في أكبر هجوم منذ سقوط خلافته المزعومة، شنت أعداد كبيرة من مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي، هجوماً على سجن في الحسكة بشمال سوريا الخاضع لسيطرة الأكراد بهدف إطلاق مزيد من المقاتلين المحبوسين بالسجن، ويذكر هجوم سجن الحسكة بطريقة الهجمات على السجون التي تأسس من خلالها التنظيم في العراق قبل سنوات.
ومما يشير إلى أنه قد يكون ما حدث نتيجة مخطط كبير ومدروس، وقوع هجوم على وحدة عسكرية عراقية بالتزامن تقريباً مع هجوم سجن الحسكة، وهي مدينة ليست بعيدة عن الحدود العراقية.
تفاصيل هجوم سجن الحسكة
شارك ما لا يقل عن 200 من مقاتلي داعش في هجوم بدأ الخميس 20 يناير/كانون الثاني 2022 استهدف سجن الحسكة المعروف باسم سجن الصناعة، ويقع بحي غويران بالمدينة، بحسب قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، ويضم سجن الحسكة نحو خمسة آلاف سجين ويعد أكبر سجن لعناصر التنظيم في العالم.
وأدى الهجوم إلى معركة مع المقاتلين الأكراد الذين تدعمهم الولايات المتحدة استمرت عدة أيام وخلفت عشرات القتلى، ولا يعرف بشكل يقيني إلى أين وصلت، رغم تقارير متكررة من الأكراد بسيطرتهم على الوضع.
بدأ القتال بانفجار كبير حوالي الساعة 7 مساءً ، تلاه انفجاران آخران لاحقاً، على حد قول أحد السكان الذي يطل منزله على المنطقة. كان الهجوم معقداً.
وقال فرهاد شامي الناطق باسم "قوات سوريا الديمقراطية" التي يتحكم بها الأكراد إن السجناء داخل المنشأة قاموا بأعمال شغب وحاولوا الهرب في وقت واحد حيث انفجرت سيارة مفخخة في الخارج واشتبك مسلحون مع قوات الأمن. ثم انفجرت سيارة مفخخة في مستودع بترول قريب، مما أدى إلى اندلاع حريق.
وزعم داعش، السبت، في بيان صدر عن جناحه الإعلامي، أعماق، أن نحو 800 من أعضائه ومنتسبيه تمكنوا من الفرار من سجن غويران وأن مقاتليه قتلوا ما لا يقل عن 200 من قوات سوريا الديمقراطية، بمن فيهم مدير السجن. لا يمكن لـ CNN التحقق من هذه الادعاءات بشكل مستقل.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، الأحد، إن قرابة 850 طفلاً معرضون لخطر مباشر مع استمرار العنف في شمال شرق سوريا.
وعلى الجانب الآخر من الحدود في العراق، اقتحم مسلحون ثكنات عسكرية شمالي بغداد قبل فجر يوم الجمعة بينما كان جنود بداخلها نائمين وقتلوا 11 قبل أن يفروا – وهو الهجوم الأكثر دموية منذ شهور على الجيش العراقي، مما يدل على كيفية عودة تهديد الجماعة المتطرفة على الرغم من هزيمته الإقليمية في المنطقة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
يبدو أن هناك عملية تخطيط سرية
وأسفرت الهجمات في وقت متأخر من يوم الخميس وأوائل يوم الجمعة عن أسوأ يوم في أعمال العنف المرتبطة بداعش منذ فترة طويلة وأظهرت أن هناك ما يشبه تمرداً يعمل سراً مع قيامه بتنفيذ عمليات إطلاق النار وتفجيرات مميتة.
تشير الهجمات الجريئة إلى أن المسلحين قد تم تنشيطهم بعد الحفاظ على مستوى منخفض من التمرد في العراق وسوريا على مدى السنوات القليلة الماضية. تم القضاء على سيطرة الجماعة على الأراضي في العراق وسوريا من خلال حملة استمرت لسنوات بدعم أمريكي، لكن مقاتليها استمروا بخلايا نائمة قتلت بشكل متزايد عشرات العراقيين والسوريين في الأشهر الماضية، حسبما ورد في تقرير لموقع ABC News الأمريكي.
وأشارت قوات سوريا الديمقراطية إلى أن المعتقلين قالوا إن الهجوم استغرق ستة أشهر من التخطيط، حسبما ورد في تقرير لموقع شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
وقال قائد القوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبادي، إن التنظيم حشد "معظم خلاياه النائمة" لتنظيم عملية الهروب من السجن.
وسجن غويران أو الصناعة الذي استهدفه الهجوم، وهو الأكبر من بين حوالي عشرة منشآت تديرها القوات الكردية السورية المدعومة من الولايات المتحدة والتي تحتجز مقاتلين يشتبه في أنهم من تنظيم داعش.
من يقود هذا الهجوم؟
قالت قوات قسد إن بعض مقتحمي السجن جاءوا من مناطق رأس العين وتل أبيض في سوريا وآخرين من منطقة الرمادي في العراق. وقالت "قسد" إن هذه التفاصيل تم الحصول عليها بعد اعترافات من "الإرهابيين" الأسرى الذين شاركوا في الهجوم.
وقال فرهاد الشامي، المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد: من يقود المقاتلين مسلحون ليسوا سوريين في أغلبهم، يتحدث الكثير منهم باللهجة العراقية، معتبراً أن "هذه ليست عملية محلية".
وقال الشامي إنهم المسلحين برشاشات ثقيلة وعربات مفخخة هاجموا مساء الخميس بهدف تحرير رفاقهم.
وأفادت تقارير بأن السجناء المتمردين بينهم أعداد كبيرة من الأجانب من حملة الجنسيات الغربية، وقيل إنهم القوة الأولى وراء الهجوم.
وقالت "قسد"، الأحد، إن قواتها تتعامل مع "خلايا إرهابية مجهولة الهوية" قادمة من حي غويران، في محاولة لتقديم الدعم لمسلحي داعش والأسرى المحاصرين في القسم الشمالي من السجن.
القتال وصل إلى حي مجاور
وكانت القوات الكردية تحاول، الجمعة، استعادة الجزء الشمالي من السجن، حيث ظل النزلاء مسيطرين وحاولوا الهروب مرة أخرى.
كما كانت قوات سوريا الديمقراطية تهاجم حي الزهور القريب؛ حيث يتحصن مقاتلو داعش. وقال الشامي إن القتال كان كثيفاً والحركة بطيئة؛ لأن المسلحين فجروا المنازل بالمتفجرات واستخدموا المدنيين كدروع بشرية. قال إن طائرات الهليكوبتر التابعة للتحالف وطائرات أخرى نفذت ضربات خلال المعركة، بما في ذلك في الزهور والسجن.
وقال ساكن بالمنطقة تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً على سلامته: "منذ يوم أمس طائرات الهليكوبتر تحلق دائماً في السماء"، حسبما نقل عنه الموقع الأمريكي.
وقال إن المدنيين يفرون من الزهور، وأغلقت المتاجر في أنحاء الحسكة مع انتشار قوات الأمن.
الولايات المتحدة تتدخل، وهذه هي نتيجة القتال حتى الآن
وقال التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في بيان أمس الأحد: "لقد استولى العديد من معتقلي داعش على أسلحة من حراس السجن الذين قتلوهم، ثم اشتبكوا مع قوات الرد السريع التابعة لقوات سوريا الديمقراطية".
وقال السكرتير الصحفي للبنتاغون جون كيربي يوم الجمعة إن الولايات المتحدة استخدمت الضربات الجوية لدعم قوات سوريا الديمقراطية في التصدي للهجوم على سجن الحسكة.
وقال كيربي: إن الولايات المتحدة تدرك أن تهديد داعش لم يزُل، و"نظل نركز على ذلك".
ويوم الجمعة، قال المتحدث باسم قسد إنها طوقت المنطقة واستعادت حتى الآن القبض على 104 مسلحين فروا من السجن. لكنه قال إن العدد الإجمالي لمن هربوا لم يتحدد.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا بارتفاع عدد القتلى إلى 67. وقال إن ما لا يقل عن 23 من قوات الأمن وحراس السجون الكرديين قتلوا، إلى جانب 39 مسلحاً وخمسة مدنيين.
هل انتهى التمرد؟
وحسب التقارير فإنه بدعم التحالف الدولي.. اقتحمت قسد سجن غويران بالحسكة.
وقال القوات الكردية يوم الأحد إن "السجن تحت سيطرة قواتنا، وقد تم اتخاذ الإجراءات التي أحبطت كل محاولات الهروب من الأسرى"، حسب "قسد"، التي أضافت أن "قواتنا تعمل على فرض سيطرتها داخل السجن".
وقال، مظلوم عبادي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، مساء الجمعة، إن قواته تمكنت من صد الهجوم بمساعدة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وكتب على تويتر أنه تم القبض على جميع الهاربين. ولكن قال المتحدث الشامي إن المواجهة ما زالت جارية في الزهور.
وأفادت آخر التقارير بأن عناصر داعش المتمردين المتحصنين بسجن الحسكة القديم، بدأوا بتسليم أنفسهم لقوات سوريا الديمقراطية.
لماذا قد تمثل هذه العملية مصدر خطورة؟
يعتقد أن تنظيم داعش نشأ إلى حد كبير في الأصل داخل السجون العراقية، من سجناء المجموعات المسلحة المعارضة للوجود الأمريكي في العراق، وخاصة الأكثر تطرفاً منهم، وكثيراً منهم كانوا أكثر عنفاً ودموية ضد الشيعة من تنظيم القاعدة نفسه الذي عادة ما كان يتجنب المواجهة مع إيران والشيعة، ويعتقد أن الاحتلال الأمريكي واضطهاد السُّنة من قِبل الأحزاب الشيعية فاقما تطرُّف هذه المجموعات.
كما كانت محاولات الهروب من السجون تكتيكاً رئيسياً للجماعة. خلال صعودهم في عام 2014، والذي سيطروا فيه على مناطق في العراق وسوريا.
وقام تنظيم داعش آنذاك بعدة عمليات هروب من السجون، وكان يحقق أهدافاً عدة للتنظيم منها نشر الفوضى والرعب والأهم إطلاق المقاتلين المتطرفين من السجون لكي ينضموا لقواته، بل أحياناً ضم مساجين جنائيين آخرين أيضاً.
وبحسب فرهاد الشامي، المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، فإن سجن الحسكة يحتجز نحو 5000 شخص، بمن فيهم قادة وشخصيات من تنظيم الدولة الإسلامية، يعتبرون من بين الأخطر.
من يتحمل مسؤولية ما حدث؟
غطت الخلافة المزعومة لتنظيم داعش في أوجها نحو ثلث مساحة كل من العراق وسوريا. استمرت الحرب التي أعقبت ذلك ضد التنظيم عدة سنوات، وتسببت في قتل الآلاف، وتركت أجزاء كبيرة من البلدين المتجاورين في حالة خراب.
وكان المستفيد الأكبر من هذه الحرب النظام السوري بعد أن قضى داعش على المعارضة السورية المعتدلة التي كادت تهزمه، وأكراد سوريا الذين استفادوا من الفراغ الذي خلفه سحق داعش للمعارضة السورية والدعم الغربي، وأخيراً الحشد الشعبي الموالي لإيران الذي أسس في العراق من أجل محاربة داعش، وأصبح قوة عسكرية رسمية رغم عدم طاعته لأوامر حكومة بغداد.
ونتيجة الحرب على داعش سيطر المسلحون الأكراد الذي لم يكن لهم وزن كبير في بداية الثورة السورية على شرق وشمال شرق سوريا، مع وجود محدود لمئات من القوات الأمريكية التي لا تزال منتشرة هناك.
أوروبا تبقي متطرفي داعش في بوتقة واحدة
وبينما تلقي بعض الدوائر الغربية اللوم على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لسحبه القوات الأمريكية من سوريا، علماً بأنها فعلياً لم تنسحب، يجرى تجاهل أن المشكلة الحقيقية هي إبقاء آلاف من سجناء داعش من بينهم أعداد كبيرة من المقاتلين الأوروبيين في يد قوة غير نظامية مثل سوريا الديمقراطية.
وسبق أن أبدت تركيا إصراراً على تسليم المسلحين الأجانب الذين تلقي القبض عليهم لدولهم، كما سبق أن استخدمت قسد ورقة التلويح بإطلاق مقاتلي داعش الأجانب من سجونها كورقة ضغط على الغرب في مواجهات بين الجيش التركي وقوات المعارضة السورية وبين الأكراد.
والعام المنصرم، طالبت مفوضية المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان، دينا مياتوفيتش، دول الاتحاد الأوروبي باستقبال مواطنيها، وكذلك دعت وزارة الخارجية الأمريكية الدول الأوروبية إلى استعادتهم، مع ضمان إعادة تأهيلهم، أو محاكمتهم إذا ثبت ارتكابهم جرائم إرهابية.
وتفيد بعض التقديرات بأنه قد انضم لداعش أكثر من 40 ألف مقاتل، بينهم 5 آلاف من أوروبا، قتل 10% منهم في ساحات القتال، وعاد منهم نحو 30%، فضلاً عن بقاء 1000 أوروبي من عائلات داعش داخل سجون ومخيمات سوريا والعراق.
الحشد الشعبي أصبح مكروهاً من كل العراقيين
في الحالة العراقية، على الأرجح أن صعود داعش الأخير هو نتيجة الفراغ الأمني بسبب التوترات السياسية خاصة بين الأحزاب التابعة للحشد الشعبي وبين مقتدى الصدر والعديد من القوى السياسية والشعبية الساخطة على الحشد.
ولا يمكن استبعاد أيضاً أن الحشد الشعبي قد تساهل في محاربة داعش، لإظهار أهميته للشعب والحكومة العراقيين في ظل السخط الشعبي الكبير ضده ومحاولة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تقليل نفوذه.
وبما أن الحرب مع داعش كانت الدافع لتأسيس ميليشيات الحشد الشعبي عام 2014 بعد هزيمة التنظيم المدوية للجيش والشرطة العراقيين، فإن انبعاث داعش، حتى لو بشكل ليس كبيراً يجدد شرعية الحشد، الذي أصبح مكروهاً لدى كافة العراقيين، وهو ما تظهره نتائج الانتخابات الأخيرة وقبلها الاحتجاجات الشعبية التي أدت لإجراء هذه الانتخابات المبكرة.
سخط على الحكم الكردي في شرق سوريا
ولكن في سوريا هناك متغير آخر يمثل حاضنة شعبية لداعش، حيث يدعم الغرب ما يعرف بالإدارة الذاتية الكردية التي تسيطر على شرق سوريا (كل ما هو شرق الفرات تقريباً) وهي منطقة شاسعة أغلب سكانها من العرب وليسوا من الأكراد، وكثير منهم سلالة قبائل عربية عريقة وثيقة الصلة بالعراق والجزيرة العربية والأردن.
والتركيبة الاجتماعية لسكان المنطقة لا تقبل الخضوع لحكم الأقلية الكردية التي بنت دولة تهمِّش العرب ويسيطر على مقدراتها الأكراد بطريقة لا تختلف كثيراً عن النموذج العنصري الإسرائيلي والجنوب إفريقي السابق.
وتبنّت الإدارة الذاتية الكردية خطاب الحكم الذاتي القائم على "أخوة الشعوب"، وفي الوقت نفسه، أبدت رفضها التخلّي عن أي سلطة فعلية في مجال صناعة القرار، وتسليمها إلى الجماعات الكردية المحلية أو إلى القيادة السياسية والعسكرية الاسمية للمشاركين العرب في الإدارة الذاتية و"قسد"، حسبما ورد في ورقة بحثية أعدها الباحثان إليزابيث تسوركوف، وعصام الحسن، ونُشرت في موقع مركز كارنيغي .
ويقول السكان المحليون في المدن ذات الأكثرية العربية الخاضعة لسيطرة "قسد" إنَّ تهميش العرب من آلية الحكم في مناطقهم يولِّد مشاعرَ استياء لدى العرب المثقَّفين والمتمرِّسين، الذين يعتبرون أنفسَهم غير معنيين بإدارة مناطقهم.
وفي حين عُيِّن العرب في مناصب عسكرية ومدنية قيادية في جميع المناطق ذات الأكثرية العربية، يتّخذ الكوادر الحزبية الكردية الذين يوصَفون بأنهم "مستشارو" القادة العرب المحليين، معظمَ القرارات، ويتجاوزون أحياناً العرب المكلَّفين رسمياً بالمسؤوليات والمهام.
ويصف أحد النشطاء في دير الزور الكوادر الأكراد في الهيئات التي يتولى العرب رسمياً قيادتها، بأنهم "العلويون الجدد"، في إشارة إلى الطائفة التي ينتمي إليها آل الأسد، الذين يشغلون معظم المناصب النافذة في سوريا.
ومن المعروف أن داعش نشأ في العراق بسبب تهميش السنة العرب، وكثير من مناطق سنة العراق متاخمة لشمال شرق سوريا وهم متشابهون في الطباع.
وقد ينبعث التنظيم مجدداً من سوريا، بسبب تهميش العرب السنة في شمالي شرق البلاد.
وقبل عدة سنوات حذَّر الرئيس المشترك لأحد المجالس المدنية في شرقي سوريا في حديثه مع معدي بحث كارنيغي من أن ظهور داعش في العراق مردّه إلى حرمان السنّة من حقوقهم، ومن أن السيناريو نفسه قد يتكرر في شرقي سوريا، بسبب حرمان العرب السنّة من حقوقهم.
ويبدو أن نبوءة الرجل توشك على التحقق.