قالت جماعة الحوثي اليمنية، المتحالفة مع إيران، إنها شنت هجوما على الإمارات العربية المتحدة باستخدام طائرات مسيرة استهدفت مطار أبو ظبي الدولي ومنطقة صناعية في العاصمة الإماراتية.
وأثارت مهاجمة الحوثيين أهدافا مدنية في الإمارات تساؤلات كثيرة بشأن التصعيد في حرب اليمن ومحادثات الاتفاق النووي وتطورات العلاقات بين إيران والسعودية، بينما وصف أحد المنتسبين للجماعة ما حدث بأنه "الهجوم الأول الذي ستتبعه هجمات أخرى" ما لم توقف أبو ظبي تصعيدها في اليمن.
كانت الحرب في اليمن قد بدأت مع انقلاب جماعة أنصار الله (الحوثيين) على الحكومة اليمنية في سبتمبر/أيلول 2014، ثم قادت السعودية والإمارات تحالفاً لدعم الشرعية في اليمن منذ مارس/آذار 2015 بهدف القضاء على الحوثيين وإعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى الحكم.
لكن الحرب، التي تقترب من نهاية عامها السابع، قد تسببت في نزوح ما يزيد على أربعة ملايين شخص، بينما يعتمد نحو ثلثي سكان اليمن، أي أكثر من 20 مليون نسمة، على المساعدات الإنسانية العاجلة، منهم نحو خمسة ملايين يعانون من مجاعة، إضافة لمقتل نحو 13 ألف مدني وإصابة 112 ألفاً آخرين تقول منظمات حقوقية دولية إنهم ليسوا طرفاً في الحرب.
ماذا أصابت المسيَّرات الحوثية في الإمارات؟
اليوم الإثنين 17 يناير/كانون الثاني، قالت جماعة الحوثي اليمنية، المتحالفة مع إيران، إنها شنت هجوماً على الإمارات العربية المتحدة، فيما وصفه أحد المنتسبين للجماعة "بالهجوم الأول الذي ستتبعه هجمات أخرى" ما لم توقف أبوظبي تصعيدها في اليمن.
وقالت السلطات الإماراتية إن حريقين في العاصمة أبوظبي على الأرجح بسبب هجوم بطائرات مسيرة. وأكدت شرطة أبوظبي في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية (وام) "اندلاع حريق صباح اليوم مما أدى إلى انفجار في عدد 3 صهاريج نقل محروقات بترولية في منطقة مصفح… بالقرب من خزانات أدنوك… كما وقع حادث حريق بسيط في منطقة الإنشاءات الجديدة في مطار أبوظبي الدولي".
وأضاف البيان: "تشير التحقيقات الأولية إلى رصد أجسام طائرة صغيرة يحتمل أن تكون لطائرات بدون طيار (درون) وقعتا في المنطقتين قد تكونان تسببتا في الانفجار والحريق. باشرت السلطات المختصة تحقيقاً موسعاً حول سبب الحريق والظروف المحيطة به، كما لا توجد أضرار تُذكر نتجت عن الحادثين".
المتحدث العسكري باسم حركة الحوثيين، من جانبه، قال إن الحركة شنت عملية عسكرية في عمق الإمارات وإنها ستعلن التفاصيل في الساعات القادمة.
ولا يزال غير معلن عدد الطائرات المسيَّرة وإذا ما كانت صواريخ باليستية قد استخدمت في الهجوم، وحجم الخسائر التي تسبب فيها، لكن بيانات ملاحية لموقع فلايت رادار أظهرت حدوث اضطراب في حركة الطائرات القادمة إلى مطار أبوظبي. ولاحقاً ذكرت وكالة أنباء الإمارات أن 3 أشخاص قد توفوا وأصيب ستة آخرون في الانفجارات التي وقعت في المنطقة الصناعية في المصفح وفي مطار أبوظبي.
وتعتبر مدينة المصفح، القريبة من مطار أبوظبي، مدينة صناعية واقتصادية رئيسية في العاصمة الإماراتية، وبالتالي فإن استهدافها يمثل تحولاً ضخماً في مسار الحرب في اليمن والأحداث التي تشهدها منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام.
لماذا التصعيد ضد الإمارات الآن؟
هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها العمق الإماراتي لهجمات الحوثيين منذ بدء الإمارات انسحابها من الحرب في اليمن، قبل أكثر من عامين. وقال محمد البخيتي عضو المكتب السياسي في جماعة أنصار الله الحوثية لقناة الجزيرة إن "الإمارات كان لديها رغبة في الانسحاب من اليمن ووفرنا لهم الانسحاب الآمن وحفظ ماء الوجه بالفعل، لكنهم عادوا للتصعيد وتكثيف عدوانهم علينا، فكان هذا بداية الرد من جانبنا".
البخيتي يشير إلى التطورات الميدانية التي يشهدها اليمن في الأيام الأخيرة، خصوصاً سيطرة قوات الحكومة المعترف بها دولياً والمدعومة من التحالف بقيادة السعودية على محافظة شبوة، وهو الانتصار الذي حققته ألوية العمالقة التابعة لقوات الحزام الأمني المدعومة إماراتياً والتابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن.
وكانت القوات اليمنية الموالية للتحالف، ومن بينها ألوية العمالقة، قد استعادت قبل أسبوع السيطرة على أجزاء من عسيلان في شبوة وزحفت باتجاه بيحان، وقال مصدران عسكريان لرويترز إن عشرات القتلى سقطوا على الجانبين، بينما قالت ثلاثة مصادر عسكرية وقبلية أخرى إن المقاتلين الموالين للحكومة استعادوا أيضاً بعض المناطق في الضواحي الجنوبية والغربية لمدينة مأرب.
والثلاثاء 11 يناير/كانون الثاني وصل العميد تركي المالكي المتحدث الرسمي باسم التحالف الذي تقوده السعودية إلى شبوة، معلناً "إطلاق عملية تحرير اليمن السعيد"، في إشارة إلى تغيير الموقف السعودي والتوجه مرة أخرى نحو السعي لحسم الحرب عسكرياً.
إلى أين يتجه التصعيد إذن؟
البخيتي، المتحدث باسم الحوثيين، قال إن هجوم اليوم ضد الإمارات هو البداية وهدد بأنه ستكون هناك هجمات أخرى "إذا اختارت الإمارات طريق التصعيد"، والرسالة نفسها أكدها يحيى سريع المتحدث العسكري باسم الحوثيين في تغريدة له ذكرت أنهم سيستهدفون "العمق الإماراتي" بمزيد من الهجمات.
الحوثيون يربطون بين مشاركة قوات مؤيدة للتحالف تدعمها الإمارات إلى المعارك الدائرة ضد الجماعة الشيعية في محافظتي شبوة ومأرب المنتجتين للطاقة باليمن، وبين استهدافهم مطار أبوظبي ومناطق أخرى في العمق الإماراتي.
وعلى الرغم من أن الإمارات كانت قد قلصت وجودها العسكري في اليمن إلى حد كبير في 2019، فإنها لا تزال تتمتع بنفوذ كبير من خلال قوات يمنية سلحتها ودربتها. وقد شن الحوثيون مراراً هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على السعودية كما سبق أن هددوا بمهاجمة الإمارات.
مسار التصعيد إذن يتوقف بشكل أساسي على كيفية الرد الإماراتي على ذلك التصعيد الخطير من جانب الحوثيين. فإما أن تلجأ أبوظبي لرد عسكري يتمثل في شن هجمات مكثفة بالطائرات على أهداف مثل مطار صنعاء، الذي قال التحالف إن الطائرات المسيرة التي هاجمت أبوظبي قد انطلقت منه، إضافة إلى تكثيف الدعم للقوات التي تحارب الحوثيين في مأرب حالياً.
أما الاتجاه الآخر الذي قد تسلكه الإمارات، بحسب ما يراه محللون، هو اللجوء إلى التهدئة من خلال القنوات الخلفية والتواصل مع إيران، الداعم للحوثيين، خصوصاً في ظل توجه أبوظبي مؤخراً إلى فتح "صفحة جديدة" من العلاقات مع طهران.
وعلى الرغم من أن الحوثيين ينفون أن تكون خطواتهم العسكرية تتم بالتنسيق مع طهران، فإن السعودية تقول إن الحركة الشيعية تعتبر إحدى أذرع إيران في المنطقة – شأنها شأن الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان.
وفي هذا السياق يفسر كثير من المحللين التصعيد ضد الإمارات الآن لا يرتبط فقط باشتراك القوات التي دربتها الإمارات في اليمن (العمالقة – الحزام الأمني) في معارك شبوة ومأرب، بل أيضاً بالتطورات المتعلقة بمفاوضات الملف النووي الإيراني والعلاقات مع طهران بشكل أوسع.
العلاقات بين السعودية وإيران؟
اللافت هو أن استهداف الحوثيين مطار أبوظبي الدولي اليوم تزامن مع الإعلان عن وصول ثلاثة دبلوماسيين إيرانيين إلى السعودية لتمثيل طهران في منظمة التعاون الإسلامي. وذكر التلفزيون الرسمي الإيراني في تقرير أن الدبلوماسيين "وصلوا قبل عدة أيام" وهي المرة الأولى التي تستقبل فيها السعودية دبلوماسيين من إيران منذ نحو ست سنوات.
يعكس هذا التطور قرب تحسين العلاقات وتبادل الدبلوماسيين بين إيران والسعودية، إذ جاء الإعلان عن وصول دبلوماسيين إيرانيين إلى السعودية في أعقاب جولات تفاوضية عدة بين البلدين بوساطة عراقية بهدف تطبيع العلاقات.
ويرى أغلب المحللين أن هناك رابطاً بين ما يحدث في مسار الحرب في اليمن والأزمة السياسية في لبنان والتطورات في العراق وبين العلاقات بين إيران والسعودية بشكل رئيسي وعلاقات إيران في المنطقة بشكل عام.
وفي هذا السياق، يرى فريق من المحللين أن توقيت التصعيد الحوثي ضد الإمارات يرتبط، في جزء منه، أيضاً بتطورات المفاوضات النووية بين إيران والقوى الدولية. وهذا ما عبر عنه اللواء فايز الدويري الخبير العسكري والاستراتيجي من عمان لقناة الجزيرة بقوله إن "أي تصعيد من جانب الحوثيين يكون خدمة لأغراض تفاوضية إيرانية". لكن البخيتي المتحدث باسم الحوثيين نفى ذلك وقال إن التصعيد يأتي رداً على مشاركة الإمارات فيما وصفه بالاعتداء على اليمن.
الخلاصة هنا هي أن استهداف الحوثيين أهدافاً في العمق الإماراتي يأتي، بحسب وجهة نظرهم، رداً على مشاركة ألوية العمالقة المدعومة إماراتياً في معارك شبوة ومأرب في اليمن ضد قوات الجماعة المدعومة من إيران، فهل سيكون الرد الإماراتي هو التصعيد أم ستلجأ الأطراف جميعا إلى التهدئة؟