تصعيد إسرائيلي جديد ضد برنامج إيران النووي وسط خلافات تظهر للعلن بين تل أبيب وواشنطن حول التعامل مع الملف، وحديث عن قلق إسرائيلي من مقترح يتداوله الأمريكيون بإبرام اتفاق نووي مؤقت مع إيران.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن "أي اتفاق نووي مؤقت كارثة أكبر على إسرائيل من اتفاق عام 2015، وإن إسرائيل تحشد مواقف دولية ضد الاتفاق النووي الإيراني، قبل استئناف مفاوضات فيينا الأسبوع القادم".
خروج الخلافات للعلن مجدداً
وخرجت إلى العلن الخلافات بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والحكومة الإسرائيلية، بشأن المحادثات النووية مع إيران، وذلك خلال حديث مسؤولين من واشنطن وتل أبيب، خلال مؤتمر دولي عُقد في البحرين، الأحد 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
ففي الجلسة الختامية للمؤتمر اختلف مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولاتا، وكبير مستشاري الرئيس بايدن لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك، حول الحاجة إلى وجود تهديد عسكري موثوق به، لردع إيران عن المضيّ قدماً في برنامجها النووي.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، أمس الثلاثاء، إن إسرائيل لن تلتزم بأي اتفاق نووي جديد مع إيران، وإنها ليست طرفاً في الاتفاقية، وإنها مستعدة لمواجهة مع إيران.
وفيما بدا أنه غمز من قناة سلفه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، قال بينيت: "لقد أصبحنا محاصرين بصواريخ طهران وحلفائها".
على الرغم من إعلان حكومته في السابق أنها ستكون منفتحة على أي اتفاق نووي جديد، مع فرض قيود أكثر صرامة على إيران، أعاد بينيت تأكيد استقلال إسرائيل في اتخاذ إجراءات ضد عدوها اللدود.
بينيت قال في مؤتمر عبر التلفزيون استضافته جامعة ريتشمان: "نواجه أوقاتاً عصيبة. من المحتمل أن تكون هناك خلافات مع أفضل أصدقائنا".
ويبدو أن بينيت يتخلى تدريجياً عن سياسته السابقة، بتجنب انتقاد مواقف إدارة بايدن علناً من الملف النووي الإيراني، كما فعل نتنياهو، وتوجيه خطاب للأمريكيين يفيد باستعداد إسرائيل لإتاحة الفرصة للحل الدبلوماسي مقابل انفتاح إدارة بايدن على فكرة التعاون مع إسرائيل في عمل أمني وعسكري ضد إيران فيما يعرف بالخطة البديلة أو الخطة "ب" والتي قيل إن بينيت قدم تصوراً تفصيلياً حولها خلال لقائه مع بايدن عبر ما يعرف بخطة "الموت بألف طعنة" والتي تستهدف جر إيران لمصير الاتحاد السوفييتي.
انتخاب رئيسي غيّر المعادلة
وتعهد الرئيس جو بايدن بإعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق إذا عادت إيران إلى الامتثال لبنودها النووية، وكان يبدو أن المفاوضات تحرز تقدماً هذا العام. لكن المناقشات توقفت بعد انتخاب رجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران في يونيو، مع قيام الحكومة الجديدة بالترويج لموقف أكثر عدوانية من أسلاف رئيسي وتعيين مفاوضين جدد يبدو أنهم أقل ميلاً لتقديم تنازلات، حسبما ورد في تقرير موقع NBC news الأمريكي.
ولكن مع الشعور بأن إيران أصبحت أكثر تصلباً في مواقفها وأقل حرصاً للعودة للاتفاق النووي في ظل تراجع منافعه على طهران، ورفض أمريكا تقديم ضمانة بعدم الانسحاب مجدداً، أصبحت هناك دلائل على أنه لن يكون هناك عودة إلى اتفاقية 2015، حسب وصف صحيفة The New York Times الأمريكية.
ولذا يبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها بدأوا في البحث عن بدائل.
اتفاق نووي مؤقت هو ما يقلق إسرائيل
وبينما هناك بعض البدائل التصعيدية المثار للنقاش في الأوسط الأمريكية، فإن ما يقلق إسرائيل هو الحديث عن توقيع اتفاق نووي مؤقت مع إيران.
ظهر اقتراح بإبرام اتفاق نووي مؤقت مع إيران من قبل الأمريكيين لكسب الوقت للمفاوضات النووية، ولكن عارضه مسؤولون إسرائيليون خشية أن يصبح دائماً، بحسب تقرير لموقع Axios الأمريكي.
وأثار مستشار الأمن القومي جيك سوليفان مع نظيره الإسرائيلي إيال حولاتا فكرة اتفاق مؤقت مع إيران لكسب المزيد من الوقت للمفاوضات النووية، كما أبلغت ثلاثة مصادر إسرائيلية وأمريكية الموقع.
الاقتراح مجرد فكرة أولية فقط، وتواصل إدارة بايدن التأكيد على إصرارها على استعادة الاتفاق النووي الكامل لعام 2015. ولكن مع الصعوبات المتوقعة بعد استئناف المحادثات النووية في فيينا في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، فإن مثل هذه الاقتراحات توفر نافذة على الأقل على بعض الأفكار لإدارة بايدن.
وقال مصدران أمريكيان مطلعان على المكالمة بين سوليفان وحولاتا كان هذا مجرد "عصف ذهني"، وإن سوليفان كان يمرر فكرة طرحها أحد حلفاء أمريكا الأوروبيين.
وستحضر محادثات فيينا الأطراف المتبقية في الاتفاق – بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا – بينما ستشارك الولايات المتحدة في المفاوضات بشكل غير مباشر.
تفاصيل الاقتراح
وقالت المصادر الأمريكية إن الاقتراح يقضي بأن تعلق إيران نشاطاً نووياً غير مسموح به مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، مقابل إفراج الولايات المتحدة والدول الحليفة عن بعض الأموال الإيرانية المجمدة، أو إصدار إعفاءات من العقوبات على السلع الإنسانية.
الأساس المنطقي لفكرة إبرام اتفاق نووي مؤقت مع إيران هو أن التقدم النووي الهائل لإيران جعل طهران قريبة جداً من مستويات تخصيب اليورانيوم اللازمة لصنع سلاح نووي، وفي ظل احتمال تعثر أو إطالة المفاوضات، فإنه من الأفضل الحصول على وقف جزئي من إيران مقابل رفع بعض العقوبات.
وقال مسؤول إسرائيلي -لم يذكر اسمه في التقرير- إن حولاتا أبلغ سوليفان بأنه ضد الفكرة وأن قلق إسرائيل هو أن أي اتفاق مؤقت يمكن أن يصبح دائماً، ما يسمح لإيران بالحفاظ على بنيتها التحتية النووية وتزويدها باليورانيوم الذي خصبته.
وقال التقرير إن هولاتا كرر معارضة إسرائيل للاقتراح أمام المبعوث الأمريكي الخاص لإيران روبرت مالي.
وفي اتصال آخر مع سوليفان يوم الثلاثاء، شدد حولاتا بدلاً من ذلك على أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يجب أن يضغطوا من أجل إصدار قرار لوم ضد إيران في اجتماع الأسبوع المقبل للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، حسبما قال مصدر مطلع على المحادثات.
وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الإسرائيلي إن تفاصيل هذه القصة غير دقيقة، لكنه لم يحدد التفاصيل ولم ينف مناقشة فكرة الصفقة المؤقتة أو توقيع اتفاق نووي مؤقت.
كشف المعلّق السياسي في قناة "كان" الإسرائيلية، عميحاي شطاين، أن "الخشية الكبرى في إسرائيل الآن ليست العودة إلى الاتفاق السابق في عام 2015، وإنما تخشى من أيّ اتفاقٍ موقت، أي بمعنى الإبقاء على مستوى تخصيب اليورانيوم الموجود الآن".
وتابع شطاين أنه "إذا كانت إسرائيل تعاملت مع الاتفاق السابق على أنه كارثة، فإنّ هذا الاتفاق المؤقت سيكون كارثة أكبر".
وقالت المعلّقة السياسية في "القناة الـ 12" الإسرائيلية، دانا فايس، أنّ "الأمريكييين يقولون إنه حتى لو فشلت الدبلوماسية أيضاً، فإن القوة العسكرية لن تُغيّر السلوك الإيراني. وهذا خلاف مهم جداً".
وتابعت: "في المحصّلة، أنا لا أعتقد أننا سنرى بينيت يخطب في الكونغرس ضد الإدارة الأمريكية، لكن هذه المواجهة مع الإدارة سترتفع درجة، وهناك مراهنة كبيرة جداً من ناحية بينيت، فهو يسير ضد الأمريكيين، وضد الدول العظمى، ويترك إسرائيل وحدها أمام الإيرانيين".
وذكر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تقديرها لمخزون إيران، حتى 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، كان يتجاوز عدة مرات الحد المنصوص عليه في الاتفاق النووي. يمكن باستخدام هذا اليورانيوم عالي التخصيب بسهولة لصنع أسلحة ذرية، ولهذا السبب تسع القوى العالمية لاحتواء برنامج طهران النووي بسرعة.
وأبلغت الوكالة التي تتخذ من فيينا مقراً للأعضاء أنها لا تزال غير قادرة على التحقق من مخزون إيران الدقيق من اليورانيوم المخصب بسبب القيود التي فرضتها طهران على مفتشي الأمم المتحدة في وقت سابق من هذا العام.
ذكر تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، يوم الثلاثاء، أن إيران استأنفت إنتاج قطع غيار لأجهزة الطرد المركزي المتقدمة في موقع نووي يقال إن إسرائيل استهدفته في السابق.
هل تصعّد أمريكا ضد إيران؟
رغم الخلافات الإسرائيلية الأمريكية بشأن التصعيد ضد إيران وفكرة عقد اتفاق نووي مؤقت، فإنه يبدو أن الإدارة الأمريكية لا تستبعد فكرة التصعيد بدورها.
وقال المبعوث الأمريكي للملف النووي الإيراني روبرت مالي إن إدارة بايدن تعتقد أيضاً أن هناك حاجة لمزيد من الضغط على إيران. وقال المسؤول إن الاختلاف الرئيسي يكمن في توقيت اتخاذ خطوات أخرى ضد إيران.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الشهر الماضي إن الولايات المتحدة "مستعدة للتحول إلى خيارات أخرى" إذا فشلت المفاوضات.
قال مسؤول أمريكي كبير سابق مطلع على المناقشات: "هناك مجموعة متتالية من العواقب للتعثر في المفاوضات وتقدم إيران المطرد في برنامجها النووي، وأردف قائلاً: "لا أرى كيف سيصل هذا إلى نتيجة سعيدة"، حسبما ورد في تقرير NBC news.
وفقاً لدبلوماسيين أوروبيين ومسؤولين وخبراء أمريكيين سابقين، فإن الخيارات الممكنة تشمل:
- إقناع الصين بوقف واردات النفط من إيران.
- تشديد العقوبات، بما في ذلك استهداف مبيعات النفط للصين.
- السعي لإبرام اتفاق نووي مؤقت أقل طموحاً.
- شن عمليات سرية لتخريب برنامج إيران النووي.
- الأمر بضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية أو دعم العمل العسكري الإسرائيلي.
وإذا فشلت المفاوضات في فيينا، فقد يشبه الوضع قريباً المواجهة المتوترة بين الولايات المتحدة وإيران قبل الاتفاقية النووية لعام 2015، عندما فكرت إسرائيل بجدية في توجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية وفرضت واشنطن وأوروبا عقوبات صارمة على طهران، كما قال مسؤولون أمريكيون سابقون.
ويزعم بعض الخبراء الغربيين أن إيران على بعد عدة أسابيع إلى شهرين من امتلاك ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي، في المقابل عندما كانت طهران ملتزمة بالاتفاق النووي لعام 2015 الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما، كان وقت الوصول للقنبلة النووية يقدر بعام.
وقال إريك بروير، المسؤول الأمريكي الكبير السابق الذي عمل في مجال الانتشار النووي في إدارتي ترامب وأوباما: "نحن الآن في مكان مختلف عما كنا عليه في منتصف وأواخر عام 2010".
إذ يتمتع الأمريكيون والأوروبيون بقدرة تفاوضية أقل مما كانت لديهم خلال عهد إدارة أوباما، عندما وفرت إمكانية رفع العقوبات حافزاً جذاباً لإيران وعندما أعطى الخوف من المزيد من العقوبات الدبلوماسيين الغربيين نفوذاً قيماً في عملية التفاوض.
ويقول مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن اتفاق 2015 فشل في توفير الدعم الاقتصادي الذي كانت تأمل فيه إيران، والتهديد بفرض مزيد من العقوبات له وزن أقل الآن، حيث تعتقد القيادة الإيرانية أن البلاد صمدت أمام أسوأ ما يمكن للولايات المتحدة حشده.
أوضح نواب رئيسي أنهم ليسوا في حالة مزاجية لتقديم تنازلات، وهم يطالبون بضمانات بأن الولايات المتحدة لن تنسحب من الاتفاقية مرة أخرى، وهو ما يقول المسؤولون الأمريكيون إنه مستحيل. كما دعت إيران إلى رفع جميع العقوبات الأمريكية، بما في ذلك تلك التي لا تتعلق بالبرنامج النووي.
وقال دبلوماسي أوروبي مطلع على الملف إن الإيرانيين لا يتفاوضون على العودة إلى الاتفاق، "إنهم يحاولون إعادة التفاوض على الصفقة".
وقال دبلوماسي أجنبي في الشرق الأوسط إنه لا يتوقع أن تسفر المناقشات في فيينا عن الكثير. وقال المسؤول: "أعطني سبباً واحداً وجيهاً وراء رغبة إيران في العودة إلى الاتفاق، لقد مضت إيران قدماً في تخصيب اليورانيوم وعرقلت عمل مفتشي الأمم المتحدة، وتراهن على ما يبدو على أنها يمكن أن تكون لها اليد العليا في المناقشات.
ويبدو أن إيران "تعتقد أنها تستطيع الاستفادة من تقدمها النووي للحصول على مزيد من التنازلات من الولايات المتحدة. وهنا تلعب طهران لعبة خطيرة للغاية، لأنها تخاطر بدفع الولايات المتحدة إلى النقطة التي يقدر فيها المسؤولون أنه لا يمكن استعادة فوائد الاتفاق النووي.