“الروس قادمون”.. لماذا تخشى السويد أكثر من غيرها من “طموحات بوتين” العسكرية في أوروبا؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/01/26 الساعة 14:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/05 الساعة 06:26 بتوقيت غرينتش
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أرشيفية/ تاس

تعيش السويد حالة من القلق المتصاعد بسبب الأزمة الأوكرانية، وعاد مصطلح "الروس قادمون" ليتصدر النقاشات السياسية في البلاد، فما قصة تلك الدولة الأوروبية التي كانت يوماً قوة عظمى؟

السويد، مثل فنلندا، واحدة من الدول الاسكندنافية التي تقع في شمال أوروبا وهي ليست عضواً في حلف الناتو، لكن تاريخها المعقد مع روسيا القيصرية أضفى بعداً آخر على حالة القلق التي تعيشها أوروبا بشكل عام خوفاً من اندلاع الحرب على خلفية الأزمة الأوكرانية، خصوصاً أن المؤشرات جميعها تقول إن الحرب باتت وشيكة بالفعل.

ورغم إصرار الكرملين على نفي وجود أي خطط لديه لغزو أوكرانيا، فإن صور الأقمار الصناعية تظهر تزايد الحشود العسكرية الروسية على الحدود مع أوكرانيا، وقالت أحدث تقييمات وزارة الدفاع الأوكرانية قبل أيام إن موسكو أكملت بالفعل تحضيراتها لشن غزو شامل، إذ بلغت أعداد القوات البرية الروسية عند الحدود أكثر من 106 آلاف، فيما توجد آلاف من القوات البحرية والجوية، ليصل المجموع إلى أكثر من 127 ألفاً، استعداداً لغزو شامل قد يقع في أي لحظة، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.

وتتهم روسيا الغرب بالتسبب في التوتر الحالي والتصعيد من خلال نشر أسلحة وقوات لحلف الناتو في شرق أوروبا والإعلان عن قرب انضمام أوكرانيا لعضوية الحزب. ويريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضمانات مكتوبة من واشنطن بأن الناتو لن يضم أي أعضاء جدد وسيبعد الحلف أسلحته من شرق أوروبا.

السويد تعزز من استعدادها العسكري

نشرت السويد قوات عسكرية في جزيرة غوتلاند المطلة على بحر البلطيق خلال الأيام القليلة الماضية، وأفاد تقرير لوكالة بلومبيرغ الأمريكية أن الدولة الاسكندنافية أرسلت تعزيزات عسكرية إلى الجزيرة المطلة على بحر البلطيق والقريبة من روسيا.

وظهرت عربات عسكرية ومدرعات وقوات في شوارع مدينة فيسبي في الجزيرة، وهو مشهد غير معتاد في المدينة الساحلية، فيما وصفت ستوكهولم الخطوة بأنها رد على "النشاط الروسي" المتزايد في المنطقة.

والإشارة من جانب الحكومة السويدية في هذا السياق إلى قيام ثلاث سفن إنزال روسية باجتياز مضيق الحزام العظيم في بحر البلطيق خلال الأسبوع الجاري، وسط تصاعد التوتر بين روسيا وحلف الناتو على خلفية الأزمة الأوكرانية المشتعلة حالياً.

قوات سويدية في جزيرة غوتلاند/ رويترز

وتزامنت تلك التطورات مع تحليق طائرات بدون طيار مجهولة المصدر فوق المفاعلات النووية الثلاثة في السويد، إضافة إلى تحليق طائرات أخرى فوق القصر الملكي السويدي، بحسب تحليل لموقع فرانس24، رصد كيف تسبب تحليق تلك الدرونات المجهولة في زيادة حالة الهلع بين السويديين من "نوايا" روسيا تجاه بلادهم.

وتلقت الشرطة السويدية بلاغات أخرى بتحليق طائرات بدون طيار فوق مطارين في العاصمة ستوكهولم، وفي 17 يناير/كانون الثاني، أعلنت المخابرات السويدية أنها تولت التحقيق في قصة تلك الطائرات مجهولة المصدر، وسط حديث متصاعد في وسائل الإعلام السويدية حول تكثيف روسيا إشاراتها العدوانية تجاه أوروبا بشكل عام والسويد بشكل خاص.

وربما يبدو ذلك غريباً بعض الشيء بالنسبة لمتابعي الأزمة الأوكرانية الحالية، فالسويد ليست عضواً في حلف الناتو، فلماذا تبدو أكثر الدول الأوروبية قلقاً مما يحدث إذا؟

"الروس قادمون!"

تكمن إجابة التساؤلات بشأن القلق السويدي من روسيا في عمق تاريخ الدولتين، فالسويد قبل أكثر من أربعة قرون كانت تعتبر من الدول الكبرى في أوروبا. ويقول مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات رسلان بوخوف إن "روسيا بالنسبة إلى السويد هي مرعبة منذ زمن بعيد حتى قبل عهد كارل الثاني عشر (ملك السويد)، وهم يجلُّون هذه الذكريات"، بحسب تقرير لموقع روسيا اليوم، وأضاف أن السويديين أقاموا بناء تذكارياً لتخليد ذكرى كنيسة أحرقتها قوات بطرس الأول، رغم مرور 400 سنة على الحادث.

والإشارة هنا إلى وقت كانت فيه السويد إمبراطورية وقوة عظمى في أوروبا وسعت إلى غزو الأراضي الروسية وضمها إليها، لكن القيصر الروسي بطرس الأول انتصر على ملك السويد في معركة "بولتافا" عام 1709، فكانت تلك المعركة بداية النهاية لمملكة السويد التي كانت تشمل منطقة البلطيق. ومنطقة "بولتافا" تقع في أوكرانيا حالياً.

ومنذ ذلك الوقت أصبحت عبارة "الروس قادمون!" محفورة في أذهان السويديين، إذ عندما عاد ملكهم كارل الأول مع القليل المتبقي من رجاله كانوا يصيحون بالعبارة تحذيراً لأهالي البلاد.

ومنذ بداية الأزمة الأوكرانية، عاد المصطلح "الروس قادمون!" ليصبح عنواناً رئيسياً في الإعلام السويدي، ليس حالياً فقط، ولكن منذ ضمت روسيا إقليم شبه جزيرة القرم الأوكراني عام 2014.

تدريبات عسكرية مشتركة مع قوات أمريكية لأول مرة من 20 سنة/ رويترز

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، اتخذت الأمور منحنى جديداً داخل السويد، وبدأ النقاش يتركز حول مدى قدرة الجيش السويدي على صد أي هجوم روسي يستهدف البلاد من ناحية، وإذا ما كان الوقت أصبح مناسباً للانضمام إلى حلف الناتو من ناحية أخرى. ولا يعتبر الجدل بشأن الانضمام لحلف الناتو جديداً في السويد، إذ يظهر على السطح كل فترة، لكن إصرار روسيا هذه المرة على أن يتعهد الحلف بعدم ضم أعضاء جدد في أوروبا، وخصوصاً أوكرانيا، أضاف بعداً جديداً إلى النقاش داخل السويد.

وكان الأمين العام لحلف الناتو، يانس ستولتنبرغ، قد صرح مؤخراً أن السويد وفنلندا تتوفر فيهما إلى حد كبير المعايير الدفاعية للحلف، ويمكنهما الانضمام بسرعة إلى الناتو في حالة اتخاذ قرار سياسي لكل منهما. وقبل ذلك، قالت نائبة وزيرة الخارجية الأمريكية، فيكتوريا نولاند، إن الولايات المتحدة مستعدة للتباحث مع فنلندا والسويد بشأن إمكانية انضمامهما إلى الناتو، إذا أعربت هاتان الدولتان عن هذه الرغبة.

وأعلن وزير الدفاع السويدي، بيتر هولتكفيست، أن "​القوات المسلحة​ تتخذ الإجراءات اللازمة لحماية سلامة السويد وإظهار قدرتنا على حماية البلاد ومصالحها".

ما الذي تخشاه السويد من بوتين؟

تكمن إجابة هذا السؤال في جزيرة غوتلاند السويدية بسبب موقعها الجغرافي على بحر البلطيق. إذ عاش السويديون طوال عقود الحرب الباردة على أعصابهم خوفاً من أن يقوم الاتحاد السوفييتي باحتلال الجزيرة أو البلاد ككل بسبب موقعها الاستراتيجي في مواجهة الحلف الغربي. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بدأ السويدون يتنفسون الصعداء، وألغت الحكومة عام 2010 التجنيد الإجباري في البلاد، والذي كان مطبقاً منذ عام 1901.

لكن غزو روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية وضمها عام 2014 دفع السويد لإعادة فرض التجنيد الإجباري مرة أخرى، وفرضته هذه المرة على الذكور والإناث، كما أعادت نشر قوة عسكرية دائمة في جزيرة غوتلاند.

فالجزيرة هي سبب القلق السويدي حالياً، نظراً لموقعها الجغرافي على بحر البلطيق، إذ لا تبعد الجزيرة سوى 300 كلم شمال قاعدة كالينغراد البحرية وتواجه دول البلطيق الثلاث (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا). من يسيطر على غوتلاند إذاً يمتلك طريقاً مفتوحاً إلى الجمهوريات الثلاث.

دبابة روسيا بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، سبوتنيك

لكن الجمهوريات الثلاث أعضاء في حلف الناتو وهو ما يعني أن دول الحلف بما فيها الولايات المتحدة ملزمون بالدفاع عنهم بموجب المادة 5 من ميثاق الحلف. وقال ماغنيس كريستنسين الباحث العسكري في الجامعة السويدية العسكرية لموقع فرانس 24: "سيكون الأمريكيون مضطرين لإرسال الطائرات بسرعة لمساعدة حلفائهم، وستحلق تلك الطائرات فوق بحر البلطيق. لكن إذا سيطر الروس على جزيرة غوتلاند يمكنهم نشر صواريخ وروبوتات مقاتلة تجعل مهمة الوصول لدول البلطيق والدفاع عنها أكثر صعوبة".

ويرى كريستنسين أن سيطرة الروس على دول البلطيق سيكون كارثة بالنسبة للمعسكر الغربي، وسيقضي عملياً على حلف الناتو، إذ سيصبح شعار الحلف "واحد للكل والكل لواحد" المتضمن المادة الخامسة بلا معنى.

ولا يخفى أي من هذا النقاش بالطبع عن الرئيس الروسي بوتين، الذي كان قد قال في سبتمبر/أيلول 2016، إن "جميع الناس العقلاء الذين يمتهنون السياسة فعلاً يدركون أن ما يقال عن الخطر الروسي على دول البلطيق مثلاً، هو هراء. هل نحن ننوي محاربة الناتو؟ صحيحٌ أننا دولة نووية عظمى. فهل تعتقدون فعلاً أننا ننوي الاستيلاء على دول البلطيق باستخدام السلاح النووي؟ أم ماذا؟ ما هذا الهراء؟". والسؤال الآن، أي من وجهتي النظر أقرب للواقع؟ مخاوف السويد أم نفي بوتين؟

تحميل المزيد