لا تزال صناعة الشحن العالمية– التي يعمل نظامها بالعادة دون أن يلحظه أحد- في حالة من الفوضى. وخلال عام 2021 تركت عاصفة من التأخيرات الناجمة عن فيروس كورونا وأسعار الشحن المرتفعة للغاية البضائع عالقة في البحر وأرففاً عارية في المتاجر في جميع أنحاء العالم. يصر السياسيون على أن هذه الفوضى ستختفي، لكن عند النظر بعمق تجاه الأزمة، لا يوجد سوى القليل من الدلائل على أن سلاسل التوريد ستكون أكثر سلاسة في العام القادم.
هل تتعمّق أزمة سلاسل التوريد في عام 2022 أم تختفي؟
ضرب الوباء عمليات شركات الشحن على طول سلاسل التوريد. وقد تفاقم نقص العمالة بسبب الإغلاقات وإجراءات العزل، فيما أدت الإجراءات المتشددة التي اتخذتها الصين لمواجهة الوباء إلى إغلاق محطات الموانئ إذا تم اكتشاف حالة أو حالتين من حالات الإصابة بفيروس كورونا. والآن، يضغط انتشار متحور أوميكرون Omicron الجديد، على الحكومات للتوجه نحو المزيد من الإغلاقات المحتملة.
لكن التأثير الأكثر أهمية للوباء كان إشعال الطلب على السلع من المستهلكين المحبوسين في منازلهم، وخاصة الأمريكيين المتحمسين لشراء السلع الصينية. وكانت قيمة البضائع المصدرة من الصين إلى أمريكا أعلى بنسبة 5% في الأشهر الستة الأولى من عام 2021 مقارنة بعام 2019، قبل الوباء. وفي سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين كانت نسبة التصدير أعلى بـ19% مما كانت عليه قبل عامين.
والنتيجة لكل ذلك هي أن أسعار الشحن لم تعد كالسابق، إذ تضاعفت أسعار الشحن العالمية 6 مرات خلال عام 2021، وتقول مجلة Economist البريطانية إن تكلفة الشحن بين الصين والساحل الغربي لأمريكا أصبحت عشرة أضعاف مستويات ما قبل الجائحة.
وكان للشهية الهائلة للبضائع في أمريكا تأثير غير مباشر في أماكن أخرى حول العالم، وأدى النقص في السفن الذي جذبته المعدلات المرتفعة إلى الطرق العابرة للمحيطات، إلى دفع تكلفة إرسال الصناديق بين الصين وأوروبا إلى مستويات قياسية. وهذا يرفع التكاليف بالنسبة للشركات التي تعتمد على شركات الشحن من الهواتف الذكية إلى الأحذية الرياضية وغيرها من المنتجات.
إضافة إلى التكاليف والتأخيرات الطويلة، تواجه الموانئ، غير المعتادة على مثل هذا الحجم من حركة المرور، طوابير طويلة من السفن تنتظر أسابيع لتفريغها، وذلك بسبب نقص سائقي الشاحنات ومساحة المستودعات.
ارتفاع الأسعار حول العالم لم يبلغ ذروته بعد
تقول مجلة الإيكونومست إن علامات التحسن الأخيرة على سلاسل التوريد خادعة، إذ إن الأسطول الذي ينتظر تفريغ البضائع في موانئ لوس أنجلوس ولونغ بيتش- نقاط الدخول الرئيسية للسلع الصينية في أمريكا- يبلغ عدده الآن حوالي 30-40 سفينة، شهد انخفاضاً كبيراً في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولكن هذا في الغالب لأن التغيير الأخير في نظام الانتظار يعني أنه يُطلب من السفن الآن الانتظار بعيداً في البحر (حتى إن بعضها يظل بعيداً عن الساحل الصيني)، والطابور الحقيقي يزيد عن 100 سفينة.
ويعد الحديث عن الراحة قصيرة المدى من الازدحام في الموانئ العالمية أمراً غير محتمل، يرى معظم النقاد أن الأمل ضئيل في التحسن إلى ما بعد العام الصيني الجديد في فبراير/شباط القادم، وبالتالي قد تستمر اضطرابات سلاسل التوريد طوال عام 2022.
وعلى الرغم من أن البعض يعتقد أن الأسعار قد وصلت إلى ذروتها، فمن غير المرجح أن تنخفض كثيراً في الأشهر الستة المقبلة، ومن المقرر أن تظل مرتفعة حتى عام 2023، كما يعتقد الخبير الاقتصادي لارس جنسن من شركة Vespucci Maritime الاستشارية، عندها فقط ستبدأ السفن الجديدة المطلوبة استجابتها للمعدلات المرتفعة في الطلب.
وحتى لو وصلت الأسعار الفورية إلى ذروتها، سيواجه معظم العملاء فواتير أعلى في عام 2022، والسبب أن العقود طويلة الأجل التي تحكم معظم حركة الحاويات حالياً أقل بكثير من الأسعار الفورية- ربما 2500-3000 دولار لكل وحدة استهلاكية بين الصين وأمريكا. ولكن كما يشير الخبير ديفيد كرستينز من بنك Jefferies في حديثه للإيكونومست، فإن الأسعار الفورية تحدد أسعار العقود. في عام 2021 كان ثلثا العقود التي وقعتها شركة Maersk، أكبر شركة شحن حاويات في العالم، والتي تسيطر على خمس السوق العالمية، عقوداً طويلة الأجل. مع مرور عقود مايرسك وتلك الخاصة بمنافسيها، يمكن أن تتضاعف الأسعار. ومع اهتمام العملاء بتأمين السعة النادرة أكثر من المساومة على السعر، يوقع البعض عقوداً لمدة عامين بدلاً من عام واحد.
"عصر الشحن الرخيص قد ولّى"
في الوقت نفسه، يرى سورين ساكو، رئيس شركة ميرسك، أن العديد من الشركات التي تحصل على الإمدادات من الصين لديها شكوك حول الاعتماد على دولة واحدة. تحتاج سياسة "الصين زائد واحد" المتمثلة في إضافة مورد في جزء آخر من آسيا، مثل فيتنام أو تايلاند لحل مشكلة الازدحام، إلى المزيد من السفن لنقل هذه البضائع مباشرة أو إلى الموانئ المركزية الصينية العملاقة لرحلتهم التالية.
من جهته، يقول راهول كابور من "جورنال أوف كوميرس" للمجلة البريطانية، إن "عصر الشحن الرخيص ولَّى وراءنا"، لقد كان تحويل البضائع حول العالم غير مكلف لأن الاستجابة للمعدلات المرتفعة كانت تاريخياً عبارة عن نوبة من الطلبات. وقد أدى ذلك بدوره إلى تدفق السفن التي تصل مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وتباطؤ التجارة.
لكن حروب الأسعار الدامية على حصة سوق صناعة الشحن قد تختفي إلى الأبد. منذ عام 2016، عندما اصطدمت نوبة سابقة في طلب السفن مع تباطؤ التجارة وانهيار الأسعار وخسائر كبيرة، توطدت صناعة الشحن- أصبحت 20 شركة كبيرة سبع شركات أكبر في ثلاثة تحالفات عالمية- وقد ساعدها هذا في إدارة القدرات بشكل أكثر قسوة. نتيجة لذلك، قد تعاني الصناعة الدورية من فترات ركود ضحلة.
مع ازدهار التجارة العالمية في السنوات التي سبقت الأزمة المالية في 2007-2009، كانت دفاتر طلبات الشحن تعادل تقريبًا 60% من الأسطول الحالي، لكنها الآن تزيد قليلاً عن 20%. يعود سبب انضباط رأس المال جزئياً إلى عدم اليقين بشأن التكنولوجيا اللازمة لجعل السفن التي يبلغ عمرها 25 عاماً متوافقة مع قواعد انبعاثات الكربون الأكثر صرامة التي تتوقعها الصناعة. ومع ذلك، قد يكون لانضباط رأس المال حدوده، إذ بدأت الطلبات في الانتفاخ مرة أخرى. وسيستغرق الأمر من سنتين إلى ثلاث سنوات قبل أن تتحسن سلاسل التوريد، وبالتالي فإن عصر الشحن الباهظ قد يستمر لعام أو عامين آخرين.