أثار قيام الإمارات بإبلاغ الولايات المتحدة بأنها ستعلق المناقشات الخاصة بشراء طائرات "إف-35" تساؤلات بشأن نقاط الخلاف بين الجانبين، خصوصاً أن التراجع عن الصفقة الضخمة يأتي من جانب الإمارات هذه المرة.
التراجع الإماراتي عن صفقة الأسلحة الأمريكية، التي تبلغ قيمتها 23 مليار دولار وتشمل 50 طائرة شبح من طراز إف-35 المحظورة على دول المنطقة باستثناء إسرائيل، فصلٌ جديد من فصول تلك الصفقة التي وُصفت بالملغومة منذ الإعلان عنها في يناير/كانون الثاني الماضي.
كانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قد وافقت على بيع إف-35 إلى الإمارات في إطار التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو كان قد عبر علناً عن رفضه للصفقة، كما أثارت الصفقة حفيظة الكونغرس، خصوصاً أن ترامب أعطى موافقته عليها في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض.
لكن الرئيس جو بايدن، بعد توليه المسؤولية خلفاً لترامب، أعطى هو الآخر الضوء الأخضر للمضيّ قدماً في الصفقة، على الرغم من استمرار تعبير الكونغرس عن قلقه من إتمامها.
الإمارات تغير موقفها من الطائرة الشبح
الإماراتيون إذن حريصون على إتمام الصفقة بينما يجر الأمريكيون أرجلهم كما يقال، وبالتالي يثير إعلان أبوظبي، الثلاثاء 14 ديسمبر/كانون الأول، إبلاغ واشنطن بتعليق المناقشات حول شراء إف-35 علامات الاستفهام بشأن ما دفع الإمارات لتغيير موقفها بهذه الصورة، خصوصاً وأن ذلك يأتي بعد أيام من الإعلان عن شراء أبوظبي 80 طائرة رافال فرنسية بقيمة 19 مليار دولار.
إذ قال مسؤول إماراتي إن بلاده أبلغت الولايات المتحدة بأنها ستعلق المناقشات بشأن شراء طائرات إف-35، في ظل تباطؤ خطوات تنفيذ اتفاق بيع 50 طائرة شبحية تصنعها شركة لوكهيد مارتن للإمارات، وسط مخاوف في واشنطن بشأن علاقة أبوظبي بالصين.
وقال المسؤول الإماراتي في بيان إلى رويترز إن "الاشتراطات الفنية والقيود على العمليات وتحليل التكاليف والفوائد أدى إلى إعادة التقييم". وأضاف: "الولايات المتحدة ما زالت المورد المفضل لدولة الإمارات فيما يتعلق بمتطلبات الدفاع المتقدمة، وقد يعاد فتح المناقشات بشأن الطائرة إف-35 في المستقبل".
وقال جون كيربي، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، في وقت سابق إن الشراكة الأمريكية مع الإمارات أكثر أهمية وتعقيداً من بيع الأسلحة، وإن واشنطن ملتزمة بالعمل مع أبوظبي للإجابة عن تساؤلاتها.
وأضاف كيربي: "سنصر دائماً على مجموعة مختلفة من المتطلبات الخاصة بالاستخدام النهائي كمسألة تتعلق بالقانون والسياسة"، متابعاً أنه من المقرر أن يناقش اجتماع يعقد بين المسؤولين الأمريكيين والإماراتيين في البنتاغون في وقت لاحق من هذا الأسبوع مواضيع عامة، لكنه توقع طرح مسألة بيع الأسلحة.
كما عبر وزير الخارجية أنتوني بلينكن، اليوم الأربعاء 15 ديسمبر/كانون الأول، عن استعداد بلاده للمضيّ قدماً في تنفيذ الصفقة مع الإمارات إذا كانت الأخيرة لا تزال راغبة، رداً على تقارير اعتزام أبوظبي تعليق المناقشات بشأن الصفقة.
وقال بلينكن متحدثاً في مؤتمر صحفي في كوالالمبور إن واشنطن كانت مضطرة لمراجعة بعض الأمور. وأضاف: "أردنا التأكد، على سبيل المثال، من التزامنا تجاه ضمان التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، لذلك أردنا القيام بمراجعة دقيقة لأي تقنيات تُباع أو تُنقل لشركاء آخرين في المنطقة، ومن بينهم الإمارات". ومضى يقول: "لكنني أعتقد بأننا على استعدادنا للمضيّ قدماً إذا كانت الإمارات لا تزال تريد هذين (النوعين من الطائرات)".
نقاط الخلاف الأساسية بشأن إف-35
في ضوء تلك التصريحات من الجانبين يمكن تلخيص موقف كل منهما في عدد من النقاط. الأمريكيون، من جانبهم، يرون أن الشروط التي يضعونها عند بيع الطائرة إف-35، الأكثر تطوراً في العالم والتي لا ترصدها الرادارات، شروط معروفة وتطبق على جميع المشترين وليس الإمارات فقط، وهي شروط تتعلق بما قبل التسليم وأثناء التسليم ثم استخدام الطائرة فيما بعد.
النقطة الأخرى التي استخدمها بلينكن هي "ضمان التفوق العسكري النوعي لإسرائيل" على باقي دول المنطقة. لكن المنطق يقول إن أياً من تلك الشروط ليس مفاجئاً للإماراتيين بطبيعة الحال، فما الذي استجد الآن كي تراجع أبوظبي موقفها وتلوّح بالانسحاب من الصفقة؟
التبرير الإماراتي للقرار تعلق بثلاث نقاط محددة وهي "الاشتراطات الفنية، والقيود السيادية على العمليات التشغيلية، وتحليل التكلفة والأرباح"، والنقاط الثلاث من المفترض أنها معلومة سلفاً، بحسب ما يقوله الأمريكيون. فالاشتراطات الفنية والقيود على استخدامات الطائرة بشكل عام ليست أسراراً وتم الحديث عنها من جانب المعترضين على الصفقة في الكونغرس وردت إدارة بايدن على ذلك، وبالتالي لا يعتبر أي منها مفاجئاً، إلا إذا تمت إضافة "اشتراطات" من الجانب الأمريكي لم تكن موجودة من قبل واعتبرها الإماراتيون "تعدياً على سيادتهم".
أما النقطة الثالثة من الجانب الإماراتي وهي تحليل التكاليف والأرباح، فهي تبدو أكثر غموضاً، فهل رفع الأمريكيون قيمة الصفقة عما تم الاتفاق عليه قبل عام مثلاً؟ أم هل وجد الجانب الإماراتي أن طائرة الرافال الفرنسية تمثل بديلاً أوفر من ناحية التكلفة فقرر استبدال هذه بتلك؟
لكن الإجابة عن هذا التساؤل الأخير جاءت بالفعل يوم 4 ديسمبر/كانون الأول على لسان مسؤول في وزارة الدفاع الإماراتية، حين وصف صفقة لشراء طائرات رافال المقاتلة الفرنسية بأنها "مكملة" للاتفاق المزمع لشراء الطائرات إف-35 وليست عوضاً عنها.
ما علاقة الصين بموقف الإمارات من إف-35؟
ربما يبدو السؤال بشأن علاقة الصين بصفقة الطائرات الأمريكية للإمارات، لكن كواليس المناقشات الخاصة بتلك الصفقة تكشف أن لبكين علاقة وثيقة بالأمر، بل ربما تكون العنصر الجوهري وراء القرار الإماراتي.
وليس المقصود هنا هو أن الصين ضغطت على الإمارات للتراجع عن الصفقة، فلا أبوظبي كانت ستقبل بذلك ولا هذا هو أسلوب بكين، فأصل المشكلة في واشنطن. الإدارة الأمريكية، قبل حتى أن يتولى بايدن المسؤولية، تضغط على الإمارات كي تغلق أبوابها في وجه شركة هواوي الصينية وتمنعها من التواجد في شبكات الاتصال الإماراتية.
وبحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية، واصلت إدارة بايدن مساعيها لدى الحكومة الإماراتية للتخلص من شركة هواوي للتكنولوجيا، ومؤخراً قالت واشنطن للإماراتيين إن الشركة الصينية قد تمثل "خطراً أمنياً" على أنظمة الأسلحة الأمريكية.
ميرا رازنيك، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للأمن الإقليمي، قالت للشبكة الأمريكية: "إف-36 هي درة التاج للولايات المتحدة ولسلاح الجو الأمريكي، لذلك نحتاج لحماية أمن التكنولوجيا لدى جميع حلفائنا". رازنيك كانت تجيب عن سؤال مباشر يقول: هل الإمارات مضطرة للاختيار بين هواوي أو إف-35؟ وأضافت رازنيك: "هذه محادثات نجريها مع الإماراتيين بشأن الخيارات التي عليهم الآن أن يتخذوها لضمان أن يكونوا جزءاً من برنامج إف-35".
لكن المسؤولين الإماراتيين عبروا عن شكوكهم بشأن المزاعم الأمريكية الخاصة باحتمالات الاختراق الأمني، كما أوضحوا لنظرائهم الأمريكيين أنهم (الإماراتيين) لا يشعرون بالراحة لكونهم محاصرين في "حرب باردة جديدة" بين شريكهم التجاري الأول (الصين) وحليفهم الاستراتيجي الأول (الولايات المتحدة)، بحسب تقرير "سي إن إن".
وهذا ما عبر عنه أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للقيادة الإماراتية، الأسبوع الماضي بقوله أمام معهد الدول العربية الخليجية في واشنطن: "ما يقلقنا هو هذا الخط الرفيع من المنافسة الحادة بين الصين وأمريكا وتلك الحرب الباردة الجديدة. لأنني أعتقد أننا، كدولة صغيرة، سوف نتأثر سلباً جراء تلك الحرب الباردة، لكننا لا نمتلك القدرة للتأثير بأي طريقة إيجابية في هذه المنافسة".
وفي نفس السياق، قال قرقاش إن الإمارات أوقفت العمل في منشآت صينية على أراضيها بناءً على طلبات أمريكية زعمت أن تلك المنشآت تستخدم لأغراض عسكرية، وأضاف: "لم نرَ دليلاً على أن تلك المنشآت كانت تستخدم لأغراض عسكرية، ومع ذلك احترمنا المخاوف الأمريكية وأوقفنا العمل في تلك المنشآت (الصينية)".
هذه المعطيات تجعل الصورة أكثر وضوحاً إذاً، فالقرار الإماراتي بتعليق المناقشات بشأن إف-35 تم اتخاذه رداً على المطالب الأمريكية بشأن وقف التعامل مع شركة هواوي الصينية، فهل يتراجع الأمريكيون عن هذا المطلب ومن ثم تعود المناقشات بشأن الصفقة مرة أخرى؟ أم تتمسك واشنطن بموقفها وكذلك تفعل أبوظبي فيتم إسدال الستار على الصفقة "الملغومة" في نهاية المطاف؟