من بين عشرات القمم الخليجية التي عُقدت على مدار 40 عاماً، تكتسب قمة الرياض المقررة أهمية خاصة في مسيرة مجلس التعاون الخليجي، الذي كان ينظر له باعتباره من أهم تجارب التعاون الإقليمي العربية ولكنه تعرض لانتكاسات خلال السنوات الماضية.
وإذا كانت قمة العلا الاستثنائية التي استضافتها السعودية مطلع هذا العام، يمكن أن يطلق عليها قمة المصالحة أو رأب الصدع الخليجي، فإن قمة الرياض هذا العام يمكن وصفها بقمة ترميم المجلس ذاته.
كما أن هذه القمة يعتقد أنها سوف تعيد المجلس لواحدة من مهامه الأساسية وهي التصدي لأبرز التهديدات الخارجية ولا سيما الإيرانية، وهو التهديد الذي كان سبباً في نشأة المجلس وعقد أولى قممه في الإمارات في مايو 1981، إثر نشوب الحرب العراقية الإيرانية عام 1980.
وشهدت مسيرة القمم الخليجية منذ تأسيسها انعقاد 41 قمة اعتيادية، بالإضافة إلى قمة اليوم الثلاثاء، و17 قمة تشاورية.
كما تم عقد 4 قمم استثنائية و3 قمم خليجية أمريكية (اثنتان في الرياض وقمة في منتجع كامب ديفيد بأمريكا)، إضافة إلى قمة خليجية مغربية بالرياض، وقمة خليجية بريطانية بالمنامة.
قمة الثلاثاء هي القمة الاعتيادية الـ42 منذ نشأة مجلس التعاون، حيث عُقدت 11 قمة في السعودية بما فيها قمة اليوم، و7 في الكويت و7 في البحرين و6 في الإمارات، و6 في قطر و5 في سلطنة عمان.
وسبقت القمة جولة خليجية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان زار خلالها سلطنة عمان والإمارات وقطر والبحرين والكويت على التوالي خلال الفترة من 6 إلى 10 ديسمبر الجاري، وجرت خلالها مباحثات مكثفة لتعزيز التعاون الخليجي.
وتعقد القمة في ظل غياب زعيمين هما أمير دولة الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، وسلطان عمان السلطان هيثم بن طارق.
ظروف عقد أولى القمم الخليجية
شكل قيام الثورة الإسلامية في إيران، ثم اندلاع حرب الخليج تحدياً كبيراً لدول الخليج العربية.
قبل قيام ثورة إيران، كان التناقض الأساسي بين دول الخليج وإيران تناقضاً قومياً، وما يتعلق بمطامع إيران في دول المنطقة، والتي برزت واضحة في احتلالها لجزر الإمارات الثلاث فور استقلال البلاد عن بريطانيا ومطالب إيرانية لضم البحرين، ولكن إيران تحت حكم الشاه كان يجمعها مع دول الخليج التحالف مع الغرب، والقلق من التوجهات العروبية الاشتراكية والشيوعية، وجعل ذلك إيران تلعب دوراً في إخماد تمرد عروبي يساري في سلطنة عُمان بموافقة دول الخليج.
ولكن بعد الثورة الإيرانية أصبح التناقض الإيراني الخليجي تناقضاً مزدوجاً، التناقض القومي التقليدي، وتناقض أيديولوجي، عبر ميل إيران في عهد الخميني لتصدير الثورة، واتهام دول الخليج بالتبعية لأمريكا، والأخطر محاولة استغلال الأقلية الشيعية لإثارة القلاقل، ثم جاء اندلاع الحرب العراقية الإيرانية ليضيف خطراً عسكرياً جراء المواجهات العسكرية الإيرانية العراقية والتي امتدت للخليج؛ خاصة في ظل النشاط البحري الإيراني في الخليج الذي سيصل ليس فقط للسفن الحاملة للنفط العراقي، بل لسفن مملوكة لدول الخليج التي اتهمتها إيران بدعم العراق في مواجهتها.
ولذا خلال السنوات الأولى لمجلس التعاون الخليجي كانت إيران هي العنوان الأبرز، كما ظهر في القمة الأولى التي عُقدت في أبوظبي 25 – 26 مايو/أيار 1981، بدعوة من رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، واتفق خلالها قادة دول الخليج رسمیاً على إنشاء مجلس التعاون لدول الخلیج العربية، وقاموا بالتوقيع على النظام الأساسي للمجلس وأن تكون مدينة الرياض بالسعودية مقراً دائماً للمجلس.
صدام يصبح الخطر الجديد والتقارب مع الغرب يتزايد
ولكن بعد الغزو العراقي للكويت وقبله بقليل أصبح العراق يمثل خطراً على دول الخليج، فعقدت القمة الحادية عشرة بحضور قادة 5 دول ورئيس وزراء البحرين، في قطر 22- 25 ديسمبر 1990، ورفضت احتلال العراق للكويت.
وفي القمة الثانية عشرة بحضور جميع القادة، في الكويت 23 – 25 ديسمبر 1991، وأشادت بتحرير الكويت من غزو العراق.
وحتى بعد هزيمة الجيش العراقي في مطلع عام 1991، أصبح التهديد العراقي على أجندة مجلس التعاون الخليجي لسنوات في ظل حكم صدام حسين، والأهم أن المجلس ازدادت أهميته ليس فقط بسبب الخوف من العراق فقط، بل لأن العمل العربي المشترك تغيرت طبيعته بعد حصار العراق، وتزايد المخاوف الأمنية لدول الخليج التي أصبحت أكثر اعتماداً على الغرب في هذا الأمر وبدا أنها تشعر أن الخطر عليها يمكن أن يأتي من الأشقاء العرب، لا سيما أن هناك دولاً عربية كانت مقربة تقليدياً من الخليج نُظر إليها أنها أيدت العراق مثل الأردن واليمن.
في المقابل، حدث تقارب خليجي نسبي مع مصر وسوريا، ورغم أنه ظل أقل من المتوقع ولم يتحول إلى عمل مؤسسي كما كان متوقعاً، مما يعرف بإعلان دمشق الذي وقع بعد تحرير الكويت، بل تدريجياً بدأت سوريا تبعد عن الخليج ومصر وتتقارب مع إيران خاصة بعد وفاة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وتولي نجله بشار الأسد، والذي أغضب دول الخليج ومصر بكلمته "أشباه الرجال" التي وصف بها المعترضين على إشعال حزب الله اللبناني الحرب مع إسرائيل عام 2006.
خلال هذه السنوات، حافظ مجلس التعاون الخليجي على فعالية أعلى نسبياً في مجالات عدة أكبر من الجامعة العربية، بينما اختفت تجمعات عربية إقليمية مشتركة مثل مجلس التعاون الخليجي الذي أسس بين العراق ومصر والأردن واليمن وانتهى بالغزو العراقي للكويت، أو الاتحاد المغاربي الذي جُمّد بسبب الخلافات المغربية الجزائرية.
أبرز القمم الخليجية
من القمم الخليجية المهمة، قمة أبوظبي عام 1998، والتي تم خلالها الاتفاق على عقد لقاء تشاوري نصف سنوي لقادة دول مجلس التعاون فيما بين القمتين السابقة واللاحقة، وتم اعتماد قرارات تطوير قوة درع الجزيرة، حسبما ورد في تقرير لموقع بوابة العين الإماراتي.
أيضاً تعد قمة الرياض 2011 من القمم الهامة في تاريخ مجلس التعاون، وشهدت ترحيب قادة دول مجلس التعاون بالاقتراح المقدم من العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بشأن الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، ووجهوا بتشكيل هيئة متخصصة لدراسة المقترح.
كما تم الاتفاق على اعتماد الهوية الشخصية كإثبات هوية لمواطني دول المجلس في القطاعين العام والخاص في جميع الدول الأعضاء، واعتماد القواعد الموحدة لإدراج الأوراق المالية في الأسواق المالية بدول المجلس.
وفي 2013، شهدت قمة الكويت الموافقة على إنشاء القيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس، وتكليف مجلس الدفاع المشترك باتخاذ ما يلزم من إجراءات للبدء في تفعيلها.
مرحلة الخلاف الكبير
رغم حدوث تباينات وخلافات بين دول الخليج حتى قبل إنشاء مجلس التعاون الخليجي عام 1981، إلا أنه عادة كانت تدار في الإطار الخليجي، ولم يسبق أن خرجت الخلافات بين دول الخليج إلى إطار مشابه لما حدث بين بعض الدول العربية وغير العربية الأخرى.
ولكن في 5 يونيو/حزيران 2017، وقع الحدث الأخطر في تاريخ مجلس التعاون الخليجي، حينما فرضت ثلاث دول خليجية هي السعودية والإمارات والبحرين، إضافة إلى مصر، حصاراً على قطر، بدعوى دعمها للإرهاب، والتعاون مع إيران، وسرعان ما أضافت الدول الأربع طلباً بضرورة إنهاء الوجود العسكري التركي في قطر وهو الوجود الذي بدأ أصلاً بسبب الأزمة.
وعقب هذا الخلاف عقدت عدة قمم منها القمة الـ38: بحضور قائدي الكويت وقطر ونائبي رئيس وزراء البحرين وسلطنة عمان ووزيري خارجية السعودية والإمارات، في الكويت 5 ديسمبر/كانون الأول 2017، وأكدت على دعم المجلس وتماسكه ووحدته، في انعقاد قصير استمر نحو 75 دقيقة.
ثم عقدت القمة الـ39 بحضور قادة السعودية والكويت والبحرين ونائب رئيس الإمارات ووزير الشؤون الخارجية القطري ونائب رئيس وزراء سلطنة عمان، وذلك في الرياض 9 ديسمبر/كانون الأول 2018، وأكدت على دعم المجلس وتماسكه ووحدته.
وفي القمة الـ40، حضر قادة السعودية والكويت والبحرين، بجانب رئيس وزراء قطر، ونائبي رئيس الوزراء العماني والإماراتي، وعقدت القمة في الرياض 10 ديسمبر/كانون الأول 2019، واختتمت بعد نحو 30 دقيقة على انطلاقها، في أقصر القمم منذ الأزمة التي اندلعت منتصف 2017.
ولم تنهِ القمة الخلاف الخليجي، وسط رسائل تطالب بأهمية التكاتف في مواجهة أزمة المنطقة وتهديدات إيران.
تجدر الإشارة إلى أن الكويت لعبت دوراً مهماً في الوساطة لحل هذا الخلاف، والذي انتهى تقريباً خلال قمة العلا الخليجية الاستثنائية التي استضافتها المملكة وأنهت حصار قطر ومهدت لمصالحة بين السعودية وقطر تحديداً، أعقبتها مصالحة مع مصر وبصورة أقل الإمارات.
ويمكن القول إن قمة الرياض تهدف إلى إكمال ما تمخضت عنه قمة العلا عبر إكمال المصالحة الخليجية وبث الحيوية في مجلس التعاون الخليجي ومحاولة صياغة موقف موحد ضد التهديد الذي تمثله إيران وملفها النووي وكذلك دورها في لبنان واليمن.
اختراق اقتصادي
كان الاقتصاد واحداً من أنجح المجالات التي حقق فيها مجلس التعاون الخليجي بعض النجاحات.
وبدأت المسيرة الاقتصادية للمجلس في ثاني قمة خليجية والتي عقدت بالرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 1981، وتعد أسرع قمة اعتيادية في تاريخ انعقاد القمم الخليجية، إذ عقدت بعد 5 أشهر فقط من انعقاد قمة أبوظبي، وتمت خلالها الموافقة على الاتفاقية الاقتصادية، بهدف إزالة الحواجز بين الدول الأعضاء وتقوية الترابط بين شعوب المنطقة.
وبعد ذلك بدأت دول المجلس في تطبيق منطقة التجارة الحرة عام 1983، والاتحاد الجمركي عام 2003، والسوق الخليجية المشتركة عام 2008.
وأسهمت جميع هذه الخطوات في تعزيز التكامل الاقتصادي بين دول المجلس في شتى المجالات الاقتصادية، خصوصاً حركة تبادل السلع، حيث بلغت التجارة البينية السلعية لدول مجلس التعاون الخليجي (مقيسة بإجمالي الصادرات البينية) ما قيمته 79.1 مليار دولار أمريكي عام 2020، وهذا بدوره يعكس أهمية وأثر التجارة البينية في اقتصاد دول مجلس التعاون.
هل تنتهي الخلافات؟
تعقد القمة الخليجية الحادية والأربعين وسط أجواء أفضل كثيراً من القمم الخليجية السابقة، حيث ثبتت المصالحة الخليجية التي أبرمت في قمة العلا، إذ شهدت العلاقات القطرية السعودية تحديداً تحسناً ملحوظاً وكذلك العلاقات القطرية المصرية، كما قد تنعكس زيارة الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي إلى تركيا ولقاؤه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان على القمة، لأن أبوظبي والقاهرة والرياض كانت تعتبر التحالف القطري التركي أحد أسباب خلافهما مع الدوحة.
ولكن هذا لا يمنع من استمرار وجود بعض الاختلافات في المواقف، فهناك مؤشرات عدة خلال العام الماضي على بروز تنافس سعودي إماراتي في مجالات عدة، وهو خلاف أو اختلاف بدأ مع قرار الإمارات الانسحاب من اليمن قبل أكثر من عامين مع استمرار دعمها لقوى الحراك الجنوبي التي باتت شوكة في ظهر الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والتي تحارب الحوثيين.
وتشمل الاختلافات أو التباينات التي برزت مؤخراً ما يعتقد أنه اختلاف على سرعة ومدى التطبيع، بدا واضحاً في استثناء الرياض المنتجات الإسرائيلية المصنعة في الإمارات من امتيازات اتفاقية التجارة الحرة الخليجية، مروراً بالخلاف بين أبوظبي والرياض على حصص إنتاج النفط ضمن أوبك، والقرارات السعودية الرامية للضغط على الشركات الكبرى من دبي للسعودية، وصولاً لزيارة وفد إماراتي رفيع المستوى لطهران مؤخراً، وهي زيارة لا يعرف إلى أي مدى تمت بالتنسيق مع الأمريكيين والسعوديين، ولكن هناك حديث عن استياء أمريكي منها.
ولكن بصفة عامة، هناك توجه عام في منطقة الشرق الأوسط برمتها، يبدو واضحاً أكثر في منطقة الخليج، للتهدئة والبحث عن التسويات، والأهم إدارة الاختلافات دون أن تؤثر في الملفات الرئيسية ولا سيما الاقتصاد.
وهو الأمر الذي قد يميز قمة الرياض عن القمم الخليجية التي عُقدت في السنوات الأربع الماضية.