بعد عقد من الصراعات والمواجهات في منطقة الشرق الأوسط، بدا كأن عام 2021، هو عام التهدئة ومحاولة الوصول إلى تسويات في المنطقة.
فمنذ اندلاع الربيع العربي، في عام 2011، تشهد المنطقة موجات من الصراعات، تارة بين التيارات المطالبة بالديمقراطية وبين الأنظمة القمعية وتارة بين الإسلام السياسي السني والقوى الثورية من ناحية وبين المحور الشيعي من ناحية أخرى كما جرى في سوريا. وبعد هزيمة الربيع العربي تحول الصراع إلى منافسة بين قطر وتركيا المتحالفتين مع الإسلام السياسي المعتدل وبين المحور الثلاثي السعودي المصري الإماراتي.
وبينما حققت التحالفات المضادة للربيع العربي نجاحات منذ الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي عام 2013، فإن عام 2020 شهد تحقيق انتصارات جزئية للمحور المؤيد للربيع العربي والإسلام السياسي المعتدل، وتحقق ذلك عبر الدعم التركي لحكومة الوفاق الليبية والتدخل العسكري التركي في إدلب بشمال سوريا للدفاع عن المعارضة السورية في إدلب، وكذلك رداً على الهجوم الذي شنته قوات النظام السوري على القوات التركية الموجودة في إدلب.
ذروة الصراع في ليبيا
وكان عام 2020 ذورة التصعيد بين هذه التيارات وهو ما ظهر بشكل واضح في ليبيا، حينما دعمت تركيا بشكل غير مسبوق قوات حكومة الوفاق أمام هجوم قوات حفتر المدعومة من مصر والإمارات وروسيا وفرنسا وبصورة أقل السعودية.
وأدت إلى هذه المواجهات إلى توتر غير مسبوق بالمنطقة، عندما نجحت قوات حكومة الوفاق المعترف بها دولياً في تفكيك حصار حفتر على طرابس وهزيمة قواته والمرتزقة الروس والسودانيين والتشاديين الذين يستخدمهم باستخدام الطائرات التركية المسيرة، وطردت هذه القوات حفتر من معظم الغرب الليبي، بل توجهت إلى مدينة سرت لطرده منها وصولاً إلى حديث بعض القوى في الغرب الليبي عن ضرورة تحرير كامل التراب الليبي من قوات حفتر؛ مما أدى إلى تهديد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن خط سرت الجفرة خط أحمر بالنسبة لمصر، مما جعل البعض يتخوف من حدوث مواجهة مصرية تركية على الأراضي الليبية، ولكن عام 2021، كان له شأن آخر في العلاقات المصرية-التركية ضمن عمليات تهدئة وتسوية شهدتها المنطقة.
وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وقّع طرفا النزاع الليبي على "اتفاق دائم لوقف إطلاق النار" بعد محادثات استمرت خمسة أيام في مقر الأمم المتحدة، وأعقب ذلك حوار سياسي ليبي أدى إلى انتخاب مجلس رئاسي برئاسة محمد المنفي في فبراير/شباط 2021، وانتخاب عبد الحميد محمد دبيبة بصورة غير متوقعة، رئيساً للوزراء للفترة الانتقالية في ليبيا، وذلك من جانب المشاركين في الحوار بين الأفرقاء الليبيين في سويسرا برعاية الأمم المتحدة.
قمة العلا.. عام التهدئة يبدأ بالمصالحة الخليجية
شكلت قمة العلا انقلاباً سياسياً افتتح به عام 2021، وأظهرت هذه القمة التي عقدت في المملكة العربية السعودية في 5 يناير/كانون الثاني 2021 بدفع من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في نهاية ولايته رغم أن هذه الإدارة كانت طرفاً في تأجيج الأزمة الخليجية عام 2017.
ولكن بصرف النظر عن دور الإدارة الأمريكية السابقة في الدفع للمصالحة الخليجية التي أبرمت في قمة العلا، فإن المؤكد أن إقدام الدول الأربع السعودية ومصر والإمارات والبحرين، التي كانت تحاصر قطر على هذه المصالحة، لم يأت فقط من دفع إدارة ترامب في نهاية ولايتها لها، بل أيضاً تحسباً لقيام إدارة بايدن بالضغط على الدول الأربع في العديد من الملفات، مما استوجب من هذه الدول تغيير سياستها بعدما استفادت لسنوات من سياسات إدارة ترامب المتسامحة مع مغامراتها.
كما أن نتائج الحصار على قطر، بدا أنها لم تحقق أهدافها، وفي عام الحصار الأخير كان الاقتصاد القطري من بين الأفضل في الأداء في دول الخليج العربي، واستطاع إيجاد بدائل لطرق الإمدادات التي أغلقها الحصار.
وفي قمة العلا بدا من مستوى التمثيل وأشياء أخرى، أن المصالحة الخليجية هي سعودية قطرية بالأساس، وأن مشاركة الإمارات والبحرين ومصر فيها تبدو فاترة.
ولكن سرعان ما تحركت المصالحة المصرية القطرية في مسارها الخاص، وشهدت العلاقات بين البلدين تحسناً ملحوظاً، تضمن إعادة تبادل السفراء، وقيل إنه تم نشر إعلان لقناة الجزيرة على أشهر جسور العاصمة المصرية بعدما أدلى المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية لها بحديث خاص، مروراً بتعزيز التعاون الاقتصادي الذي لم يتضرر كثيراً من البلدين، وصولاً لاستضافة قطر لاجتماع لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية خصص لدعم مصر والسودان في أزمة سد النهضة، ثم عقد أول قمة مصرية قطرية منذ سنوات، حينما التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد في بغداد على هامش قمة أعمال "قمة بغداد للتعاون" في أغسطس/آب 2021.
وأخيراً، أضاءت مصر أهراماتها الشهيرة بألوان العلم القطري في اليوم الوطني القطري الموافق لـ17 ديسمبر/كانون الأول 2021، وقبل ذلك، جعلت الدوحة النشيد الوطني المصري النشيد الثاني الذي يغنَّى في افتتاح كأس العرب، الذي جاء بنكهة مصرية واضحة، تعبيراً من قطر عن تقديرها لمصر ومكانتها.
العلاقات المصرية التركية.. تهدئة دون وصول لتسوية حتى الآن
بعد تصعيد بين البلدين في ملف شرق المتوسط، وليبيا، بشكل جعل بعض الشعبويين يتحدثون عن احتمال وقوع مواجهة عسكرية بين البلدين، حدثت انعطافة في العلاقات بين البلدين، عندما عُقد في مايو/أيار 2021، أول لقاء بين دبلوماسيي البلدين، دون شروط مسبقة، حيث لم تسحب تركيا قواتها لضمان عقد هذه المشاورات كما روجت بعض وسائل الإعلام العربية المحسوبة على بلدان كانت غير سعيدة بالحوار بين البلدين.
ويعتقد أن هذه المفاوضات سبقتها لقاءات استخباراتية عدة أدت إلى تجنب التصعيد في ليبيا، ومحاولة البحث عن حلول تلبي مصالح البلدين هناك، في ظل انفتاح مصري في ذلك الوقت على المكونات السياسية في الغرب الليبي التي تعتبر حليفة لتركيا، وابتعاد مصري ولو محدود عن أمير الحرب الليبي المثير للجدل خليفة حفتر، وكذلك تخفيف مصر للتوتر في شرق المتوسط من خلال عدم التصديق على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان التي أغضبت أنقرة.
وتناول اللقاء الأول الذي وصف بالجولة الاستكشافية للمشاورات والمباحثات المصرية التركية، حسب المصادر المصرية، ملفات ليبيا وشرق المتوسط وسوريا والعراق.
وعقدت الجولة الثانية، في سبتمبر/أيلول 2021، حيث اتفقت مصر وتركيا، على مواصلة المشاورات الاستكشافية بينهما، وتأكيد رغبتهما في تحقيق تقدم في عدد من الملفات، فضلاً عن الحاجة إلى اتخاذ خطوات إضافية لتيسير تطبيع العلاقات بينهما.
ومن الواضح أن مسار المفاوضات المصرية التركية يشهد تباطؤاً، ولكن لا يمكن القول إنه أصيب بنكسة أو تعثر، ومع أن تركيا أوقفت النشاط الإعلامي المعارض بطريقة فجة من أراضيها، إلا أنه أفيد أنها رفضت تسليم أي معارض مصري للقاهرة، بل إنها اقترحت على مصر أن تقوم تركيا بوساطة مع المعارضة المصرية وأن هذا أمر من شأنه تحسين صورة القاهرة في ملف حقوق الإنسان.
ولكن أنقرة لم تصمت عندما صدرت أحكام بالإعدام بحق قيادات للإخوان المسلمين في مصر، حيث هاجم ياسين أقطاي، نائب الرئيس التركي هذه الأحكام التي صدرت، في قضية "فض اعتصام رابعة"، وربط بين صدور الأحكام وأزمة "سد النهضة" الإثيوبي.
وقال: "لا أحد يمتلك رفاهية اللااكتراث ليقول بأن هذه القرارات مسألة داخلية في بلد ما ثم يتنحى جانباً بصمت. وكذلك لا تحمل التبريرات الصادرة عن السلطات المصرية في هذا الصدد أي قيمة".
ورأى أقطاي أن "استمرار مصر في أحكام الإعدام الانتقامية في وقت هي بأمسّ الحاجة فيه إلى مزيد من الدعم الشعبي، والمزيد من إدارة التفهم والتصور الدبلوماسي على صعيد الساحة الدولية بسبب ملف سد النهضة مع إثيوبيا، يشير إلى أن العقل السياسي الجاد معطّل تماماً".
وإلى جانب بعض الخلافات في الملف الليبي، إلى جانب غضب تركي من موقف مصر الذي انتقدت فيه قرار تركيا إعادة افتتاح مدينة مرعش في قبرص التركية، أعقبه حديث عن مفاوضات بين تركيا وإثيوبيا لكي تقوم أنقرة بتزويد أديس أبابا بطائرات مسيرة تركية الصنع، ولم يعرف هل تم إتمام عملية البيع أم لا.
وفي الملف الليبي، تتركز الخلافات حول محاولة حفتر ورئيس مجلس النواب السابق سحب الشرعية من حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، رغم أن القاهرة لم تعلن عن موقفها بشكل رسمي بينما رفضت تركيا ذلك بشكل حازم.
ولكن رغم كل ما سبق، فلا يمكن القول إن باب التفاوض وتحسين العلاقات بين البلدين قد توقف، بل على العكس يمكن القول إن عهد التردي الشديد في العلاقات قد ولى، وإن البلدين انتقلا من مرحلة المواجهة والتوتر إلى مرحلة التهدئة والتفاوض؛ تمهيداً إلى وصول لمرحلة تسوية محتملة.
في المقابل، يبدو أن البلدين يعززان أوراق الضغط لديهما في الملفات الخلافية، ولكن يظل لافتاً إلى أن شرق المتوسط لم يشهد أي مشكلة بين البلدين مؤخراً، بل يعتقد أن مصالح البلدين متقاربة في هذا الملف، وأن هناك توجهاً في المؤسسات المعنية في مصر بهذا الملف، يرى أن مصالح القاهرة وأنقرة متقاربة، وخاصة أنه لا يمكن الاستفادة من موارد المنطقة دون موافقة تركيا صاحبة أكبر أسطول في شرق المتوسط، كما أن مصر ليست متحمسة لخط أنابيب شرق المتوسط، الذي تريد إسرائيل واليونان وقبرص تنفيذه وترفض تركيا مده إلا بعد مراعاة ما تقول إنه حقوق لها ولقبرص التركية، إضافة إلى أن ما تقدمه اليونان لمصر في اتفاق ترسيم الحدود أقل مما تعرضه تركيا على مصر.
كما أن الرئيس التركي قال عقب زيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد لتركيا أن العلاقات مع مصر وإسرائيل سوف تشهد تقدماً للإمام.
العلاقات التركية الإماراتية.. قفزة فاجأت الجميع
قبل أن يشرف عام 2021 على النهاية، حدثت مفاجأة سياسية مدوية وهي زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى تركيا ولقائه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
يمكن تفهم حجم المفاجأة من أن بن زايد فعلياً، هو الزعيم الحقيقي للمحور المعادي لتركيا، والزعيم الأكثر حماساً للعداء لأنقرة، والزعيم الذي لديه أقل مبررات لهذا العداء.
فإذا كان عداء النظام في مصر لسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نابعاً من رفض الأخير لما حدث في مصر من الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013 وما أعقبه من مذابح، وإصراره على التعبير عن هذا الموقف، فإن تركيا والإمارات لم يكن بينهما أي خلافات ثنائية، كما أن الإمارات كانت آخر دولة مرشحة لأن تشهد ثورة من ثورات الربيع العربي، نتيجة قلة سكانها الأصليين وثرائها الاستثنائي، ولكن أبوظبي هي التي أصرت على قيادة القوى المعادية للربيع العربي والإسلام السياسي المعتدل، ولم تخفِ عداءها الواضح لتركيا، الذي كان واضحاً أنه مدفوع من موقف شخصي لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، الذي يرى نفسه- حسب قالت مصادر مصرية وأوروبية لموقع "مدى مصر"- مسؤولاً عن حماية المنطقة مما يعتبره خطر الديمقراطية والإسلام السياسي.
وقابلت أنقرة ذلك أيضاً بالتصعيد ضد أبوظبي، حتى إن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار توعد ذات مرة بأن بلاده ستحاسب الإمارات، لما ارتكبته من أعمال ضارة "في ليبيا وسوريا"، حسب تعبيره، واتهم أكار أبوظبي بـ"دعم المنظمات الإرهابية المعادية لتركيا" قصد الإضرار بأنقرة، داعياً إياها لأن تنظر إلى ما وصفه بـ"ضآلة حجمها ومدى تأثيرها وألا تنشر الفتنة والفساد".
كما وصف أكار الإمارات بأنها دولة وظيفية تخدم غيرها سياسياً أو عسكرياً، ويتم استخدامها واستغلالها عن بعد.
ولكن فوجئ العالم بعد كل هذا التوتر بين الإمارات وتركيا بالشيخ محمد بن زايد يزور تركيا، ويوقع عدداً من الاتفاقات التجارية مع أنقرة، في ظل حديث عن احتمال توقيع اتفاق لتبادل العملات بين البلدين، ويعد هذا شكلاً من أشكال الدعم الإماراتي لتركيا في مواجهة أزمة الليرة التي تعاني منها.
وكان التحول في العلاقات التركية الإماراتية هو الأسرع، ويمكن وصفه بأن أحد الأزمات التي انتقلت فيها العلاقات من المواجهة إلى شكل من أشكال التسوية دون قضاء وقت طويل في مرحلة التهدئة.
وبينما يمكن أن ينسب هذا التحول إلى سعي تركيا إلى التهدئة في عام 2021، بعدما صعدت خلال عام 2020 وحجمت خصومها في المنطقة وخاصة في ساحات المعارك في ليبيا وسوريا، ولكن أيضاً قد يعزى هذا التحول إلى مراجعة داخلية تجريها الإمارات، بدأت بالانسحاب من اليمن وصولاً لقمة العلا، وتعزيز العلاقات مع إيران.
ويعتقد أن هذه المراجعة جاءت لعدة أسباب، منها عدم تحقيق الإمارات مكاسب تذكر، في معظم الملفات والنزاعات التي تورطت بها، مع تزايد تعرض سمعتها للغرب للتشوه في ظل مشاركتها في حرب اليمن ودعم حفتر بالتعاون مع الروس، وتضاعفت هذه المخاوف مع خروج إدارة ترامب من البيت الأبيض التي كانت تتيح لأبوظبي أن تفعل ما تشاء، والخوف من قدوم إدارة ديمقراطية تعلي من شأن حقوق الإنسان والقانون والاستقرار.
الإمارات تمد يداً لإسرائيل وأخرى لإيران
في عام 2021، بلغ التطبيع الإماراتي مع إسرائيل ذروة لم تكن متخيلة يوماً، ذروة شملت تعاوناً اقتصادياً لإنشاء خطوط نقل تنافس قناة السويس، وتعاوناً عسكرياً مع تل أبيب يتضمن إنتاج أسلحة مشتركة، بل وصل التطبيع إلى حد ما وصفه البعض بأنه محاولة لوضع دين جديد يسمي "الدين الإبراهيمي".
في نفس هذا العام، مدت الإمارات يدها لإيران بقوة، ورغم أن العلاقات الإماراتية الإيرانية لم تنقطع يوماً، إلا أن اللافت هو وصول هذه العلاقات لمستوى غير مسبوق منذ سنوات، حيث قام مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات، طحنون بن زايد، بزيارة إلى طهران بداية شهر ديسمبر/كانون الأول 2021، التقى فيها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وعدداً من المسؤولين الإيرانيين، وسط حديث عن تشييد خطوط للنقل بين البلدين تصل لتركيا وتنافس قناة السويس.
إذ كشفت السلطات الإيرانية عن عبور أول حمولة تجارية من الإمارات إلى تركيا عبر الأراضي الإيرانية، مشيرة إلى أن ذلك "يسرع عملية النقل 8 أيام بعد أن كان نقل البضائع من ميناء الشارقة بالإمارات إلى ميناء مرسين التركي عبر مضيق باب المندب وقناة السويس والبحر الأحمر يستغرق 20 يوماً".
واللافت أن ذلك يأتي في ظل تصعيد إسرائيلي غربي غير مسبوق ضد إيران، بسبب الخلاف حول ملفها النووي، وهو الملف الذي كانت الإمارات وغيرها من الدول الخليجية تضغط على الغرب لتكون أكثر حزماً فيه.
وقد يكون الإماراتيون قد شعروا بأن الغرب وإسرائيل لم يعودوا يحتاجون للتحريض ضد إيران، أو أن المسؤولين الإماراتيين قد يخشون أن يكونوا ضحية أي تصعيد غربي ضد إيران، حيث يسهل على الإيرانيين استهداف جيرانهم الخليجيين من استهداف إسرائيل أو أمريكا بطبيعية الحال.
ويعتقد أن التحول في الموقف الإماراتي تجاه إيران بل بداية تغيير مجمل سياسات أبوظبي في المنطقة ناجم عن قلق إماراتي داخلي قيل إن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عبر عنه من قبل للشيخ محمد بن زايد من أثر السياسات الهجومية على الوضع الداخلي، خاصة بعد الهجوم على منشأة شركة أرامكو السعودية الذي أوقف 5% من إمدادات النفط العالمية.
فلقد أثار هذا الهجوم قلق المسؤولين الإماراتيين من مخاطر تعرض بلادهم خاصة دبي لهجوم مماثل في وقت تقدم فيه الإمارات نفسها للمستثمرين باعتبارها أيقونة الاستقرار والسياسة.
السعودية.. مفاوضات صعبة مع إيران وتهدئة خافتة مع تركيا
مقابل القفزة الدراماتيكية في العلاقات التركية الإماراتية، فإن العلاقات التركية السعودية شهدت تحسناً بوتيرة أكثر هدوءاً، علماً بأن هذه العلاقات كان توترها أقل من العلاقات التركية الإماراتية أو التركية المصرية في أغلب الأوقات.
كما أن التوتر في العلاقات بين البلدين باستثناء أزمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لم يكن معلناً أو رسمياً، بل تظهر تجلياته في وسائل الإعلام السعودية التي تعبر عن العداء لأنقرة، أو من خلال عمليات مقاطعة كانت الحكومة السعودية توجهها بشكل غير رسمي.
ولكن في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في مكالمة هاتفية، سبل تحسين العلاقات بين بلديهما، في خطوة أصبحت نادرة منذ مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وجاء الاتصال عشية قمة افتراضية لمجموعة العشرين تنظمها الرياض افتراضياً.
وبعد هذا الاتصال، شهدت العلاقة قدراً من الهدوء دون عودة للتوتر، أو عودة للدفء القديم، ولكن تكررت الاتصالات بين الملك سلمان والرئيس أردوغان خلال عام 2021.
من الهجمات العسكرية الخفية إلى التفاوض سراً وعلانية
في مقابل هذا الهدوء في العلاقات التركية السعودية، شهدت العلاقات السعودية الإيرانية حدثاً كبيراً، ولكن لم تعرف نتيجته بعد، ولكنه يؤشر إلى أن عام 2021، يستحق لقب عام التهدئة.
فبعد أزمات متعددة في علاقات البلدين وصلت لقطع العلاقات، وتبادل التهديدات إضافة إلى تنفيذ إيران هجمات ضد أهداف سعودية كما حدث في هجوم أرامكو عام 2019، فتحت السعودية وإيران، مساراً بدأ سرياً للتفاوض عبر وساطة من قبل رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي ثم عقدت المفاوضات في الأردن، وهي مفاوضات قد تكون ملفاتها معروفة ولكن تفاصيلها غير معروفة.
إلا أنه لم تظهر لها نتيجة مباشرة غير تخفيف التوتر المباشر بين البلدين، ولكن فيما يتعلق بالحرب في اليمن فلقد شهدت تصعيداً بين السعوديين وبين الحوثيين حلفاء إيران، كما صعدت السعودية ضد لبنان الذي تعتبره الآن بلداً محكوماً من قبل حزب الله.
الأمر الذي يشير إلى أثر محدود للمفاوضات الإيرانية السعودية رغم أنها تظل واحدة من أهم مسارات التهدئة في المنطقة باعتبار أن الخلاف بين البلدين قد يكون الأكبر تأثيراً بين كل صراعات المنطقة.
ولكن يبدو أن الملفات العالقة بين البلدين في العراق واليمن ولبنان، والخليج مرتبطة بشكل أساسي بالملف النووي الإيراني المعقد.
وسوف يكون الملف النووي الإيراني الملف الأهم في عام 2022، وإذا تم حل هذا الملف، فقد يفتح ذلك الباب لتسوية ما حول الخلافات السعودية الإيرانية ولا سيما حرب اليمن، كما أن بقية ملفات المنطقة، وخاصة الملف الليبي ينتظر دفعة إيجابية في عام 2022، وأن تُظهر الأطراف الليبية والإقليمية والدولية، حكمة كافية تمنع تكرار المآسي التي وقعت في 2019 و2020.