بعد عقدين من الشد والجذب.. هل تعود العلاقات التركية الإسرائيلية من بوابة “التعاون” حول غاز شرق المتوسط؟

تم النشر: 2022/01/27 الساعة 14:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/12 الساعة 09:43 بتوقيت غرينتش
رجب طيب أردوغان عندما كان رئيساً لوزراء تركيا وقام بتوبيخ الرئيس الإسرائيلي السابق شيمعون بيريز عام 2009 في منتدى دافوس الاقتصادي (أرشيف)/ رويترز

بعد نحو شهر من عودة الاتصالات الرسمية المباشرة بين الطرفين، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مساء الأربعاء 26 يناير/كانون الثاني 2022، أن نظيره الإسرائيلي إسحق هرتسوغ سيقوم بزيارة رسمية لـتركيا مطلع فبراير/شباط المقبل.

وقال أردوغان خلال مقابلة تلفزيونية، إن "هذه الزيارة يمكن أن تفتح فصلاً جديداً في العلاقات بين تركيا وإسرائيل"، مؤكداً أنه "على استعداد للقيام بخطوات تقاربية نحو إسرائيل في المجالات كافة".

وفي هذا التقرير نرصد أهم المحطات في العلاقات التركية الإسرائيلية المتذبذبة وتحولاتها في العقد الأخير الذي اتسم بالتوتر بين الطرفين، وكذلك فرص نجاح إصلاحها من بوابة التعاون في مشاريع نقل غاز شرق المتوسط نحو أوروبا.

العلاقات التركية الإسرائيلية: "المرحلة الذهبية"

منذ إقامة تركيا للعلاقات الرسمية مع إسرائيل في مارس/آذار 1949- حيث اعترفت حينها، كأول دولة ذات أغلبية سكانية إسلامية، بدولة إسرائيل- مرت العلاقة بفترات مد وجزر، بسبب حروب إسرائيل في المنطقة واعتداءاتها على جيرانها العرب، إلا أنها تطورت في مختلف السياقات السياسية والعسكرية والاستراتيجية، لتصبح إسرائيل أكبر شريك عسكري ومورِّد أسلحة إلى تركيا لاحقاً.

ومنذ ذلك الحين، توثَّق التعاون الاقتصادي والدبلوماسي والعسكري بين الطرفين على أساس وجود هواجس مشتركة لديهما من جراء الأوضاع غير المستقرة في دول الشرق الأوسط. وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بتنمية ورعاية هذه العلاقة بين حليفتها الأولى بالمنطقة، إسرائيل، وحليفتها الكبرى في "الناتو" تركيا.

وعلى وقع النمو الكبير الذي شهدته العلاقات السياسية والدبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب والتي وصلت إلى ذروتها في تسعينيات القرن الماضي، وقّع الطرفان العديد من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية، أبرزها اتفاقية للتجارة الحرّة بينهما في يناير/كانون الثاني عام 2000، والتي اعتبرت مهمة واستثنائية بالنسبة إلى إسرائيل، لأنها كانت الأولى التي توقعها مع أي بلد ذي أغلبية سكانية من المسلمين.

وفي تلك الفترة، بلغت الصادرات الإسرائيلية السنوية إلى تركيا 1.5 مليار دولار، والواردات منها مليار دولار، وكانت تل أبيب قد وضعت خططاً لتوسيع التبادل التجاري ليشمل بناء خط لنقل المياه العذبة من تركيا إلى إسرائيل، إضافة إلى الكهرباء والغاز والنفط.

الرئيس الإسرائيلي السابق شعمون بيريز ونظيره التركي السابق عبد الله غول يسيران أمام حرس الشرف في قصر جانكايا الرئاسي في أنقرة ، 12 نوفمبر 2007. (AA Agency)

لكن منذ مطلع الألفية، ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية وصعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في عام 2002، انتهت "المرحلة الذهبية" في العلاقات التركية-الإسرائيلية، حيث باتت تواجه أزمة ثقة كبيرة.

وطوال العقدين الماضيين، ساهم انفتاح حزب العدالة والتنمية الحاكم على العالَمين العربي والإسلامي وتوثيق العلاقات معهما، في إثارة الشكوك الإسرائيلية، وأدى تجاوب القيادة التركية مع مشاعر الشارع التركي حول الموقف من الظلم اللاحق بالشعب الفلسطيني، إلى دفع العلاقات إلى ما يشبه بحالة القطيعة الدبلوماسية.

ووصلت ذروة انعدام الثقة عندما هاجمت القوات الإسرائيلية "أسطول الحرية" الذي كانت تركيا تقوده وكان متوجهاً لفك الحصار عن قطاع غزَّة المحاصر عام 2010، مما أدى إلى تحوُّل جذري في العلاقات وصل إلى حد المواجهة السياسية المفتوحة بين الطرفين.

"أسطول الحرية" وانتكاسة العلاقات التركية الإسرائيلية

كانت للانتفاضة الفلسطينية الثانية وما شهدتها من جرائم إسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وما تبعها من حرب على لبنان على 2006، دور كبير في تراجع العلاقات التركية-الإسرائيلية.

ووجهت تركيا انتقادات شديدة لإسرائيل على خلفية الهجوم على لبنان في يوليو/تموز 2006، وكذلك على غزة في ديسمبر/كانون الأول 2008، حيث قدمت أنقرة مساعدات لبيروت وقطاع غزة، وحاولت كسر الحصار المفروض عليه منذ عام 2007.

وبعد حرب غزة المدمرة، شهد منتدى دافوس الاقتصادي عام 2009، مشادة كلامية بين رئيس الوزراء التركي في ذلك الحين رجب طيب أردوغان والرئيس الإسرائيلي آنذاك شيمعون بيريز، حيث تحدث بيريز محاولاً شرعنة الهجوم الإسرائيلي المدمر على غزة، إلا أن أردوغان ردَّ عليه أمام عدسات الكاميرات قائلاً: "إن ارتفاع صوتك ناجم عن الشعور بالذنب، عندما يتعلق الأمر بالقتل فأنتم تعرفون جيداً كيف تقتلون. أعرف جيداً كيف قتلتم الأطفال على الشاطئ في غزة!"، مضيفاً: "لقد انتهى دافوس بالنسبة لي"، وغادر الجلسة، فيما لقي موقفه صدىً كبيراً لدى الرأي العام العالمي، خاصة في فلسطين والعالم العربي.

لكن القشة التي قصمت ظهر البعير، كانت عندما وقعت مجزرة "أسطول الحرية" على متن سفينة "مافي مرمرة" في 31 مايو/أيار 2010، حيث هاجمت القوات الإسرائيلية "أسطول الحرية" الذي كان يحمل مساعدات إنسانية بغرض كسر الحصار المفروض على غزة، وأدى الهجوم الذي حدث في المياه الدولية إلى مقتل تسعة ناشطين أتراك كانوا على متن السفينة، كما توفي في وقت لاحق، جريح تركي كانت إصابته خطيرة.

الهجوم الإسرائيلي على سفينة "مافي مرمرة" التركية التي قادت "أسطول الحرية" نحو قطاع غزة عام 2010/ haaretz

على أثر ذلك، استدعت تركيا سفيرها من تل أبيب، وطالبتها بالاعتذار فوراً عن الهجوم، ودفع تعويضات لعائلات الشهداء الأتراك، ورفع الحصار المفروض على غزة. ومع عدم اتخاذ تل أبيب أي خطوات في هذا الاتجاه، خفضت تركيا علاقاتها مع إسرائيل إلى أدنى مستوياتها، وعلقت جميع الاتفاقات العسكرية.

ظل الأمر كذلك، إلى حين قدَّم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو -في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان- في مارس/آذار 2013، اعتذاراً باسم إسرائيل بخصوص قتلى ومصابي "مافي مرمرة"، وقبل أردوغان الاعتذار باسم الشعب التركي مع دفع التعويضات كاملةً لعائلات الضحايا والبالغة قيمتها 20 مليون دولار، وهو الأمر الذي تم في مطلع عام 2016.

عودة العلاقات مجدداً مع شد وجذب عمّقه "صراع المتوسط"

في يوليو/تمو عام 2016، أعلن رئيس الوزراء التركي السابق، بن علي يلدريم، التوصل إلى اتفاق لإعادة العلاقات مجدداً مع إسرائيل، حيث تبادل الطرفان تعيين السفراء، وسمحت تل أبيب لأنقرة بإيصال المساعدات لقطاع غزة، كان أبرزها سفينة تحمل 11 ألف طن من المساعدات الإنسانية إلى القطاع، فيما يشبه ردّ اعتبار لأنقرة عمّا وقع من أحداث على متن سفينة "مافي مرمرة" عام 2010.

لكن بعد ذلك بعامين، عاد التوتر من جديد في العلاقات بين تركيا وإسرائيل بعد مهاجمة أنقرة العدوان العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، مما أدى إلى تراجع العلاقات الدبلوماسية بينهما مجدداً لتصل إلى مستوى القائم بالأعمال، لكن في عام 2020 عاد الطرفان لتبادل تعيين السفراء مجدداً.

أردوغان يعرض صورة توضح مراحل تآكل الأراضي الفلسطينية خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2019، ويتسائل: أين حدود إسرائيل؟/ رويترز

وساهم احتضان تركيا قادة المقاومة الفلسطينية وعلى رأسهم قادة حركة حماس، وكذلك استضافة العديد من المؤتمرات الداعمة للقضية الفلسطينية والتي تحاول فضح الاحتلال الإسرائيلي، في استمرار توتر العلاقة بين الطرفين، والذي زادته الاتهامات المتبادلة بين الحكومتين ومهاجمة إحداهما الأخرى في المحافل الدولية.

لكن ما عمّق الأزمة أيضاً بشكل رئيسي، هو الصراع على الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، وبناء إسرائيل مع اليونان وقبرص ومصر وفرنسا وحتى الإمارات حلفاً للتنقيب عن الغاز، والعمل على إنشاء سوق غاز إقليمية بين هذه الدول عام 2019، دون دعوة تركيا إلى الانضمام له.

وكذلك عقد تل أبيب اتفاقاً مع "العدو اللدود" لتركيا، اليونان، لمد خط "إيست ميد"، لنقل الغاز الإسرائيلي نحو أوروبا عبر قبرص واليونان، الأمر الذي رفضته أنقرة بشكل كبير وهاجمته في المحافل الدولية، لأنه يعرقل مصالحها.

وقال الرئيس التركي في أكثر من موقف، إنه "لا يمكن أن ينجح أي مشروع إقليمي يتجاهل تركيا في شرق البحر المتوسط"، فيما عقدت حكومته اتفاقاً مع ليبيا لترسيم الحدود البحرية في المتوسط، الأمر الذي بات يعرقل المشروع الإسرائيلي-اليوناني في البحر المتوسط.

هل يفتح الغاز في شرق المتوسط صفحة جديدة بالعلاقات التركية الإسرائيلية؟

في 18 يناير/كانون الثاني 2022، تلقت كل من إسرائيل واليونان "ضربة قوية"، بسبب قرار الإدارة الأمريكية وقف دعم مشروع خط أنابيب الغاز شرق المتوسط "إيست ميد"، الذي كان سيتجاوز تركيا ويوصل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا.

وبررت الإدارة الأمريكية انسحابها من دعم المشروع الإسرائيلي اليوناني، بصعوبة تنفيذه وتكلفته الكبيرة، إذ كشفت واشنطن عن "مخاوفها" بشأنه في "مراسلات دبلوماسية غير رسمية" مع أطراف الاتفاقية، فيما اعتبرت الصحف اليونانية أن ما حصل "انتصار للدبلوماسية التركية".

من جهتها، رحبت تركيا بالانسحاب الأمريكي من المشروع، وقال أردوغان تعقيباً على ذلك، في مقابلة تلفزيونية، في 26 يناير/كانون الثاني، إن "واشنطن انسحبت، لأنها لم ترَ في المشروع ما كانت تتوقعه من حيث التكلفة والفائدة التي ستعود عليها"، مشيراً إلى أن "إسرائيل اتخذت بعض الخطوات المتعلقة بالتعاون شرقي المتوسط، وتركيا بدورها مستعدة لاتخاذ الخطوات اللازمة أيضاً معها".

وسبق هذا التصريح بنحو أسبوع، تأكيدُ أردوغان أن بلاده "مهتمة بنقل الغاز الإسرائيلي عبر أراضيها"، وقال الرئيس التركي في حديث للصحفيين، في 18 يناير/كانون الثاني، إن بلاده مهتمة بـ"استئناف المحادثات مع إسرائيل بشأن نقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا"، مضيفاً: "إذا نُقل الغاز إلى أوروبا، فلن يتم ذلك إلا من خلال تركيا".

خارطة لمقترح سابق لمد أنبوب غاز إسرائيلي نحو أوروبا عبر تركيا، TRT World

وذكر أردوغان أن إسرائيل وتركيا أجرتا عدة محادثات لنقل الغاز الإسرائيلي عبر تركيا قبل الآن، مشيراً إلى أن الجانب الإسرائيلي على مستوى الرئيس ورئيس الوزراء، يبعث برسائل في هذا الشأن إلى تركيا، وأن أنقرة لاتزال حريصة على العمل مع إسرائيل حول ذلك.

وقد تفتح زيارة الرئيس الإسرائيلي لأنقرة في فبراير/شباط القادم، والتي تحدث عنها أردوغان، صفحة جديدة في العلاقات بين الطرفين، يكون عنوانها الرئيسي التعاون بين الطرفين في مشروع نقل الغاز عبر المتوسط إلى أوروبا، لكن ماتزال هناك العديد من الملفات الشائكة بين الطرفين، في ظل تشكيك إسرائيلي بـ"جدّية" تركيا في إصلاح العلاقات، حيث ماتزال تل أبيب تطالب أنقرة بأن "تكف عن السماح لحماس بالتخطيط لأنشطة عسكرية انطلاقاً من أراضيها، وأن تكون أكثر شفافية بشأن أنشطتها فى القدس الشرقية، وأن يخفف أردوغان والمسؤولون الأتراك من حدَّة خطابهم القاسي المناهض لإسرائيل".

تحميل المزيد