تشهد قرية بُرقة الفلسطينية شمال محافظة نابلس بالضفة الغربية، منذ عدة أيام، هجمات متكررة من قبل المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين، وصلت ذروتها مساء يوم الخميس 23 ديسمبر/كانون الأول 2021، عندما هاجم مئات المستوطنين المدعومين من جيش الاحتلال منازل القرية التي استغاثت مساجدها لنجدتها؛ مما أدى لاندلاع مواجهات أسفرت عن إصابة نحو 130 فلسطيني بجروح مختلفة. فما قصة هذه القرية، ولماذا يهاجمها المستوطنون بشكل شبه يومي؟
لماذا يستهدف المستوطنون قرية برقة الفلسطينية؟
تتعرض قرية برقة التي يقطنها قرابة 4500 فلسطيني على مساحة تبلغ 26 ألف دونم، لاعتداءات متكررة من قبل المستوطنين الإسرائيليين بالضفة الغربية، والسبب في ذلك يعود إلى وجود بؤرة استيطانية تدعى "حومش"، كانت حكومة الاحتلال برئاسة آرييل شارون، قد قررت إخلاءها عام 2005، بعد 25 عاماً على إقامتها، وذلك بالتزامن مع الانسحاب من قطاع غزة، ولكن سلطات الاحتلال التي هدمت مباني المستوطنة باستثناء خزان المياه الضخم فيها أبقت على أنقاض المستوطنة كمنطقة عسكرية مغلقة يحظر على الفلسطينيين أصحاب الأرض استغلالها.
ومنذ ذلك الحين، عمل العديد من عائلات المستوطنين للإقامة بمستوطنة حومش، بشكل شبه دائم، بحماية من الجيش الإسرائيلي، مما أدى لمنع المزارعين الفلسطينيين من استصلاح أراضيهم في تلك المنطقة، أو الوصول لها، رغم انتزاعهم قراراً قضائياً عام 2013، من المحكمة العليا الإسرائيلية باستعادة نحو 1200 دونم من أراضيهم الزراعية التي صادرها الاحتلال منهم في عام 1978 لإقامة مستوطنة حومش آنذاك.
وفي عام 2009 شرع مستوطنون بتأسيس مدرسة دينية مكان مستوطنة "حومش" وذلك بحماية جيش الاحتلال؛ حيث يقيم في هذه المدرسة عشرات المستوطنين المتطرفين بشكل دائم، وبحماية من جنود الاحتلال.
عملية "حومش" تستنفر المستوطنين للاعتداء على قرية برقة
في رد على اعتداءات المستوطنين المتطرفين على المزارعين الفلسطينيين، وقعت يوم الخميس 16 ديسمبر/كانون الأول 2021، عملية إطلاق نار من قبل مركبة مسرعة قرب مستوطنة حومش، قتل فيها مستوطن إسرائيلي وأصيب آخران، وجميعهم من أتباع المدرسة الدينية المقامة على أنقاض مستوطنة حومش، ليتم بعد ذلك مطاردة المنفذين الفلسطينيين واعتقالهم من قبل جيش الاحتلال.
منذ ذلك الحين، شنّ المستوطنون سلسلة هجمات على قرية برقة وما حولها من قرى أخرى، استخدموا في بعضها الأسلحة النارية، الأمر الذي أدى لوقوع العديد من الإصابات والخسائر في الممتلكات.
وقال جهاد صلاح، رئيس مجلس محلي قرية بُرقة لوكالة الأناضول يوم الجمعة 17 ديسمبر/كانون الأول، إن عشرات المستوطنين هاجموا القرية وأطلقوا النار على منازل الفلسطينيين. مضيفاً أنهم أحرقوا أيضاً بركسا (منشأة من الصفيح) لأحد المواطنين في القرية، ورشقوا المنازل بالحجارة وكسروا زجاج نوافذها".
فيما لفت إلى أن العشرات من السكان الفلسطينيين تصدوا لهجوم المستوطنين في المدخل الغربي للبلدة، واحتشدوا هناك بالتزامن مع وصول جيش الاحتلال، الذي استخدم قنابل الغاز المسيل للدموع، وتسبب بإصابة بعض السكان الفلسطينيين بالاختناق.
كما قالت وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية "وفا" إن مستوطنين هاجموا بلدة "سَبَسْطية" شمال نابلس، وحطموا عدداً من المركبات الفلسطينية وورشة لتصليح السيارات قرب مدخل البلدة. كما هاجم مستوطنون إسرائيليون، فجر الجمعة، منزلاً فلسطينياً في بلدة "قَريوت" جنوبي مدينة نابلس، وأصابوا صاحبه بجراح.
مساجد برقة تستغيث وتنادي الفلسطينيين للدفاع عنها
وصلت ذروة اعتداءات المستوطنين المسلحين على قرية برقة مساء يوم الخميس 23 ديسمبر/كانون الأول، وذلك عندما هاجم مئات المستوطنين القرية، بعد مسيرة شارك فيها أكثر من ألف مستوطن انطلقت من مستوطنة "شافي شمرون باتجاه مستوطنة "حومش" المخلاة، هاتفين فيها بشعارات عنصرية تدعو لقتل الفلسطينيين والتخلص منهم، وإعادة بناء المستوطنة بشكل "قانوني وكامل".
وسجلت خلال اعتداءات المستوطنين ليلة الجمعة على منازل الفلسطينيين، أكثر من 130 إصابة تم تحويل عدد منها إلى المستشفيات لتلقي العلاج، واحتشد الأهالي من مختلف المناطق على مداخل البلدة، لحمايتها من هجمات واعتداءات المستوطنين المدعومة من جيش الاحتلال.
وبحسب مقاطع فيديو نشرها فلسطينيون من داخل قرية برقة، فقد وجهت مساجدها نداءات استغاثة للقرى التي حولها لحمايتها من هجمات المستوطنين الخطيرة، حيث وصل بهم الاعتداء حتى على القبور الإسلامية وتحطيم شواهدها، فيما تعرضت عشرات المنازل لأضرار بالغة، فيما وصف فلسطينيون ما يحدث للقرية بأنه "نكبة جديدة"، في إشارة إلى هجمات العصابات الصهيونية المسلحة عام 1948 على القرى الفلسطينية وتهجير أهلها منها.
هجمات عدوانية استيطانية برعاية رسمية إسرائيلية
ومما شجّع على هجمات المستوطنين على قرى نابلس، هي التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، والتي دافع فيها يوم الثلاثاء 14 ديسمبر/كانون الأول، عن المستوطنين وممارساتهم "العدوانية".
إذ انتقد بينيت في تغريدة، وهو زعيم سابق لحركة الاستيطان الرئيسية في الضفة الغربية، استخدام وزير الأمن الداخلي "عومر بارليف" مصطلح "عنف المستوطنين".
حيث زعم بينيت أن المستوطنين في الضفة الغربية يعانون من "العنف والإرهاب يومياً لعشرات السنين"، متابعاً: "المستوطنون هم الدرع الواقية لنا جميعاً، ويتعين علينا تقويتهم ودعمهم بالقول والفعل، ومن الخطأ تعميم وصمهم جميعاً بممارسة العنف ضد الفلسطينيين".
كما أرسل بينيت "تعازيه الحارة" لأسرة المستوطن الإسرائيلي الذي قتل في هجوم "حومش". وقال على تويتر: "قوات الجيش ستضع أياديها قريباً على الإرهابيين وسنضمن تحقيق العدالة".
وكان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي بارليف (حزب العمل) قد أثار مؤخراً ضجة واسعة داخل أحزاب اليمين اليهودي في الحكومة والمعارضة، عقب نشره تغريدة قال فيها: "التقيت بمساعدة وزير الخارجية الأمريكية السيدة فيكتوريا نولاند، حيث كانت مهتمة من بين أمور أخرى، بعنف المستوطنين وكيفية الحد من التوترات في المنطقة وتقوية السلطة الفلسطينية".
من جهتها، رصدت منظمة "السلام الآن" الحقوقية الإسرائيلية، في تقرير نشرته، مؤخراً، "ارتفاعاً ملحوظاً في عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم". وأشارت في هذا الصدد إلى أن عدد حوادث عنف المستوطنين في عام 2020، وفي النصف الأول من عام 2021، كانت أعلى بمرتين مما كانت عليه في عام 2019.
خلال الشهر الماضي، وثّق مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي المحتلة، التابع للأمم المتحدة، منذ بداية العام الجاري، 427 حادثاً (اعتداء) تتعلق بالمستوطنين بالضفة بما فيها القدس، بينها 312 حادثاً أدت إلى وقوع أضرار بالممتلكات، و115 حادثاً أدت إلى وقوع إصابات بين الفلسطينيين. في حين تشير بيانات "السلام الآن" إلى وجود نحو 666 ألف مستوطن و145 مستوطنة كبيرة و140 بؤرة استيطانية عشوائية بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.