حالة من الرعب تعيشها أمريكا بسبب الصواريخ فرط صوتية الصينية والروسية وحتى الكورية الشمالية، التي لا تستطيع الدفاعات الأمريكية الحالية وقفها، الأمر الذي دفع البنتاغون إلى تعزيز جهوده لتطوير نظام الدفاع ضد الصواريخ فرط الصوتية.
ويقصد بالصاروخ فرط صوتي أي صاروخ أو مركبة انزلاقية سرعتها تفوق سرعة الصوت عدة مرات، وكثير من هذه الصواريخ يمكنها أن تحمل أسلحة نووية.
من المعروف أن الصين وروسيا والولايات المتحدة تعمل على تطوير نماذج أولية لصواريخ فرط صوتية، كما تبحث فرنسا أيضاً في تطوير قدرات تفوق سرعة الصوت؛ بهدف صنع جيل جديد من أنظمة الردع النووي.
سباق الصواريخ فرط الصوتية يتصاعد
وصُدمت الولايات المتحدة من تجارب الصواريخ فرط صوتية الروسية وبالأكثر الصينية، وحتى كوريا الشمالية انضمت إلى سباق الصواريخ الباليستية فرط الصوتية.
ويعتقد أن الروس والصينيين قد تقدموا على الأمريكيين في هذا المجال، مما يجعل تسريع وتيرة إطلاق نظام الدفاع ضد الصواريخ الباليستية الجاري تطويره حالياً، أمراً حيوياً للبنتاغون.
فلقد أطلق الروس مؤخراً صاروخاً فرط صوتي من غواصة، وفي نهاية عام 2019 وضعوا صواريخ "أفنغارد" الفرط صوتية في الخدمة، بقدرات نووية.
كما نفت الصين، مؤخراً، تقارير عن إطلاقها صاروخاً فرط صوتي قادراً على حمل رأس نووي، فيما جدَّدت الولايات المتحدة إعرابها عن "القلق الشديد" حيال تطوير الصين هذا النوع من الصواريخ، وأكدت أنها تراقب من كثب، الأسلحة الصينية المتطورة.
وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، إن واشنطن تراقب من كثب، تطوير الصين نظم أسلحة متقدمة، لكنه رفض التعليق على تقرير عن اختبارها صاروخاً أسرع من الصوت ذا قدرة نووية.
كما أكد المندوب الأمريكي الدائم المكلف بملف نزع الأسلحة روبرت وود، في جنيف، أن الولايات المتحدة "قلقة جداً" إزاء ما تفعله الصين في مجال الصواريخ الفرط صوتية.
لماذا تخشى أمريكا الصواريخ فرط صوتية لهذه الدرجة؟
التفاصيل حول ما يمكن أن تفعله الأسلحة فرط صوتية والوصول إلى أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت، غامضة إلى حد ما، بسبب الطبيعة السرية للغاية لهذه التكنولوجيا، إضافة إلى حداثتها.
ولكن الرأي السائد هو أن الجيل الحالي من الأسلحة الدفاعية غير قادر إطلاقاً على اعتراض صاروخ أو مركبة انزلاقية فرط صوتية، حسب موقع Airforce Technology.
ويوضح جاستن برونك، زميل الأبحاث بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، أن أنظمة الدفاع الباليستية الحالية تعتمد على حقيقة أن الصواريخ بطبيعتها تتبع مساراً باليستياً؛ ومن ثم يمكن التنبؤ به، واستهدافه في موضع يجرى توقُّعه.
ولكن المشكلة بالنسبة لمحاولة التصدي للصواريخ فرط صوتية، أنه "بمجرد إدخال حمولة انزلاقية تفوق سرعة الصوت، تصبح قادرة على تغيير اتجاهها بشكل كبير، وتغيير مسار طيرانها"، حسب برونك.
وأردف قائلاً: "بعد إطلاق الصاروخ فرط صوتي، أنت تنظر إلى شيء لا يتبع مساراً يمكن التنبؤ به".
المعضلة أنه لا توجد حالياً إمكانية لاعتراض حتى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات القياسية، والتي تكون سرعتها أقل بكثير من سرعة الصواريخ فرط صوتية، خاصةً الصواريخ متعددة الرؤوس، التي تمتلكها الصين وروسيا والتي يُعتقد أن كوريا الشمالية طورت نسخاً محلية منها، الأمر الذي يجعل تطوير نظام الدفاع ضد الصواريخ فرط صوتية أمراً أكثر صعوبة.
خطة لتسريع إطلاق نظام الدفاع ضد الصواريخ فرط صوتية
"أمل واشنطن الوحيد" في مجال الدفاع ضد الصواريخ فرط صوتية، هو نظام الاعتراض الأرضي المعروف باسم Glide Phase Interceptor، أي "معترض عملية الانزلاق" (GBI)، والذي يتم تطويره بتكلفة كبيرة في الولايات المتحدة، ولم يعمل بعد.
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أنه تم اختيار شركات "نورثروب غرومان" و"لوكهيد مارتن" و"رايثيون" لتصميم مشروع "GPI"، الذي يُعتقد أنه قادر على الدفاع عن الولايات المتحدة ضد الصواريخ فرط صوتية، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasiantimes.
وفقاً لبيان وكالة الدفاع الصاروخي الأمريكية (MDA)، مُنحت مبالغ أولية لثلاث شركات كبرى لتطوير هذا المشروع، وهي "رايثيون" التي حصلت على 20.97 مليون دولار، وشركة لوكهيد مارتن (20.94 مليون دولار)، و"نورثروب غرومان" (18.95 مليون دولار)، ويجب على كل شركة تقديم تصميمات مفاهيمية للنماذج الأولية بحلول سبتمبر/أيلول 2022.
وتشمل ميزانية وكالة الدفاع الصاروخي الأمريكية لعام 2022، مبلغاً قدره 136 مليون دولار لأبحاث المعترضات وتطويرها واختبارها وتقييمها.
ولكن هذه المبالغ بمثابة "عربون" للقيام بالأبحاث اللازمة لمشروع الدفاع ضد الصواريخ فرط صوتية، إذ ستدرُّ المبادرة بعد ذلك عائدات بمليارات الدولارات لمقاولي الدفاع الأمريكيين على المدى الطويل.
من أين ستنطلق الأسلحة التي ستصوَّب نحو الصواريخ فائقة السرعة؟
تنطلق الصواريخ فرط صوتية من منصات إطلاقها، إلى خارج الغلاف الجوي ثم تعود إليه في مرحلة التوجه نحو الهدف.
سيتم تصميم أسلحة الاعتراض بحيث تصوَّب نحو صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت عدة مرات خلال مرحلة انزلاقه (بمجرد دخول الصاروخ للغلاف الجوي للأرض مرة أخرى عندما يتجه نحو هدفه)، وهو أمر يصعب التنبؤ به، لأن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت تطير بنحو خمسة أضعاف سرعة الصوت وتجعل مناوراتها من الصعب التنبؤ بمسارها.
وسيتم بناء الصواريخ الاعتراضية لتُدمج في مدمرات إيجيس للدفاع ضد الصواريخ الباليستية العاملة حالياً بالبحرية الأمريكية.
وسيتم إطلاق أسلحة نظام الدفاع ضد الصواريخ فرط صوتية من نظام الإطلاق العمودي المعتاد والمتصل بنظام سلاح المدمرات "إيجيس 9" الأساسي، الذي يكتشف التهديدات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ويتتبعها ويتحكم فيها ويتعامل معها، حسب تقرير موقع Eurasiantimes.
وقال ضابط برنامج أنظمة الأسلحة البحرية التابع لوكالة الدفاع الصاروخي الأمريكية، الأدميرال توم دروجغان، في بيان: "المنح المتعددة تُمكننا من تنفيذ مرحلة الحد من المخاطر؛ للبحث في حلول الصناعة، واستغلال مزايا البيئة التنافسية لإثبات أي نظام الدفاع ضد الصواريخ فرط صوتية هو الأكثر فاعلية ويمكن الاعتماد عليه في نظام الدفاع ضد الصواريخ فرط صوتية في أسرع وقت ممكن".
وقال تاي فيتزجيرالد، نائب رئيس شركة رايثيون للدفاع الصاروخي الاستراتيجي، في بيان الشركة، إن أنظمة الشركة هي أساس دفاعات الصواريخ الباليستية اليوم.
وأضاف: "نحن نستخدم المعلومات التقنية المتوافرة لدينا من هذه الأنظمة لتحسين نظام الدفاع الصاروخي؛ تحسباً للتهديدات المستقبلية".
ومضى قائلاً إن GPI سيكون أول صاروخ يتم بناؤه لمواجهة هذا الخطر المعقد، بسبب سرعته وقدرته على مقاومة الحرارة الهائلة وقدرته على الحركة.
وتم تصميم أنظمة تتبُّع الصواريخ الباليستية الحالية فقط لتعمل على استهداف صواريخ باليستية تطير في مسار شديد التقوس وتقضي معظم وقت الطيران في الفضاء، بمسار متوقُّع، في المقابل، يمكن أن تناور الصواريخ فرط صوتية حول نفسها بشكل كبير؛ لخلق مسارات غير متوقعة.
كيف يمكن رصد هذه الصواريخ؟
على الرغم من أنه يمكن تتبُّع هذه الصواريخ الفائقة السرعة باستخدام الرادار الموجود على سفن إيجيس التابعة للبحرية الأمريكية ورادار النطاق البحري X-band المستخدم للدفاع النهائي (أي عندما يقترب الصاروخ من هدفه)، فإن هذا يتطلب الوجود بالموقع الصحيح في الوقت المناسب.
كما تعمل وكالة الدفاع الصاروخي ووكالة تطوير الفضاء الأمريكيتان حالياً على تطوير الأقمار الصناعية لصنع مستشعر فضاء فائق الصوت يقوم بتتبُّعٍ باليستيٍّ في المدار الأرضي المنخفض؛ لاستكمال دور أقمار التحذير/التتبع الصاروخية الحالية التي يمكن أن تفقد متابعة الصواريخ فرط صوتية بعد مرحلة الإطلاق المعزز.
بالنظر إلى السرعة العالية للأسلحة فرط صوتية، فإن مستوى تغطية المرحلة النهائية للاعتراض التابعة للبحرية "SM-6" العاملة حالياً، منخفض للغاية؛ بل إن دفاع منطقة الارتفاعات العالية (THAAD) التابع للجيش الأمريكي أقصر من ذلك، حسب Eurasiantimes.
وتفكر وكالة الدفاع الصاروخي الأمريكية بالفعل في كيفية دمج نظام الدفاع ضد الصواريخ فرط صوتية في أنظمة الدفاع الصاروخي الأرضية التقليدية.