يتعرض حي وادي ياصول بالقدس إلى مأساة حقيقية، تهدِّد بتشريد آلاف الفلسطينيين وتعرض حياة كثير منهم للخطر..
فلقد دأبت بلدية القدس التابعة للاحتلال الإسرائيلي، منذ ما يربو على 20 عاماً، على مضايقة السكان الفلسطينيين في حي وادي ياصول، الذين عانوا من مشاريع البنية التحتية البغيضة التي تضيق عليهم العيش.
على أن هذا الوضع تفاقم في الآونة الأخيرة؛ إذ أصدرت محكمة بلدية القدس في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، قراراً بهدم 84 منزلاً في وادي ياصول بحجة توسيع غابة السلام. بدعوى أن الأرض التي بُنيت عليها هذه المنازل مخصصة لتكون "مساحات خضراء"، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
وقد تقدم السكان باستئناف لهذا القرار، ولكن في زيارة حديثة لموقع Middle East Eye للحي، أعرب عدد من الأهالي للموقع عن قلقهم من خطر الهدم الوشيك. وكان استئنافهم قد رُفض لتوه.
وتسببت مأساة مماثلة في حي الشيخ جراح في تصاعد التوتر في القدس الشرقية، وحفَّز الفلسطينيين والمدافعين عنهم في مختلف أنحاء العالم، بدءاً من القيادة الفلسطينية في رام الله وغزة وحتى المشرعين والمسؤولين في الأردن القريب وواشنطن البعيدة، على تسليط الضوء على جزء مما يحدث لهم في المدينة، وكان أحداث حي الشيخ جراح سبباً في التوتر في المسجد الأقصى الذي انتهى إلى إشعال حرب غزة في مايو/أيار 2021.
خطة المساحات الخضراء تعود إلى عام 1967
قال المحامي المقدسي زياد قعوار، أحد المدافعين عن قضية حي وادي ياصول منذ عام 2004، لموقع Middle East Eye إن السلطات الإسرائيلية تعمل على خطط البناء في الحي منذ ضم القدس الشرقية خلال حرب يونيو/حزيران عام 1967.
وعام 1977، وافقت السلطات الإسرائيلية على مشروع تخطيط وبناء، وبموجبه صُنفت غالبية الأراضي في القدس الشرقية مساحات خضراء عامة لا يُسمح فيها بأي أعمال بناء.
وهذا ينطبق أكثر ما ينطبق على حي سلوان بفضل موقعه الاستراتيجي؛ إذ يقع الحي بجوار المسجد الأقصى والبلدة القديمة في القدس الشرقية المحتلة.
ويرى قعوار أن الهدف من سياسات التخطيط العمراني الإسرائيلية هو "الاستعمارية والديموغرافية وليس المهنية والتنظيم".
وأشار إلى أن أحياء بأكملها اُستبعدت من مشاريع التخطيط، وأصبح السكان المحليون تحت تهديد التهجير القسري الجماعي.
يقول قعوار: "هدفهم تقليص عدد الفلسطينيين في القدس الشرقية وزيادة عدد المستوطنين الاستعماريين".
وأخذ سكان حي وادي ياصول على عاتقهم مهمة تقديم مشاريعهم التخطيطية الخاصة بعد استبعاد حيهم من مخططات البلدية الإسرائيلية.
الفلسطينيون تقدموا بمشروع بديل قبلته سلطات الاحتلال
وبحسب قعوار، فقد تقدموا عام 2004 بمشروع قبلته سلطات التخطيط. وحصل على موافقات مبدئية وأُحيل إلى لجنة التخطيط والبناء في القدس لمزيد من الدراسة.
ووُعد السكان ومحاميهم بالموافقة على المشروع وتعديل تصنيف الأراضي من مساحات خضراء عامة إلى مناطق سكنية.
ولكن عام 2009، رفضت لجنة التخطيط والبناء- وكذلك لجان التخطيط المحلية في البلدية- المشروع، بدعوى أنه يتعارض مع خريطة التخطيط الجديدة للقدس.
لكن السكان لم يستسلموا. وقدموا استئنافاً إلى المحكمة المركزية. ومارس أحد قضاة المحكمة ضغوطاً على الجانبين- السكان ولجان التخطيط الحكومية- سعياً للوصول إلى اتفاق مشترك، وهو ما حدث بالفعل، بحسب قعوار.
وهكذا، عُرض مشروع جديد يقدم حلاً لاحتياجات السكان ويراعي الموقع الحساس للحي ومجاورته للبلدة القديمة.
ولكن التيار اليميني رفض المشروع
وقال قعوار: "تم الاتفاق على تقديم المشروع الجديد باسم السكان والبلدية".
وأضاف: "وحين كان نير بركات رئيساً للبلدية [2008-2018]، رفض أعضاء التيار اليميني الأصولي في المدينة تقديم المشروع لأسباب سياسية، لكننا واصلنا الطريق وقدمنا المشروع باسم السكان، لكن لجان التخطيط في المدينة عرقلت الموضوع مرة أخرى ورفضت الموافقة على المشروع".
وتزعم المدينة أن هذا الحي يُفترض أن يتحول إلى حديقة تسمى "غابة السلام". إلا أن قعوار تحقق من الأمر وتبين أن أراضي الحي خارج حدود المشروع.
وبناءً على توجيهات لجان التخطيط، قدم الأهالي مشروعاً جديداً، لكن اللجان تراجعت مرة أخرى عن وعودها ورفضت المشروع.
وتكبد سكان حي وادي ياصول خسائر مالية ضخمة بمرور السنوات بسبب مقترحات التخطيط الجديدة للحي التي يقدمونها باستمرار. وفي الوقت نفسه، تقدم المحامي بطلبات لتجميد أوامر هدم منازل شيد بعضها عام 1977.
وقد نجح قعوار في تأجيل أوامر الهدم في إطار إجراءات التخطيط المتبعة في كل مرة. ولكن في ظل إجهاض مشروع تلو الآخر، رفضت محكمة الشؤون المحلية في البلدية تأجيل أوامر الهدم.
ولم يستسلم قعوار، وتقدم باستئناف أمام المحكمة المركزية، التي رفضت الاستئناف بحجة أن الأرض "مساحة خضراء"، وأن جميع المحاولات السابقة لتسميتها منطقة سكنية باءت بالفشل.
وقال قعوار عن تقديم استئناف أمام المحكمة الإسرائيلية العليا، إن الأهالي قلقون من احتمال رفض المحكمة العليا لهذا الاستئناف، وهذا إن حدث سيشكِّل "سابقة قانونية" قد تهدد آلاف المباني "غير المرخصة" في القدس الشرقية المحتلة أيضاً وتؤدي إلى هدمها في الحال.
وقال إن خطوة المحامين والأهالي التالية تقديم مقترحات تخطيط جديدة إلى البلدية، لكنها على الأرجح ستُرفض أيضاً.
مجيء الجرافة قد يعني موت هذا الطفل
انفجرت تيما ذات التسعة أعوام في البكاء حين بدأت في الحديث عما يحدث لمنزلها. وقالت: "أكثر ما يخيفني هو أن تدخل الشرطة ونحن نائمون وتطردنا. وما يخفيني أكثر ما سيحدث لوالدي لأنه اعتُقل عدة مرات في الماضي".
وعلى بعد خطوات قليلة من منزل تيما، يستقر منزل عائلة الشالودي، حيث لا يزال أحمد البالغ من العمر 8 سنوات مقيداً بغرفته، ويتصل بجهاز أوكسجين على مدار الساعة.
وقالت والدته التي تجلس بجانب سريره إن ابنها "سوف يفقد حياته حين تأتي الجرافات لتهدم المنزل، لأنه متصل بالجهاز على مدار الساعة".
وتقول جدة الطفل، أم إسحاق شالودي، لموقع Middle East Eye إن 40 فرداً من عائلتها يعيشون في الحي منذ عام 2000. ومنازلهم جميعاً عرضة لخطر هدم منازلهم والتهجير من المنطقة.
وقالت: "هذا بيتي. بيتي وحياتي. ولن أترك هذا المنزل إلا لأذهب لقبري. حتى إنني طلبت من عائلتي دفني هنا وليس في أي مكان آخر".