"بطارية تشحن في ثلاث دقائق، وعمرها نصف قرن، وليست هذه ميزتها الوحيدة".. إذ يختبر علماء تقنية جديدة تدعى بطاريات الليثيوم الصلبة أو بطاريات الليثيوم ذات الحالة الصلبة، من شأنها إحداث ثورة في عالم الشحن الكهربائي، وحل المشكلات التي تواجه صناعة السيارات الكهربائية.
وتمثل بطاريات الليثيوم مصدراً أساسياً لتزويد الطاقة الكهربائية لنسبة كبيرة من السيارات الكهربائية في العالم، وتعمل هذه البطاريات على نفس المبادئ، بغض النظر عن موادها، حيث تنتقل أيونات الليثيوم بين القطبين الموجب والسالب عبر الإلكتروليت "الموصل".
تستخدم بطارية الليثيوم أيون التقليدية سائل إلكتروليت موصل للكهرباء مع فاصل بين الأقطاب يسمح للأيونات بالمرور.
أما بطارية الحالة الصلبة أو البطارية الصلبة التي يسعى العلماء لتوظيفها فيما يعرف ببطاريات الليثيوم ذات الحالة الصلبة، فهي تقنية بطاريات تستخدم أقطاباً صلبة وإلكتروليتاً (موصلاً) صلباً، بدلاً من السائل أو الإلكتروليتات الهلامية البوليمرية الموجودة في بطاريات الليثيوم أيون أو بطاريات الليثيوم بوليمر.
أنواع بطاريات السيارات الكهربائية
بطاريات ليثيوم أيون
أكثر أنواع البطاريات شيوعاً المستخدمة في السيارات الكهربائية هي بطارية الليثيوم أيون، وتُستخدم هذه البطاريات أيضاً في معظم الأجهزة الإلكترونية المحمولة، حسب موقع Energy Sage.
وتتميز بطاريات الليثيوم أيون بنسبة طاقة إلى وزن عالية وكفاءة طاقة عالية وأداء جيد في درجات الحرارة العالية، وهو أمر حيوي للسيارات الكهربائية، فالوزن الأقل يعني أن السيارة يمكنها السفر لمسافات أطول بشحنة واحدة.
تتميز بطاريات الليثيوم أيون أيضاً بمعدل "تفريغ ذاتي" منخفض، ما يعني أنها أفضل من البطاريات الأخرى في الحفاظ على القدرة على الاحتفاظ بشحن كامل بمرور الوقت.
بالإضافة إلى ذلك، فإن معظم أجزاء بطارية الليثيوم أيون قابلة لإعادة التدوير، ما يجعل هذه البطاريات خياراً بيئياً جيداً.
بطاريات هيدريد من النيكل والمعدن
تُستخدم بطاريات هيدريد النيكل والمعدن على نطاق واسع في المركبات الكهربائية الهجينة، ولكنها تُستخدم أيضاً بنجاح في بعض السيارات الكهربائية.
لا تستمد المركبات الكهربائية الهجينة الطاقة من مصدر خارجي إضافي، وبدلاً من ذلك تعتمد على الوقود لإعادة شحن البطارية، ما يستبعدها من تعريف السيارة الكهربائية.
بطاريات هيدريد معدن النيكل لها دورة حياة أطول من بطاريات الليثيوم أيون أو بطاريات حمض الرصاص، كما أنها آمنة وتتسامح مع سوء المعاملة.
ولكن تتمثل أكبر المشكلات المتعلقة ببطاريات هيدريد النيكل والمعدن في تكلفتها المرتفعة ومعدل تفريغها الذاتي المرتفع، وحقيقة أنها تولد حرارة كبيرة في درجات حرارة عالية، تجعل هذه المشكلات هذه البطاريات أقل فاعلية بالنسبة للسيارات الكهربائية القابلة لإعادة الشحن، وهذا هو سبب استخدامها بشكل أساسي في السيارات الكهربائية الهجينة.
بطاريات الرصاص الحمضية
لا تُستخدم بطاريات الرصاص الحمضية حالياً إلا في السيارات الكهربائية لتكملة أحمال البطاريات الأخرى، إنها بطاريات عالية الطاقة، وغير مكلفة، وآمنة، وموثوقة، لكن عمرها الزمني القصير وأداءها السيئ في درجات الحرارة الباردة يجعلان من الصعب استخدامها في السيارات الكهربائية.
هناك بطاريات حمض الرصاص عالية الطاقة قيد التطوير، لكن البطاريات تستخدم الآن فقط في المركبات التجارية كمخزن ثانوي.
المكثفات الفائقة
المكثفات الفائقة ليست بطاريات بالمعنى التقليدي، وهي مثل بطاريات الرصاص الحمضية، مفيدة بشكل أساسي كأجهزة تخزين ثانوية في السيارات الكهربائية، لأن المكثفات الفائقة تساعد البطاريات الكهروكيميائية في تسوية حملها. بالإضافة إلى ذلك يمكن للمكثفات الفائقة أن تزود السيارات الكهربائية بقوة إضافية أثناء التسارع والكبح المتجدد.
يشير العرض السابق أن بطاريات الليثيوم هي أفضل وأنسب بطاريات للسيارات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية، وبطاريات الليثيوم السائل السائدة حالياً تستخدم موصلات سائلة "إلكتروليتات سائلة"، وهي رغم نجاحها توجد بها مشكلات عديدة، أبرزها طول فترة الشحن.
ومن هنا تأتي أهمية مشروع تطوير بطاريات الليثيوم الصلبة، أي بطاريات ليثيوم تستخدم موصلات "إلكتروليتات" صلبة وليست سائلة.
تجربة واعدة لتطوير بطاريات الليثيوم الصلبة
في ولاية كولورادو الأمريكية يجري اختبار بطارية حالة صلبة جديدة من شأنها إحداث ثورة في عالم البطاريات، حسبما ورد في تقرير لموقع Popular Mechanics.
في منطقة خالية من الرطوبة والملوثات أنتجت شركة Solid Power أول خلايا بطارية ليثيوم صلبة معدنية بالحجم الكامل.
تبدو هذه التقنية جيدة جداً لدرجة يصعب تصديقها من الناحية النظرية.
إنها ستؤدي إلى قفزة تقدر بـ10 أضعاف الطاقة المخزنة في البطارية (أو 10 أضعاف في السعة)، مقارنة ببطاريات الليثيوم أيون التقليدية.
مميزات بطارية الليثيوم أيون السائلة العاملة حالياً
بطارية الليثيوم أيون السائلة التقليدية هي بالفعل أعجوبة حديثة جلبت جائزة نوبل لباحثيها الرئيسيين، وذلك بفضل كثافة الطاقة غير المسبوقة لمادة الليثيوم.
لقد كانت، على سبيل المثال، نعمة فورية لمرضى جهاز تنظيم ضربات القلب، الذين يمكنهم الآن الاعتماد على بطارية لمدة 10 سنوات بدلاً من سنتين. لكن تأثير الليثيوم الأكبر على البطاريات جاء مع بطاريات الليثيوم أيون القابلة لإعادة الشحن في التسعينيات للإلكترونيات المحمولة والسيارات الكهربائية.
ولطالما كان الليثيوم محور أبحاث البطاريات لعقود لأنه موصل ممتاز.
يقول الدكتور جون ليو، المدير في مختبر شمال غرب المحيط الهادئ الوطني في ريتشلاند بواشنطن: "معدن الليثيوم هو أعلى المواد التي نعرفها سعة".
يقول جيف ساكاموتو، أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة ميشيغان الأمريكية والمتخصص في بطاريات الحالة الصلبة "إن الليثيوم يخلق جهداً عالياً حقاً، وبالمقارنة مع القلويات الأخرى مثل البوتاسيوم أو الصوديوم، فإن الليثيوم له أصغر حجم أيون، وثالث أقل وزن ذري في الجدول الدوري، ما يعني المزيد من الإلكترونات، وبالتالي المزيد من الكهرباء المخزنة مع وزن وحجم بطارية أصغر.
كثافة الطاقة لخلايا أيون الليثيوم أكبر بأربعة أضعاف من تلك الموجودة في بطاريات النيكل والكادميوم، التي حلت بطاريات الليثيوم محلها إلى حد كبير.
لكن لماذا يريد المصنعون استخدام البطاريات الصلبة محل السائلة؟
تبحث صناعة السيارة الكهربائية عن بطارية خفيفة وسريعة الشحن ومقاومة للتآكل. ويعتقد أنهم اكتشفوا ذلك في التطورات الأخيرة في معدن الليثيوم عبر استخدامه في بطاريات صلبة.
تستخدم بطاريات الليثيوم السائلة الحالية إلكتروليتاً سائلاً، أي مادة سائلة موصلة تتدفق خلالها الأيونات بين القطبين الموجب والسالب.
وتتضمن بطاريات الليثيوم الحالية السائلة ما يعرف باسم التشعبات، وهي هياكل ليثيوم متفرعة تنمو من القطب الموجب.
المشكلة تكمن في هذه التشعبات، فقد تؤدي إلى التآكل وثقب أجزاء البطارية وتقليل الدائرة الكهربائية للخلية.
في بطارية الليثيوم أيون التقليدية المزودة بإلكتروليت سائل، يمكن أن يؤدي ذلك إلى نشوب حريق، وذلك لأن السائل الذي يتحلل من الكهرباء هو مذيب قابل للاشتعال، وهو السبب الذي يقف وراء حرائق البطارية المركبة على متن الطائرات.
وصل العلماء في النهاية إلى حل لمنع نمو التشعبات، أزال بالفعل خطر نشوب حريق: وهو عبارة عن إلكتروليت صلب، غالباً ما يكون مصنوعاً من سيراميك مشابه لأشباه الموصلات، يحل محل السائل القابل للاشتعال ويمنع نمو التشعبات.
ولكن تفرض الطبيعة الهشة للسيراميك -التي تؤدي إلى تشققات- صعوبات تصنيع إضافية.
هناك عقبة أخرى في بطاريات الليثيوم التقليدية العاملة حالياً، هي إعادة الشحن، كما يقول نيل داسغوبتا، أستاذ علوم وهندسة المواد في جامعة ميشيغان، الذي يدرس بطاريات الليثيوم المعدنية الصلبة.
يقول إن بطاريات الليثيوم أيون تفي بمعايير الصناعة الخاصة بشحن أكثر من 1000 مرة قبل أن تتحلل بشكل كبير. "إذا كنت تقوم بتوصيل هاتفك خمس مرات في الأسبوع لمدة أربع سنوات، فقد شحنته بالفعل أكثر من ألف مرة".
لم تكشف شركة Solid Power عدد مرات الشحن التي يمكن أن تصلها نماذجها الأولية الحالية، لكن ويل ماكينا، مدير الاتصالات بالشركة، يقول إنهم يدفعون لتجاوز الـ1000 دورة شحن.
تشحن في 3 دقائق، فماذا يعني ذلك لصناعة السيارات الكهربائية؟
نتائج تجارب بطاريات الليثيوم الصلبة أكثر إثارة للإعجاب في مجال آخر هو فترة شحن البطارية، إذ تمكنت خلية بطاريات الليثيوم الصلبة المعدنية الخاصة بهم من إعادة الشحن في ثلاث دقائق فقط.
يعد طول فترة الشحن واحدة من أكبر عيوب السيارات الكهربائية مقارنة بالسيارات العاملة بالوقود الأحفوري.
إذا تمكنت تقنية بطاريات الليثيوم الصلبة من العمل في السيارات الكهربائية، فذلك يعني القدرة على إعادة شحن السيارة في نفس الوقت (أو أقل) المطلوب لملء خزان الوقود بالبنزين أو السولار.
وتحتاج معظم المركبات الكهربائية حالياً إلى ثلاث ساعات على الأقل لإعادة الشحن، والشحن السريع يكون في أفضل حالاته في حدود نصف ساعة أو أكثر.
وزن أقل وعمر مديد
الهدف الحالي للشركة هو صنع نوع من بطاريات الليثيوم الصلبة لديه ضعف كثافة الطاقة الموجودة في خلايا السيارات اليوم.
يعني ذلك بطاريات أقل وزناً، وأسرع في الشحن.
ليس هذا فقط، يُعتقد أن البطارية قد تصل 1000 دورة شحن، كما يمكن أن يصل عمر البطارية المتوقع إلى 25 سنة أو حتى نصف قرن، كما يقول الدكتور شين لي، أحد باحثي هارفارد الذين يعملون في مشروع البطاريات الليثيوم الصلبة.
وتعرّف العالم على سيارة كهربائية ذات بطارية صلبة في أولمبياد طوكيو، حيث قامت شركة تويوتا للسيارات، بالتعاون مع شركة باناسونيك لصناعات البطاريات، بتجهيز أسطول من سياراتها الاختبارية LQ بهذه البطاريات. يمكن رؤية LQs على شكل فقاعة بعد سباقات الماراثون للرجال والسيدات، وحتى إنها لعبت دور البطولة في الإعلانات التجارية للألعاب الأولمبية.
هذه العروض التوضيحية تبدو مثيرة للتفاؤل، على الرغم من عدم إصدار تويوتا أي تفاصيل أخرى حول البطاريات العاملة LQ، لكن ما زالت أمامنا سنوات طويلة قبل أن نرى بطارية الليثيوم الصلبة تصل إلى صالة العرض، حسب موقع Popular Mechanics.
يقول دوج كامبل، الرئيس التنفيذي لشركة Solid Power، إن الشركة أمامها خمس سنوات لكي يمكن وضع بطارياتها في السيارات الاستهلاكية، وقد وقعت شركتا BMW الألمانية وFord الأمريكية اتفاقين معها كشريكين.
تقول الشركة إنها تتفوق بسنوات على معظم الشركات المنافسة، وذلك بفضل أبحاثها حول تكييف تكنولوجيا تصنيع أيونات الليثيوم الحالية.
يمكن للدفع نحو بطاريات الليثيوم الصلبة أن يمنحنا عالماً يتم فيه إعادة شحن السيارات الكهربائية في دقائق، بينما تستمر بطاريات أجهزة تنظيم ضربات القلب تعمل لمدة نصف قرن، فقط السؤال عن متى سنصل إلى ذلك.