في خطوة شبيهة بالتحالف الذي تشكَّل في 1988 وأطاح بنظام منغستو هيلا مريام بإثيوبيا في 1991، أعادت جبهة تحرير تيغراي تشكيل تحالف جديد من 9 حركات عِرقية وقبلية، بهدف إسقاط نظام آبي أحمد، والتحضير لمرحلة ما بعده.
ففي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بنادي الصحافة بالعاصمة الأمريكية واشنطن، أعلنت الحركات التسع تشكيل تحالف سُمِّي "الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفدرالية الإثيوبية".
وتزامن هذا الإعلان مع مرور عام كامل على الهجوم الذي أطلقه رئيس الوزراء آبي أحمد لإخضاع إقليم تيغراي، المتمرد في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
ومنذ بداية نوفمبر الجاري، حققت جبهة تحرير تيغراي وجيش تحرير أورومو اختراقات هامة في جبهات القتال، وأعلنتا تقدمهما نحو العاصمة أديس أبابا بعد السيطرة على مدينتي ديسي (400 كلم شمال أديس أبابا) وكومبولتشا (380 كلم شمال أديس أبابا) الاستراتيجيتين.
بل أعلن متمردو جيش تحرير أورومو إسقاط مدينة كيميسي (325 كلم شمال العاصمة).
إلا أن هذه الحركات التسع المتحالفة والمنتشرة في مختلف أرجاء إثيوبيا تختلف من حيث الثقل العسكري والسياسي وحتى التنظيمي ومدى تمثيلها للمكون الذي تنتمي إليه.
فباستثناء جبهة تحرير شعب تيغراي، وجيش تحرير أورومو، لا تشكل بقية الحركات الأخرى ثقلاً ذا أهمية كبيرة في سير المعارك، لكن من شأنها أن تلعب دوراً سياسياً وحتى عسكرياً لتضييق الخناق أكثر على الحكومة، وفتح جبهات متعددة لتشتيت الجيش الاتحادي والميليشيات الأمهرية المتحالفة معه.
ووقَّع على الاتفاق كل من: جبهة تحرير شعب تيغراي، جيش تحرير أورومو، وجبهة وحدة عفار الثورية الديمقراطية، وحركة آغاو الديمقراطية، وحركة تحرير شعب بني شنقول، وجيش تحرير شعب غامبيلا، وحركة "حق الشعب والعدالة العالمية كومنت" (حزب كومنت الديمقراطي)، وجبهة سيداما للتحرير الوطنية، ومقاومة الدولة الصومالية.
ويدين أغلب عناصر الحركات التسع بالإسلام والمسيحية، في بلد يضم أكثر من 80 قومية بمجموع 119 مليون نسمة، ما جعله ثاني أكبر بلدان القارة الإفريقية سكاناً بعد نيجيريا وقبل مصر، موزعين على مساحة تزيد قليلاً عن 1.1 مليون كلم مربع.
1/ جبهة تيغراي
تمثل جبهة تحرير شعب تيغراي القوة الرئيسية في التحالف الجديد، رغم أن التيغراي كعرقية لا يمثلون سوى نحو 6% من إجمالي عدد السكان، غالبيتهم يدين بالمسيحية، ويحتضن الإقليم مدينة أكسوم مقر النجاشي، الذي أكرم وفادة المسلمين في العهد النبوي وقبل الهجرة.
وتشكلت جبهة تحرير شعب تيغراي في 1975، وكانت تتبنى نهجاً يسارياً، وقادت إلى جانب عدة قوميات أخرى ثورة ضد حكم منغستو، وتمكنت من الوصول إلى السلطة في 1991، وهيمنت على الجيش وبالأخص قيادة الأركان والمخابرات.
وبقي التيغراي ممسكين بزمام السلطة، حتى بعد وفاة رئيس الوزراء مليس زيناوي (1991-2012)، وخلافة هايلي مريام ديسالين له، والذي لا ينتمي إلى التيغراي، وإنما لقبيلة صغيرة في الجنوب تدعى "ولايتا".
وأمام احتجاجات شعبية عنيفة قادتها عرقية الأورومو، خلفت مئات القتلى ما بين 2017 و2018، اضطر ديسالين للاستقالة لإفساح المجال أمام "الإصلاحات".
وكان وصول آبي أحمد علي إلى السلطة نقطة تحول بالنسبة للتيغراي، حيث عمل رئيس الوزراء الجديد على إضعاف قبضتهم على الحكم، من خلال الزج بالكثير من رموزهم في السجون بتهم الفساد، وإبعادهم عن مصادر القرار.
وآبي أحمد ينتمي إلى عرقية الأرومو المسلمة من جهة والده، ولكنه مسيحي على دين والدته وزوجته الأمهريتين، ويتهمه الأوروميون بأنه أقرب إلى الأمهريين.
وكان أول صدام حقيقي بين آبي أحمد وجبهة تحرير تيغراي، عندما قرر تشكيل حزب الازدهار، بدل الائتلاف الحاكم، الذي يضم عدة أحزاب عرقية.
رفضت جبهة التيغراي الانضمام إلى حزب آبي أحمد الجديد، وأجرت انتخابات بالإقليم في سبتمبر/أيلول 2020، رغم معارضة الحكومة.
وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني، زحفت القوات الحكومية بدعم من الميليشيات الأمهرية والجيش الإريتري، نحو إقليم تيغراي، بعد اتهامه بمهاجمة ثكنة للجيش الاتحادي، وتمكنت في 28 من ذات الشهر من السيطرة على الإقليم بالكامل.
واتهمت عدة منظمات حقوقية الجيش الإثيوبي والقوات المتحالفة معه بارتكاب عدة انتهاكات لحقوق الإنسان في تيغراي، حيث اضطر عشرات الآلاف من المدنيين للجوء إلى السودان.
إلا أن جبهة تيغراي تمكنت الصيف الماضي من قلب الموازين، واستعادة السيطرة على معظم أجزاء الإقليم بما فيه العاصمة ميقللي، والزحف جنوباً نحو إقليم الأمهرة، ووضعت يدها على عدة مدن استراتيجية مثل لالبيلا التاريخية والمقدسة لدى المسيحيين، ومدينة ولديا، وأخيراً مدينتي ديسي وكومبولشا الاستراتيجيتين.
2/ جيش تحرير أورومو
ويعد القوة الثانية الرئيسية في تحالف الحركات التسع، ويضم عشرات الآلاف من المقاتلين، كما يسيطر على مساحات متفرقة من إقليم أورمو، الأكبر مساحة وسكاناً، كما أنه يحتضن عاصمة البلاد.
ويدين أغلب الأورومو بالإسلام، وتبلغ نسبتهم نحو 40% من سكان البلاد، حسب بعض التقديرات، ويتوزع الإقليم بين وسط وجنوب وغرب البلاد.
وجيش تحرير أورومو يمثل الجناح العسكري لجبهة تحرير أورومو، الذي يوجد زعيمها جوهر محمد في السجن.
ويسيطر جيش تحرير أورومو على مساحات متفرقة من الإقليم، أشبه بالجزر المتناثرة، بعضها لا يبعد عن أديس أبابا سوى بعشرات الكيلومترات فقط، على غرار بلدة "جربا جوراتشا" (160 كيلومتراً شمال أديس أبابا).
ومع تقدم قوات جبهة تحرير تيغراي نحو جنوب إقليم الأمهرة، سيطر جيش تحرير أورومو على كيميسي، والتحم الطرفان، ما يشكل ضغطاً أكبر على العاصمة، خاصة مع إعلان أودا تاربي، المتحدث باسم جيش أورومو، أن لديهم قوات خاصة متنقلة قريبة من بلدة "لاغا تافو"، التي لا تبعد عن العاصمة سوى بنحو 25 كلم، وتضم هذه القوات ألفي عنصر، بينهم 400 من القوات الخاصة المنشقة عن الجيش الاتحادي.
3/ حركة بني شنغول
تعد الحركة الشعبية لتحرير شعب بني شنغول القوة الثالثة في تحالف المعارضة من حيث النشاط العسكري، حيث لديها قوة مسلحة تضم مئات المقاتلين، بين 200 عنصر انشقوا من الجيش الاتحادي، في أبريل/نيسان 2021.
وتكمن أهمية هذه الحركة في أنها تنتمي إلى إقليم بني شنغول الذي كان تابعاً للسودان في عهد الاحتلال البريطاني، قبل أن تضمه إلى إثيوبيا بعد التوقيع على اتفاقية 1902، لذلك فأغلب سكانه من المسلمين العرب.
وعلى أراضي بني شنغول يشيد سد النهضة، على نهر النيل الأزرق، ما أثار أزمة متواصلة مع مصر والسودان.
وتشن حركة بني شنغول من حين لآخر هجمات على القوات الحكومية، إذ تتهم الحكومة المركزية بتهجير سكان الإقليم وتغيير ديموغرافية المنطقة لصالح عرقية الأمهرة، لطلك تطالب بالانفصال عن أديس أبابا، والانضمام إلى السودان أو الاستقلال.
4/ جبهة عفار
جبهة وحدة عفار الثورية الديمقراطية، وتنحدر من إقليم عفار في شمال البلاد، الذي يقطنه أغلبية من المسلمين ذوي الأصول العربية، يمثلون 4% من السكان، ولهم امتدادات في إرتيريا وجيبوتي، ويمر عبر أراضيهم الطريق الدولي الرئيسي نحو جيبوتي.
وساهم تحالف جبهة عفار، مع جبهة تيغراي، في توغل قوات الأخيرة في إقليم العفر، عشرات الكيلومترات.
لكن القوات الخاصة العفرية التي انحازت إلى الحكومة الاتحادية تمكنت من استرجاع معظم هذه الأراضي.
فجبهة عفار حزب سياسي معارض، تأسس في 1993، لذلك فتأثيره العسكري محدود، تجلى ذلك في عدم استجابة قوات الأمن والجيش العفرية في الانشقاق عن السلطة المركزية في أديس أبابا.
5/ إقليم الصومال الإثيوبي
وقَّع على وثيقة التحالف "مقاومة الدولة الصومالية"، وهي حركة غير معروفة، وتتحدر إقليم الصومال الإثيوبي (أوغادين) الذي يعد من أكثر الأقاليم تهميشاً.
وأشهر الحركات المسلحة التي كانت تنشط بالإقليم الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين، والتي سعت للانفصال عن أديس أبابا والانضمام إلى الصومال.
وبسبب النزاع على الإقليم، اشتعلت حرب أوغادين بين إثيوبيا والصومال (1977 -1978)، التي انتصرت فيها أديس أبابا بعد الدعم الذي تلقته من الاتحاد السوفييتي وكوبا.
وتقلص نشاط جبهة أوغادين بعد الضربات القوية التي تلقتها من الجيش الإثيوبي والذي طاردها إلى غاية معاقلها داخل الصومال، واجتاح الأخير في 2004.
واحتفظت إثيوبيا بنحو 3 آلاف جندي داخل الصومال ضمن قوات أممية، لكنها استدعتهم لدعم موقفها في حربها ضد التيغراي، ما قد يسمح لحركة "مقاومة الدولة الصومالية" بإعادة ربط تحالفاتها مع الحكومة الصومالية أو حكومات أقاليمها.
6/ حركة الكومنت
أقلية عرقية تعيش في إقليم أمهرة، تعيش في قرى منعزلة حول مدينة غوندر، قرب الحدود مع السودان، وتتضارب الأرقام بشأن أعدادهم وديانتهم.
إذ تتحدث تقديرات متفرقة أن عددهم في حدود 100 ألف إلى 186 ألف نسمة.
وكان الكومنت يدينون باليهودية، وكثير منهم تحول نحو المسيحية، وجزء منهم يعتنق ديانات وثنية.
ففي أكتوبر/تشرين الأول 2020، زارت وزيرة الهجرة الإسرائيلية ذات الأصول الإثيوبية قرى هذه العرقية، رغم أن مراجع عبرية تشكك في صحة عقيدتهم اليهودية.
ولجأ 3 آلاف من الكومنت إلى السودان فراراً من العنف الذي طالهم على يد الأمهرة، بعد اندلاع العنف في البلاد 2020، وسبقته مواجهة بين العرقيتين في 2017، وفي 2017، بعد تنظيم استفتاء لإقامة منطقة حكم ذاتي للكومنت.
وكان من الطبيعي أن ينضم الكومنت إلى تحالف المعارضة، خاصة أن خصومهم الأمهرة في صف القوات الحكومية.
ووقَّع على اتفاق تحالف المعارضة عن الكومنت حركة "حق الشعب والعدالة العالمية كومنت" (حزب كومنت الديمقراطي).
7/ جبهة سيداما
جبهة سيداما للتحرير الوطنية، وتطالب بحق تقرير إقليم سيداما، الذي يضم نحو 4 ملايين نسمة، ويمثل أحد أكبر القوميات في إقليم الأمم الجنوبية (نحو 20% من سكان الإقليم)، وأغناها بالموارد الزراعية، وتشتهر بقهوة السيداما (العالمية).
ويدين نحو 75% من السيداما بالمسيحية بمذاهبها المختلفة، و8% منهم مسلمون، و13% يعتنقون دايانات تقليدية.
وفي نوفمبر 2019، صوَّت سكان سيداما في استفتاء لصالح إنشاء حكم ذاتي بنسبة فاقت 98%، ليصبح الإقليم العاشر في البلاد.
8/ جبهة غامبيلا
إقليم غامبيلا، يقع في الجنوب الغربي لإثيوبيا، على الحدود مع دولة جنوب السودان، ومركزه مدينة تحمل نفس الاسم.
وتقطن غامبيلا عرقية النوير، المنتشرة في دولة جنوب السودان، والتي خاضت حرباً عرقية مع قبيلة الدينكا، ما بين 2013 و2018.
وانخرطت غامبيلا بشكل غير مباشر في حرب جنوب السودان، حيث احتضنت مخيمات لعشرات الآلاف من اللاجئين، ووفرت الدعم لقوات النوير بقيادة ريك مشار، ما عرَّضها لهجمات مسلحة، على غرار مقتل 170 مدنياً في الإقليم عام 2016، على يد مجموعة مسلحة تسللت من جنوب السودان.
وفي يوليو/تموز 2021، تم الإعلان عن جبهة تحرير غامبيلا، التي تبنت العمل المسلح ضد حكومة آبي أحمد، بعدما شككت في نتائج الانتخابات الأخيرة التي فاز بها حزب الازدهار الحاكم بأغلبية ساحقة.
إلا أن جبهة غامبيلا لم يعرف عنها أي نشاط عسكري لحد الآن، كما أن هناك من يشكك في انضمامها رسمياً إلى تحالف حركات التمرد.
9/ حركة آغاو
"حركة أغاو الديمقراطية"، التي وقَّعت على وثيقة التحالف، تنحدر من قبائل آغاو، التي يعيش سكانها ضمن إقليم تيغراي، في الشمال.
وتصف بعض المراجع قبائل الآغاو بأنها تضم جزءاً من يهود الفلاشا، والأغلبية يدينون بالمسيحية، كما تتحدث بعض المراجع عن تحول فئات منهم نحو الإسلام، عند غزو الجيش المصري لهضبة كرن (1860- 1875)، بحسب كتاب "أوضاع اللغة العربية في القرن الإفريقي".
ويبلغ عدد سكان آغاو نحو 733 ألف نسمة، بحسب تقديرات 1998، وعلى غرار الكومنت لهم امتدادات في إريتريا (نحو 76 ألف نسمة).