تُظهِر الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها ابوظبي بطائراتٍ مُسيَّرة وصواريخ لمراتين في أسبوع واحد من قبل الحوثيين وكذلك الضربات الجوية الانتقالية التي شنَّها التحالف السعودي على منطقةٍ سكنية في صنعاء بداية من الإثنين 17 يناير/كانون الثاني، أن الحرب على اليمن مستمرة في زعزعة استقرار المنطقة وأن المدنيين ما زالوا يدفعون الثمن.
والأسوأ من ذلك أن إدارة بايدن تقول الآن إنها قد تعيد تصنيف الحوثيين باعتبارهم جماعةً إرهابية، الأمر الذي قد يقطع المزيد من المساعدات الإنسانية إلى ما بعد الحصار السعودي الحالي الذي يخنق البلاد، كما يقول تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
قال بايدن العام الماضي في هذا الوقت إنه يريد إنهاء الحرب، لكن يبدو أن هذا يحرك البوصلة في الاتجاه المعاكس تماماً.
أسفرت هجمات الحوثيين على مطار أبوظبي ومنشأةٍ نفطيةٍ الأسبوع الماضي عن مقتل ثلاثة عمال مدنيين، وأدَّى الردُّ الفوري للتحالف إلى مقتل ما لا يقل عن 20 شخصاً، معظمهم من النساء والأطفال. وبينما تجاهلت الولايات المتحدة وبقية العالم الصراع والأزمة الإنسانية المتزايدة الخطورة هناك، اشتدَّت الحرب مرة أخرى.
وأمس الإثنين استهدف الحوثيون أبوظبي مرة أخرى لكن الدفاعات الجوية التي استخدمتها الإمارات نجحت في التصدي للصواريخ الباليستية التي أطلقها المتمردون اليمنيون.
وكان سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، كشف عن استخدام بلاده منظومة اعتراض خلال الهجوم الذين شنه الحوثيون على الإمارات الأسبوع الماضي، لكنه لم يذكر نوع النظام المستخدم.
وكانت تقارير استخباراتية قد سلطت الضوء على استخدام منظومة الدفاع "ثاد" أمريكية الصنع، في المناطق ذات الارتفاعات العالية؛ لحماية الإمارات العربية المتحدة خلال هجوم بطائرة بدون طيار وصاروخ، في الأسبوع الماضي، وكذلك الحاجة إلى دفاعات جوية في المنطقة.
وأبلغت عن استخدام المنظومة لأول مرة، صحيفة Defense News، التي أفادت بأن "نظام دفاع صاروخي بمليارات الدولارات، تملكه الإمارات العربية المتحدة وطوره الجيش الأمريكي، اعترض صاروخاً باليستياً يوم الإثنين 23 يناير/كانون الثاني، خلال هجوم مميت شنه مقاتلو الحوثي على أبوظبي، وهو ما يمثل أول استخدام معروف للمنظومة في عملية عسكرية"، بحسب تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
حماية المنشآت النفطية
وأشار موقع The Drive الإخباري إلى أن "المنظومة أسقطت صاروخاً باليستياً خلال أول استخدام عملي ناجح مسجل لها، على يد الإمارات العربية المتحدة. والصاروخ الباليستي الذي استهدفته، أطلقه مسلحو الحوثي، خلال هجوم الإثنين الماضي، على مواقع ومنشآت إماراتية حساسة".
وأضافت صحيفة Defense News أنَّ المنظومة استُخدِمَت لإحباط أي تهديد للمنشآت النفطية. وقع الهجوم في 17 يناير/كانون الثاني، وأحد التفاصيل الرئيسية، التي لم تكن معروفة في ذلك الوقت، هو سبب عدم وجود مزيد من أنظمة اعتراض الطائرات بدون طيار وتهديدات الصواريخ
الإمارات متورطة في حرب اليمن
تشير التطورات الأخيرة إلى أن الإمارات لا تزال متورِّطة إلى حدٍّ كبير في الحرب على اليمن من خلال تسليحها ودعمها لميليشياتها بالوكالة. كانت هناك هجماتٌ أخرى للحوثيين على أراضي الإمارات، لكن يبدو أن الهجمات الأخيرة على أبوظبي كانت طريقة الحوثيين للردِّ على الانتكاسات التي عانوا منها على أيدي الوكلاء المدعومين من الإمارات من خلال إظهار قدرتهم على الرد مباشرة على الرعاة الإماراتيين.
وبينما قلَّصت الإمارات مكانتها في الحرب على اليمن، فإنها لا تزال طرفاً في الصراع، ويحمِّلها الحوثيون مسؤولية ما تفعله الميليشيات التي يسلِّحونها. وقال متحدِّثٌ باسم جماعة الحوثي في وقتٍ سابق من الأسبوع الماضي إن "الإمارات دولةٌ غير آمنة طالما استمر تصعيدها العدواني ضد اليمن".
تؤكِّد الهجمات في أبوظبي أيضاً على أن تدخُّل التحالف السعودي باسم "استقرار" اليمن لم يدمِّر اليمن فحسب، بل أدى إلى مزيد من عدم الاستقرار في جميع أنحاء شبه الجزيرة. ومثلما دَفَعَ التحالف إيران والحوثيين إلى التقارب أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، فإن الحرب التي خاضوها باسم "الدفاع عن النفس" قد عرَّضَت بلدانهم لمخاطر أكبر مِمَّا واجهته قبل سبع سنوات، بحسب الموقع الأمريكي.
ضربة لعودة العلاقة بين الإمارات وإيران
وبالمثل، وجَّهَت الهجمات ضربةً للمشاركة الدبلوماسية الناشئة بين إيران والإمارات بسبب صلات إيران بالحوثيين. كان التقارب المحتمل بين الجارتين علامةً مُشجِّعة على أن تهدئة التوتُّرات الإقليمية قد تكون وشيكة، لكن هذا الآن في موضع خطر. طالما سُمِحَ للحرب على اليمن بالتفاقم، فإنها ستجعل كل دول شبه الجزيرة أقل أمناً، وستزيد من التوتُّرات بين إيران وجيرانها، وستورِّط حكومة الولايات المتحدة في المزيد من جرائم عملائها.
فشلت إدارة بايدن في العام الأول من ولايتها في ممارسة أيِّ ضغوط كبيرة على التحالف السعودي لإنهاء الحملة العسكرية والحصار. على العكس من ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة قد استأنفت العمل كالمعتاد مع كلٍّ من المملكة السعودية والإمارات بمبيعات أسلحةٍ جديدة. وبعيداً عن التعامل مع المملكة السعودية على أنها "منبوذة"، كما تعهَّد بايدن من قبل، فقد فعل العكس من ذلك تماماً. وكما أوضَحَ كلٌّ من تريتا بارسي وأنيل شيلاين من معهد كوينسي في مقال نُشِرَ مؤخراً في مجلة The New Republic: "يخبرنا كبار أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين أن استراتيجية الإدارة هي تزويد المملكة السعودية بدعمٍ واسع النطاق الآن، على أمل أن يمنح ذلك زخماً للمملكة في الحرب في الأشهر القليلة المقبلة، وعندها سيوافق محمد بن سلمان على إنهاء الحرب دون أن يفقد ماء الوجه".
ليس هناك الكثير من التمايز بين هذه "الاستراتيجية" المتمثِّلة في التسامح مع الرياض والشيك على بياض الذي أعطته إدارة ترامب للسعوديين، ولن تنهي دور التحالف في الحرب. ويبقى أن الولايات المتحدة لديها نفوذ كبير لدفع هذه الحكومات لوقف حملتها، ولكن يجب أن تكون مستعدةً لاستخدامه. لن يخاطر بايدن ببساطة بإثارة استعداء حكومتين حليفتين متهورِّتين حتى عندما يكون من الواضح أن القيام بذلك من مصلحة الولايات المتحدة.
في أعقاب الهجمات التي وقعت في أبوظبي، طالبت الإمارات بإعادة تصنيف الحوثيين كإرهابيين من قِبَلِ الولايات المتحدة. لسوء الحظ، يبدو أن الولايات المتحدة تستمتع بفعل ذلك على وجه التحديد. قال الرئيس بايدن في مؤتمره الصحفي الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة تدرس خيار تصنيف الحوثيين. قد يمثل ذلك انعكاساً كاملاً لأحد التغييرات السياسية الأولى والأهم لإدارة بايدن، وإذا حدث ذلك فسيحكم على مئات الآلاف وربما الملايين بالموت الذي يمكن تجنُّبه بسبب المجاعة والمرض بحسب الموقع الأمريكي.
وقد أثارت تصريحات بايدن إدانات فورية من نشطاء حقوق الإنسان وجماعات الإغاثة، الذين شدَّدوا على أن تصنيف الإرهاب سيكون له آثار مدمرة على السكان المدنيين الذين يعانون بالفعل. قالت أفراح ناصر، الباحثة في هيومن رايتس ووتش: "التصنيف سيؤدي إلى تفاقم المعاناة الإنسانية التي لا توصف بالفعل في جميع أنحاء البلاد".