توفي 4 لاعبين ومدرب لكرة القدم خلال عدة أيام، فانتشرت قائمة تضم أسماء 108 زعم ناشروها أنها لرياضيين محترفين فقدوا حياتهم خلال 2021، وربطوا سبب الوفاة بتلقي لقاحات كورونا، فما حقيقة القصة؟ ومن أول مَن نشر تلك القائمة؟
كان المصري أدهم السلحدار، نجم فريق الإسماعيلي السابق والمدير الفني لأحد فرق الدرجة الثانية، قد توفي مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2021، إثر تعرضه لأزمة قلبية خلال مباراة لفريقه (المجد السكندري)، وذلك بعد تعرضه لأزمة قلبية. ويوم 21 من الشهر نفسه، أعلن نادي "تورنادو" الإندونيسي- أحد أندية دوري الدرجة الثالثة لكرة القدم- وفاة حارس مرماه توفيق رمزي بعد اصطدامه بأحد لاعبي الفريق المنافس خلال المباراة، ليُنقل اللاعب إلى المستشفى متأثراً بإصابة خطيرة في الرأس فارق الحياة على أثرها.
وفارق مخلد الرقادي (29 عاماً)، لاعب نادي مسقط العماني، الحياة، بعد نقله إلى المستشفى إثر سقوطه في أثناء عمليات الإحماء خلال التدريب. وفي الجزائر، توفي قائد فريق مولودية سعيدة الجزائري، سفيان لوكار (29 عاماً)، إثر نوبة قلبية خلال مباراة فريقه ضد نادي جمعية وهران.
وتوفي اللاعب الكرواتي مارن كاشيش (23 عاماً)، بأزمة قلبية أيضاً أصيب بها داخل الملعب، وذكرت مصادر صحفية كرواتية أن اللاعب تم تشخيص حالته بأنه يعاني قصوراً في القلب دخل على أثره في غيبوبة، حيث حاول الأطباء إنقاذ حياته دون جدوى.
قائمة 108 حالات وفاة للاعبي كرة قدم محترفين
أثارت حالات الوفاة الخمس للاعبي كرة القدم الأربعة والمدرب خلال أسابيع قليلة، حالة من القلق وحظيت بمتابعة ضخمة على منصات التواصل الاجتماعي، التي باتت المصدر الرئيسي لنشر الأخبار عالمياً. وفي خضم هذه المتابعة المكثفة، ظهرت قائمة تضم 108 أسماء، زعم ناشروها أنها للاعبين ومدربين محترفين تابعين ومسجلين لدى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، جميعهم توفوا خلال عام 2021.
وانتشرت القائمة على منصات التواصل الاجتماعي، خصوصاً فيسبوك وتويتر وبيتشوت Bitchute، وأعاد آلاف المستخدمين نشر القائمة على حساباتهم الشخصية، مع إضافة تعليقاتهم الخاصة، مما أثار تفاعلاً ضخماً.
وفي ظل الطريقة التي تعمل بها الخوارزمية الخاصة بمنصات التواصل الاجتماعي، خصوصاً فيسبوك، انتشرت تلك القائمة عبر الإنترنت انتشار النار في الهشيم، ونشرتها كثير من الصحف والمواقع بلغات متعددة.
وكانت تلك القائمة قد تم نشرها لأول مرة في مقالة باللغة العبرية على موقع يدعى RTN (Real Time News)، يصنف نفسه على أنه مؤسسة إعلامية لديها "إحساس عميق بالمهمة ورغبة في إحداث تغيير حقيقي بالضمير العام"، بحسب تحقيق استقصائي لوكالة رويترز حول القصة.
ويرجع تاريخ نشر المقالة إلى يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وفيها زعم الكاتب أن "108 رياضيين ومدربين محترفين" قد فقدوا حياتهم منذ ديسمبر/كانون الأول 2020.
لكن اتضح، من خلال فحص رويترز لقائمة الأسماء، أنها مجرد تجميع اعتمد على أخبار منشورة حول أشخاص فقدوا حياتهم خلال تلك الفترة، تتراوح أعمارهم بين 12 و64 وينتمون إلى دول متعددة حول العالم.
وينتمي هؤلاء الأشخاص، المذكورة أسماؤهم في القائمة، إلى رياضات متعددة مثل كرة القدم الأمريكية والقوس والسهم وألعاب القوى والتنس والرغبي والسلة واليد وكرة القدم وكمال الأجسام ورفع الأثقال، وغيرها من الرياضات الأخرى. كما أن تصنيف هؤلاء المتوفين الـ108 ضمن رياضاتهم يتراوح بين محترف ونصف محترف وهاوٍ ومعتزل وشاب وممارس عادي. بل إن القائمة ضمت عضواً في أحد فرق المشي وطبيباً كان يمارس رياضة المشي أيضاً.
علاقة تلك الوفيات بلقاحات كورونا
القائمة إذاً مفبركة ولا علاقة لأغلب من تضمنتهم بالفيفا أو كرة القدم لا من بعيد ولا من قريب، لكن الواضح أن عنواناً يتضمن "الفيفا" و"لاعب كرة قدم محترف" يساعد كثيراً على انتشار المقال عبر الإنترنت؛ نظراً إلى الشعبية الهائلة التي تتمتع بها لعبة كرة القدم حول العالم.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل قال كاتب المقال إن غالبية حالات الوفاة في تلك القائمة مرتبطة بـ"أمراض القلب"، ويركز على أن تلك الوفيات حدثت منذ أن بدأت حملات التطعيم بلقاحات كورونا حول العالم.
وقال الكاتب في المقالة نصاً، بحسب رويترز: "يتحدث العدد الكبير عن نفسه ويخبرنا بقصة مختلفة تماماً عن المنطق الذي تروجه وسائل الإعلام التقليدية، وهو أن الرياضيين الذين يرفضون تلقي اللقاحات عددهم قليل جداً وينتمون لفئة معارضي اللقاحات عموماً".
وقد يكون الجزء الصحيح الوحيد في هذا الكلام المذكور في المقالة هو أن العديد من حالات الوفاة التي ضمتها القائمة وقعت بسبب مشاكل في القلب، لكن صحيحٌ أيضاً أنه لا يوجد أي دليل طبي أو علمي موثوق على وجود أي علاقة بين تلك الوفيات ولقاحات كورونا، بحسب تحقيق رويترز.
53 حالة وفاة ضمن القائمة شملت تحديد أسباب الوفاة في التقرير الطبي، وكان منها أزمات قلبية نتيجة لحالات مرَضية سابقة مرتبطة بالقلب، بعضها كان معلوماً والآخر كان مجهولاً قبل الوفاة. بينما شملت الأسباب أيضاً في بعض تلك الحالات من تُوفي بسبب إصابات في الدماغ أو نتيجة لحادث دراجة نارية، وبعضها كان حالة انتحار، والبعض الآخر لم يصب بكورونا أو يتلقى اللقاح من أساسه.
بل كانت هناك حالة وفاة ضمن تلك القائمة حدثت في أغسطس/آب 2019، أي قبل تفشي الوباء نفسه، وحالة أخرى أكد أقاربها لـ"رويترز" أن المتوفى لم يتلق تطعيماً ضد كورونا. وكثير من الوفيات في القائمة وقعت قبل أن تبدأ حملات التلقيح للفئة العمرية لذلك المتوفى.
اللقاحات ومشاكل القلب
ربما يكون العنصر الآخر المرتبط بسرعة انتشار تلك "القائمة" واقتناع عدد كبير من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي بما جاء فيها، دون تحقق من محتواها، يرجع إلى بعض التقارير التي ربطت بين تلقي لقاحات كورونا، خصوصاً فايزر، وظهور أعراض جانبية لدى عدد ضئيل من المطعمين تتمثل في التهابات بعضلة القلب.
واللافت هنا أن مصدر تلك المعلومة الخاصة بالتهاب عضلة القلب كان دراسة إسرائيلية ظهرت أولاً في شهر أبريل/نيسان الماضي، حين قالت منسقة الاستجابة للوباء في إسرائيل إن دراسة مبدئية أظهرت وجود "عشرات الحالات" من التهاب عضلة القلب بعد حصول الشخص على لقاح فايزر، وبصفة خاصة بعد الجرعة الثانية.
لكن فايزر أصدرت، في ذلك الوقت، بياناً نفت فيه وجود دليل علمي على الصلة بين حدوث التهابات في عضلة القلب وتلقي اللقاح، مؤكدةً أن مثل تلك الحالات إن وُجدت فعددها ضئيل للغاية، ولا يوجد دليل قاطع على ارتباطها بتلقي اللقاح نفسه.
وفي مايو/أيار الماضي، أصدرت مجموعة استشارية تابعة للمراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض المعدية دراسة أشارت إلى أن بعض من تلقوا جرعات لقاح فايزر المضاد لفيروس كورونا المستجد، وبصفة خاصة من المراهقين والشباب، قد ظهرت لديهم أعراض التهاب عضلة القلب، وطالبت المجموعة الاستشارية بإجراء مزيد من الدراسات والأبحاث لحسم الصلة بين لقاح فايزر والتهاب عضلة القلب.
تقرير المجموعة الاستشارية التابعة للمراكز الأمريكية أكد أنه في غالبية الحالات التي تعرضت لالتهاب عضلة القلب اختفت تلك الأعراض مع مرور الوقت دون الحاجة لعلاج، ودون حسم الصلة بين تلقي لقاح فايزر والالتهاب، مما يعني أنه قد تكون هناك أسباب متعددة تستوجب مزيداً من الدراسات التجريبية على أعداد أكبر من المتلقين للقاح.
وعندما توجهت رويترز بسؤال إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بشأن مزاعم تلك القائمة، أعاد الفيفا تأكيد بيانه الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني، بأنه "ليس على علم بارتفاع في عدد حالات توقف القلب، ولم يتم الإبلاغ عن أي حالات تتعلق بارتباط ذلك بتلقي لقاح كورونا".
وفقاً لدراسة لمؤسسة القلب الألمانية، فإن هناك ما بين 0.7 و3.0 حالة وفاة بين 100.000 رياضي سنوياً، بحسب تقرير لموقع دويتش فيله. ووفقاً للخبراء، يتأثر الرجال أكثر من النساء. فبحسب بيانات رسمية، فإن "96% من الرياضيين المصابين من الرجال"، وأن أسباب ذلك مختلفة ومتنوعة، بحسب ما تقوله المؤسسة.
وتختلف الأسباب باختلاف عمر المصابين، "ففي الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً، تشمل المحفزات المحتملة أمراض عضلة القلب، وصمامات القلب، والشريان الأورطي، والشرايين التاجية.
كما يمكن أن تؤدي التغييرات في المادة الوراثية- على سبيل المثال- إلى تزايد سُمك عضلات البطين الأيسر (اعتلال عضلة القلب التضخمي). ومن الممكن أيضاً أن تكون أمراض البطين الأيمن على وجه الخصوص سبباً للموت القلبي المفاجئ"، وفقاً لمؤسسة القلب الألمانية.
وتفيد الدراسة أيضاً بأن "مرض الشريان التاجي" هو السبب الأكثر شيوعاً للوفاة القلبية المفاجئة لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 35 عاماً، حيث يمثل نحو 80% من أسباب الوفاة، حيث تضيق الشرايين التاجية بشكل متزايد بسبب ترسبات من الكوليسترول والكالسيوم، ومع تمزق الأنسجة الضامة في الشرايين وتزايد الترسبات، تتشكل جلطات الدم أحياناً وتصبح الأوعية الدموية مسدودة تماماً، "والنتيجة: نوبة قلبية يمكن أن تترافق مع عدم انتظام ضربات القلب الذي يهدد الحياة". وحتى الآن لاتزال مسألة وفاة لاعبين في الملاعب قيد البحث والدراسة.
الخلاصة هنا هي أن تلك القائمة التي تزعم وفاة 108 لاعبين ومدربين محترفين مسجلين لدى الفيفا خلال 2021، لا أساس لها من الصحة، ولا توجد أي علاقة بين وفاة من ضمتهم ولقاحات كورونا.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.