اقتصاد تونس يترنح في عام 2021، وصندوق النقد يمتنع عن المساعدة لحين إتمام صفقة قيس سعيد مع أمريكا

تم النشر: 2021/12/22 الساعة 10:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/22 الساعة 10:44 بتوقيت غرينتش
الرئيس التونسي قيس سعيّد / الرئاسة التونسية في فيسبوك

 شهدت اقتصاد تونس في 2021 إحدى أسوأ أزماته التي عرفتها البلاد منذ الاستقلال، وفاقمتها تداعيات انتشار جائحة كورونا، ثم التجاذبات السياسية التي وصلت لذروتها بقرارات الرئيس قيس سعيد، التي وصفها معارضوه بالانقلاب.

ورغم تعافي دول عديدة من تبعات الجائحة، وعودة النشاط الاقتصادي بها، فإن تونس لم تستفد من هذه الوضعية بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي عاشته منذ بداية العام.

ومنذ 25 يوليو/تموز الماضي، تشهد تونس أزمة سياسية حين بدأ رئيس البلاد قيس سعيد اتخاذ إجراءات استثنائية، منها تجميد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وإقالة رئيس الحكومة، وتشكيل أخرى جديدة.

أمام هذه الوضعية فإن ما ميّز هذه السنة هو بلوغ الدين العام مستويات قياسية، وتفاقم العجز في الميزانية، وارتفاع نسب البطالة والتضخم، مع تراجع النمو الاقتصادي.

كما أسهم عدم الاستقرار السياسي في عجز الحكومة عن الخروج إلى الأسواق المالية العالمية، ومن ثم عدم قدرتها على تعبئة موارد الدولة.

أبرز مؤشرات اقتصاد تونس في 2021

نمو اقتصادي متواضع

في ظل التجاذبات السياسية التي عرفتها البلاد منذ بداية العام كان من الصعب تحقيق نمو اقتصادي كما كان متوقعاً، ليتم في قانون المالية التعديلي خفض توقعات نمو اقتصاد تونس في 2021 إلى 2.6%، من 4%.

وعلى عكس التوقعات، بدأت السنة بتسجيل انكماش بـ1.7% في الربع الأول من العام، على أساس سنوي، ثم نمو بـ16.2% في الربع الثاني، و0.3% في الربع الثالث من 2021.

ويرى محللون أن حتى نسبة 2.6% لكامل العام من الصعب تحقيقها، في ظل الوضع الحالي.

شهد الدين العام نسقاً تصاعدياً منذ سنوات ما بعد الثورة، فبعد أن كان حجمه لا يتجاوز 43% من الناتج المحلي الإجمالي في 2009، ارتفع إلى 90% في 2020.

وتشير توقعات قانون المالية الأصلي للعام الحالي إلى بلوغ الدين العام مستوى قياسياً ليصل إلى 109.23 مليار دينار (37.6 مليار دولار)، منها 74.21 مليار دينار (25.5 مليار دولار) ديناً خارجياً.

وفي 2020، بلغت قيمة الدين العام 93.04 مليار دينار (32.08 مليار دولار)، منها 61.29 مليار دينار (21.1 مليار دولار) ديناً خارجياً.

التضخم يواصل الارتفاع

شهدت نسبة التضخم ارتفاعاً متواصلاً منذ بداية 2021، حيث كانت تبلغ 4.9% في يناير/كانون الثاني، لترتفع إلى 5.7% في يونيو/حزيران، و6.4% في نوفمبر/تشرين الثاني.

هذا الارتفاع في التضخم قادم أساساً من الارتفاع المتواصل للأسعار، رغم الدعوات المتكررة للحد من الارتفاع النشط للأسعار واحتكار المواد الأساسية.

عجز الميزانية

الفشل في تعبئة موارد للدولة خارجياً أجبر الحكومة على مراجعة توقعاتها، ليس فقط للنمو، بل أيضاً للعجز في الميزانية.

ووفقاً لقانون المالية التعديلي لعام 2021، رفعت الحكومة قيمة العجز إلى 9.79 مليار دينار (3.37 مليار دولار)، صعوداً من 7.094 مليار دينار (2.44 مليار دولار)، في قانون المالية الأصلي.

وتسعى الحكومة إلى تغطية هذا العجز باللجوء إلى الاقتراض الداخلي.

أثقلت تداعيات الأزمة الصحية كاهل الموازنة العامة في 2021، فمع تراجع العائدات السياحية، وقيود الإغلاق التي كانت مفروضة عام 2020، فإن الحكومة كانت في حاجة إلى تعبئة موارد إضافية للدولة، عبر الاقتراض بقيمة 19.6 مليار دينار (6.75 مليار دولار).

يتوزع مبلغ التعبئة المفترض بين 16.6 مليار دينار (5.72 مليار دولار) في شكل اقتراض خارجي، و2.9 مليار دينار (مليار دولار) كاقتراض داخلي.

ارتفاع نسب البطالة رغم تراجع الجائحة

شهدت نسب البطالة منحى تصاعدياً منذ بداية جائحة كورونا، وما فرضته من قيود على المواطنين بسبب الحجر الصحي، وهو ما أدّى إلى فقدان العديد إلى مواطن شغلهم.

 هذه الوضعية أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى 18% في الربع الثاني من عام 2020، صعوداً من 15.1% في الربع الأول من العام نفسه.

ولكن ورغم عودة الأنشطة الاقتصادية فإن البطالة في تونس لم تتراجع، بل واصلت نسقها التصاعدي في 2021، لتبلغ 17.8% في الربع الأول، و17.9% في الربع الثاني، ثم 18.4% في الربع الثالث.

قرارات الرئيس عطّلت مفاوضات صندوق النقد وخلافات حول شروطه

سعت تونس في 2021 إلى تجاوز الأزمة الاقتصادية التي تعيشها منذ سنوات ما بعد الثورة، والتي فاقمتها الأزمة الصحية، من خلال دخولها منذ مايو/أيار الماضي في مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي، بهدف الحصول على قرض جديد قيمته 4 مليارات دولار.

لكن الأخير يشترط توفر الاستقرار السياسي وتوافقاً بين جميع الأطراف السياسية والمنظمات الوطنية، إلى جانب الالتزام بتنفيذ جملة من الإصلاحات المتأخرة.

هذه المفاوضات توقفت تزامناً مع قرارات الرئيس التونسي، في 25 يوليو/تموز 2021، نتيجة عدم الوضوح السياسي، لتستأنف في بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

ورغم التصريحات المتكررة بشأن مواصلة صندوق النقد تقديم الدعم إلى تونس، فإنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق مبدئي بين الطرفين.

اقتصاد تونس في 2021
تظاهر آلاف التونسيون في شارع "الحبيب بورقيبة" وسط العاصمة رفضاً لقرارات الرئيس قيس سعيد الأخيرة/ الأناضول

ويشترط صندوق النقد الدولي، وفقاً للبنك المركزي التونسي، إشراك جميع الأطراف الوطنية في إجراء هذه الإصلاحات، في إشارة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمة الأعراف، والأحزاب الفاعلة في البلاد.

ولكنّ اتحاد الشغل أبدى اعتراضه على التوقيع على وثيقة الإصلاحات.

وكان الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي قد صرح في وقت سابق بأن الاتحاد "لن يدعم أي خيارات تمس من قوت الشعب التونسي أو تضرب القطاع العام أو الاستحقاقات الوطنية".

ويقول أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، رضا قويعة، في تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية، إن حاجة تونس لمساعدة صندوق النقد الدولي أصبحت ضرورية ولا يمكن تجاوزها، مشدداً على أن المفاوضات لن تكون يسيرة، وأن مطالب الصندوق ستكون أصعب في ظل الوضع السياسي والاقتصادي الراهن.

وأضاف أن توقف نشاط البرلمان إلى أجل غير مسمى وغموض المستقبل السياسي وغياب برنامج اقتصادي واجتماعي أو خطة للتعامل مع عجز ميزانية الدولة ومع مشكلة الأجور سيصعب المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

وأشار قويعة إلى أن الاستمرار في الرفع من أجور الموظفين سيفاقم عجز ميزانية الدولة، بشكل يتعارض مع الإصلاحات التي يطالب بها الصندوق، والتي من ضمنها الحد من دعم الطبقات المتوسطة ومعالجة إفلاس المؤسسات الحكومية.

ويمكن القول إن قرارات سعيد أضافت مزيداً من التوتر الذي أضر باقتصاد البلاد المتدهور أصلاً، كما تسببت في عرقلة مساعدات صندوق النقد.

صفقة قيس سعيد مع الأمريكيين

يقول الخبير الاقتصادي، جمال الدين عويديدي لسبوتنيك، إن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لها خلفيات سياسية، مشيراً إلى تصريح سابق لوزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، الذي صرح فيه بأن بلاده مستعدة لمساندة تونس، على أن تلتزم بتنفيذ بعض الإصلاحات السياسية.

وبالفعل أطلق قيس سعيد خارطة الطريق التي تضمنت إبقاء تجميد البرلمان لحين إجراء انتخابات جديدة، وإجراء استفتاء على وضع دستور جديد، وهي القرارات التي قوبلت بانتقادات داخلية حادة، ولكن اللافت أنها لاقت ترحيباً أمريكيا لافتاً أعطى مصداقية لوجهة النظر القائلة بأن هذه القرارات موجهة للداخل وليس الخارج، وأنها تمهيد لإعطاء الشرعية الدولية لانقلاب سعيد، ومن ثم إمكانية فتح الباب لمساعدات من قبل صندوق النقد.

وقال عويديدي إن أمريكا ستلعب دوراً هاماً في توجيه مسار مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي، بالنظر إلى امتلاكها حق الفيتو في الصندوق.

ولفت عويديدي إلى أن الوفد التونسي سيتفاوض مع الصندوق للحصول على 4 مليارات دولار، ستُصرف على الأرجح على 4 سنوات، أي بمعدل مليار دولار سنوياً، في حين أن تونس سجلت عجزاً في حدود 8.5 مليار دولار خلال العشرة أشهر الأولى من السنة الحالية، ولم تتخذ أي إجراءات للترشيد.

وأشار إلى أن الوصفة الوحيدة التي يقدمها صندوق النقد الدولي هي الضغط على الميزانية من خلال التقليص في كتلة الأجور، ومنح التقاعد، والاعتمادات الخاصة بالمرافق العمومية، مثل الصحة والتعليم والنقل وخصخصة الشركات العمومية.

وتابع عويديدي "هذه الوصفة يتم تنفيذها في تونس منذ سنة 2013، ولكنها لم تُؤتِ أُكلها، وإنما تبين أنها أفضت إلى نتائج عكسية، وهو نفس الرأي الذي قدمه ثلاثة من أشهر خبراء الصندوق، عندما وجهوا رسالة إلى المديرة العامة كريستين لاغارد، في يناير/كانون الثاني 2017، ينتقدون فيها هذه الوصفة، ويقرون بأنها أدت إلى التقليص من نسب النمو والرفع من البطالة، وخلق مزيد من التشنج الاجتماعي".

ولكن في ظل حكم قيس سعيد الاستبدادي يمكن لحكومته تنفيذ شروط صندوق النقد القاسية، مع محاولة التصدي لأي احتجاجات ضدها، وقد يفسر ذلك سر انتقادات قيس سعيد الأخيرة للاتحاد العام للشغل، في محاولة لتهميشه، قد يكون سببها أن الرئيس يدرك أن الاتحاد هو العائق الأكبر أمام تنفيذ الإجراءات التقشفية.

تحميل المزيد