شهد عام 2021 هجوماً على الديمقراطية الأمريكية من الداخل، حيث اُفتتح باجتياح أنصار دونالد ترامب مبنى الكونغرس الأمريكي في 6 يناير/كانون الثاني 2021 بعد زعم ترامب انتصاره بالانتخابات الرئاسية على الرئيس بايدن. وبعد ذلك استغل المشرعون الجمهوريون المزاعم حول تزوير الانتخابات، وسلّحوها لصالحهم بوضع قوانين جديدة تزيد صعوبة التصويت؛ حيث مرّرت 19 ولاية 33 قانوناً يُقيّد الإدلاء بالأصوات بين يناير/كانون الثاني وأكتوبر/تشرين الأول، وفقاً لمعهد Brennan Center for Justice.
وقد وصف جو بايدن هذا الهجوم الجمهوري بأنّه "أهم اختبار لديمقراطيتنا منذ الحرب الأهلية". لكنّ الديمقراطيين في مجلس الشيوخ لم يتمكنوا من تمرير مشروعي قانونين لحماية حقوق التصويت. وأصبحت قدرة بايدن على تمرير المشروعين، مع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، تُمثل اختباراً كبيراً لرئاسته، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية. وإليكم بعض الأسباب التي حوّلت حقوق التصويت إلى الخبر الأهم في السياسة الأمريكية عام 2021:
1- قيود جديدة على التصويت في أمريكا
حين اجتمعت مجالس الولايات التشريعية مطلع عام 2021، اتجهت الكثير منها لتطبيق قوانين جديد تزيد صعوبة الإدلاء بالأصوات. وقد استهدفت العديد من تلك القوانين التصويت عبر البريد، وهي الوسيلة التي استخدمها عددٌ قياسي من الأمريكيين عام 2020.
وقد شهدت ولاية جورجيا واحدةً من أهم وأشهر المعارك القانونية، وهي ولايةٌ استهدفها ترامب بمزاعم التزوير عقب خسارته المفاجئة لصالح بايدن هناك؛ إذ أصدر الجمهوريون قانوناً يُلزم الناخبين بتقديم معلومات هوية إضافية مع طلبات الاقتراع الغيابي وبطاقة الاقتراع نفسها. كما قيّدوا توافر صناديق الاقتراع الغيابي، التي كانت من أشهر أساليب إرسال بطاقات الاقتراع في عام 2020. وقد جرّم القانون كذلك توفير الطعام والماء للناخبين الواقفين في طوابير طويلة أمام مراكز الاقتراع.
وفي فلوريدا، أصدر الجمهوريون قانوناً جديداً يُقيّد كذلك توافر صناديق الاقتراع الغيابي، ويفرض قواعد جديدة على مجموعات التسجيل من طرف ثالث، ويُلزم الناخبين بطلب بطاقات الاقتراع الغيابي أكثر.
وقد احتدم الصراع حول قيود التصويت في يوليو/تموز، حين فرّ الديمقراطيون في مجلس تكساس التشريعي من الولاية لعدة أسابيع، حتى يحرموا الجمهوريين من النصاب القانوني اللازم لتمرير قانون قيود التصويت الجديدة. لكن الجمهوريين نجحوا في تمرير القانون بنهاية المطاف لحظر التصويت على مدار الـ24 ساعة، وإقامة مراجعات منتظمة لجنسية الأشخاص الموجودين على قوائم الناخبين، وزيادة صعوبة مساعدة الناخبين، وتقوية مراقبي الانتخابات من الأحزاب.
2- تقويض الثقة في الانتخابات
لا يزال عددٌ صادم من الأمريكيين ينكرون نتائج انتخابات عام 2020؛ إذ وجد استطلاعٌ أجرته شبكة CNN الأمريكية في سبتمبر/أيلول أنّ 36% من الأمريكيين لا يعتقدون أنّ بايدن هو الفائز الشرعي بانتخابات الرئاسة.
وقد عزّز ترامب هذه الفكرة بترديد مزاعمه حول وجود مخالفات، رغم ثبوت عدم صحة تلك المزاعم. ولا يزال الجمهوريون في العديد من الولايات يُواصلون الدعوة لـ"سحب شهادة" الانتخابات، وهو أمرٌ مستحيل من الناحية القانونية.
بينما ذهب الجمهوريون إلى ما هو أبعد من ذلك في بعض الولايات، لدرجة أنهم وافقوا على فتح تحقيقات غير معتادة في نتائج الانتخابات بعد نهايتها.
وشهدت ولاية أريزونا على وجه التحديد أشهر تلك المراجعات؛ حيث كلّف الجمهوريون شركةً ليست لديها أي خبرة انتخابية، تُدعى Cyber Ninjas، بمراجعة 2.1 مليون بطاقة اقتراع في أكثر مقاطعات الولاية اكتظاظاً بالسكان، مقاطعة ماريكوبا. وقد تعرّضت تلك الجهود التي استمرت عدة أشهر للعديد من الانتقادات بواسطة خبراء الانتخابات، الذي أشاروا إلى رداءة أساليب الشركة واعتناق رئيسها لنظريات المؤامرة المتعلقة بالانتخابات. وفي النهاية، أكّدت جهود Cyber Ninjas فوز بايدن في مقاطعة ماريكوبا.
كما تزامنت تلك الجهود مع محاولةٍ أكثر إثارةً للقلق من جانب المجالس التشريعية الجمهورية لتعزيز قدرة المشرعين على تعديل نتائج الانتخابات؛ حيث قدّم المشرعون في سبع ولايات، تشمل ميشيغان وأريزونا وميزوري ونيفادا، 10 مشروعات قوانين خلال العام الجاري تُمكّنهم من تجاوز أو تغيير نتيجة الانتخابات وفقاً لمعهد Brennan Center for Justice. وتسمح بعض تلك القوانين للمشرعين الحزبيين برفض نتائج الانتخابات صراحةً، بينما تسمح أخرى بالتدخل في فرز الأصوات بعد الانتخابات.
3- الهجوم على مسؤولي الانتخابات
على مدار العام الماضي، ارتفعت أعداد مسؤولي الانتخابات الذين تركوا مناصبهم بسبب التهديدات أو المضايقات. ويشعر الخبراء بالقلق الشديد إزاء نزوح العاملين هذا، قائلين إنّه قد يُفسح المجال أمام موظفين أقل خبرة وأكثر حزبية لتولّي إدارة العملية الانتخابية؛ إذ قال بين غينسبيرغ، المحامي الانتخابي الجمهوري القديم، في وقتٍ مبكّر من الشهر الجاري، إنّ هذه الجهود تُمثل محاولةً لسحب إدارة الانتخابات "من المحترفين" ومنحها "للساسة".
وقد دعم ترامب العديد من الساسة، الذين تبنوا أسطورة سرقة الانتخابات، في ترشحهم لمنصب كبير مسؤولي الانتخابات بالعديد من الولايات. وأعرب عن تأييده للمرشحين الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية بولايات ميشيغان، وأريزونا، وجورجيا، ونيفادا، وكلها من الولايات المتأرجحة التي ربما تلعب دوراً حاسماً في انتخابات 2024.
4- تقسيم الدوائر الانتخابية المتشدد حزبياً
في مطلع كل عقد، يقوم مشرِّعو الولايات في مختلف أرجاء الولايات المتحدة برسم الدوائر الانتخابية الجديدة للكونغرس والولايات. وفي 2020، هيمن الجمهوريون على السباقات الانتخابية التي تُحدد هوية من سيتحكم في عملية إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية. وفي العام الجاري، استخدموا قوة سلطتهم بشكلٍ ملحوظ.
ففي تكساس، حيث شكّل غير البيض نسبة 95% من نمو سكان الولاية، قام الجمهوريون برسم خرائط تُقيّد القوة السياسية للأقليات. ولم يرسموا دوائر أغلبية-أقلية جديدة، ليمنحوا بذلك الجمهوريين أفضلية الفوز بمقعدي الولاية الجدد في الكونغرس. وتحرك الجمهوريون أيضاً لتأمين أفضليتهم في الولايات المنافِسة سياسياً مثل كارولينا الشمالية، وأوهايو، وجورجيا. بينما يقوم الديمقراطيون بتقسيم الدوائر الانتخابية في الولايات التي يُسيطرون عليها، مثل إلينوي وماريلاند، لكنهم يُسيطرون على عملية إعادة التقسيم في أماكن أقل من الجمهوريين بكثير عموماً.
وهذه الدوائر المدبرة ستحمي الجمهوريين من أي تهديدٍ لقوتهم السياسية خلال العقد المقبل.
5- التشريعات الفيدرالية لحقوق التصويت
كان عجز الديمقراطيين عن تمرير تشريعين مهمين لحقوق التصويت في الكونغرس من أكبر خيبات الأمل التي شهدها العام الأول في رئاسة بايدن؛ إذ كان من المفترض أن يضع الأول حداً أدنى للوصول في مختلف أنحاء البلاد، ليضمن التصويت المبكر قبلها بـ15 يوماً مثلاً، إلى جانب حظر تقسيم الدوائر حزبياً. بينما كان يُفترض بالتشريع الثاني أن يُعيد تقديم قانون حقوق التصويت لعام 1965، حتى يُلزم الولايات -التي شهدت أدلةً متكررة على التمييز الانتخابي- بإجراء تغييرات على قوانين التصويت بعد موافقة الحكومة الفيدرالية أولاً.
وهناك شعورٌ متزايد بخيبة الأمل؛ لأن بايدن لم يضغط بما يكفي للتخلص من هذه المماطلة السياسية، التي اعتمد عليها الجمهوريون لتعطيل هذه التشريعات. لكن الديمقراطيين تعهدوا بإيجاد حلٍ لهذه المماطلة خلال العام المقبل.