“عسكرة الفضاء”.. ما قصة الصاروخ الروسي المضاد للأقمار الصناعية الذي أثار غضب أمريكا؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/16 الساعة 10:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/26 الساعة 12:36 بتوقيت غرينتش
محطة الفضاء الدولية/ رويترز

أثارت تجربة صاروخية أجرتها روسيا لإسقاط قمر صناعي الذعر في محطة الفضاء الدولية وأغضبت أمريكا، فما قصة عسكرة الفضاء؟ وهل هذه أول تجربة من نوعها؟

التجربة الصاروخية الروسية مساء الإثنين 15 نوفمبر/تشرين الثاني تسببت في حالة من الفزع بين رواد محطة الفضاء الدولية وعددهم 7، أربعة من الولايات المتحدة واثنان من روسيا وواحد ألماني، اضطروا إلى الاحتماء داخل الكبسولات التي تمثل قوارب النجاة في حالة الطوارئ في الفضاء.

وأثارت التجربة رد فعل عنيف من جانب واشنطن، ووصفتها وزارة الخارجية بأنها "خطيرة وغير مسؤولة"، بينما قالت وكالة ناسا للفضاء إن "الخطر الذي تمثله التجربة الصاروخية الروسية سيظل قائماً لسنوات قادمة".

ما قصة التجربة الصاروخية الروسية؟

الصاروخ الذي أطلقته روسيا واستهدف قمراً صناعياً روسياً في الفضاء ودمره لم يكن المرة الأولى التي تجري فيها موسكو تجربة إطلاق صاروخي من هذا النوع في الفضاء. بل هي المرة الثالثة هذا العام فقط، بحسب تقرير لموقع Space.com الأمريكي.

وقال نيد برايس المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، في بيان صحفي مقتضب بشأن التجربة الروسية: "في وقت سابق من اليوم، قام الاتحاد الروسي بإجراء متهور تضمن تجربة صاروخ مضاد للأقمار الصناعية على أحد الأقمار الصناعية المملوكة له". وأضاف: "نتج عن هذه التجربة 1500 قطعة من الحطام المداري الذي يمكن تعقبه ومئات الآلاف من قطع الحطام الأصغر حجماً التي تهدد مصالح جميع الدول" في المحطة الفضائية.

ويبدو أن تلك المواد جاءت من حطام قمر التجسس الروسي كوزموس-1408، وهو قمر صناعي روسي للتجسس أُطلق عام 1982 ويزن أكثر من طن وتوقف عن العمل منذ سنوات عدة. وكان قمر التجسس الروسي هدفاً للتجربة الصاروخية الروسية، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.

وقالت شركة ليولابس، شركة لتتبع الحطام الفضائي، إن أجهزة الرادار الخاصة بها في نيوزيلندا رصدت عدة أجسام في المكان الذي كان من المفترض أن القمر الصناعي المتوقف عن العمل يوجد فيه.

الصاروخ الروسي قام بتدمير قمر صناعي للتجسس/ رويترز

أما عن نوعية الصواريخ الروسية المضادة للأقمار الصناعية، فهناك نوعان، الأول صاروخ مباشر صاعد مضاد للأقمار الصناعية (DA-ASAT) وهو صاروخ قادر على تدمير الأقمار الصناعية الصغيرة التي تدور في المدار المنخفض للكرة الأرضية، ويتم إطلاق الصواريخ من قواعد أرضية.

أما النوع الثاني من الصواريخ الروسية المضادة للأقمار الصناعية فهو نظام صاروخي متمركز في الفضاء. وأجرت موسكو تجربة على هذا النوع في 15 يوليو/تموز الماضي، حيث قام القمر الصناعي كوزموس 2543 "بحقن جسم صاروخي جديد في مدار فضائي" وتم إجراء "اختبار غير تفجيري" على سلاح مضاد للأقمار الصناعية، بحسب وكالة الفضاء الأمريكية.

وكانت روسيا قد أجرت اختباراً من النوع الأول في أبريل/نيسان الماضي، حيث أطلقت صاروخاً يشبه الصاروخ الذي دمر قمر التجسس الصناعي الروسي أمس الاثنين، "طارد قمر صناعي أمريكي مخصص لتجسس في الفضاء"، في سلوك وصفه جاي ريموند قائد قوة الفضاء الأمريكية وقتها بأنه "غير معتاد ومزعج للغاية".

ما الذي أغضب أمريكا لهذه الدرجة؟

هناك سببان يفسران الغضب الأمريكي هذه المرة، الأول يتعلق بالخطر المباشر الذي مثلته التجربة الصاروخية الروسية على محطة الفضاء الدولية وروادها السبعة، رغم وجود اثنين من رواد الفضاء الروس بين طاقم المحطة الدولية.

إذ أسفرت التجربة الروسية عن تفجير أحد الأقمار الصناعية الروسية، مخلفاً بعض الحطام مما اضطر طاقم المحطة الفضائية الدولية إلى الاحتماء داخل كبسولات.

وكالة الفضاء الروسية "روسكوزموس"، من جانبها، قللت من شأن خطورة الحادث، وقالت في بيان: "ابتعد الجسم، الذي أجبر الطاقم على دخول المركبات الفضائية اليوم كإجراء وقائي، عن مدار المحطة الفضائية الدولية. وتوجد المحطة الآن في المنطقة الخضراء".

لكن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية يرى أن الخطر الذي تشكله التجربة الصاروخية الروسية لا يزال قائماً. قال برايس: "زادت هذه التجربة المخاطر التي يتعرض لها رواد الفضاء الموجودين على سطح المحطة الفضائية الدولية علاوة على المخاطرة التي يتعرض لها نشاط السفر إلى الفضاء بصفة عامة"، بحسب شبكة CNN الأمريكية.

بوتين
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين/ رويترز

وتابع: "يقوض السلوك الخطير غير المسؤول استدامة السفر إلى الفضاء الخارجي على المدى الطويل ويوضح بما لا يدع مجالاً للشك أن مزاعم معارضة روسيا لتسليح الفضاء ما هي إلا ادعاءات تتسم بالخداع والنفاق". وشدد على أن الولايات المتحدة سوف تعمل مع شركائها وحلفائها من أجل الرد على هذا السلوك غير المسؤول.

وتفسر تصريحات برايس، والمسؤولين في ناسا أيضاً، السبب الثاني للغضب الأمريكي، والذي ينصب على مبدأ عدم "عسكرة الفضاء" الذي تتحدث عنه الدول أصحاب المحطات الفضائية، وخصوصاً أمريكا وروسيا والصين. فانتقال سباق التسلح إلى الفضاء يمثل خطراً كبيراً على البشرية ككل، بحسب وجهة النظر الأمريكية.

لكن سباق التسلح في الفضاء كان في الأساس فكرة أمريكية منذ رئاسة رونالد ريغان، الذي أطلق برنامج "حرب النجوم"، رغم أن ذلك البرنامج لم يحقق اختراقات تذكر وتخلت عنه واشنطن لاحقاً.

وبشكل عام تعتبر التجارب الصاروخية في الفضاء أمراً نادر الحدوث، ودائماً ما يثير إدانات على نطاق واسع عندما يحدث لما يسببه من تلوث يلحق أضرارا بالجميع. فعندما دمرت الصين عام 2008 أحد الأقمار الصناعية القديمة، التي توقفت عن العمل بعد أن كان يستخدم في رصد الأوضاع المناخية، خلفت تلك العملية أكثر من 2000 قطعة من الحطام المداري القابل للرصد. ولا تزال تلك المواد تشكل خطراً على البعثات الفضائية، بما فيها البعثات الصينية نفسها.

وقال براين ويدين الخبير الفضائي لـ"بي بي سي" إنه إذا تأكد أن روسيا أجرت تجربة تهدد المحطة الفضائية الدولية، سوف يُعد ذلك سلوكاً "غير مسؤول".

وتحتل المحطة الدولية مداراً في الفضاء يحرص غيرها من مشغلي المركبات والمعدات في الفضاء على جعله خالياً طوال الوقت من المركبات والمعدات سواء التي لا تزال تعمل أو تلك التي خرجت من الخدمة.

ويحرص رواد الفضاء في المحطة الدولية على اتباع إجراءات احترازية عندما تقترب من هذا المدار شظايا من الأقمار الصناعية والصواريخ القديمة. فالسرعة التي تتحرك بها تلك الشظايا تعني أنه يمكنها بسهولة اختراق جدران وحدات المحطة الفضائية.

وتتضمن تلك الإجراءات الاحترازية عادة إغلاق البوابات بين الوحدات، مثلما حدث يوم الاثنين، والصعود إلى الكبسولات التي نقلتهم إلى المحطة. وتبقى تلك الكبسولات مرتبطة بجسم المحطة الدولية طوال فترة عمل أفراد الطواقم المختلفة لاستخدامها "كقوارب نجاة" حال الحاجة إلى الهروب السريع.

كم قمراً صناعياً يدور حول الأرض؟

لكن بعيداً عن الجدل الذي أثارته التجربة الصاروخية الروسية بسبب حجم المخلفات التي نتجت عنها وتدور الآن في الفضاء ومداراته المختلفة حول الأرض، كم قمراً صناعياً يدور فوق رؤوسنا؟

بدأ عصر الفضاء في خمسينات القرن الماضي، وكانت الأقمار الصناعية التي تدور في المدار الأرضي المنخفض نادرة في البداية، لكن هناك الآن الآلاف من الأقمار الصناعية تحلق حول الأرض، وهناك المزيد في انتظار الانضمام إليها.

وكان الاتحاد السوفييتي أول دولة تطلق قمراً صناعياً ليدور حول الأرض وكان اسمه "سبوتنيك"، وكان ذلك عام 1957، ومنذ ذلك الوقت بدأ إطلاق الأقمار الصناعية بمتوسط بين 10 و60 قمراً صناعياً سنوياً حتى عام 2010، بحسب تقرير لوكالة سبوتنيك الروسية.

صورة من الفضاء/أرشيف
أكثر من 7500 قمر صناعي ناشط تدور حول الأرض/ أرشيف

لكن مع التطور التكنولوجي الهائل الذي تشهده الكرة الأرضية والتوسع في استخدامات الأقمار الصناعية، التي كانت في البداية تكاد تكون مقصورة على أعمال التجسس والرصد العسكري، شهدت أعداد الأقمار الصناعية التي يتم إطلاقها في الفضاء طفرة هائلة.

فالأقمار الصناعية أصبحت حجر الزاوية بالنسبة لحياة البشر، من الاتصالات والإنترنت إلى رصد المناخ إلى البحث عن مقومات الحياة على الكواكب الأخرى، كما دخلت الشركات العملاقة على خط إنتاج وتشغيل الأقمار الصناعية فلم تعد حكراً على الدول فقط، وشركة SpaceX التي يمتلكها إيلون ماسك أغنى رجل في العالم خير دليل.

ووفقاً لإحصائيات هيئة الفضاء التابعة للأمم المتحدة، يوجد الآن نحو 7500 قمر صناعي نشط تدور في المدار الأرضي المنخفض حول الكرة الأرضية، وتم إطلاق أكثر من 1300 قمر صناعي عام 2020، وأكثر من 1400 في العام الجاري.

والمدار الأرضي المنخفض هو منطقة تمتد حتى ارتفاع 2000 كم عن سطح الأرض، ومن المتوقع أن تستمر أعداد الأقمار الصناعية في الزيادة في العقود القادمة، لأن الشركات الخاصة تقوم بإنشاء مجموعات ضخمة خاصة بها، كل منها يحتوي على آلاف الأقمار الصناعية الفردية، والتي سيتم استخدامها لتطوير شبكات أسرع عبر الإنترنت وتقديم مجموعة من الخدمات الأخرى، مثل مراقبة تغير المناخ.

تحميل المزيد