بشكل أغضب الأوروبيين وفرنسا تحديداً، طرأت تطورات على المفاوضات النووية الإيرانية، حيث أبدت طهران استعدادها لبحث إبرام اتفاق مؤقت يسمى الاتفاق النووي المرحلي، مع حديث عن تساهل أمريكي قد يكون سببه مفاوضات سرية مع إيران تدور بعيداً عن مفاوضات فيينا، وتحديداً في إحدى الدول العربية.
وصعّدت فرنسا خطابها ضد إيران، وحذّرت من المسار البطيء الذي تسلكه مفاوضات فيينا حول البرنامج النووي الإيراني، ومساعي التوصل إلى اتفاق حول كيفية إحياء اتفاق صيف العام 2015، الذي نقضته الولايات المتحدة في ربيع 2018، وانتهكت طهران لاحقاً أبرز بنوده.
وبعد أن اعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الجمعة الماضي، أن المفاوضات تتقدم على "مسار إيجابي نسبياً"، مبدياً "ثقته" لجهة التوصل إلى اتفاق، فإنه أعاد النظر في توقعاته، وقال أمام البرلمان إن الأطراف المفاوضة ما زالت بعيدة عن التوصل إلى اتفاق، محذراً من التقدم الذي أحرزه البرنامج النووي الإيراني، ومن أن بطء المفاوضات يخلق فجوة تهدد فرصة التوصل إلى حل يراعي مصالح جميع الأطراف، وفي إطار زمني واقعي.
ورغم اعتراف لودريان بأن المفاوضات قد حققت بعض التقدم، نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول، فإنه طالب بتسريع المفاوضات بسبب تصرفات إيران ومسار برنامجها النووي. موضحاً أن "الوضع خطر، لأن إيران وصلت إلى المرحلة ما قبل الأخيرة" على صعيد تخصيب اليورانيوم بنسبة 90%، والحصول على القدرة النووية، حسب قوله.
في المقابل، اعتبرت طهران أنهم "لا يلعبون الدور المنتظر منهم في تقديم المقترحات وعدم الالتصاق بالموقف الأمريكي".
وسبق أن علق وزير الخارجية الإيراني عبد الأمير اللهيان على مواقف فرنسا قائلاً إن "فرنسا لعبت بالأمس دور شرطي سيئ، لكنها تتصرف اليوم بشكل معقول".
شكوك حول وجود مفاوضات سرية تدور في سلطنة عمان
وأكثر من مرة، عبّرت مصادر فرنسية عن "تخوفها" من "ليونة" أمريكية لن توصل إلى اتفاق جديد، يسد الثغرات التي شابت الاتفاق السابق، ولا يأخذ بعين الاعتبار مسألتين رئيسيتين إضافيتين، هما برامج طهران الصاروخية الباليستية، وسياستها الإقليمية المزعزعة للاستقرار، حسب صحيفة الشرق الأوسط السعودية.
وأثارت الانتقادات الفرنسية تكهنات بأن هناك شكوكاً فرنسية بوجود محادثات خارج إطار فيينا بين الجانبين الأمريكي والإيراني، في إشارة إلى ما قاله وزير الخارجية عبد اللهيان عن دور محتمل لمسقط، أثناء زيارته لعمان، في عملية التفاوض، على غرار الدور الذي قامت به الدبلوماسية العمانية في الماضي.
وزار عبد اللهيان مسقط مؤخراً، وقال إن "العُمانيين لعبوا دوراً في مفاوضات الاتفاق النووي، على مستوى متعدد الأطراف". وتابع: "لدى العُمانيين النيات الصادقة لإيصال المفاوضات إلى نتيجة جيدة ومستدامة".
كما زار الوزير الإيراني قطر، وقال إن مباحثاته في الدوحة قطر تناولت المحادثات النووية في فيينا ورفع العقوبات، والاستثمار المشترك في مختلف المجالات، فيما فهم منه أن طهران تسعى من خلال الزيارة إلى إعادة خطوط التواصل مع الإدارة الأمريكية بشأن الملف النووي.
والحديث عن المسار العماني السري للمفاوضات، لا يظهر هل، هذا مسار بدأ بالفعل، أم أنه لم يبدأ ولكنه في طور الإعداد.
إليك ما عُرف عن الاتفاق النووي المرحلي المحتمل
وبالتزامن مع الحديث عن تنشيط المسار العماني، ظهر حديث أكثر أهمية، عن عرض قدّم لطهران لإبرام "اتفاق نووي مرحلي" أو مؤقت لزمن محدود، يتم خلاله التفاوض حول اتفاق جديد دائم.
وقد يكون هذا العرض قد قدم للأمريكيين عبر مسار عمان المحتمل والسري، رغم أن هناك تقارير تفيد بأنه قدم في فيينا.
فلقد أفادت صحيفة "رأي اليوم"، مطلع الأسبوع، أن الأطراف المتفاوضة توصلت إلى اتفاق لمدة عامين في العاصمة النمساوية، ترفع بموجبه الولايات المتحدة جميع العقوبات التي فرضتها على إيران إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ونقلت صحيفة "رأي اليوم"، عما وصفتها بمصادرها الخاصة، أن الاتفاق النووي في فيينا قد تم، وأنه في طور إعداده بالحبر الأزرق، وهو اتفاق مؤقت لعامين، ورفع للعقوبات الأمريكية. والضمانات التي طلبتها إيران هي الاحتفاظ بمخزونها من الوقود النووي عالي التخصيب، الذي سينقل خارج البلاد.
روسيا هي الضامن عبر احتفاظها باليورانيوم عالي التخصيب بأراضيها
وحول معضلة الضمانات التي وضعتها إيران شرطاً للوصول إلى اتفاق، ولعدم تكرار انسحاب الولايات المتحدة مرة أخرى من الاتفاق كما فعل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2018، فإن تمسك الطرف الأمريكي بعدم قدرته على إعطاء ضمان من هذا النوع، لأن القانون الأمريكي لا يسمح لأي إدارة بتقييد الرئيس المقبل، فإن إيران دفعت بضمانات تتعلق بالثمن الذي تدفعه أي إدارة أمريكية في حال الانسحاب.
ووفق معلومات "رأي اليوم" فإن الثمن الذي تم التوافق عليه في فيينا أو الضمانات هي احتفاظ إيران بمخزونها من اليوارنيوم عالي التخصيب وأجهزة الطرد المركزي ومعدن اليورانيوم، وهو المخزون الذي أنتجته إيران بعد الانسحاب الأمريكي من اتفاقية العمل الشاملة المشتركة في مرحلة التحلل التدريجي من الاتفاق.
ووفق الاتفاق، هذا المخزون سوف ينقل إلى روسيا، ويعود إلى إيران لحظة انسحاب الإدارة الامريكية من الاتفاق. ووفق ذلك تبدأ إيران في حال الانسحاب الأمريكي من الاتفاق من حيث توقفت في تطوير برنامجها النووي.
كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري قال مؤخراً إنّ "العدّ العكسي للتوصل إلى اتفاق نهائي في مفاوضات فيينا بدأ"، مؤكداً أنّ "المحادثات تمضي قدماً وتحقّق تقدماً"، وأن "الخلافات في مفاوضات رفع الحظر آخذة في الانحسار".
كما أعلن مندوب روسيا لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميخائيل أوليانوف، أن جميع المفاوضين المشاركين في المفاوضات أكدوا حصول تقدّم فيها، مؤكداً في الوقت نفسه أن التوصل لاتفاق نهائي في فبراير/شباط المقبل أمر ممكن.
موقف إيران من مقترح الاتفاق النووي المرحلي
وتضاربت مواقف إيران بشأن الاتفاق النووي المرحلي المقترح.
إذ قال مصدر مطلع مقرب من الوفد الإيراني في محادثات فيينا لوكالة "إيرنا" الرسمية، إن ما أوردته صحيفة "رأي اليوم" اللندنية حول اتفاق توصل إليه المشاركون في المفاوضات غير صحيح، ومزيف.
ولكن في 12 يناير/كانون الثاني 2022، أي بعد أيام قليلة من تكذيب خبر الاتفاق النووي المرحلي، تحدث وحيد جلال زادة، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، أن المفاوضين التابعين لمجموعة "4+1" (فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، إضافة إلى ألمانيا) اقترحوا على إيران اتفاقاً من هذا النوع دون الدخول في تفاصيل العرض المقدم. وحتى مساء أمس اليوم ذاته، لم يصدر عن أي جهة مشاركة في المفاوضات تأكيد لما جاء على لسان المسؤول الإيراني.
وقال جلال زادة إن أولوية إيران هي التوصل إلى اتفاق دائم، وإن طهران لن تقبل ولم ترفض العرض الأخير، بل إنه "قيد الدراسة". والمهم في كلام زادة قوله إنه "يجب أن نعترف أن الاتفاق المؤقت لا يضر بقانون الخطوة الاستراتيجية لإلغاء العقوبات وحماية المصاح الوطنية"، وأن المقترح المقدم "ليس ما نطمح إليه إلا أنه قيد الدراسة".
ويتناقض هذا القول مع الرفض "القطعي" الذي عبّر عنه الناطق باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، يوم الإثنين الماضي، باعتباره "لا يلبي" طموحات طهران. وربما يشير هذا التناقض إلى أن السلطات الإيرانية العليا لم تفصل بين الموقفين، أو أنها تستخدم ذلك كحجة تفاوضية، حسب صحيفة الشرق الأوسط.
فكرة قديمة رفضتها إسرائيل
وفكرة الاتفاق المرحلي المؤقت ليست جديدة، بل سبق أن أشار إليها روبرت مالي، المفاوض الأمريكي الرئيسي لمجلة أمريكية في حديثه عن "البدائل" التي يمكن أن تقوم مقام اتفاق نهائي جديد.
كما أثار مستشار الأمن القومي جيك سوليفان مع نظيره الإسرائيلي إيال حولاتا فكرة إبرام اتفاق مؤقت مع إيران لكسب المزيد من الوقت للمفاوضات النووية، كما سبق أن أبلغت ثلاثة مصادر إسرائيلية وأمريكية، موقع Axios الأمريكي.
ولكن عارضه مسؤولون إسرائيليون خشية أن يصبح دائماً، بحسب تقرير الموقع الذي نشر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وقال مصدران أمريكيان مطلعان على المكالمة بين سوليفان وحولاتا كان هذا مجرد "عصف ذهني"، وإن سوليفان كان يمرر فكرة طرحها أحد حلفاء أمريكا الأوروبيين.
وقالت المصادر الأمريكية آنذاك إن الاقتراح يقضي بأن تعلق إيران نشاطاً نووياً غير مسموح به مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، مقابل إفراج الولايات المتحدة والدول الحليفة عن بعض الأموال الإيرانية المجمدة، أو إصدار إعفاءات من العقوبات على السلع الإنسانية.
ولكن الاتفاق المقترح قد يحل أكبر نقاط عالقة بين إيران وأمريكا
ويبدو أن الجديد في الاتفاق النووي المرحلي الذي يجري الحديث عنه حالياً هي فكرة نقل اليورانيوم الإيراني المخصب المخالف للاتفاق النووي إلى روسيا وإبقائه هناك، كضمانة في حال تراجع أي إدارة جمهورية عن الاتفاق مستقبلاً، وهي الضمانة التي كانت تصر عليها إيران، بينما تؤكد إدارة بايدن أنها لا تستطيع تقديمها.
الأساس المنطقي لفكرة إبرام اتفاق نووي مؤقت مع إيران هو أن التقدم النووي الهائل لإيران جعل طهران قريبة جداً من مستويات تخصيب اليورانيوم اللازمة لصنع سلاح نووي، وفي ظل احتمال تعثر أو إطالة المفاوضات، فإنه من الأفضل الحصول على وقف جزئي من إيران مقابل رفع بعض العقوبات، بدلاً من مضي طهران قدماً في وتيرتها الحالية لعمليات التخصيب.
يحل مشروع الاتفاق المحتمل الذي تسربت أخباره إشكالية أخرى لإسرائيل وأمريكا.
فلقد كشف المعلّق السياسي في قناة "كان" الإسرائيلية، عميحاي شطاين، أن "الخشية الكبرى في إسرائيل الآن ليست العودة إلى الاتفاق السابق في عام 2015، وإنما تخشى من أيّ اتفاقٍ موقت، أي بمعنى الإبقاء على مستوى تخصيب اليورانيوم الموجود الآن".
ولكن الاتفاق المحتمل ينقل الكميات الزائدة من اليورانيوم المخصب عن القيود الحالية في الاتفاق لروسيا، كضمانة لعدم الانسحاب الأمريكي، وبالتالي يضرب عصفورين بحجر واحد، تخلٍّ جزئي لإيران عن اليوارنيوم المخصب الزائد، وضمانة روسية لها باستعادته في حال الانسحاب الأمريكي.
وروسيا قد تكون الوسيط الأنسب في هذا الأمر، باعتبار أنها ليست تابعة لأمريكا، كما أنه من مصلحتها عدم حيازة طهران قنبلةً نووية.
كما أنه قد يتيح الفرصة تفادي عيوب الاتفاق الحالي الذي اقترب أجله على الانتهاء
كما أن فكرة الاتفاق المرحلي تكتسب وجاهة بالنسبة للمفاوضين الأمريكيين، من حقيقة أن الإطار الزمني للاتفاق النووي الحالي بدأ يقترب من النهاية.
وأبرم الاتفاق الحالي، في يوليو/تموز 2015، ويفترض أنه بعد 15 عاماً ستنتهي العديد من بنود خطة العمل المشتركة الشاملة، بما في ذلك معظم القيود المفروضة على برنامج التخصيب الإيراني.
وبالتالي إيران قد تصبح بعد 2030 في حلٍّ من القيود التي فرضها الاتفاق الحالي، ومن هنا فإن اتفاقاً نووياً مرحلياً يمكن أن يساعد على تجاوز الخلافات ويجمد النشاط النووي الإيراني عند مستويات الاتفاق الحالي، ريثما يتم التوصل لاتفاق آخر، يتعلق بالعقود القادمة، كما يمكن أن يتضمن الاتفاق الجديد القضايا التي لم يشملها الاتفاق الحالي، مثل برنامج طهران الصاروخي ودعمها للميشيليات الشيعية في المنطقة أو على الأقل هذا ما يريده الغرب.
وما يعزز احتمالات حدوث تقدم في المفاوضات حول الاتفاق النووي المرحلي المحتمل التعويضات التي دفعتها كوريا الجنوبية لإيران بموافقة أمريكية مؤخراً.
فلقد أعلنت، وزارة الخارجية في كوريا الجنوبية أن من المنتظر أن تدفع سول تعويضاً لمجموعة دياني الإيرانية، بسبب نزاع يعود إلى عام 2015، بعدما مهدت الولايات المتحدة الطريق أمام سداد الأموال دون انتهاك عقوباتها على طهران، وفق ما ذكرته رويترز، الخميس 13 يناير/كانون الثاني 2022.
واعتبرت وكالة "Bloomberg" الأمريكية أن هذا القرار بمثابة "دليل أمريكي" على حسن النوايا لإعادة الثقة بين الطرفين.
ولكن اللافت أن تقرير صحيفة "رأي اليوم" يتحدث عن أن التفاوض حول الاتفاق دار في فيينا، التي تستضيف المفاوضات بين إيران ومجموعة خمسة+ واحد، التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا وبريطانيا.
وتقول الصحيفة إن الأطراف تتجه لصياغة الاتفاق وفق مضمون ما تم التوافق عليه بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، عبر مجموعة العمل المؤلفة من الدول الأربع دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا.
ولكن المفارقة أن الموقف الفرنسي المنتقد لسير المفاوضات، الذي يختلف عن اللهجة الأمريكية، يشير إلى أنه إما أن التفاوض حول الاتفاق المرحلي النووي يدور بين أمريكا وإيران يتم دون علم باريس عبر مسار سري موازٍ لفيينا، قد يكون مسار سلطنة عمان المحتمل، أو أن فرنسا تعلم بالاتفاق ولكنها تنكر ذلك كنوع من الاعتراض عليه.
وقد يكون هذا الاعتراض نابعا مما تعتبره باريس تساهلاً أمريكاً، امتداداً لسياسة فرنسا في عهد الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون لتقديم نفسها باعتبارها صقر الدول الغربية، والطرف الغربي الأكثر حدة في مواقفه من العالمين العربي والإسلامي، إلى جانب تحالف ماكرون الوثيق مع دول الخليج، الذي تزايد مع الابتعاد الأمريكي عن هذه الدول، وهو التحالف الذي كانت آخر مظاهره صفقة بيع طائرات الرافال المليارية للإمارات.
في المقابل، فإن التصريحات الإيرانية عن الاتفاق المرحلي تؤكد وجوده وأن طهران تفكر في قبوله، بعدما أظهرت تمنعاً رغم أنها قد تكون راغبة في تفعيله.
ويعزز احتمال استعداد إيران للقبول باتفاق نووي مرحلة، قول المرشد الإيراني علي خامنئي فيه إن "التفاوض والحوار والتعامل مع العدو في فترة ما لا تعني الاستسلام"، وهو ما فُسِّر بأنه مؤشر على اقتراب إيران من مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، بدلاً من المفاوضات غير المباشرة الحالية بين الجانبين التي تدور عبر الطرفين الأوروبي والروسي مع إيران، وهو ما يعزز أيضاً احتمال وجود مسار سري عبر سلطنة عمان.