توقفت جولة المحادثات الحالية، الجمعة 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، بين إيران وأطراف دولية حول الاتفاق النووي، دون إحراز أي تقدم كبير، لكن في الوقت نفسه، يتعين على إسرائيل أن تحاول التوصل إلى اتفاق مع واشنطن، تمدّها بموجبه الولايات المتحدة بـ"مظلة نووية" وتُقِر بهذه المظلة علناً، كما يقول يوسي ميلمان، الكاتب والصحفي الإسرائيلي المتخصص في الشؤون العسكرية.
يرى ميلمان في مقالة له بصحيفة Haaretz الإسرائيلية، أن هذه هي الاستراتيجية الضرورية فيما تجلس إيران مع القوى الخمس. كل الأطراف متشائمة حيال فرص التوصل إلى اتفاق، ومن الواضح أنَّ إسرائيل تفتقر إلى أي قدرة حقيقية وموثوقة للقيام بعمل عسكري. ويمكن توسيع المقترح ليشمل واشنطن وحلفاء إسرائيل -مثل السعودية والبحرين والإمارات- في حال رغبوا في ذلك. فنشر مظلة نووية هو الضمانة النهائية للردع في مواجهة البرنامج النووي الإيراني وفي مواجهة احتمالية تهديد إيران لإسرائيل، إذا ما نجحت طهران في الحصول على سلاح نووي، من أجل الحصول على تنازلات من تل أبيب، كما يقول الكاتب.
"تصريحات فارغة وعبثية".. لماذا لا تستطيع إسرائيل ضرب مواقع إيران النووية؟
يقول ميلمان إن إعلانات رئيس الوزراء نفتالي بينيت، ووزير الدفاع بيني غانتس، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، بشأن استعداد إسرائيل لشن ضربة عسكرية، تمثل تصريحات فارغة وعبثية، مثلما يعلمون تمام العلم. أنهم يلعبون لعبة التظاهر. وكل الأطراف المعنية -إيران وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة- تدرك ذلك تماماً. إنَّ القائد الذي يتلاعب بالعدو ويُوظِّف الخداع والحرب النفسية هو قائد ماهر. والقائد الذي يتلاعب بالجمهور هو قائد ماكر. أمَّا القائد الذي يوهم نفسه فهو خطر.
إليكم الحقائق. من أجل ضرب إيران سيتعين على طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، في أقصر الطرق، أن تمر فوق بلدين: العراق والأردن. ومن المحتمل أيضاً أن تمر عبر السعودية، لكن من شأن ذلك أن يُطيل الطريق.
وأيَّاً كان الطريق الذي تسلك، سيتعين على الطائرات حمل الحمولة القصوى من القنابل والصواريخ. والطائرات المُحمَّلة بالكامل، حتى لو كانت مقاتلات F-35 الشبحية الجديدة المُصمَّمة بالتحديد من أجل مهمة شن ضربة جوية على إيران، ستحتاج إلى إعادة التزود بالوقود في الجو، وهو ما سيبطئ العملية ويزيد خطر كشفها.
توجد من الناحية النظرية احتمالية أخرى لطريق بديل من أجل الهجوم: الإقلاع من أذربيجان، التي تتشارك حدوداً مع إيران. وتتمتع تل أبيب وباكو بتعاون عسكري واستخباراتي وثيق للغاية. وخرجت ذات مرة تقارير تفيد بأنَّ أذربيجان أنشأت، أو وضعت تحت تصرف إسرائيل، مطاراً يمكن أن تقلع منه الطائرات المقاتلة الإسرائيلية في طريقها إلى إيران. لكن ليس واضحاً مدى دقة هذه التقارير.
وما أفادت به التقارير بالتأكيد هو أنَّ الطائرات دون طيار الإسرائيلية نفَّذت مهمات استطلاع في إيران انطلاقاً من أذربيجان. وسقطت في إحدى الحوادث طائرة دون طيار إسرائيلية وجمع الإيرانيون حطامها.
وعلى أي حال، فإنَّ فرص سماح أذربيجان للطائرات الإسرائيلية بالعمل في أجوائها ضد إيران ضئيلة إلى منعدمة. فالتعاون الاستخباراتي السري أمر، والعمل الحربي الإسرائيلي ضد إيران انطلاقاً من الأراضي الأذرية أمرٌ آخر. فمن شأن ذلك تغيير قواعد اللعبة بين البلدين وفي عموم المنطقة. إذ سيثير رداً إيرانياً ضد أذربيجان، وليس لدى باكو رغبة في التورط في حرب لأجل إسرائيل.
"تل أبيب بحاجة لمعجزة لضرب طهران"
يضيف ميلمان: لنفترض أنَّ الطائرات الإسرائيلية نجحت في المرور فوق الأردن ثم العراق أو السعودية دون كشفها، أو أنَّ تلك البلدان تتعاون مع إسرائيل منذ البداية. ما زال يتعين علينا التفكير في الوجود العسكري الهائل للولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا في مختلف أنحاء الشرق الأوسط من قوات جوية وأساطيل بحرية وحاملات طائرات وقواعد عسكرية ورادارات ومحطات استخباراتية. وبالطبع هناك تركيا، المعادية لإسرائيل والتي يملك جهازها الاستخباراتي تاريخاً من تسليم عملاء الاستخبارات الإسرائيلية لإيران. باختصار، إنَّ فرصة تمكُّن الطائرات الإسرائيلية من العمل بهدوء وسرية دون كشفها شبه معدومة.
وإذا ما حدثت معجزة كهذه، وإذا أرسلت إسرائيل كل قواتها الجوية القتالية في هذه المهمة، سيتعين أن تكون تلك عملية تتم في ضربة واحدة. على العكس من ذلك، يمكن أن يُشن هجوم أمريكي في عدة موجات ويمتد عبر عدد من الأيام أو الأسابيع، وهو هجوم إمّا عارضته إدارات أوباما وترامب وبايدن أو لم تجرؤ على إصدار الأمر بشنّه.
وبفرض أنَّ سلاح الجو الإسرائيلي قادر على خداع و"تعمية" وتعطيل أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية خلال تلك الضربة الواحدة، سيتعين على الطائرات والقاذفات الهجومية أن تبلغ وتدمر عشرات المواقع النووية التي نشرتها إيران بحكمة في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك بعض المناطق خارج متناول إسرائيل. وسيتعين على الطائرات الإسرائيلية أيضاً أن تضرب مراكز القيادة والسيطرة ومراكز الذخائر والأنظمة المضادة للطائرات، إمَّا قبل ضرب المواقع النووية أو بالتزامن معه.
وبشكل عام، فإنها مهمة شديدة التعقيد ومستحيلة عملياً وأكبر من أن يضطلع بها سلاح الجو الإسرائيلي. ولتتذكروا أيضاً أنَّه من شبه المؤكد أنَّه سيتم فقدان بعض الطائرات خلال الطلعات الجوية. وسيُقتَل طياروها أو يتعرَّضون للأسر، وهما نفس الشيء عملياً.
"إسرائيل تحضّر لهجوم لن يحدث"
يضيف الكاتب الإسرائيلي: من المخزي إهدار عشرات المليارات من الشيكل على تحضير سلاح الجو لهجوم لن يحدث. وحتى لو دُمِّرَت، بمعجزة ما، المواقع النووية بصورة كلية أو جزئية، فقد خزَّن العلماء الإيرانيون المعرفة العملية والخطط بعيداً، ولا يمكن تدمير ذلك.
وقد رأينا بالفعل إيران تستخدم هذه المعرفة لإعادة بناء المنشآت التي تعرَّضت للتخريب في عمليات نُسِبَت للاستخبارات الإسرائيلية. ولا يوجد ما يمنعها من إعادة بنائها من جديد في المستقبل.
علاوةً على ذلك، ستثير أي عملية عسكرية إسرائيلية دائماً الإدانة الدولية، وربما حتى تؤدي إلى فرض عقوبات على إسرائيل. الأهم من ذلك أنَّ إيران سيكون لديها مبرر شرعي لإعادة بناء وإعادة تطوير برنامج نووي عسكري والحصول على سلاح نووي بسرعة، وهو الأمر الذي أحجمت عنه حتى الآن. وفي هذه الحالة، لن يعود بمقدور العالم معارضتها، وبالتأكيد لن يكون بإمكانه فرض عقوبات على إيران.
وهناك خطر أكبر حتى من ذلك: إذا ما تمكَّنت إسرائيل بطريقة ما من ضرب المواقع النووية الإيرانية، فيمكن لإيران بدلاً من إعادة البناء أن تطالب بنزع السلاح النووي في كامل الشرق الأوسط، أي مطالبة إسرائيل بتفكيك السلاح النووي الضخم الذي تملكه.
وفي سيناريو كهذا، هل سيكون بمقدور الولايات المتحدة الاستمرار في الدفاع عن إسرائيل وتمكينها من الاحتفاظ بسلاحها النووي؟
"إسرائيل لا تملك خيارات جيدة لمواجهة نووي إيران"
يقول ميلمان، كان قرار إنشاء برنامج نووي لأغراض عسكرية في عهد ديفيد بن غوريون، مثلما أكَّدت التقارير الصحفية الأجنبية طويلاً، واحداً من أجرأ وأهم القرارات في تاريخ إسرائيل. ويُعَد قرار عدم تأكيد أو نفي وجوده -سياسة الغموض- أيضاً حكيماً للغاية ويسمح لإسرائيل بصد الضغط الدولي. والأهم أنَّ هذه السياسة تحظى بحماية الولايات المتحدة، التي تغض الطرف. وعلى عكس ما يقوله بعض المحللين والخبراء، يتعين أن تواصل إسرائيل سياسة الغموض.
لا تملك إسرائيل في الحقيقة أي خيارات جيدة. إنَّها في مفترق طرق تاريخي. وشن ضربة عسكرية إسرائيلية ليس عملياً للأسباب السالف ذكرها. وهدف إيران في مباحثات الاتفاق الجديد هو كسب الوقت لمواصلة تسريع برنامجها حتى تصبح دولة على العتبة النووية أو تحصل حتى على السلاح النووي، ولو أنَّ هذه الاحتمالية تبقى محل شك.
من ناحية أخرى، يعني ضعف إدارة بايدن وعدم رغبتها في مواجهة إيران أنَّه حتى لو تم التوصل إلى اتفاق جديد، فإنَّه سيكون مليئاً بالثقوب مثل الجبن السويسري. وسيُمكِّن هذا إيران من مواصلة تدعيم وتعزيز برنامجها النووي.
وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق ولم تُرفَع العقوبات، سيستمر الوضع الراهن وستواصل طهران تعزيز برنامجها النووي. وينذر هذا أيضاً بعدم استقرار كبير.
"نشر مظلة نووية هو ما تحتاجه إسرائيل"
يقول الصحفي الإسرائيلي إنه في ظل كل هذه الظروف، تحتاج إسرائيل إلى استجماع الشجاعة لاقتراح خطوة جريئة ومبتكرة. فلابد أن تفتح حواراً مع إدارة بايدن على أمل الوصول إلى اتفاق -سيكون من المثالي أن يكون علانياً- تتعهَّد فيه واشنطن بمنح إسرائيل والحلفاء الآخرين في المنطقة (إن كانوا راغبين) مظلة نووية.
وسيجبر هذا إيران على إدراك أنَّها حتى لو طوَّرت سلاحاً نووياً، فإنَّها لن تستطيع استخدامه لتهديد إسرائيل أو جيرانها. فأقل تهديد كهذا سيُقابَل بتهديد أمريكي بالرد. ولا يتطلَّب توازن القوة النووية بين إيران والولايات المتحدة مزيداً من التفصيل.
ويمكن للمظلة النووية الأمريكية أن تسمح لإسرائيل بالاحتفاظ ببرنامجها النووي وإنهاء حالة الخوف وعدم اليقين المتفاقمة، بحسب وصف الكاتب.