يخص الاقتصاد؟ وهل يمكن أن يصبّ التصعيد المتواصل في صالح السعودية في نهاية المطاف؟
قالت الإمارات، الإثنين 31 يناير/كانون الثاني، إنها اعترضت صاروخاً بالستياً أطلقته جماعة الحوثي، في ثالث هجوم من نوعه على الإمارات في الأسبوعين الأخيرين.
إذ قال المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثي في اليمن، المتحالفة مع إيران، إنها أطلقت عدداً من الصواريخ من طراز ذو الفقار على العاصمة الإماراتية أبوظبي، وكذلك طائرات مسيّرة على إمارة دبي، بحسب رويترز.
وقال المتحدث العسكري باسم الحوثي يحيى سريع في خطاب بثه التلفزيون اليمني: "القوات المسلحة تجدد تحذيرها للمواطنين والمقيمين والشركات بالابتعاد عن المقرات والمنشآت الحيوية كونها عرضة للاستهداف خلال الفترة المقبلة".
استمرار القصف رسالة حوثية
الصاروخ البالستي الذي أطلقته جماعة الحوثي وأسقطته الدفاعات الجوية الإماراتية هو القصف الثالث خلال أسبوعين، إذ كانت المرة الأولى لذلك التصعيد الإثنين 17 يناير/كانون الثاني، وكان الهجوم الأكثر كثافة وأوقع قتلى وجرحى بخلاف الأضرار الاقتصادية.
وتسببت الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية في الهجوم الأول في انفجارات طالت صهاريج نقل محروقات بترولية في منطقة مصفح الصناعية في أبوظبي وحدثت اضطرابات في حركة الطائرات القادمة إلى مطار أبوظبي. ولاحقاً ذكرت وكالة أنباء الإمارات أن 3 أشخاص قد توفوا وأصيب ستة آخرون في الانفجارات التي وقعت في المنطقة الصناعية في المصفح وفي مطار أبوظبي. وتعتبر مدينة المصفح، القريبة من مطار أبوظبي، مدينة صناعية واقتصادية رئيسية في العاصمة الإماراتية.
وكان البخيتي يشير إلى التطورات الميدانية التي شهدها اليمن في الأيام الأخيرة، خصوصاً سيطرة قوات الحكومة المعترف بها دولياً والمدعومة من التحالف بقيادة السعودية على محافظة شبوة، وهو الانتصار الذي حققته ألوية العمالقة التابعة لقوات الحزام الأمني المدعومة إماراتياً والتابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن.
وعاد البخيتي، الإثنين 31 يناير/كانون الثاني، للتأكيد على أن إطلاق الحوثي صواريخه نحو أبوظبي يستهدف "الاقتصاد ثم الاقتصاد ثم الاقتصاد"، بحسب ما قاله لقناة الجزيرة الإخبارية.
ومن جانبه، قال اللواء فايز الدويري، الخبير العسكري والاستراتيجي، لـ"الجزيرة" إن "إطلاق صاروخ بالستي واحد من جانب الحوثيين هدفه إيصال رسالة للإمارات وليس إحداث أضرار ضخمة. والرسالة اقتصادية بالأساس وموجهة أكثر للشركات الأجنبية والمستثمرين لإرهابهم كي يغادروا الإمارات".
ضرب الاقتصاد الإماراتي إذا هو الهدف الاستراتيجي للحوثيين الآن، في ظل عدد من الحقائق أبرزها قدرة الإمارات العسكرية على التصدي للصواريخ الحوثية وربما التقليل من حجم الأضرار التي قد توقعها، فالقدرات والإمكانيات العسكرية للإمارات قد تكون أفضل من نظيرتها في السعودية، التي تعرض مخزونها من الصواريخ الدفاعية للانخفاض بشكل خطير مؤخراً.
إذ قالت وزارة الدفاع الإماراتية إنه تم اعتراض الصاروخ بعد 20 دقيقة من منتصف الليل وتدميره. وأضافت أن بقايا الصاروخ سقطت في منطقة غير مأهولة بالسكان. ولم تذكر أن كان الصاروخ استهدف العاصمة الإماراتية أبوظبي أم دبي مركز التجارة والسياحة في الشرق الأوسط.
ووصف أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، الهجمات بأنها استفزازات لا طائل من ورائها سيتم التعامل معها صوناً لأمن الإمارات وسيادتها، وقال في تغريدة على تويتر: "مصممون على أهدافنا ورؤيتنا الاستراتيجية نحو المساهمة في بناء منطقة مستقرة ومزدهرة للجميع، واستفزازنا لن يجدي نفعاً". وأضاف: "نحن لا نرى في تهديدات المنظمات الإرهابية وخيالاتهم المبنية على الأوهام أكثر من أمر عابر سيتم التعامل معه بما يضمن أمننا وسيادتنا الوطنية. ومخطئ من يمتحن الإمارات".
هل تصمد الإمارات اقتصادياً؟
بعيداً عن التصريحات الرسمية الخاصة بذلك التصعيد من الحوثيين تجاه الإمارات، هناك ما يشبه الإجماع بين المراقبين والمحللين على أن استمرار القصف الحوثي للعمق الإماراتي قد يصيب اقتصاد الدولة الخليجية بأضرار على المدى الطويل ربما لا يكون من السهل التعافي منها.
فالاستقرار الذي تتمتع به الإمارات يمثل أحد أهم عناصر كونها الجاذب الأكبر للاستثمارات العالمية وكونها مقراً رئيسياً لأكبر الشركات متعددة الجنسيات في منطقة الشرق الأوسط، هذا بخلاف كون إمارة دبي تحديداً مركزاً للجذب السياحي والاستثماري في المنطقة.
ومن الصعب أن يستمر عنصر الاستقرار طويلاً إذا ما استمرت صواريخ الحوثي في السقوط، حتى وإن لم توقع أضراراً بشرية أو مادية. فمجرد انطلاق صواريخ الدفاعات الجوية واعتراضها الصواريخ الحوثية يعتبر أمراً مفزعاً، كما أن انتشار مقاطع فيديو لتلك الانفجارات التي تنير السماء الإماراتية على منصات التواصل يمثل هدماً تدريجياً لذلك الاستقرار.
وفي هذا السياق، قال المدعي العام الإماراتي الأسبوع الماضي إنه استدعى عدة أشخاص لمشاركتهم مقاطع فيديو تظهر أنظمة دفاعية تعترض هجوماً صاروخياً سابقاً للحوثيين، رغم أنه لم تكن هناك أي منشورات عن هذا الاعتراض على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعني أنه تم حذفها سريعاً، فكيف سيكون الحال إذا ما أصبح القصف الحوثي واعتراضه أمراً متكررا ًوبدأ يجد طريقه إلى منصات التواصل؟
النقطة الأخرى هي أنه خلال الفترة الأخيرة، بدا أن الإمارات قد قررت التركيز على الاقتصاد، والتخلي تدريجياً عن التورط في الأزمات الخارجية، وبدا أن الهدف الجديد جعل الإمارات كلها على شاكلة دبي أي التوجه لسياسات تحررية على النمط الغربي بدءاً من جعل الإجازة الأسبوعية الأحد بدلاً من الجمعة، ورفع الرقابة عن السينما، وغيرها من الإجراءات الرامية لترويج الإمارات كلها للغرب، وليس دبي فقط. لكن القصف الحوثي يهدد هذا النموذج بالطبع.
المنافسة الاقتصادية بين الإمارات والسعودية
كانت الإمارات قد أدخلت تغييرات جذرية على قوانينها الاجتماعية والعملية، في إطار السعي لجذب الاستثمارات الأجنبية وتوفير الإغراءات للشركات العالمية متعددة الجنسيات إما لتُبقي على مقراتها الرئيسية في الشرق الأوسط على الأراضي الإماراتية ولا تنتقل إلى السعودية، أو كي تفتح تلك الشركات مقراتها في الإمارات، بحسب مضمون التصريحات الرسمية الصادرة من قادة ومسؤولي الدولة الخليجية.
فالسعودية، في إطار رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان، تسعى إلى تنويع اقتصادها المعتمد بشكل أساسي على النفط، ووضعت في هذا الإطار هدفاً رئيسياً وهو جذب الشركات العالمية والاستثمارات الأجنبية إلى البلاد، عن طريق السير في اتجاهين الأول توفير البيئة التشجيعية والثاني التهديد والوعيد.
منتصف فبراير/شباط 2021، أعلنت السعودية نيتها إيقاف التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي في المنطقة خارج المملكة، بدءاً من مطلع عام 2024. والهدف هو تشجيع الشركات الأجنبية على فتح مقر دائم في السعودية، بما يساعد في خلق وظائف محلية، والحد من التسرب الاقتصادي وزيادة كفاءة الإنفاق.
وكان تقرير لوكالة بلومبرغ الأمريكية قد كشف عن وجود صراع اقتصادي بين السعودية والإمارات، رغم مصالحهما المشتركة، وتوقع التقرير ازدياد حدة المنافسة بينهما مع مرور الوقت، فهل تستفيد السعودية من القصف الحوثي المتكرر للإمارات في هذا التوقيت؟
من المؤكد أن هناك تقارباً بين السعودية والإمارات مؤخراً في ملف الحرب في اليمن، كما أن السعودية نفسها تتعرض لقصف مستمر من جانب الحوثيين، لكن هذا لا ينفي احتمال تفكير شركات ومستثمرين أجانب في نقل أعمالهم من الإمارات إلى السعودية في حال استمرار القصف الحوثي وزيادة حدته بصورة تنهي عامل الاستقرار الذي ميز الإمارات منذ تأسيسها. فالعاصمة السعودية الرياض تعتبر أقل عرضة لصواريخ الحوثي من أبوظبي ودبي في الإمارات.
الخلاصة هنا هي أن الحوثيين يدركون جيداً أن نقطة قوة الإمارات -ونقطة ضعفها في الوقت نفسه- هي الاقتصاد، وبالتالي يركزون على تهديده بشكل مباشر ويعلنون ذلك صراحة، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن مدى قدرة الإمارات على الصمود، وما إذا كانت السعودية قد تستفيد؟