تعاني أفغانستان من مشاكل اقتصادية كبرى منذ عقود بسبب تتابع الحروب، وفقد ملايين الأشخاص مصدرهم الرئيسي من الدخل خلال العام الماضي بعد انهيار الدولة وصعود حركة طالبان، ولم يعد قطاع التعليم والصحة بالإضافة إلى خدمات عامة أخرى، تعمل بشكل كامل بسبب القيود المفروضة على البلاد. ما دفع الأمم المتحدة إلى إطلاق تحذير في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من أن 97% من الأفغان ربما ينزلقون إلى براثن الفقر، بحلول منتصف عام 2022.
انهيار الاقتصاد الأفغاني وتجميد واشنطن لمليارات الدولارات
هذا الوضع المتأزم، اشتدت حدته بعد أن توقفت المساعدات الدولية التي كانت تشكل 75% من ميزانية البلاد في ظل الحكومات السابقة، إضافة إلى قرار واشنطن تجميد نحو 9.5 مليار دولار من الأصول التي يملكها البنك المركزي الأفغاني، بعد أن بسطت حركة طالبان سيطرتها على مقاليد الحكم في أفغانستان منتصف أغسطس/آب الماضي، وفرضت الإدارة الأمريكية عقوبات على طالبان، وعزلت البلاد عن النظام المالي العالمي، وشلّت بنوكها كما تقول وكالة Bloomberg الأمريكية.
وقالت وزارة المالية الأفغانية، الشهر الماضي، إن استمرار تجميد الولايات المتحدة لأصول البنك المركزي الأفغاني هو السبب الرئيسي للأزمة الاقتصادية المتفاقمة في أفغانستان، في الوقت الذي تتأرجح فيه البلاد على حافة المجاعة الجماعية.
مع تعليق المساعدة للاقتصاد المعتمد على المساعدات في البلاد منذ نحو 5 أشهر تقريباً، وعدم قدرة الحكومة الجديدة على الوصول إلى احتياطياتها الأجنبية، تقدر وكالات الأمم المتحدة أن 22.8 مليون أفغاني -أكثر من نصف السكان- من المتوقع أن يواجهوا أخطاراً تهدد حياتهم غذائياً، بالإضافة إلى انعدام الأمن.
وجدَّدت حركة طالبان دعوتها عدة مرات إلى الولايات المتحدة للإفراج عن الأموال المجمدة، وفي خطاب مفتوح إلى الكونغرس الأمريكي وجهت الحكومة الأفغانية، الشهر الماضي، نداءً إلى النواب الأمريكيين للمطالبة بالإفراج عن أصول البنك المركزي الأفغاني، محذرة بأن تفاقم الوضع من شأنه أن يفضي إلى هجرة جماعية ومآسٍ إنسانية.
ومؤخراً طالبت حكومة طالبان خلال محادثات استمرت لمدة يومين في العاصمة القطرية الدوحة بالإفراج عن أموال الشعب الأفغاني، إلا أن واشنطن والغرب يرفضان تقديم المساعدة "قبل أن تحرز الحركة تقدماً ملموساً في تعهداتها".
ما قيمة الأصول المجمدة الخاصة بأفغانستان؟
بحسب أحدث التقارير المالية، يمتلك البنك المركزي الأفغاني أصولاً إجمالية تبلغ أكثر من 10 مليارات دولار، بما في ذلك 1.3 مليار دولار احتياطيات من الذهب و362 مليون دولار العملات الأجنبية.
وجرت العادة أن تودع البنوك المركزية في بعض الدول، وخاصة النامية منها، أصولها في الخارج، وفي مؤسسات مثل البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك أو بنك إنجلترا.
وبحسب البيانات الرسمية الأخيرة، يحتفظ البنك الفيدرالي في نيويورك في خزائنه بحلول نهاية عام 2020 بسبائك ذهب خاصة بأفغانستان بقيمة 1.32 مليار دولار.
هذا وفي سياق متصل تبلغ حيازات بنك أفغانستان من العملات الأجنبية نقداً، 362 مليون دولار، وهذه الأموال يُحتفظ بها في المكاتب الرئيسية للبنك وفروعه بالإضافة إلى القصر الرئاسي.
إضافة إلى ذلك يحتفظ البنك المركزي الأفغاني بنحو 160 مليون دولار من سبائك الذهب والعملات الفضية في قبو البنك الموجود بالقصر الرئاسي، الذي بات اليوم تحت سيطرة طالبان.
وبحسب اليونسكو، تحتوي خزائن البنك المركزي الأفغاني على كنز من المجوهرات الذهبية والحلي والعملات المعدنية، التي يعود تاريخها إلى 2000 عام، والمعروفة باسم "كنز باكتريان".
إلا أنه وبحسب رئيس البنك المركزي الأفغاني أجمل أحمدي، فإن لدى طالبان في الوقت الحالي الحق في الوصول إلى 0.1% أو 0.2% فقط من إجمالي الاحتياطيات في أفغانستان.
وكان أحمدي قد أعلن قبل مدة أن احتياطيات البنك المركزي كانت "حوالي 9 مليارات دولار، لكن هذا لا يعني أن البنك يحتفظ فعلياً بـ9 مليارات دولار في خزينته"، وبالتالي فإن الأموال لن تكون في متناول طالبان.
واعتبر أن الأصول، لا سيما السيولة والذهب "كلها محفوظة في حسابات الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي)، وبنك التسويات الدولية وبنوك أخرى".
الأمم المتحدة تطلق صرخة عاجلة لإنقاذ أفغانستان
رفعت المنظمات الإنسانية العالمية صرخات مماثلة لدعوات طالبان بعدم إغلاق الباب على الشعب الأفغاني، مطالبة المجتمع الدولي بتخفيف القيود المالية الحالية المفروضة على أفغانستان، التي تمنع توفير الرعاية الصحية والغذاء والخدمات الأساسية الأخرى.
وأحدث هذه الصرخات كان إعلان الأمم المتحدة، الثلاثاء 11 يناير/كانون الثاني 2022، أنها تحتاج إلى خمسة مليارات دولار كمساعدات لأفغانستان في العام 2022 لتفادي كارثة إنسانية.
وأوضحت المنظمة الأممية في بيان، أن تمويل خطتها الجديدة يتطلّب 4.4 مليار دولار من الدول المانحة لتوفير الاحتياجات الإنسانية في أفغانستان لهذا العام، في أكبر مبلغ تطلبه المنظمة الأممية لدولة واحدة، يضاف إليه مبلغ 623 مليون دولار لمساعدة ملايين اللاجئين الأفغان، الذين فرّوا من بلدهم إلى دول مجاورة.
وأضافت الأمم المتحدة أن 22 مليون شخص داخل أفغانستان و5.7 مليون أفغاني نزحوا إلى بلدان مجاورة يحتاجون إلى مساعدة ضرورية هذا العام.
كما قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، إن "كارثة إنسانية شاملة ترخي بظلالها. رسالتي عاجلة: لا تغلقوا الباب بوجه شعب أفغانستان"، وأضاف: "ساعدونا على تجنب انتشار واسع للجوع والمرض وسوء التغذية والموت في نهاية المطاف".
تحديات شاقة أمام حكومة طالبان
في وقت تجد الحكومة الحالية المعروفة الآن باسم إمارة أفغانستان الإسلامية، نفسها عاجزة عن دفع الرواتب، إذ إنه يُسمح للمصارف بتسليم كميات ضئيلة من العملة الأفغانية، أعلن جاويد أحمد قائم، سفير أفغانستان لدى الصين استقالته.
وفي تغريدة نشرها عبر صفحته الرسمية على موقع تويتر، قال جاويد أحمد إنه "ترك منصبه في وقت سابق من هذا الشهر، بعد أن ظل شهوراً لا يتقاضى راتبه من كابول بعد سيطرة حركة طالبان على السلطة".
وأضاف قائم في رسالة تسليم مؤرخة، في الأول من يناير/كانون الثاني، ونُشرت أيضاً على تويتر، أن دبلوماسيين كُثر في السفارة غادروا بالفعل، وأن كابول لم ترسل لهم رواتبهم منذ أغسطس/آب.
وأوضحت رسالة قائم، أنه حتى الأول من يناير/كانون الثاني لم يكن في أحد الحسابات المصرفية للسفارة سوى 100 ألف دولار، بالإضافة إلى مبلغ لم يُكشف عنه في حساب آخر.
وأدّت عودة طالبان المفاجئة للسلطة إلى حالة من الارتباك بين مئات الدبلوماسيين الأفغان في الخارج، مع شعورهم بالخوف على عائلاتهم في الوطن، وسعيهم الحثيث للحصول على لجوء في الخارج.
وفي الوقت نفسه، في جميع أنحاء أفغانستان، ظل ملايين الأشخاص دون دخل ثابت لشهور، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى ما هو أبعد من متناول معظمهم.
عانت البلاد من نقص الغذاء لعقود من الزمن، ولكن بدون المساعدة والوصول إلى احتياطياتها الأجنبية، تفاقمت الأزمة بشكل كبير. وفقاً لوكالات الأمم المتحدة، واجه عدد أكبر من الأفغان نقصاً في الغذاء على مستوى الأزمة، في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، بنسبة 30%، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ومن المتوقع أن يصل عدد المتضررين إلى مستوى قياسي في الأشهر المقبلة، حيث أدى أسوأ جفاف تشهده البلاد منذ عقود إلى تضاؤل محصول القمح.