كثفت الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً من تواجدها العسكري في شرق البحر المتوسط بعدما أبرمت مع اليونان اتفاقاً لتوسيع أطر اتفاقية التعاون الدفاعي الثنائية بما يمنح القوات الأمريكية استخداماً أوسع للقواعد العسكرية اليونانية. فكيف سينعكس ذلك على تركيا جارة اليونان وخصمها الأكبر في المنطقة؟ ولماذا تستثمر أمريكا في أثينا بدلاً من أنقرة رغم تحالفهما الكبير والطويل في الناتو؟
استثمار عسكري أمريكي كبير في اليونان.. لماذا الآن؟
في 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، جددت أمريكا ووسعت اتفاقية التعاون الدفاعي بينها وبين اليونان، الموقعة منذ عام 1990، لمدة 5 سنوات تنتهي في عام 2026 وهي قابلة للتجديد.
وتضمنت الاتفاقية المُحدثة التي وقعها وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس خلال زيارة إلى واشنطن، مع نظيره أنتوني بلينكن، سماح أثينا لواشنطن بنشر المزيد من القوات الأمريكية في القواعد العسكرية في البلاد، بما في ذلك قاعدة ألكسندروبولي على الحدود التركية وقاعدة سودا في جزيرة كريت، كما ستتمكن الولايات المتحدة أيضاً من الوصول إلى جميع القواعد العسكرية اليونانية في البلاد.
ووصف وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن اليونان، خلال توقيع الاتفاقية، بأنها "حليف قوي وموثوق"، وقال إن "اتفاقية التعاون الدفاعي الجديدة ستسهم في الأمن والاستقرار في شرق البحر المتوسط وما وراءه".
في السياق، ذكرت تقارير أجنبية أن أمريكا تسعى لإنشاء قواعد جديدة لها في المناطق المطلة على بحري إيجه والمتوسط. فيما تقول وسائل إعلام يونانية إن واشنطن نشرت مئات المروحيات العسكرية و1800 آلية في قاعدتها البحرية التي أنشأتها العام الماضي في منطقة الكسندروبوليس اليونانية (تبعد 20 كم عن الحدود التركية).
كما قررت الولايات المتحدة توسيع أربع قواعد عسكرية لها في اليونان، وتم تخصيص قواعد بحرية للقوات الأمريكية كجزء من اتفاقيات دفاعية بين البلدين.
وستستخدم 145 مروحية ومئات المركبات العسكرية في مناورات "المدافع عن أوروبا 2021″، كما أن واشنطن ستقوم بإجراء تدريبات مشتركة مع اليونان في تراقيا الغربية.
كما سترسل الإدارة الأمريكية شحنة عسكرية كبيرة إلى ميناء ألكساندروبولي اليوناني في الأسابيع المقبلة، تشمل تسليم عدد كبير من طائرات الهليكوبتر والطائرات بدون طيار والمدفعية والدبابات والأسلحة الثقيلة، الأمر الذي يقابل بقلق وغضب كبيرين في أنقرة حليفة واشنطن التاريخية.
"استفزاز" أمريكي متعمد لتركيا؟
ولا يكتفي النشاط الأمريكي فقط في منطقة الكسندروبوليس، بل أيضاً في جزيرة كريت، فيما يرى مراقبون أتراك أنها أنشطة تهدف للسيطرة على منطقة شرق المتوسط وبحر إيجة.
تقول صحيفة "AYDINLIK" التركية إن تحديث اتفاقية التعاون الدفاعي المتبادل بين البلدين، هي المرة الثانية من نوعها منذ ثلاث سنوات، مشيرة إلى أن الاتفاقية التي تم تحديثها في تشرين الأول/أكتوبر 2019 ببروتوكول موقع بين وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو ونظيره اليوناني نيكوس دندياس، والتي تتيح أثينا بموجبها للولايات المتحدة استخدام كافة المنشآت العسكرية اليونانية، وتوسيع قاعدة سودا في كريت، وتوفير بنية تحتية لقواعد أخرى، وإنشاء قاعدة بحرية جديدة في الكسندروبوليس
ويعتقد خبراء أتراك أن التدريبات العسكرية الأمريكية المشتركة مع اليونان وتعزيز قواعدها العسكرية هناك، هو نوع من "الدعم الأمريكي ضد تركيا"، إذ يرى نيلجون أريسان، مدير دراسات الاتحاد الأوروبي في مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية التركية (TEPAV)، أن "الولايات المتحدة تستثمر في اليونان منذ فترة طويلة لأنها باتت تشك في موثوقية تحالفها مع تركيا، ولهذا السبب لا ترى الولايات المتحدة تركيا إلا في الناتو، ولكنها لا تتعامل معها بنشاط مشترك يفيد الطرفين".
وقال أريسان، في حوار مع موقع "دويتشه فيله" الألماني، إن شراء أنقرة لنظام الصواريخ S-400 من روسيا لعب دوراً رئيسياً في نهج الولايات المتحدة الجديد المعادي لأنقرة بالإضافة إلى التقارب الكبير الذي تحولت له تركيا تجاه روسيا، مضيفاً في الوقت نفسه أن التقارب بين الولايات المتحدة واليونان يشكل خطراً كبيراً على أمن تركيا الاستراتيجي.
مضيفاً أن "أمريكا أيضاً تظهر في كل مرة أنها لا تستطيع قبول التقارب بين تركيا وروسيا، الذي قد تعتبره تهديداً لها. وقد يكون هذا هو سبب التمرين الكبير مع اليونان. وعلى الرغم من أن أردوغان التقى بايدن وأبدى عدم ارتياحه للنشاط الأمريكي، فإن الوضع لم يتغير".
أردوغان: "اليونان تحولت إلى قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة"
في مؤتمر صحفي مشترك، الخميس 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن اليونان بإقامتها قاعدة جديدة في جزيرة دادا آغاتش، تحولت إلى قاعدة عسكرية أمريكية.
وأضاف الرئيس التركي أن "هناك العديد من القواعد الأمريكية في اليونان. عندما نجمعها كلها معاً تظهر صورة مفادها أن اليونان تحولت إلى قاعدة عسكرية أمريكية".
مردفاً: "عندما نسأل عن السبب في بناء كل هذه القواعد مع بايدن والأطراف المعنية، فإنهم يعطون إجابات مراوغة، ولا يتصرفون بصدق".
وأشار أردوغان إلى أن تركيا من بين الدول السبع الكبرى في حلف الناتو من حيث عدد القوات والدعم المالي، لافتاً إلى أن اليونان ليس لديها هذا الوضع، مشيراً إلى أن "رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس يواصل الكذب ولا يتصرف بأمانة وبالتالي لا يوحي بالثقة في المنطقة"، بحسب تعبيره.
وكان الرئيس التركي أردوغان قد نقل عدم ارتياحه للرئيس الأمريكي بايدن، الذي التقى به في روما في 31 أكتوبر/تشرين الأول، بشأن النشاط العسكري في قاعدة الكسندروبولي. ورداً على أسئلة الصحفيين قال أردوغان: "أخبرنا السيد بايدن وحتى السيد ماكرون بانزعاجنا من هذا الموضوع، وأن إنشاء مثل هذه القاعدة هنا يضرنا نحن وشعبنا".
"اتفاقيات تضر بتحالفات الناتو"
وكان وزير دفاع تركيا خلوصي أكار، قد هاجم في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2021، اتفاقاً دفاع عسكري بين اليونان وفرنسا سبق اتفاق أثينا مع واشنطن، قائلاً إن "تشكيل تحالفات خارج حلف الناتو سيضر بالمنظمة".
إذ أبرمت اليونان وفرنسا، العضوتان أيضاً في حلف شمال الأطلسي، اتفاقاً للتعاون الاستراتيجي العسكري والدفاعي، في 29 سبتمبر/أيلول، يتضمن طلباً لشراء ثلاث فرقاطات فرنسية تبلغ قيمتها نحو 6 مليارات يورو، وهو ما أثار انزعاجاً لدى تركيا التي تشوب علاقاتها بالأساس مع فرنسا توترات كبيرة.
ورغم التوترات بين تركيا وحلفاءها في الناتو مثل أمريكا وفرنسا وحتى اليونان، تمثل تركيا ثقلاً بارز الأهمية للتحالف الأطلسي لا يستطيع الناتو التخلي عنه، إذ تعد أنقرة أكبر مساهم في الحلف بالعسكريين بعد الولايات المتحدة، وقد أكدت قيادة الحلف على أهمية وجود تركيا فيه مراراً.
فعلى مدار 68 عاماً من عضويتها، تصنف تركيا ضمن البلدان الـ 5 الأوائل الأكثر إسهاماً في مهام "الناتو" وعملياته، بين الدول الأعضاء، إذ شاركت أنقرة ضمن أغلب العمليات والمهام والفعاليات التي أطلقها الحلف بهدف تعزيز قدراته المدنية والعسكرية، وتقدم للحلف دعماً سنوياً تصل قيمته إلى 90 مليون يورو.
كما تستضيف تركيا العديد من المقرات التابعة لـ"الناتو"، أبرزها قيادة القوات البرية "LANDCOM" المتواجدة في ولاية إزمير غربي تركيا. كما تستضيف منطقة "كوراجيك" بولاية مالاطيا شرقي تركيا، منظومة رادار تابعة لـ"الناتو". وتستخدم طائرات المراقبة "أواكس" التابعة للحلف، قاعدة قونية الجوية وسط تركيا، إضافة إلى تزودها بالوقود جواً، من قبل طائرات تركية.
ويحتل الجيش التركي المرتبة الثانية على قائمة أضخم جيوش حلف الناتو، بميزانية دفاعية تصل إلى 19 مليار دولار، ويصل عدد جنوده إلى 435 ألف جندي، بينهم 77 ألفاً من المحترفين و325 ألفاً من المجندين في القوات البرية، و48600 جندي في البحرية و60 ألفاً في سلاح الطيران. يضاف إلى هؤلاء أكثر من 100 ألف من قوى الدرك أو الشرطة شبه النظامية، التي تتبع لوزارة الداخلية بدلاً من وزارة الدفاع، وفقاً لأرقام العام 2015. وفي تركيا كذلك 400 ألف جندي احتياطي في الجيوش الثلاثة.