مر عام 2021 ثقيلاً وقاسياً على مدينة القدس المحتلة، والتي هيمنت فيها قرارات إخلاء وهدم مئات المنازل الفلسطينية، بالتزامن مع تصاعد الاستيطان الإسرائيلي وقمع المصلين وتدنيس المسجد الأقصى، على مشهد المدينة المحتلة طوال العام.
كيف مر عام 2021 على مدينة القدس المحتلة؟
يصف فلسطينيون العام 2021 بأنه واحد من أصعب السنوات على القدس، منذ احتلال إسرائيل للمدينة عام 1967. يقول خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية، إن هذا العام شهد عمليات استيطان مكثفة وقرارات هدم وإخلاء كثيرة بالتوازي مع مشاريع "أسرلة" متعددة للمدينة المقدسة.
وأضاف التفكجي لوكالة الأناضول أن السلطات الإسرائيلية أقدمت على التقدم بمشاريع استيطانية كبيرة وعلى رأسها مشروع إقامة مستوطنة جديدة تضم 10 آلاف وحدة استيطانية على أرض مطار القدس الدولي (قلنديا) في شمالي المدينة.
بموازاة ذلك أصدرت إسرائيل قرارات إقامة أكثر من 1250 وحدة استيطانية ضمن مستوطنة (جفعات هاماتوس) جنوبي المدينة، والمضي قدماً في أعمال البنى التحتية لمشروع (إي واحد) شرق المدينة.
كما تم إقرار الشروع في بناء مئات الوحدات الاستيطانية في مستوطنة (رامات شلومو) على أراضي شعفاط ومستوطنة (بسغات زئيف) على أراضي بيت حنينا شمالي المدينة ومستوطنتي (غيلو) و(هار حوماه) وعلى أراضي بيت صفافا جنوبي المدينة".
بؤر استيطانية جديدة تستشري في المدينة المقدسة
يشير التفكجي إلى أن هذه القرارات ترافقت مع شق 3 أنفاق تربط المستوطنات بعضها ببعض، إضافة إلى ما يسمى بالطريق الأمريكي الذي يربط المستوطنات جنوبي المدينة مع المستوطنات شرق القدس.
كما كُشف النقاب عن مخططات إقامة 6 بؤر استيطانية داخل أحياء الشيخ جراح وبيت حنينا وصور باهر وبيت صفافا وباب العامود في المدينة، على أنقاض منازل يخطط ما يسمى بحارس أملاك الغائبين الإسرائيلي لطرد سكانها منها.
بموازاة ذلك تكثفت عمليات أسرَلة المدينة من خلال طرح مشروع مركز المدينة، الذي يهدف للحد من البناء في مركز القدس، وقانون التسوية الهادف إلى السيطرة على أكبر عدد من الممتلكات من خلال ما يسمى بحارس أملاك الغائبين.
وأشار الخبير الفلسطيني إلى أن إسرائيل شنت أيضاً هجوماً كبيراً على نشاطات المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والرياضية في القدس، حتى إنه جرى منع إقامة اجتماعات تأبين لمسؤولين مقدسيين، بحسب وصفه.
هدم وإخلاء لمئات المنازل الفلسطينية بالقدس
بالتوازي مع هذه النشاطات الاستيطانية المكثفة، فقد شهدت المدينة المقدسة تصعيداً في عمليات هدم المنازل الفلسطينية، بزعم "البناء غير المرخص".
استناداً إلى معطيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا"، فقد هدمت السلطات الإسرائيلية 157 مبنى بالقدس منذ بداية العام الجاري، ما أدى إلى تهجير 247 فلسطينياً. وبالمقارنة، فقد هدمت إسرائيل 175 مبنى خلال العام 2020، و203 مبنى خلال العام 2019.
التطور اللافت في هدم المنازل الفلسطينية خلال العام الحالي، هو إجبار فلسطينيين على هدمها ذاتياً، تحت وطأة التهديد بدفع غرامات مالية باهظة.
وترافق ذلك مع قرارات إسرائيلية بإجلاء عشرات العائلات الفلسطينية من منازلها التي تقيم فيها منذ عقود في حي الشيخ جراح وبلدة سلوان.
ويقول فلسطينيون إن السلطات الإسرائيلية تريد طرد الفلسطينيين من منازلهم، بهدف إحلال المستوطنين الإسرائيليين مكانهم.
وكانت قرارات طرد عشرات العائلات من منازلها في "الشيخ جراح" قد فجّرت مواجهات عنيفة بين الفلسطينيين وشرطة الاحتلال، ما لبثت أن امتدت إلى قطاع غزة والداخل الفلسطيني.
وتحت وطأة الضغط الدولي والمقاومة الفلسطينية، أرجأت السلطات الإسرائيلية طرد عشرات العائلات من منازلها في الشيخ جراح وسلوان، ولكن خطر إخلاء المنازل ما زال قائماً.
بالإضافة لذلك، ذكرت وزارة شؤون القدس الفلسطينية أن العام 2021 شهد ارتفاعاً ملحوظاً في عدد السكان الذين اعتقلتهم سلطات الاحتلال؛ إذ سجلت المدينة أكثر من 1900 حالة اعتقال، بينها 677 اعتقالاً في مايو/أيار وحده، مشيراً إلى أن قسماً كبيراً من المعتقلين هم من الأطفال.
اقتحامات المسجد الأقصى وأداء الصلوات التلمودية فيه بقرار رسمي لأول مرة
شهد العام 2021 أيضاً ارتفاع وتيرة الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، وخاصة خلال فترة الأعياد اليهودية، مما أدى لوقوع مواجهات عنيفة بين الفلسطينيين المرابطين بالمسجد الأقصى من جهة، وبين المستوطنين المتطرفين وقوات الاحتلال من جهة أخرى.
وفي تطور خطير، وضمن مساعي "إسرائيل" المستمرة لتقسيم المسجد الأقصى مكانياً وزمانياً وفرض واقع جديد بالقدس، اعتبرت محكمة إسرائيلية في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أن "الصلاة الصامتة" لليهود في المسجد الأقصى ليست "عملاً إجرامياً"، في وقت استنكر فيه الأردن والسلطة الفلسطينية القرار، الذي اعتُبر "غير مسبوق".
خلال السنوات الماضية، عملت الجماعات التلمودية الصهيونية على تكريس ظاهرة "الصلاة الصامتة" خلال اقتحامات المستوطنين الإسرائيليين للمسجد الأقصى المبارك.
وأثار أداء هذه الطقوس التلمودية رفضاً وتحذيراً كبيرين لدى الفلسطينيين، وجدلاً داخل دولة الاحتلال، حيث أمرت محكمة الصلح الإسرائيلية بإسقاط "أمر تقييدي" سابق، فُرض على الحاخام المتطرف أرييه ليبو، الذي كان قد مُنع من دخول الحرم، بسبب أدائه "صلاة صامتة" بالمسجد الأقصى، وذلك خوفاً على حياته، وخوفاً من استفزاز الفلسطينيين، وبالتالي وقوع اضطرابات في المدينة المقدسة.
وتقول القناة السابعة الإسرائيلية إن "قاضية محكمة الصلح الإسرائيلية، بيهلا يهالوم، قضت بأن الصلاة الصامتة في الحرم القدسي (المسجد الأقصى) لا يمكن تفسيرها على أنها عمل إجرامي". وبهذا القرار غير المسبوق فإن "هذه هي المرة الأولى التي تؤيد فيها محكمة صلاة اليهود في الموقع المقدس". فيما كتبت القاضية الإسرائيلية في قرارها بشأن الحاخام ليبو أن "زياراته اليومية إلى الحرم القدسي تشير إلى مدى أهمية ذلك بالنسبة له".
ويعتبر الفلسطينيون أن هذا الأمر يعد انتهاكاً كبيراً للوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك، وحتى لـ"تفاهمات كيري" عام 2015، التي اعتبر فيها وزير خارجية الولايات المتحدة السابق، جون كيري، أن حق الصلاة في المسجد الأقصى هو للمسلمين فقط، مدعياً في الوقت نفسه أن لليهود حق زيارة المسجد دون الصلاة فيه.