أسرع صاروخ في العالم "تسيكرون" دخل حيز الإنتاج في روسيا، مما قد يغير التوازن العسكري بين موسكو وواشنطن في وقت يتواجه البلدان في الأزمة الأوكرانية.
وسيتم الآن تسليح البحرية الروسية بصواريخ تسيركون/زيركون الفرط صوتية. تكتسب هذه الخطوة أهمية وسط توترات موسكو مع الناتو واهتمامها المتزايد بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasian Times.
وسبق أن صرَّح مصدر مطلع على شؤون الدفاع لوكالة أنباء "تاس" الروسية بأنَّ تسيركون يتمتع بمدى يصل إلى حوالي 1500 كيلومتر للأهداف البرية و"أقل بقليل" من ذلك لإصابة الأهداف البحرية.
ويبدو أنَّ تسيركون لديه الإمكانية لتعريض مجموعات حاملات الطائرات الأمريكية للخطر وإعاقة هذه التشكيلات بشكل كبير عن العمل بفاعلية.
وسبق أن قال بوتين إن تسيركون سيكون قادراً على الطيران بسرعة تزيد عن تسعة أضعاف سرعة الصوت ويصل مداها إلى 1000 كيلومتر.
وأكد أن نشره سيعزز بشكل كبير القدرة العسكرية الروسية، حسب ما ورد في تقرير لموقع ABC.
وتنوي روسيا تسليح طراداتها وفرقاطاتها وغواصاتها بصواريخ Tsirkon، وهذا الصاروخ واحد من عدة صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت قيد التطوير في روسيا.
أسرع صاروخ في العالم يدخل حيز الإنتاج
وبدأت مؤسسة الأبحاث الصناعية العسكرية الروسية والرابطة الصناعية لبناء الآلات، ومقرها في Reutovo بالقرب من موسكو، في التصنيع المتسلسل لصواريخ تسيركون، والتي تُعرف أيضاً باسم زيركون Zircon، وهي صواريخ فرط صوتية للبحرية في البلاد، وفقاً لما ذكرته تاس.
في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ادعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تجارب صواريخ كروز تسيكرون التي تفوق سرعتها سرعة الصوت على وشك الانتهاء وأن الصواريخ ستبدأ في الوصول إلى البحرية الروسية العام المقبل.
ولكن بعد أيام، أطلع وزير الدفاع سيرجي شويغو بوتين على تجربة إطلاق ناجحة لصاروخ تسيركون الفرط صوتي في البحر الأبيض.
وأفادت تقارير بأن اختبارات تطوير الطيران لصاروخ تسيكرون الفرط صوتي ستستمر في عام 2024 من الغواصة النووية المعدلة (Yasen-M) ضمن مشروع "885M " التي تعمل بالطاقة النووية.
يتم حالياً بناء ست غواصات ضمن مشروع 885M ليتم تسليحها بصواريخ تسيكرون.
وأطلقت الغواصة الروسية سيفيرودفينسك صواريخ تسيركون الأسرع من الصوت لأول مرة من على سطحها وغمرت بالمياه في البحر الأبيض في أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام.
ستكون الغواصة المعدلة بيرم، وهي خامس غواصة تعمل بالطاقة النووية في مشروع 885M، أول ناقلة عادية تحت الماء لصواريخ Tsirkon الفرط صوتية. ومن المقرر أن تنضم الغواصة إلى البحرية الروسية في عام 2025.
هل يستطيع صاروخ تسيركون الإفلات من الرادارات؟
يعد تسيكرون أسرع صاروخ في العالم، وهو صاروخ متعدد الأغراض، فهو مخصص لضرب الأهداف البحرية والبرية وقادر على الطيران بسرعة 9 ماخ أي تسعة أضعاف سرعة الصوت، على مدى يزيد عن 1000 كم. ومن الجدير بالذكر أن الرئيس بوتين وصف تسيركون ضمن عدد من أسلحة بلاده الأخرى بأنها "لا تقهر".
كما يشير الإعلان عن الإنتاج الضخم لصاروخ تسيركون إلى استراتيجية روسية لردع خصومها؛ لأنها تأتي على خلفية دخول سفينة حربية أمريكية البحر الأسود، وبالتزامن مع الأزمة في أوكرانيا.
يقال إن الصاروخ لا يمكن اعتراضه حتى من قبل الأنظمة الأمريكية المتطورة. والسبب هو أن الأسلحة فرط صوتية لها مسار باليستي منخفض في الغلاف الجوي، مما يسمح لها بتجاوز الدفاعات النموذجية المضادة للصواريخ.
يخلق سحابة بلازما تجعله غير مرئي
يتحرك الصاروخ بسرعة كبيرة لدرجة أن ضغط الهواء أمام السلاح يولد سحابة بلازما تمتص الترددات الراديوية وتجعلها غير مرئية تقريباً لأنظمة الرادار النشطة.
من المرجح أن يكون انتقال روسيا إلى الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت رداً على العدد الكبير لحاملات الطائرات الأمريكية.
وتريد البحرية الأمريكية الحفاظ على قوة حاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية قوامها 12 سفينة. من ناحية أخرى، بينما تمتلك روسيا واحدة فقط، ويتم نشرها مصحوبة بزورق قطر لجرها في حالة تعطل محركها.
ويعتقد أن حتى حاملة الطائرات الأمريكية الأكثر حداثة "يو إس إس جيرالد آر فورد"، يمكن أن تغرق بأقل من نصف دزينة من صواريخ تسيركون.
السبب الرئيسي وراء ذلك أنه حتى إذا اكتشفت سفينة أمريكية صاروخ زيركون من على بعد 100 ميل، فلن يكون أمامها سوى دقيقة واحدة للرد، وفقاً لموقع Popular Mechanics.
لاعتراض صاروخ تسيكرون الروسي، سيتعين على الولايات المتحدة اعتراضه قبل إطلاقه أو إطلاق شيء ما في طريقه.
ومن المثير للاهتمام أن المشروع المشترك بين الهند وروسيا، صاروخ BrahMos-II البحري الأسرع من الصوت سيكون مشابهاً جداً لصاروخ Zircon، إذ ينقل موقع Eurasian Times عن مصادر مطلعة قولها إن صاروخ تسيكرون مرتبط بصنع BrahMos-II، الذي من المفترض أن يخلف صاروخ BrahMos البحري الهندي المضاد للسفن.
ما التأثير الاستراتيجي لهذا الصاروخ؟
يمثل الصاروخ نقلة نوعية لروسيا، وهذا يعطي ميزة استراتيجية للبحرية ليس فقط في المناطق النائية الخاصة بها ولكن في المياه الاستراتيجية الأخرى؛ حيث يمكن نشرها لردع خصم قوي مشترك مع كون المحيطين الهندي والهادئ مثالاً على ذلك.
ستكون البحرية الروسية قادرة على تحسين قدراتها القتالية في عام 2022 عندما يتم نشر الصواريخ على السفن الحربية. هذا سيخلق قوة ردع أينما تم نشر الروس.
طورت دول قليلة صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي من المفترض أن تكون أكثر صعوبة في اعتراضها، ويمكنها إطلاق رؤوس حربية نووية.
ويقصد بالصاروخ فرط صوتي أي صاروخ أو مركبة انزلاقية سرعتها تفوق سرعة الصوت عدة مرات، وكثير من هذه الصواريخ يمكنها أن تحمل أسلحة نووية.
وصُدمت الولايات المتحدة من تجارب الصواريخ فرط صوتية الروسية وبالأكثر الصينية، وحتى كوريا الشمالية انضمت إلى سباق الصواريخ الباليستية فرط الصوتية.
في واحد من أكثر تصريحاته عدوانية منذ سنوات، وعد بوتين بمجموعة من الأسلحة الجديدة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، مدعياً أنها يمكن أن تستهدف عملياً أي نقطة في العالم والتهرب من درع صاروخية أمريكية الصنع.
ويعتقد أن الروس والصينيين قد تقدموا على الأمريكيين في هذا المجال، مما يجعل تسريع وتيرة إطلاق نظام الدفاع ضد الصواريخ الباليستية الجاري تطويره حالياً، أمراً حيوياً للبنتاغون.
وأجرت الصين مؤخراً تجارب على نوعين من الصواريخ الباليستية المضادة للسفن، هما صواريخ DF-21D وDF-26، وهي على ما يعتقد صواريخ صينية مخصصة لإغراق حاملات الطائرات الأمريكية.
في المقابل، ألغت البحرية الأمريكية مؤخراً خططها لتطوير المدافع الكهرومغناطيسية، وهي صواريخ تعمل بالكهرباء يمكن أن تصل إلى 7 ماخ بينما تواصل جهودها على الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.
ماذا ستفعل أمريكا في مواجهة هذا التهديد؟
على عكس الصواريخ الباليستية التقليدية، فإن الصواريخ الفرط صوتية تطير على ارتفاعات منخفضة ولديها قدرة عالية على المناورة. إلى جانب سرعاتها العالية، ويصعب اكتشافها والدفاع ضدها، مما يجعلها تحدياً حتى بالنسبة للأنظمة المتطورة مثل أنظمة القبة الحديدية أو أنظمة ثاد. طلبت وكالة الدفاع الصاروخي الأمريكية ميزانية قدرها 427 مليون دولار للدفاع فوق الصوتي وحده، بينما يخطط البنتاغون لإنفاق أكثر من 3.8 مليار دولار في عام 2022 لتطوير صواريخه التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.
التفاصيل حول ما يمكن أن تفعله الأسلحة فرط صوتية والوصول إلى أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، غامضة إلى حد ما، بسبب الطبيعة السرية للغاية لهذه التكنولوجيا، إضافة إلى حداثتها.
ولكن الرأي السائد هو أن الجيل الحالي من الأسلحة الدفاعية غير قادر إطلاقاً على اعتراض صاروخ أو مركبة انزلاقية فرط صوتية، حسب موقع Airforce Technology.
ويوضح جاستن برونك، زميل الأبحاث بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، أن أنظمة الدفاع الباليستية الحالية تعتمد على حقيقة أن الصواريخ بطبيعتها تتبع مساراً باليستياً؛ ومن ثم يمكن التنبؤ به، واستهدافه في موضع يجرى توقُّعه.
ولكن المشكلة بالنسبة لمحاولة التصدي للصواريخ فرط صوتية، أنه "بمجرد إدخال حمولة انزلاقية تفوق سرعة الصوت، تصبح قادرة على تغيير اتجاهها بشكل كبير، وتغيير مسار طيرانها"، حسب برونك.
وأردف قائلاً: "بعد إطلاق الصاروخ فرط صوتي، أنت تنظر إلى شيء لا يتبع مساراً يمكن التنبؤ به".
المعضلة أنه لا توجد حالياً إمكانية لاعتراض حتى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات القياسية، والتي تكون سرعتها أقل بكثير من سرعة الصواريخ فرط صوتية، خاصةً الصواريخ متعددة الرؤوس، التي تمتلكها الصين وروسيا والتي يُعتقد أن كوريا الشمالية طورت نسخاً محلية منها، الأمر الذي يجعل تطوير نظام الدفاع ضد الصواريخ فرط صوتية أمراً أكثر صعوبة.
أمل واشنطن "الوحيد" في مجال الدفاع ضد الصواريخ فرط صوتية، هو نظام الاعتراض الأرضي المعروف باسم Glide Phase Interceptor، أي "معترض عملية الانزلاق" (GBI)، والذي يتم تطويره بتكلفة كبيرة في الولايات المتحدة، ولم يعمل بعد.
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أنه تم اختيار شركات "نورثروب غرومان" و"لوكهيد مارتن" و"رايثيون" لتصميم مشروع "GPI"، الذي يُعتقد أنه قادر على الدفاع عن الولايات المتحدة ضد الصواريخ فرط صوتية، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasiantimes.
وذكرت مجلة Politico الأمريكية أنَّ الجنرال ديفيد طومسون، نائب رئيس عمليات الفضاء الأمريكية، دقَّ ناقوس الخطر الشهر الماضي، نوفمبر/تشرين الثاني، قائلاً إنَّ الولايات المتحدة "ليست متقدمة بقدر الروس، أو الصينيين، من حيث البرامج الفرط صوتية".
قال برنت إيستوود، محرر شؤون الدفاع والأمن القومي بمجلة "1945"، وهي مجلة للسياسة الخارجية بواشنطن العاصمة، لمجلة Newsweek الأمريكية: "بافتراض أنَّ الصاروخ تسيكرون مزدوج الاستخدام، أي أنَّه تقليدي وقادر على حمل رؤوس نووية، أظن أنَّه يقلب الميزان النووي مع الولايات المتحدة. وباعتباره صاروخاً مضاداً للسفن، فإنَّه قد يسحق نظام الدرع القتالي (أيغيس) الأمريكي".