بدأ المبعوث الأممي للصحراء الغربية، ستيفان دي ميستورا منذ الخميس، 13 يناير/كانون الثاني 2022، جولته إلى كل من المغرب وجبهة البوليساريو، وبعدها سيزور كلاً من الجزائر وموريتانيا، حيث تثير زيارته إلى المنطقة تساؤلات حول جدوى الزيارة، وما يمكن أن تحققه من انفراج بالأزمة بين الجارتين المغرب والجزائر.
ما الذي تنطوي عليه زيارة دي ميستورا لحل أزمة الصحراء الغربية؟
وصل دي ميستورا إلى الرباط، في 12 يناير/كانون الثاني الجاري، والتقى بالمسؤولين المغاربة، قبل أن يتوجه بعد 3 أيام إلى مخيمات تندوف، أقصى جنوب غربي الجزائر.
وفيما اعتبر البعض أن زيارة المسؤول الأممي "للاستكشاف، وتحكمها ظرفية خاصة"، أفاد خبراء بأنه لا يُتوقع أي جديد من الزيارة "لأن كل أطراف النزاع غير متحمسة للمفاوضات".
وتقترح الرباط حكماً ذاتياً موسعاً للإقليم تحت سيادتها، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر (جارة المغرب)، التي تستضيف لاجئين من الإقليم في تندوف.
أجرى دي ميستورا في الرباط، محادثات مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، بحضور ممثل المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة عمر هلال. وعقب المحادثات، أعلنت الخارجية المغربية في بيان، في 13 يناير/كانون الثاني الجاري، الالتزام باستئناف العملية السياسية المتعلقة بإقليم الصحراء على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وفي إطار مسلسل الموائد المستديرة بحضور الأطراف الأربعة (المغرب، الجزائر، موريتانيا، البوليساريو).
وذكر البيان، أن الوفد المغربي "جدَّد خلال المباحثات التأكيد على أُسس الموقف المغربي، كما ورد في خطابي الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الـ45 والـ46 للمسيرة الخضراء".
وأفاد بأن الملك "أكد في الخطابين التزام المغرب باستئناف العملية السياسية تحت الرعاية الحصرية لهيئة الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي، وفي إطار مسلسل الموائد المستديرة، وبحضور الأطراف الأربعة".
وذكر البيان أن زيارة دي ميستورا "تندرج في إطار تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2602، المعتمد بتاريخ 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2021".
موضحاً أنه وفق القرار "جددت الهيئة التنفيذية للأمم المتحدة دعوتها لكل الأطراف مواصلة مشاركتهم في مسلسل الموائد المستديرة، بروح من الواقعية والتوافق، من أجل الوصول إلى حل سياسي وواقعي وعملي ودائم وقائم على أساس التوافق".
هل تنجح خبرة دي ميستورا بمنع تفاقم الأزمة المغاربية؟
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في 6 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعيين دي ميستورا مبعوثه إلى إقليم الصحراء، خلفاً للألماني هورست كوهلر، الذي استقال في 22 مايو/أيار 2019.
يتمتع دي ميستورا بخبرة تزيد عن 40 عاماً في الدبلوماسية والشؤون السياسية، وشغل منصب المبعوث الأممي الخاص لسوريا، وعمل ممثلاً خاصاً للأمين العام في أفغانستان والعراق وجنوب لبنان، ومدير مركز الأمم المتحدة للإعلام في روما.
ويقول دي ميستورا إنه سيعمل مع جميع المحاورين المعنيين، بما في ذلك الأطراف والبلدان المجاورة وأصحاب المصلحة الآخرين، مسترشدا بقرار مجلس الأمن 2548 والقرارات الأخرى ذات الصلة.
وصدر القرار 2548 في أكتوبر 2020، حيث مدد ولاية "بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في إقليم الصحراء" (مينورسو) حتى أكتوبر 2021، وحث "جميع الأطراف على العمل لمساعدة البعثة الأممية على إيجاد حل سياسي واقعي للنزاع". وفي أكتوبر الماضي، قرر مجلس الأمن الدولي، تمديد ولاية بعثة "مينورسو"، التي تأسست في 1991، عاما إضافيا وذلك حتى 31 أكتوبر 2022، حيث يتم تجديد ولايتها سنويا.
في السياق، يقول سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "سيدي محمد بن عبد الله" شمالي المغرب، إنه لا يتوقع "أي جديد من زيارة دي مستورا أو حصول تطور مهم في مسار التسوية السلمية لأن كل الأطراف غير متحمسة للمفاوضات".
وأضاف الصديقي، لوكالة الأناضول، أن "المغرب حقق إنجازات مهمة في ملف الصحراء، لذلك فهو غير متحمس لأي جولة جديدة من المفاوضات لأنه يرى أن لا جدوى منها في ظل الوضع العام". موضحاً أن "أقصى ما يترجى من زيارة المبعوث الأممي الجديد هو الاستماع إلى الأطراف والحيلولة دون تفاقم الأزمة".
ولفت أن "ما يصعب مهمة دي ميستورا هو وضع العلاقات المغربية الجزائرية حاليا، حيث لا توجد علاقات دبلوماسية بين البلدين بعد قطعها من طرف الجزائر التي أصبحت طرفا رئيسيا في نزاع الصحراء بحسب قرارات مجلس الأمن الدولي".
ورأى أن "الأولى أن يتم تطبيع العلاقات بين البلدين، وتسود الثقة بينهما من أجل توفير شروط ملائمة للمفاوضات بين أطراف النزاع".
وفي 24 أغسطس/ آب الماضي، أعلنت الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، بسبب ما أسمتها "خطواته العدائية المتتالية"، فيما أعربت الرباط عن أسفها جراء تلك الخطوة، ووصفت مبرراتها بـ"الزائفة".
"زيارة استكشاف للمنطقة"
وفق نبيل الأندلسي، الباحث في العلاقات الدولية، فإن "زيارة دي ميستورا إلى المنطقة تبقى زيارة استكشاف تحكمها ظرفية خاصة وتوتر حاد يصعب من مهمته، خاصة على مستوى الأزمة العميقة التي تمر بها العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر".
وأضاف الأندلسي للأناضول، أن "الزيارة تأتي أيضا في إطار تراكم انتصارات الدبلوماسية المغربية، خاصة بعد نجاح المغرب في إقناع عدد من الدول بافتتاح قنصلياتها بالصحراء (عددها 25 قنصلية وفق الخارجية المغربية)"، حسب تعبيره.
مضيفاً أن ما يزيد من صعوبة مهمة دي ميستورا أن البوليساريو تعتبر نفسها في حرب بعدما أعلنت خرق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991. وشدد أن "مهمة دي ميستورا حاليا هي تلطيف الأجواء والتحضير لمرحلة استئناف الحوار عبر آلية الموائد المستديرة بمشاركة جميع الأطراف.
يلفت الأندلسي أن "الموقف المغربي غير قابل للتنازل بعدما حدد سقف التنازلات في ما تضمنه مخطط الحكم الذاتي المقدم كحل واقعي للمشكل المفتعل في الصحراء المغربية".
زيارة المخيمات الصحراوية
بعد زيارته الرباط، أجرى دي ميستورا، زيارة إلى مخيمات تندوف التي تستقر فيها "البوليساريو" أقصى جنوب غربي الجزائر. وأعلنت الإذاعة الجزائرية الحكومية أن دي ميستورا، التقى خلال الزيارة، مسؤولين من جبهة البوليساريو لمناقشة سبل حل الصراع.
ويتطلع المبعوث الأممي للاستماع إلى آراء جميع المعنيين حول كيفية إحراز تقدم نحو استئناف بنّاء للعملية السياسية حول إقليم الصحراء.
وكان دي ميستورا قد استبق زيارته للمنطقة، بعقده سلسلة من اللقاءات والمشاورات مع عدد من المسؤولين الدوليين، وهي اللقاءات التي عبرت من خلالها العديد من الدول عن دعمها لجهوده، من أجل التوصل إلى حل سياسي وواقعي وعملي ودائم ومتوافق بشأنه لهذا النزاع الإقليمي.