"قمة ثلاثية تضم قبرص واليونان وإسرائيل لبحث قضايا مشتركة". يثير هذا الخبر الذي تناولته بعض الصحف الإسرائيلية ولم تهتم به وسائل الإعلام خارج الدول الثلاث تساؤلات حول دور قبرص واليونان تحديداً في الشرق الأوسط.
واليوم الثلاثاء 7 ديسمبر/كانون الأول يستضيف نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي قمة ثلاثية مع نظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس ورئيس قبرص نيكوس أناستاسيادس، لمناقشة "مختلف الفرص والتحديات في الشرق الأوسط، وتعزيز التعاون في مجال الطاقة، والسياحة، والتصدي المشترك لتغير المناخ"، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.
وسيعقد الثلاث اجتماعاً مشتركاً يتبعه اجتماع منفصل لبينيت مع كل من الرئيس القبرصي ورئيس الوزراء اليوناني، ومن المتوقع أن يدلي زعماء الدول بياناً مشتركاً لوسائل الإعلام في نهاية الاجتماعات.
غياب الإمارات هذه المرة
قبل عدة أشهر، وتحديداً في أبريل/نيسان الماضي، استضافت قبرص اجتماعات ضمت وزراء خارجية إسرائيل واليونان والإمارات وإسرائيل أعلن وقتها أن الهدف منها إطلاق "منتدى رباعي" جديد في شرق المتوسط، وقيل وقتها أيضاً، على لسان ممثلي الدول الأربع، إن التعاون بينها لا يقتصر على الغاز بل هو تمهيد لشراكة استراتيجية "ضد الخصوم المحتملين" للدول الأربع.
والإشارة إلى "المنتدى الجديد" تخص منتدى آخر كان قد تم الإعلان عن تأسيسه في العاصمة المصرية القاهرة مطلع عام 2019 وهو منتدى شرق المتوسط، الذي يضم في عضويته مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية، والولايات المتحدة بصفة "مراقب"، بعد أن تم رفض طلب إماراتي للانضمام كمراقب أيضاً.
وفي ظل التحولات الجذرية التي شهدتها العلاقات بين دول الشرق الأوسط منذ مطلع العام الجاري، بدأت القمم والمنتديات التي تشارك فيها قبرص واليونان تشهد تقلصاً لافتاً في المشاركين فيها، بعد أن غابت الإمارات هذه المرة عن "القمة الثلاثية" التي يستضيفها بينيت في تل أبيب اليوم.
كما لم يأتِ الإعلان عن تلك القمة على أي ذكر للمنتدى الرباعي الذي أعلن عنه في أبريل/نيسان الماضي بمشاركة الإمارات، واقتصر على "التعاون المشترك" بين إسرائيل وقبرص واليونان في مجالات الاقتصاد ومكافحة فيروس كورونا.
ورصد تقرير لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية بشأن القمة الثلاثية، تلك التحولات بقوله إنها المرة الأولى التي يجتمع فيها قادة الدول الثلاث ولا تكون التصريحات العدائية تجاه تركيا هي العنوان الأبرز، بل أراد بينيت من عقدها أن يكرس صورته داخلياً كزعيم سياسي له علاقات دولية، بعد غياب سلفه بنيامين نتنياهو أخيراً عن المشهد.
اليونان وقبرص وأزمة شرق المتوسط
وبالعودة إلى بداية قصة ظهور اليونان وقبرص في ملفات وقضايا الشرق الأوسط، نجد أن الصراع بينهما من جهة وبين تركيا من جهة أخرى في شرق المتوسط هو أصل الحكاية منذ البداية.
فاليونان وقبرص لديهما مع تركيا نزاعات متعددة تاريخية وحدودية وسياسية منها ترسيم الحدود البحرية والأزمة القبرصية، وعندما بدأت اكتشافات الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، ازدادت حدة الصراع مع تمسك كل طرف بموقفه والسعي لضم حلفاء لمساعدته.
وشهدت السنوات الماضية سعياً حثيثاً من جانب اليونان وقبرص للحصول على دعم قوي من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في نزاعهما مع تركيا، لكن يمكن القول إن تلك المحاولات إجمالاً لم تحقق لأثينا أهدافها، رغم تبنّي فرنسا على وجه التحديد لوجهة النظر اليونانية.
لكن مسار الأحداث وتحولاتها أظهر أن دعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لليونان في نزاعها مع تركيا راجع بالأساس لأهداف تخص باريس وتتعلق بالخلافات مع أنقرة ورئيسها رجب طيب أردوغان، أو بمعنى آخر سعت فرنسا لتحقيق مصالحها المتعارضة مع المصالح التركية من خلال توظيف العداء اليوناني-التركي لخدمة مصالح باريس.
فرغم وصول اليونان إلى حافة الإفلاس قبل سنوات قليلة، أبرمت أثينا وباريس اتفاقيات عسكرية تشتري بموجبها اليونان أسلحة قيمتها عشرات المليارات من الدولارات من فرنسا، وهو ما أثار انتقادات عنيفة لرئيس الوزراء اليوناني داخلياً.
وبعد أن وقعت تركيا اتفاقيات أمنية واقتصادية، من ضمنها ترسيم الحدود البحرية، مع الحكومة الليبية عام 2019، سارعت مصر إلى الإعلان عن توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان، على الرغم من أن المفاوضات الخاصة بتلك الاتفاقية مستمرة منذ أكثر من 15 عاماً بين أثينا والقاهرة وحالت الخلافات بشأن بعض الجزر في شرق المتوسط دون توقيعها.
واتضح لاحقاً أن تلك الاتفاقية بين القاهرة وأثينا كانت مؤقتة ولم يصدر بشأنها أي تفاصيل، وسط تشكيك من خبراء بشأن توقيعها من الأساس، فيما يراه محللون أنه جاء كتوظيف سياسي في إطار إدارة ملف الخلافات المصرية التركية، وكون اليونان لا تمانع مثل هذا "التوظيف" جعل الإعلان عن اتفاقية لا تزال المفاوضات جارية بشأنها وكأنها حدثت بالفعل أمراً ممكناً.
تحول العلاقات يكشف هشاشة موقف اليونان وقبرص
كان لوزير الخارجية القبرصي نيكوس كريستودوليديس تصريح لافت خلال الإعلان عن "المنتدى الرباعي" في مدينة بافوس، إذ قال إن الاجتماعات، التي حضرها وزراء خارجية الإمارات وإسرائيل واليونان، قد ناقشت قضايا تتراوح من الوضع في "ليبيا وسوريا واليمن وأفغانستان"، إلى الطاقة والحماية المدنية وعلم الوراثة والطب الجزيئي والتعليم والوباء. والابتكار الرقمي والسياحة والمناخ والدفاع.
كان ذلك في شهر أبريل/نيسان الماضي، لكن اليوم غابت الملفات الإقليمية عن القمة الثلاثية في تل أبيب، بعد أن حدث تحول كبير في العلاقات بين الضلع الرابع الغائب هذه المرة وهو الإمارات وتركيا، التي يبدو أن جميع الأطراف المختلفة مع أنقرة في أي من الملفات الإقليمية تجد دائماً في قبرص واليونان "حليفاً تحت الطلب".
فالخلافات بين الإمارات وتركيا بالأساس خلافات توصف بالخلاف في الرؤية، فأبوظبي تعادي الإسلام السياسي بشكل عام بينما تركيا يحكمها حزب العدالة والتنمية وهو حزب ينتمي للإسلام السياسي، وهكذا امتد الخلاف بينها على طول المناطق الساخنة في الشرق الأوسط.
لكن هذا الخلاف، الذي تحول إلى صراع وعداء معلن، أصبح مكلفاً لدرجة لم يعد ممكناً معها استمراره، فجنحت الإمارات للسلم وبدأت في تغيير سياساتها الخارجية واستجابت تركيا للتحول الجديد، فبدأ التقارب وتوجته زيارة الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي إلى تركيا تلبية لدعوة رئيسها أردوغان.
وكنتيجة طبيعية لهذا التقارب، لم يعد لليونان وقبرص دور يمكن توظيفه لإزعاج تركيا، فغابت الإمارات عن "قمة إسرائيل وقبرص واليونان"، على الرغم من اتفاق التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب.
والأمر نفسه ينطبق على مصر، التي هدأت حدة الخلافات بينها وبين تركيا وباتا يعملان معا في الملف الليبي على سبيل المثال، وبالتالي انتفت حاجة القاهرة لقبرص واليونان لتوظيفهما لإزعاج أنقرة.
إسرائيل وعداؤها مع إيران
أما بالنسبة لإسرائيل، فلم تعد علاقاتها مع تركيا على نفس الدرجة من التوتر التي كانت عليها خلال السنوات الماضية، وبالتالي فإن توظيف تل أبيب لقبرص واليونان من الناحية السياسية على الأقل في هذا التوقيت، لا يمكن تفسيره إلا من خلال مرآة البرنامج النووي الإيراني.
فإسرائيل حالياً تكاد تكون بمفردها في مواجهة إيران. الولايات المتحدة تسعى، من جانبها، إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني بأي طريقة ممكنة، والإمارات -الحليف الأبرز لإسرائيل- "فتحت صفحة جديدة" من العلاقات مع طهران، والسعودية تدير لقاءات مع الإيرانيين بالفعل للتوصل إلى حلول دبلوماسية لمشاكلهما معاً.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون إسرائيليون أن لقاء بينيت ورئيس وزراء اليونان والرئيس القبرصي اليوم الثلاثاء في تل أبيب قد يشهد في بيانه الختامي إشارة للبرنامج النووي الإيراني وحق إسرائيل في "الدفاع عن نفسها" وتضامن اليونان وقبرص معها.
وكان وزير خارجية إسرائيل السابق غابي أشكنازي قد قال في ختام لقائه مع الجانب القبرصي في أبريل/نيسان الماضي: "تحدثنا عن العلاقات الثنائية بين إسرائيل وقبرص والقضايا الإقليمية، لا سيما أهمية وقف النشاط العدواني الإيراني في الشرق الأوسط الذي يقوض الاستقرار الإقليمي ويشكل خطراً على المنطقة والعالم بأكمله".
وبالتالي فإن تكرار بينيت لمثل هذا التصريح ربما لا يمثل إضافة كبيرة في هذا الصدد، بحسب المراقبين الإسرائيليين.
لكن الشيء المؤكد هو أن الهجوم على تركيا سيكون غائباً عن هذه القمة الثلاثية، للمرة الأولى في أي قمة أو اجتماعات تحضرها قبرص واليونان، في ظل التحولات الكبرى في علاقات المنطقة. وبحسب تحليل جيروزاليم بوست، فإنه في ظل التعقيد الذي تشهده البيئة الإقليمية تأمل إسرائيل في "أن تستمر قبرص واليونان كشريكين مخلصين وصديقين جيدين لتل أبيب".