"غواصة حاملة للطائرات" حلم قديم داعب العسكريين في كل الدول العظمى منذ أكثر من قرن من الزمان، فهو سلاح يجمع بين تخفي الغواصات، وقوة حاملات الطائرات وسرعة المقاتلات، ورغم نجاح بعض الدول في تنفيذه ولكنه لم يستمر لأسباب كثيرة بعضها فني وآخر سياسي.
فتصنيع غواصة حاملة للطائرات ليس فكرة مجنونة أو مجرد دراما مثيرة يمكن دمجها في فيلم خيال علمي، إنها واقع جرى تنفيذه بالفعل، في العديد من المشروعات، وهي مشروعات لا يمكن القول إنها فشلت بشكل كامل رغم أنه لا يمكن القول إنها نجحت أيضاً، فقد تكالبت عليها ظروف السياسة والقصور التقني لأزمانها وحتميات الفيزياء لتمنعها من خوض تجربة الاستمرار.
ولكن اليوم عادت فكرة إنتاج غواصة حاملة للطائرات لتطرح مجدداً بفضل تطور تقني بعينه قد يعيد لها الروح.
في هذا التقرير نرصد تاريخ الغواصات الحاملة للطائرات، ولماذا لم تستمر، وما الجديد الذي في هذا المجال، الذي تطرحه الولايات المتحدة، والمشروعات المشابهة لدى الصين وروسيا.
ألمانيا أول من حاول تصنيع غواصة حاملة للطائرات
يبدو أن الجيش الألماني أول من فكر في تصنيع غواصة للطائرات أو حاملة طائرات بهدف قصف بريطانيا خلال الحرب العالمية؛ لأن الطائرات في ذلك الوقت لم يكن مداها يسمح بذلك.
في عام 1915 نفَّذ الجيش الألماني اختباراً عملياً، حيث أطلق طائرة FF-29 من على ظهر غواصة SM UM-12، لتصبح أول غواصة على الإطلاق تطلق طائرة من البحر. بعد هذا الحدث، لم يحدث الكثير فيما يتعلق بحاملات الطائرات الغواصة.
تم التخلي مؤقتاً عن تطوير مثل هذه المشاريع بسبب نهاية الحرب. بالإضافة إلى ذلك، كان السبب المهم للغاية الذي جعل المشروع غير عملي حقاً هو عدم قدرة الغواصات على الغطس أثناء وجود الطائرة على سطحها.
جرت الخطوات التالية في تطوير الفكرة في فترة ما بين الحربين؛ خلال هذا الوقت، قامت كل من فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة واليابان ببناء أو تعديل الغواصات من أجل التمكن من حمل وإطلاق الطائرات. وكان لمعظم هذه الطائرات البحرية أغراض استطلاعية وذخيرة خفيفة إلى معدومة.
فرنسا.. أكبر غواصة في العالم تستخدم طائرة لتوجيه مدافعها
كانت الغواصة الفرنسية سوركوف أكبر غواصة في العالم في بداية الحرب العالمية الثانية، ولقد صُممت لتكون "طراداً تحت الماء"، بهدف البحث عن القتال السطحي والمشاركة فيه.
وحملت الغواصة طائرة مراقبة عائمة في حظيرة مدمجة ببدنها بهدف توجيه النيران إلى أقصى مدى يبلغ 15 ميلاً (24 كم).
اليابان.. صنعت أكثر من 40 نسخة
كانت الدولة الأبرز في جهود تطويرات الغواصات حاملات الطائرات هي اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، إذ قامت ببناء 47 غواصة قادرة على حمل وإطلاق الطائرات البحرية.
كانت آخر حاملة طائرات غواصة تم بناؤها هي Santoku Type I-400 و I-401 و I-402، كان للطائرات التي تحملها هذه الغواصات أداء رائع وقدرات عديدة لإحداث أضرار جسيمة لأساطيل العدو وقواعده، حسب موقع hotcars.
وكانت الغواصات اليابانية الحاملة للطائرات جميعاً تحمل طائرات عائمة، بعضها يحمل طائرتين أو ثلاث طائرات عائمة.
لكن لماذا لم تنجح في المعركة؟
كان للغواصات اليابانية الحاملة للطائرات تأثير ضئيل على الحرب، على الرغم من استخدام اثنتين لتنفيذ هجمات على أراضي الولايات المتحدة.
ولم تتمكن البحرية اليابانية مطلقاً من نشر الغواصات الحاملة للطائرات في الحرب بشكل فعال.
فخلال الفصل الأخير من الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة دائماً متقدمة بخطوة على اليابان. لهذا السبب اضطرت البحرية اليابانية على سبيل المثال إلى إلغاء استخدام هذه الغواصات في مهمة مهاجمة قناة بنما بسبب تجمع القطع البحرية الأمريكية قرب الجزر اليابانية، والمهمات الأخرى لم تتم أبداً حيث استسلمت اليابان قبل أن تبدأ.
يبدو أن السبب الرئيسي لفشل هذه الأنواع من الغواصات هو أن اليابان، فقدت الزخم العسكري في البحر، ثم خسرت الحرب في النهاية. وبالتالي لم تتَح الفرصة لطائرة غواصات Santoku لإثبات قدراتها في ساحة المعركة.
كما أن المشروع ككل كان يحتوي على الكثير من المشكلات الفنية التي لم يتم إصلاحها أثناء تطوير هذه الغواصات.
ولكن كانت هناك أيضاً مشكلة جوهرية في فكرة الغواصة الحاملة للطائرات، وهي أنه عندما كانت غواصة تحمل طائرة، كانت قدرات هذه الطائرة تحت الماء غير مستخدمة بطبيعة الحال، وهذا هو السبب الرئيسي وراء تخلي كثير من الدول عن هذا المفهوم بعد الحرب العالمية الثانية.
أمريكا.. محاولة جدية بعد الحرب العالمية الثانية
أثبتت الحرب العالمية الثانية قيمة حاملات الطائرات للبحرية بالنسبة للولايات المتحدة، ولكن أظهرت أيضاً خطورة تعرضها للغرق لأن أصبحت تمثل أيقونة القوة الأمريكية كانت مكشوفة للأعداء.
خلال بداية الحرب الباردة، وضعت البحرية الأمريكية نموذجاً لحاملة الطائرات الغواصة تدعى AN-1، والتي يفترض أنها كانت ستحمل ثماني مقاتلات مخزنة داخل داخل بدنها.
من أجل إطلاق المقاتلات، كان يفترض أن تطفو الغواصة على السطح وتوجه المقاتلات بشكل مستقيم ليتم إطلاقهم عمودياً من خلال سكة إطلاق حديدية تدفع الطائرات في الهواء بسرعة وارتفاع كافيين يسمحان لمحركات المقاتلات بإبقائها في حالة طيران.
وفقاً لخطط البحرية الأمريكية آنذاك، يمكن لحاملة الطائرات الغواصة AN-1 إطلاق أربع مقاتلات في 6 دقائق فقط وجميع المقاتلات الثمانية في أقل من ثماني دقائق، حسبما ورد في تقرير لموقع sandboxx.
أثبتت اختبارات الإقلاع العمودي على منصات أخرى جدوى نهج الإطلاق هذا، لكن المشكلة كانت في الهبوط.
تفرض الفيزياء أن يكون جسم أي غواصة ضيقاً لتستطيع أن تخترق المياه تحت سطح البحر، وبالتالي بدون مساحة سطح كافية للغواصة يصعب الهبوط بالطرق التقليدية التي تحدث على حاملات الطائرات السطحية.
فكرت شركة Boeing في أن تهبط مقاتلات AN-1 بشكل عمودي تماماً، من الناحية النظرية، كان ذلك ممكناً، لكن اختبارات نهج الهبوط هذا أثبتت أنها محفوفة بالمخاطر بالنسبة للجميع باستثناء الطيارين الأكثر خبرة.
وأدى ظهور الصواريخ الباليستية طويلة المدى الحاملة للأسلحة النووية بقدر كبير من الدقة إلى تقليل جدوى فكرة إنتاج غواصة حاملة للطائرات.
وستستثمر أمريكا في نهاية المطاف بكثافة في حاملات الطائرات العملاقة الضخمة، التي في حين أنها غير قادرة على الاختباء من صواريخ العدو، فإنها توفر قدراً كبيراً من القدرات والتنوع أكثر مما يمكن أن تقدمه حاملة الطائرات الغواصة AN-1.
لماذا عادت الفكرة من جديد لتصبح أكثر عملية؟
ولكن الآن عادت فكرة تصنيع أو تأهيل غواصة حاملة للطائرات لتطرح من جديد، وظهر متغير جديد قد يجعل إنتاج غواصة حاملة للطائرات مشروعاً ذا جدوى عسكرية، وهي الطائرات المسيرة.
فبالنظر إلى صغر حجم الطائرات المسيرة، وأنها تعتمد على محركات كهربائية في الأغلب وليست نفاثة، فإنها أكثر قابلية للتشغيل من الغواصات من الطائرات المقاتلة العادية.
ويعتقد أنه يمكن للطائرات المسيرة التي تطلق من الغواصات أن تساعد في تتبع وتدمير الغواصات المعادية.
منذ التسعينيات، كانت البحرية الأمريكية مهتمة جداً بفكرة إطلاق الطائرات المسيَّرة بالغواصات لتوسيع قدرة الأخيرة على الاستكشاف وجمع المعلومات الاستخبارية، كما يمكن للطائرات بدون طيار التي تعمل مع الغواصات أن تعمل أيضاً كمرحلات أو وسائط للاتصالات والبيانات، وربما حتى ضرب الأهداف نفسها.
وتجري البحرية الأمريكية اختبارات على هذا المفهوم، حسبما ورد في تقرير لموقع the Drive.
وإلى حين تحقيق حلم إنتاج غواصة حاملة للطائرات، فإن البحرية الأمريكية تفكر في حل وسط، وهو تطوير طائرات مسيرة يتم إطلاقها من جيل الغواصات الحالية.
من بين جميع الطائرات المسيرة التي جرى تطويرها واختبارها للإطلاق من الغواصات، كان النموذج الأكثر إثارة للاهتمام هو منتج غامض تابع لشركة لوكهيد مارتن الأمريكية، معروف باسم المركبة الجوية غير المأهولة متعددة الأغراض (MPUAV)، حسب موقع the Drive.
في هذا المشروع سعت لوكهيد مارتن إلى تطوير طائرة مسيرة كبيرة نسبياً وخفية، تعمل بمحرك نفاث يمكن للغواصة إطلاقها واستعادتها، وهي تحت الماء.
أي أن هذا المشروع يسعى لتجاوز أكبر عائق اعترض الغواصات الحاملة للطائرات وهي اضطرارها للصعود للسطح لإطلاق الطائرات.
يفترض أن يتم إطلاق الطائرة من أنبوب صاروخي معدل على الغواصة الأمريكية العملاقة من فئة أوهايو من عمق يصل إلى 150 قدماً ثم تطفو الطائرة المسيرة "مثل قطعة الفلين"، وبعد ذلك ستقوم معززات الصواريخ بدفع الطائرة التي يبلغ وزنها أربعة أطنان والمصنوعة من التيتانيوم في الهواء، ثم سيتولى المحرك النفاث المروحي التقليدي مهمة دفع الطائرة بعد الإطلاق.
وتستخدم الطائرة قدراتها في التخفي لاختراق المجال الجوي المعادي والقيام بمهام متنوعة، مثل جمع المعلومات الاستخبارية والاستطلاع على مواقع أسلحة الدمار الشامل، ويمكن أن تدعم قوات العمليات الخاصة.
وربما كانت البحرية الأمريكية تفكر في أن تكون للطائرات قدرات على القصف، وتصف إحاطة صادرة من لوكهيد مارتن عام 2005 الطائرة المسيرة بأنها قادرة على حمل حمولة قدرها 1000 رطل، وقد يشمل ذلك ذخائر ومعدات.
من غير الواضح إلى أي مدى تقدم البرنامج، لكن شركة لوكهيد مارتن أجرت عدداً من الاختبارات التي تم الكشف عنها للطائرة.
الغواصة الحاضنة للطائرات
واكتسبت مشروعات البحرية الأمريكية لإطلاق الطائرات المسيرة من الغواصات زخماً من الغواصة العملاقة من فئة من فئة أوهايو، أو SSGNs، والتي تعد من بين أقوى الأسلحة الأمريكية وأكثرها مرونة.
وتشتهر هذه الغواصات العملاقة والسرية بقدرتها على حمل ما يصل إلى 154 صاروخ كروز للهجوم الأرضي وعشرات من رجال الضفادع للعمليات الخاصة.
ولكن تريد البحرية الأمريكية أن تجعل هذه الغواصة بمثابة السفينة الأم للطائرات المسيرة ومركز القيادة والسيطرة للعمليات البحرية.
وفي هذ الإطار، أفادت تقارير بأن البحرية الأمريكية تفكر في شراء أعداد كبيرة من الطائرات المسيرة من طراز AeroVironment Blackwing بأعداد كبيرة، مما يزود غواصاتها بقدرة مركبة جوية مسيرة يمكن إطلاقها من تحت سطح البحر.
تحتوي طائرات Blackwing التي يبلغ وزنها أربعة أرطال تقريباً على رابط بيانات رقمي آمن للحفاظ على الاتصالات مع الغواصة. ولديها مجموعتان من الأجنحة بامتداد 68 سم.
يمكن إطلاق الطائرة من الغواصات المغمورة، وسبق تجربة لإطلاق Blackwings من أنابيب التدابير المضادة للغواصات التي يبلغ قطرها ثلاث بوصات (أنابيب تستخدم لإطلاق متفجرات لحماية الغواصة من الطوربيدات).
سيتم تجهيز الطائرات المسيرة Blackwing 10C بأجهزة استشعار كهربائية بصرية ومستشعرات الأشعة تحت الحمراء لعمليات الرصد والتتبع.
غواصات حاملة للغواصات
كما يمكن للغواصات أن تحمل مركبات مسيرة تتحرك تحت الماء، حسبما ذكر روبرت فارلي المحاضر الأول في جامعة كنتاكي في مقال بموقع 1945 الأمريكي المتخصص في الشؤون العسكرية.
واستخدمت الولايات المتحدة مثل هذه المركبات غير المأهولة لسنوات، وعلى الرغم من أنها كانت تفتقر إلى الكثير من العملية في ظل ظروف الحرب، إلا أنها توفر طريقة لرصد وتقييم البيئة تحت سطح البحر.
وخلال تمرين Giant Shadow، أصبحت الغواصة فلوريدا أول غواصة تابعة للبحرية الأمريكية تطلق غواصة مسيرة، كما استعادت فلوريدا الغواصة المسيرة Seahorse Autonomous عبر أنبوب صاروخي معدل.
وتفيد تقارير أن الصين جربت مركبات مسيرة قادرة على البقاء في أعماق محددة دون الحاجة إلى الدفع.
كما تعمل الصين أيضاً على دمج المركبات المسيرة الغاطسة في شبكتها من أجهزة الاستشعار تحت سطح البحر، وإنشاء "سور عظيم تحت الماء" قادر على اكتشاف وردع الغواصات الأمريكية.
روسيا تخطط لإطلاق غواصة حاملة لغواصات آلية ذات قدرات نووية
لدى روسيا غواصة عملاقة تدعى بيلغورود هي أكبر من جميع النواحي من الغواصة من فئة أوهايو الأمريكية التي تعد أكبر غواصة غربية.
وهذه الغواصة (التي لديها لديها إزاحة أكثر من 19000 طن) سوف تصبح غواصة حاملة للغواصات.
وقال مصدر في صناعة بناء السفن الروسية لوسائل الإعلام الحكومية منتصف عام 2021 إن بيلغورود أكملت بنجاح أول اختبار لها في البحر، ومن المقرر تسليم السفينة في وقت لاحق.
وستكون بيلغورود أول غواصة تستخدم نظام "بوسيدون"، وهي غواصة غير مأهولة، تعمل بالطاقة النووية ومسلحة نووياً بدون قائد قادرة على نقل الحمولات التقليدية والنووية، وقيل إنها يمكن أن تسبب في تسونامي مشع للولايات المتحدة الأمريكية.