يبدو أن المنافسة الشرسة بين الولايات المتحدة والصين لا تؤثر كثيراً على رجال الأعمال وسعيهم لتحقيق الربح، فهانتر بايدن نجل، الرئيس جو بايدن ساعد بكين على امتلاك أهم منجم كوبالت في العالم، بحسب تقرير أمريكي.
والكوبالت هو أحد المكونات الرئيسية في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، التي تريد الولايات المتحدة أن تحافظ على ريادتها فيها، في ظل السعي العالمي لتخفيض الاعتماد على الوقود الأحفوري عموماً؛ لتفادي التداعيات الكارثية للتغير المناخي.
أما المنافسة بين بكين وواشنطن، والتي يرى البعض أنها وصلت بالفعل إلى مرحلة الصراع المفتوح، فترجع إلى عقود واشتدت حدتها في السنوات القليلة الماضية لتصل إلى حرب تجارية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وتطورت إلى حرب باردة شاملة في عهد الرئيس الحالي جو بايدن.
ماذا قدم هانتر بايدن للصين؟
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة The New York Times الأمريكية في تقرير لها كيف ساعدت شركة مرتبطة بنجل الرئيس الأمريكي الصينَ في الاستحواذ على واحد من أغنى مناجم الكوبالت في العالم؟
وبحسب تقرير الصحيفة الأمريكية، شاركت شركة استثمارية كان هانتر بايدن نجل الرئيس الأمريكي، عضواً مؤسساً في مجلس إدارتها، في تسهيل صفقة اشترت فيها شركة صينية من أخرى أمريكية واحداً من أغنى المناجم بمعدن الكوبالت في العالم، ويقع في جمهورية الكونغو الديمقراطية بالقارة السمراء.
وكان هانتر بايدن وأمريكيان آخران انضموا إلى شركاء صينيين في تأسيس الشركة الاستثمارية في عام 2013، وعُرفت اختصاراً باسم "بي إتش آر" BHR، أو Bohai Harvest RST (Shanghai) Equity Investment Fund Management Company..
واستحوذ الأمريكيون الثلاثة، الذين كانوا جميعاً أعضاء في مجلس الإدارة، على 30% من أسهم شركة "بي إتش آر"، وهي شركة أسهم خاصة مسجلة في شنغهاي تشتري أصولاً لرفع قيمتها ثم بيعها بسرعة (تقليبها) بغرض الربح. وكانت بقية أسهم الشركة يملكها أو يسيطر عليها مستثمرون صينيون، منهم "بنك الصين" Bank of China المملوك للدولة الصينية، وفقاً للسجلات المودعة لدى الهيئات التنظيمية الصينية.
في البداية كان الفحم الأسترالي
وبحسب نيويورك تايمز، شملت إحدى الصفقات الأولى لشركة "بي إتش آر" المساعدة في تمويل شركة تعدين فحم أسترالية كانت تسيطر عليها شركة صينية مملوكة للدولة. كما ساعدت الشركة إحدى الشركات التابعة لتكتل من شركات الصناعات العسكرية الصينية في شراء شركة تعمل في صناعة قطع غيار السيارات في ميشيغان.
وأقدمت الشركة على أحد استثماراتها الأكثر نجاحاً في عام 2016، عندما اشترت حصة في شركة "كاتل" CATL، وهي شركة صينية سريعة النمو بيعت لاحقاً، وتعد الآن أكبر صانع لبطاريات السيارات الكهربائية في العالم.
ثم جاءت الصفقة الخاصة بشركة التعدين في الكونغو في عام 2016 أيضاً، عندما أعلنت شركة التعدين الصينية "تشاينا موليبدينوم" China Molybdenum أنها دفعت 2.65 مليار دولار لشراء Tenke Fungurume، وهو منجم استخراج لمعدني الكوبالت والنحاس، من شركة Freeport-McMoRan الأمريكية.
وفي إطار الصفقة، سعت شركة "تشاينا موليبدينوم" للحصول على شريك لشراء حصة أقلية في منجم Lundin Mining of Canada، وهنا تحديداً كانت شركة "بي إتش آر" الشريكَ الذي دخل لمساعدة الشركة الصينية.
وتُظهر السجلات التنظيمية في هونغ كونغ أن مبلغ 1.14 مليار دولار الذي دفعته شركة "بي إتش آر" من خلال شركات تابعة، لشراء منجم Lundin، جاء بالكامل من شركات صينية مدعومة من الدولة.
جمعت شركة "تشاينا موليبدينوم" نحو 700 مليون دولار من هذا المبلغ الإجمالي بقروضٍ حصلت عليها من بنوك صينية مدعومة من الدولة، منها "بنك التعمير الصيني" China Construction Bank. وجمعت شركة "بي إتش آر" المبلغ المتبقي من كيانات غامضة تحمل أسماء مثل Design Time Limited، وهي شركة خارجية يسيطر عليها بنك التعمير الصيني، وفقاً للسجلات التنظيمية في هونغ كونغ.
وقبل إبرام الصفقة، وقَّعت شركة "بي إتش آر" أيضاً اتفاقية تسمح لشركة "تشاينا موليبدينوم" بشراء حصة الشركة الأولى المرتبطة بنجل بايدن في المنجم، وهو ما فعلته الشركة الصينية بالفعل بعد ذلك بعامين، كما تُظهر إيداعات البنوك. ومنحت صفقة الشراء هذه شركةَ "تشاينا موليبيدنيوم" الصينية نحو 80% من ملكية المنجم (واحتفظت شركة التعدين الحكومية في الكونغو بحصة لنفسها).
بحلول الوقت الذي باعت فيه شركة "بي إتش آر" حصتها في عام 2019، كان هانتر بايدن يسيطر على 10% من أسهم الشركة من خلال شركة Skaneateles L.L.C. التابعة له، وهي شركة يقع مقرها في واشنطن.
كيف يدافع نجل بايدن عن نفسه؟
مع أن سجلات الشركات الصينية تُظهر أن شركة Skaneateles لا تزال لديها حصة في ملكية شركة "بي إتش آر"، كما ورد في صحيفة نيويورك تايمز، فإن كريس كلارك محامي نجل بايدن، قال إن موكله "لم يعد لديه أي علاقة، مباشرة أو غير مباشرة، مع شركة (بي إتش آر) أو شركة Skaneateles ". وتُظهر السجلات الصينية أن بايدن لم يعد عضواً في مجلس إدارة شركة "بي إتش آر" اعتباراً من أبريل/نيسان 2020. ولم يستجِب هانتر بايدن لطلبات التعليق.
من جهة أخرى، قال عضو سابق في مجلس إدارة شركة "بي إتش آر" لصحيفة The New York Times، إن هانتر بايدن والمؤسسيْن الأمريكيين الآخرين لم يشاركوا في صفقة المنجم، ولم تحصل شركتهم منها إلا على رسوم رمزية. وقال عضو مجلس الإدارة السابق إن الأموال ذهبت إلى الصناديق التشغيلية للشركة ولم تُوزَّع على أصحابها.
لم تتضح الأسباب التي على أساسها اختارت شركة "تشاينا موليبدينوم" الصينية الشركةَ الأمريكية المرتبطة بنجل بايدن لمشاركتها في الصفقة. ولم يرد المسؤولون التنفيذيون الحاليون في شركة "بي إتش آر" على رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية التي طلبت التعليق. وقال فينسينت تشو، المتحدث باسم China Molybdenum، في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "لا نعرف هانتر بايدن، ولا علم لنا بأن له ارتباطاً بشركة (بي إتش آر)".
بالإضافة إلى ذلك، قال عشرات المديرين التنفيذيين من الشركات المشاركة في الصفقة، ومنها شركة Freeport-McMoRan وشركة Lundin، في مقابلات إنهم لم يُمنحوا سبباً معيناً لتفسير اختيار شركة "بي إتش آر" تحديداً للمشاركة في الصفقة. وقال معظم المديرين التنفيذيين إنهم لم يكونوا على علم خلال الصفقة بأن هانتر بايدن له علاقة بالشركة.
وقال بول كونيبير، الرئيس التنفيذي لشركة Lundin في ذلك الوقت، إن الطرف الثاني أوضح أن شركة "تشاينا موليبدينوم" هي التي كانت تتولى الصفقة على الرغم من أن الشركة التي اشترت حصة Lundin كانت شركة "بي إتش آر" المرتبطة بنجل بايدن.
عندما جرت الصفقة وبيع المنجم إلى الشركة الصينية في عام 2016، كان جو بايدن على مشارف الانتهاء من فترة ولايته نائباً للرئيس باراك أوباما. وفي الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية لعام 2020 التي فاز فيها جو بايدن، كُشف على نطاق واسع عن العلاقات التجارية لنجله هانتر بايدن بشركات صينية.
لكن دور شركة "بي إتش آر" في شراء الشركات الصينية للمناجم لم يكن محط تركيز كبير. واكتسب الأمر أهمية جديدة بعد أن حذرت إدارة بايدن هذا العام من أن الصين قد تستخدم هيمنتها المتزايدة على معدن الكوبالت لتعطيل التحول الذي تخوضه صناعة السيارات الأمريكية إلى إنتاج السيارات الكهربائية.
وعندما سُئل عما إذا كان الرئيس الأمريكي قد أُبلغ بعلاقة نجله بالصفقة، رد متحدث باسم البيت الأبيض بالنفي.
وكان الرئيس السابق دونالد ترامب قد شن حملة هجوم شرسة على هانتر بايدن بتهم "استغلال نفوذ والده نائب الرئيس"، لكن "سمعة" الرئيس السابق كانت تحت الأضواء وقتها، ونال نجل الرئيس تعاطفاً كبيراً من الجميع.
وتعرض ترامب لمحاكمة "العزل" أول مرة على خلفية ممارسة الرئيس السابق ضغوطاً على نظيره الأوكراني كي يفتح من جديد التحقيق في تهم استغلال هانتر بايدن لنفوذ والده جو بايدن، عندما كان الأخير نائباً للرئيس باراك أوباما، ووقتها كان التعاطف مع آل بايدن كبيراً، في مواجهة آل ترامب.
وبعد أن فاز جو بايدن بالرئاسة وغادر ترامب البيت الأبيض، عاد بايدن الابن لواجهة الأحداث مرة أخرى، لكن في ثوب "فنان" يعرض واحد من أكبر المعارض في هوليوود أعماله، التي تباع بمبالغ باهظة، مما فتح الباب على مصراعيه أمام اتهامات "باستغلال الابن لنفوذ والده الرئيس".