حتى قبل ظهور متحور أوميكرون، قررت دول أوروبية إلزام مواطنيها بالتطعيم ضد كورونا، وأدى القرار إلى وجود فريقين متعارضين بشأن اللقاح الإجباري، فما وجهة نظر كل فريق؟
وكانت عودة وباء كورونا إلى أوروبا في موجة رابعة عنيفة خلال الأسابيع الماضية قد تسببت في حالة من القلق الشديد حول العالم، خصوصاً أن القارة العجوز تعتبر من أكثر مناطق العالم نجاحاً في حملات التطعيم ضد الفيروس القاتل. والسبت 20 نوفمبر/تشرين الثاني، أصبحت هولندا أول دولة في أوروبا الغربية تعيد إجراءات الإغلاق الجزئي في البلاد لمواجهة الموجة الجديدة من الوباء، بينما بدأت النمسا إغلاقاً كاملاً على مستوى البلاد.
وأعلنت الحكومة النمساوية أيضاً أنها ستطبق "إلزامية اللقاح" في البلاد مع بداية فبراير/شباط المقبل، وتفكر الحكومة الألمانية الجديدة في السير على نفس الطريق، بينما في الولايات المتحدة الأمريكية قال الرئيس بايدن إن الشركات الخاصة والحكومة الفيدرالية لابد أن تطبق "التطعيم الإجباري" على الموظفين.
ومع ظهور أوميكرون، المتحور الأحدث من فيروس كورونا والذي أثار مزيداً من القلق ولا يزال، تعالت أصوات الفريق المطالب بإلزامية اللقاحات، في مواجهة فريق آخر يرى ذلك الإجراء "غير مقبول".
لماذا اللقاح الإجباري "غير مقبول"؟
نبدأ بعرض وجهة نظر الفريق المعارض لإجبار الناس على التطعيم ضد فيروس كورونا، وهذا الفريق يضم بالأساس مشرِّعين وقانونيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، يرون في إقدام الحكومات على فرض الإلزامية تدخلاً من جانب المسؤولين يقيد الحرية الشخصية للمواطنين.
ميشيل باشيليت المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ترى أنه على الدول التي تفكر بجعل التطعيم ضد كورونا إجبارياً ضمان احترام حقوق الإنسان مشددة على أن فرض اللقاحات "غير مقبول".
والأربعاء 8 ديسمبر/كانون الأول، حذرت باشيليت في رسالة مصورة إلى ندوة لمجلس حقوق الإنسان من "وجود اعتبارات حقوقية مهمة لا بد من أخذها في الحسبان قبل جعل التطعيم إجبارياً".
وقالت وفق نص التسجيل: "على أي تطعيم إلزامي أن يمتثل إلى مبادئ القانونية والضرورة والتناسب وعدم التمييز"، مضيفة: "لا يجب تحت أي ظرف كان إجبار الناس على تلقِّي اللقاح"، بحسب وكالة الأناضول.
وبيّنت أن مسألة أن الدول التي تفكر بفرض اللقاحات لحماية السكان في وقت تواجه أوروبا وغيرها من المناطق تفشياً واسعاً للوباء، تحمل "بالتأكيد أعلى درجات الشرعية والأهمية". لكنها شددت على "عدم استخدام إلزامية اللقاحات إلا لتحقيق أهداف ملحة تتعلق بالصحة العامة".
وفسرت باشيليت أكثر بالقول إنه "يجب التفكير فيها فقط عندما تفشل إجراءات أقل تدخلاً مثل وضع الكمامات والتباعد الاجتماعي في تحقيق احتياجات صحية كهذه".
وذكرت أنه لتكون أي خطوات ملزمة مقبولة "على الدول ضمان أن تكون اللقاحات متاحة فعلاً وبمتناول السكان مادياً"، مشددة على أن "تكون اللقاحات المستخدمة آمنة بما فيه الكفاية وفعالة لتحقيق أهداف الصحة العامة".
وأثارت باشيليت نقطة أخرى تتعلق بحتمية أن يكون "نظام تطعيم مرناً بما يكفي للسماح بـ"استثناءات مناسبة، مثل الحالات التي يكون اللقاح فيها محظوراً طبياً بالنسبة لفرد ما"، لافتة إلى أنه "يمكن أن يكون من المناسب فرض قيود على بعض الحقوق والحريات بما في ذلك اشتراط التطعيم للوصول إلى المدارس والمستشفيات وغيرها من الأماكن العامة".
"إعطاء اللقاح بشكل إجباري أمر لم يكن يوماً مقبولاً حتى وإن كان لرفض الشخص الامتثال لسياسة التطعيم الإجباري عواقب قانونية أخرى، بما يشمل مثلاً فرض غرامات. عندما يتم فرض عقوبات، يجب أن تكون متناسبة وتخضع لمراجعة من قِبَل السلطات القضائية".
ماذا عن المشرِّعين الأمريكيين؟
تلخيصاً لوجهة نظر باشيليت، وهي وجهة نظر حقوقية وقانونية في الوقت نفسه، يمكن القول إنها لا ترفض اتخاذ الحكومات إجراءات صارمة للحفاظ على سلامة المواطنين وحمايتهم من تفشي الوباء، شريطة أن تكون تلك الإجراءات "حتمية" ولا توجد وسيلة أخرى لتحقيق الغاية منها.
ومن الأمم المتحدة إلى الولايات المتحدة، حيث صوَّت مجلس الشيوخ على "توبيخ الرئيس جو بايدن" بسبب إلزامية اللقاح في مكان العمل، بحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية. ووافق 52 سيناتوراً (جميع الجمهوريين زائد 2 ديمقراطيين) على "التوبيخ"، مقابل رفض 48 سيناتوراً.
ماذا يعني "توبيخ الرئيس"؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال، نسترجع موقف جو بايدن من إجبار المواطنين على تلقِّي لقاحات كورونا وكيف ولماذا تغير موقفه بصورة جذرية من "الإقناع" إلى "الإجبار"؟
الرئيس جو بايدن كان يتبنى لغة هادئة فيما يتعلق بلقاحات كورونا، مركزاً على ضرورة إقناع الرافضين للقاح ومعتنقي نظريات المؤامرة، في حرص واضح على عدم تعميق الانقسام في بلد بات فيه الانقسام الحزبي السمةَ الرئيسية.
لكن لغة بايدن تغيَّرت بشكل درامي خلال الأشهر القليلة الماضية، ووصل الأمر إلى دعوته، في سبتمبر/أيلول الماضي، الشركات الخاصة والنقابات العمالية في البلاد إلى اتخاذ "إجراءات عقابية" بحق من يرفضون اللقاح.
لكن إجراءات بايدن الإلزامية والتهديد بفرض عقوبات واجهتهما عاصفة من الرفض والانتقاد من جانب كثير من المسؤولين الجمهوريين، مشرّعين وحكام ولايات، ووصل الأمر إلى ساحات المحاكم. وتناول تقرير لموقع Vox الأمريكي هذه الزاوية، في تقرير بعنوان "هل متطلبات بايدن الجديدة بشأن اللقاح غير قانونية؟"، رصد فيه مواقف الجمهوريين الرافضين لها.
وبحسب كثير من الخبراء تعتبر "إجراءات بايدن على الأرجح قانونية، لكن هذا لا يعني أن القضاء الذي يميل إلى الجمهوريين سوف يمررها"، وهنا نعود إلى "التوبيخ" الذي صدر بحق بايدن من مجلس الشيوخ مساء الأربعاء 8 ديسمبر/كانون الأول وتأثيره على "اللقاح الإلزامي".
"توبيخ الرئيس" هو إجراء أصدره مجلس الشيوخ في إطار "قانون المراجعة من جانب الكونغرس" لمراقبة الإجراءات التي تتخذها الإدارة للتعامل مع جائحة كورونا، وحتى يتحول "التوبيخ" إلى قرار فعلي بوقف قرار إلزامية التطعيم للعاملين في الشركات الخاصة، لابد أن يصوِّت مجلس النواب أيضاً بالأغلبية، وهو ما لم يحدث بعد. وحتى إن حدث ذلك ونال "التوبيخ" أغلبية في مجلس النواب، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس سوف يستخدم حق الفيتو لنقض مشروع القانون.
ماذا يقول المطالبون باللقاح الإجباري؟
على الجانب الآخر، يرى الفريق المدافع عن إلزامية التطعيم أنه لا مناص من هذا الإجراء إذا ما أرادت البشرية أن تنتصر سريعاً على الجائحة، التي تقترب من دخول عامها الثالث، وأن استمرار شريحة الرافضين للقاحات على موقفهم يهدد بموجات تفشّ أخرى وظهور متحورات أكثر شراسة.
وهذا ما عبَّر عنه مشرعون ديمقراطيون في معرض انتقادهم لتصويت "التوبيخ"، واعتبروه "سخيفاً ومناهضاً للعلم"، محذرين من أن عدم تطبيق إلزامية التطعيم سوف يؤدي إلى إطالة أمد الجائحة وتسهيل ظهور متحورات جديدة من فيروس كورونا.
وقال تشاك زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي: "أضخم عقبة تفصل بيننا وبين نهاية الجائحة هم المواطنون الأمريكيون الرافضون لتلقي اللقاحات. وأسوأ ما يمكننا فعله كمشرعين هو أن نقيد أيدينا خلف ظهورنا".
حديث شومر موجه إلى زملائه في مجلس الشيوخ الذين صوَّتوا لرفض إلزامية التطعيم، وأيضاً إلى الأمريكيين الرافضين لتلقي اللقاحات. وكان الرئيس السابق، دونالد ترامب، من أكثر زعماء العالم نشراً للمعلومات المضللة بشأن وباء كورونا منذ اللحظة الأولى، ويبدو أن الرافضين لتلقي اللقاح، بحسب ما تظهره استطلاعات الرأي، في أغلبهم، من أنصار ترامب من اليمين المتطرف.
وتعتبر نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة أبرز السمات التي ارتبطت بوباء كورونا منذ تفشيه في الصين ثم تحوُّله لجائحة عالمية مطلع العام الماضي (2020)، وتواصلت نظريات المؤامرة، مع التوصل للقاحات، وهو ما نتج عنه رفض قطاع من المواطنين تلقي اللقاحات لأسباب متنوعة، أبرزها الخوف من الأعراض الجانبية.
ومن أمريكا إلى أوروبا، وتحديداً ألمانيا، حيث قال توماس بارايس المفوض لدى الحكومة إن وضع تفشي الفيروس الذي يزداد احتداماً بصورة مستمرة يجعل من الواضح أنه لا يمكن تجنب فرض إلزام تلقي اللقاح عاجلاً أو آجلاً، وأضاف لوكالة الأنباء الألمانية: "بتأمل الماضي كان خطأ عدم رؤية ذلك من البداية".
"بالنسبة لي لم يعد ممكناً سياسياً تحمُّل مسؤولية أن قطاعات بأكملها وتجار تجزئة ومشغلي مطاعم وحانات وقطاع دور العرض السينمائي وأوساطاً ثقافية ومنظمي فعاليات يعيشون لمدة 20 شهراً في حالة طوارئ تفرضها الحكومة ويواجهون مخاوف وجودية كبيرة، بينما يتمتع آخرون بحرية عدم تلقي اللقاح".
كما يستشهد المطالبون بتطبيق إلزامية اللقاح بآراء غالبية خبراء الأوبئة حول العالم بشأن أن "اللقاحات هي السلاح الأهم في مواجهة الوباء". مايكل راين المسؤول عن الحالات الطارئة في منظمة الصحّة العالمية، واحد من هؤلاء الخبراء.
وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية، أكد راين أنه "ليس هناك أي سبب" للتشكيك بفاعلية اللقاحات المتوافرة راهناً ضد فيروس كورونا في الحماية من الإصابات الحادة "بأوميكرون" النسخة المتحورة الجديدة من الفيروس. وشدد على أن "السلاح الأفضل المتاح لنا راهناً هو تلقي اللقاح" وهو ما يكرره زملاؤه منذ سنة مع بدء حملات التطعيم.
حديث راين وزملائه في منظمة الصحة العالمية حول كون اللقاحات "السلاح الأفضل" في مواجهة الجائحة يصب في صالح الفريق المطالب بإلزامية التطعيم وإجبار الجميع على تلقيه، لكن موقف منظمة الصحة العالمية الرسمي من إلزامية التطعيم يصب في خانة الفريق المعارض للإجبار.
فمنظمة الصحة العالمية، منذ البداية، تحذّر الدول من اللجوء إلى أي إجراءات عقابية بحق من يرفضون تلقِّي اللقاحات، على أساس أن ذلك سيعمق المشكلة وربما تزيد أعداد تلك الفئة من المؤمنين بنظريات المؤامرة.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.