خبرات إيران مهددة بالانقراض، إذ يغادر البلاد أبطال بالألعاب الأولمبية وعلماء رياضيات عباقرة وأطباء وغيرهم من العاملين بمهن حساسة، وباتت ظاهرة الهجرة من إيران تهدد بوقوع كارثة خلال السنوات القادمة ظهرت مؤشراتها بالفعل.
ويرحل الإيرانيون عن بلادهم فراراً من العقوبات القاسية وارتفاع معدلات البطالة وانخفاض قيمة العملة، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
الهجرة من إيران.. أزمة قديمة تصل إلى ذروتها
ورغم أن الهجرة من إيران وتحديداً "هجرة العقول" تمثل مشكلة منذ عقود للبلاد، فالجديد الآن هو العدد الهائل من الخبراء المتخصصين- من المهندسين إلى الرياضيين- الذين يرحلون عن البلاد.
إذ قال عباس عبدي، وهو شخصية إصلاحية بارزة ومعروف بخبرته في الاقتراع، إن العدد الإجمالي للإيرانيين الذين غادروا البلاد تضاعف ثلاث مرات منذ عام 2018، وما يقرب من ثلثهم يتمتعون بمهارات متخصصة.
وقال إيرانيون لموقع Middle East Eye، إن الشعور بالإحباط بضياع فرصهم في الحياة التي يريدونها يجعل من الرحيل ضرورة. وتحدث كل منهم شريطة عدم الكشف عن هويته لحساسية ما يناقشونه.
يقول مسعود، وهو خريج جامعة إيرانية مرموقة، عبر الهاتف من النرويج، التي وصل إليها مؤخراً لمواصلة دراسته: "الوضع في البلاد يزداد سوءاً يوماً بعد يوم. وما زلت متخلفاً عن أصدقائي الذين هاجروا قبل بضع سنوات".
وأضاف: "حاولت باستمرار أن أحلم بمستقبل أفضل للبلاد، ولكن لم يعُد هناك فسحة للأمل. فقررت أخيراً مغادرة البلاد والتقدم للحصول على درجة الماجستير حتى أتمكن من بناء مسار جديد لمستقبلي".
الكفاءات تنقرض لدرجة أن هناك مقاطعة ليس بها جراح قلب واحد
الإحصائيات لا تبشر بخير، حسب وصف الموقع البريطاني.
فحوالي 43% من الرياضيين الأولمبيين الإيرانيين، و30% من أساتذة تخصصات مثل الميكانيكا وعلوم الكمبيوتر في بعض الجامعات، و3000 طبيب إما غادروا إيران أو يستعدون لمغادرتها، وفقاً لمسؤولين وتقارير إخبارية.
وهذا الشهر، نبّه نائب وزير الصحة إلى أن العديد من المقاطعات ليس بها جراح قلب واحد وأن الخبرات "تنقرض" في البلاد.
وبعث رئيس لجنة الصحة في البرلمان الإيراني رسالة، هذا الشهر أيضاً، إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، يحثه فيها على التصدي لـ"عواقب لا يمكن إصلاحها" لرحيل الأطباء.
وفضلاً عن خلو المستشفيات والجامعات من الخبرات، وضع هروب المواهب الشركات في موقف صعب، فهي تجاهد لتعيين الموظفين، ناهيك عن تنمية تجارتها.
يقول مسؤول تنفيذي كبير في شركة إعلانات كبرى في طهران لموقع Middle East Eye إنه بحث لمدة شهرين عن مبرمج ماهر، ولكن لم يحالفه الحظ. وفي النهاية، عين شخصاً كان قد فصله قبل ثلاث سنوات لنقص مهارته.
وقال مؤسس مشارك لشركة تكنولوجية ناشئة في العاصمة إن شركته تجد صعوبة شديدة في منافسة الشركات الأجنبية التي تغري الإيرانيين المهرة برواتب مدفوعة بالدولار.
وقال: "بعد فترة، تدعوهم هذه الشركات للهجرة والحضور إلى مقر العمل، وهذا ما يدفع الأشخاص ذوي الخبرة إلى مغادرة البلاد".
وأضاف: "للأسف، مهندسو الميكانيكا والكهرباء.. يفلتون بسهولة من أيدينا بسبب الوضع في البلاد. وهذا حدّ من قدرتنا على التطور. الأمر يبدو كما لو أن إيران تُصفّى من العباقرة".
وقال عالم اجتماع وأستاذ جامعي لموقع Middle East Eye إن الإيرانيين محقون في قلقهم من التأثير طويل الأمد لخسارة ذوي المهارات.
وقال: "حين ينجذب أشخاص مثل مريم ميرزاخاني الحائزة على ميدالية فيلدز أو خبراء آخرين إلى بلد آخر، فحتى مئات الآبار النفطية لن تعوضهم". وعالمة الرياضيات مريم غادرت إيران في أوائل الألفينات للدراسة في الولايات المتحدة. وتوفيت عام 2017 عن عمر يناهز 40 عاماً.
وقال عالم الاجتماع: "من الصعب أن يتكرر هؤلاء الأشخاص في تاريخ أي بلد".
كيف يغادرون البلاد بهذه الأعداد؟ التهريب يزدهر
في الوقت الذي تكافح فيه العديد من الشركات لإيجاد موظفين، قال بعض العاملين بالتهريب لموقع Middle East Eye إن تجارتهم تزدهر، حيث يوفرون للإيرانيين مخرجاً أسرع وأرخص من انتظار التأشيرات.
تقول معصومة، التي تشرف على فريق من المهربين، إنها ترسل زبائنها بشكل قانوني إلى تركيا ومنها إلى دولة أوروبية.
وقالت: "الذهاب إلى ألمانيا يكلف 10000 يورو (11300 دولار)، والإقامة في بلغاريا تكلف 3000 يورو (3390 دولاراً)".
وقالت ثريا، وهي مُهرِّبة أيضاً، إنه مقابل 8000 يورو (9050 دولاراً)، يمكنها إرسال أشخاص بالطائرة إلى كندا، عبر تركيا أيضاً.
وقالت: "لدينا موظفونا في إسطنبول سيأخذونك على الطائرة إلى كندا. وبعدها حين تصل إلى المطار الكندي، يمكنك طلب اللجوء الاجتماعي".
كندا لم تطرد أي مهاجر
ورداً على سؤال عن قبول السلطات الكندية للإيرانيين بهذه السهولة، زعمت ثريا أن أياً من زبائنها لم يُرفَض أو يُرحَّل حتى الآن.
وقال رئيس شركة في طهران تساعد الإيرانيين على الهجرة بشكل قانوني لموقع Middle East Eye إن أعداد زبائنه الراغبين في الرحيل ارتفع في الأشهر القليلة الماضية، لا سيما بعد انتخاب الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي في يونيو/حزيران.
وقال إن كندا هي الوجهة الأكثر شعبية، خاصة لمبرمجي الكمبيوتر. وبإمكان شركته الحصول على تأشيرة وتصريح الإقامة للزبون مقابل 95 ألف دولار.
قال: "إذا عرض أي شخص فكرة شركة ناشئة على المسؤولين الكنديين، فسيحصل على تأشيرة دخول. ونحن نقدم المبرمجين ليعملوا في الشركة الناشئة، ثم نحصل على المال مقابل تمكينهم من الانضمام إليها".
والعديد من الأطباء الراحلين يفضلون الذهاب إلى عُمان والإمارات وقطر.
قال: "نحصل على 3800 دولار والراتب الكامل لأول شهر للأطباء الراغبين في الهجرة إلى دبي".
وفي ظل التدهور المستمر للوضع الاقتصادي، قال بعض الإيرانيين لموقع Middle East Eye إنهم متشوقون للرحيل وهم لا يزال بإمكانهم تحمل تكاليفه.
وقال المهندس المدني سعيد إنه بعد فوز رئيسي، حثه أصدقاؤه على مغادرة البلاد. وقد ذهب إلى تركيا. وهو يخطِّط للتوجه إلى أوروبا قريباً.
وقال: "أنا مستعد للعمل في دول أخرى ولكن ليس في إيران بعد الآن".
وأضاف: "مع هذه الأسعار المرتفعة، وغياب أي أخبار عن اتفاقية نووية مع الغرب، أعتقد يقيناً أن الأسعار ستتضاعف في المستقبل، والرحيل سيزداد صعوبة".