وسط أحاديث عن توسط روسي للمصالحة بين محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وحركة فتح، وبين محمد دحلان القيادي المفصول من الحركة والمستشار لدى البلاط الأميري في أبوظبي، عبّر عدد من القيادات بحركة فتح عن رفضهم أي مصالحة مع دحلان الذي يتزعَّم الآن ما يسمى بـ"التيار الإصلاحي" المنشق عن الحركة. فما الدور الذي تلعبه موسكو في هذا الملف، ولماذا الآن؟ وهل تنجح بالتوسط بين الطرفين المتناحرين داخل الحركة التي تسيطر على السلطة الفلسطينية؟
ما حقيقة الوساطة الروسية بين عباس ودحلان؟
يوم الجمعة 5 نوفمبر/تشرين الثاني، كشف ديمتري دلياني، القيادي السابق في "فتح"، والمقرب من دحلان، عن وساطة يُجريها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لإنهاء "الانقسام الفتحاوي"، بين "تيار دحلان"، و"فتح".
والثلاثاء الماضي، سارع دحلان للسفر إلى موسكو والتقى الوزير لافروف، وقال دلياني، إن اللقاء ليس الأول، حيث سبقته لقاءات بين دحلان والقيادة الروسية، لم يكشف عنها.
وأشار إلى أن اللقاء تم بدعوة روسية، وتم فيه بحث ملفي المصالحة الداخلية في حركة "فتح"، والمصالحة الوطنية الفلسطينية بين "فتح" و"حماس". وبيّن دلياني أن دحلان أعلن على الفور، خلال اللقاء، "استعداده للمصالحة الداخلية في فتح".
وأضاف أن دحلان قال لوزير الخارجية الروسي إن المصالحة الداخلية "ضرورة فتحاوية ووطنية، ومستعدون لها على الفور على أن تكون مبنية على الأسس التنظيمية، وعمادها النظام الداخلي للحركة، والابتعاد عن التفرد في القرارات وتهميش الهياكل التنظيمية".
وبيّن أن "هناك اهتماماً روسياً بقضية المصالحة الداخلية"، مضيفاً: "يمكن القول إن هناك جهداً روسياً عالياً"، ولفت إلى أن اللقاء يأتي قبيل زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لروسيا. وقال: "نتوقع أن يبحث الجانب الروسي، قضية المصالحة مع عباس، ولا نعلم ما هي ردة فعله على ذلك، ولكن نأمل أن تتكلل الجهود بالنجاح".
في عام 2011؛ طردت حركة "فتح" دحلان، الذي كان حينها عضوًا في اللجنة المركزية للحركة. وتلاحق فلسطين دحلان، المقيم في الإمارات، بتهمة الفساد، وقضت محكمة جرائم الفساد الفلسطينية عام 2016 بسجنه ثلاث سنوات بتهمة اختلاس 16 مليون دولار خلال توليه منصب منسق الشؤون الأمنية للرئاسة الفلسطينية.
دحلان يستبق زيارة عباس الرسمية لروسيا
عضو اللجنة المركزية للحركة، عباس زكي، قال للأناضول، إن الرئيس عباس يجري زيارة رسمية إلى روسيا يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، غير محددة المدة، يلتقي خلالها نظيره فلاديمير بوتين وعدداً من كبار المسؤولين في موسكو.
ووصف زكي الزيارة بـ"المهمة لما تلعبه روسيا من دور في العالم والمنطقة"، لكنه قال إن المصالحة الداخلية في حركة فتح ليست على جدول أعمال الزيارة.
وأضاف: "نرفض أي تدخل في هذا الملف، وهذا شأن داخلي لا يبحث مع الروس، دحلان اتُّخذ بحقه قرار رسمي وقضائي".
وتابع: "أبوابنا مفتوحة للجميع لكن لسنا سوقاً لتروج فيها بضاعة دولة الإمارات (في إشارة إلى الدعم الإماراتي لدحلان)، ومن باعوا أنفسهم للشيطان"، وفق تعبيره. وشدد عضو اللجنة المركزية على موقف حركته بشأن دحلان.
من جهته، قال عضو اللجنتين المركزية لحركة فتح، والتنفيذية لمنظمة التحرير، عزام الأحمد: "باختصار هذا حديث فارغ، ولا يوجد أي اتصالات مع الروس بهذا الشأن، ونرفض ذلك في حال عرض علينا".
بدوره، يرى الناطق باسم حركة فتح، حسين حمايل، في أنه "لا عودة لدحلان للحركة"، وقال: "من هم خارج فتح سيبقون خارجها، ومن هم فيها موحدون والأمور سليمة وتسير على قدم وساق، والمصالحة مع دحلان مرفوضة".
وأضاف: "زيارة الرئيس إلى روسيا تأتي لبحث ملفات تخص الشعب الفلسطيني، وتفعيل قضيته"، كما استبعد وجود أي مصالحة مع عضو اللجنة المركزية المفصول ناصر القدوة.
ماذا يريد دحلان من زيارة موسكو؟
من جهتها، قالت صحيفة "الأخبار" اللبنانية إن محمد دحلان سعى إلى أهداف هامة من خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو.
وذكرت الصحيفة السبت 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أن دحلان استبق محمود عباس، وزار العاصمة الروسية موسكو بصفة عاجلة، التقى خلالها مسؤولين في مقدمتهم وزير الخارجية سيرغي لافروف.
ونقلت "الأخبار" عن مصادر قولها إن دحلان يسعى إلى الحصول على ضغط روسي للعودة إلى حركة فتح. ولفتت إلى أن الهدف الأبعد لرئيس ما يسمى بـ"التيار الإصلاحي" في حركة فتح، هو خلافة محمود عباس.
وكانت مصادر إسرائيلية قد كشفت العام الماضي عن رغبة تل أبيب بخلافة دحلان لعباس، وأن إسرائيل سعت لتبنِّي نهج جديد تجاه أبومازن، مفاده أن الرئيس لم يعد الشخص القادر على صنع السلام والرخاء للفلسطينيين، وأن تياره يفكر بمصلحته الخاصة. كما كشفت هذه المصادر أن الإمارات تسعى على نحو بارز لإيصال دحلان لمنصب رئاسة السلطة بعد عباس.
وكان دحلان يسعى للعودة إلى المشهد السياسي الفلسطيني من بوابة الانتخابات التي كان من المقرر أن تجرى في مايو/أيار الماضي، قبل أن يعطلها عباس بعد وقوع انقسامات داخل فتح، مما قد يسمح بإعطاء دحلان فرصة أكبر للفوز عبر كتلته الانتخابية "المستقبل"، خصوصاً إذا تحالفت مع كتلة "الحرية" التي شكلها ناصر القدوة ومروان البرغوثي.
"مصالحة غير مشروطة" داخل فتح
من جهته، يقول ناصر القدوة، ابن شقيقة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، المفصول من الحركة، والمتهم بأنه مقرب من دحلان: "أنا مع المصالحة الداخلية، لكن على أساس الاحترام المتبادل وليس الشروط، وأن نبدأ بوضع برنامج سياسي، واعتماد العمل بالنظام الداخلي وإعادة بناء الحركة".
وأشار القدوة في تصريحات للأناضول إلى أن اتصالات سابقة أجريت مع الجانب الروسي بهذا الشأن، لكنها متوقفة اليوم على أمل أن تعود قريباً. وفي مارس/آذار الماضي، قررت اللجنة المركزية لـ"فتح" فصل القدوة من الحركة؛ بدعوى "تجاوزه النظام الداخلي للحركة والمس بوحدتها". ويأتي ذلك عقب تشكيله قائمة لخوض الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة 22 مايو/أيار الماضي، قبل تأجيلها.
ولا يبدو القدوة بعيداً عن دحلان، إذ سبق له القول في تصريحات إعلامية إن "بعض الدوائر الفلسطينية لم تتوقف عن توجيه الاتهام لي بأنني حالة دحلانية"، مشيراً إلى أنه "لم يصوِّت على قرار فصل دحلان من فتح أو غيره لأنها حركة يجب تضم كل الاتجاهات السياسية".
وأكد القدوة في تلك التصريحات أنه على استعداد للتفاهم مع "الجميع حتى مع دحلان"، وأضاف: "لا أحد يستطيع نفي صفة الفتحاوية عنا، وأنا ومروان ودحلان كلنا فتح".
وكان العديد من قادة "فتح" يخشون أن يمثل القدوة -بعد خروجه عن فتح بتشكيله قائمة انتخابية مستقلة في مارس/آذار الماضي- أن يكون جسراً لعودة دحلان للعب دور مركزي يقوده بعد قليل إلى منصب الرئاسة.
توسُّع الدور الروسي في الملف الفلسطيني
وتعد روسيا إحدى الدول الأربع التي ترعى مسار المصالحة الفلسطينية، بجانب مصر وقطر وتركيا، وفقاً لبيان أصدرته حماس وفتح سابقاً، وقد أعربت موسكو عن استعدادها لتنظيم لقاء شامل للفصائل، بعد أن قدمت مصر اعتذاراً عن ذلك في مطلع العام الجاري.
ومنذ بداية 2021، احتضنت العاصمة الروسية لقاءات على أعلى المستويات لقادة الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها قيادات الصف الأول، وآخرها لقاء استمر لعدة أيام جمع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، ورئيس مكتب العلاقات الدولية في حركة حماس، موسى أبومرزوق، بنائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، سبقته زيارة قيادة "التيار الإصلاحي" في حركة فتح الذي يترأسه دحلان.
وبحسب مراقبين، تعطي هذه الزيارات ذات المستوى الرسمي الدور الروسي زخماً سياسياً في القضية الفلسطينية، وتضع موسكو في مقدمة العواصم ذات التأثير المركزي في الملف الفلسطيني.
وترى روسيا أن إسهامها في مسار المصالحة بين المكونات الفلسطينية المختلفة سيفتح الباب أمامها للعب دور أكبر في القضية الفلسطينية بعد تتويجها بالانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، سواء فيما يتعلق بمسار المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، أو حجز مكان لها في السياسة الخارجية الفلسطينية للحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة.
عبدالله عبدالله، نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح، قال في تصريحات سابقة، لـ"عربي بوست" إن "الدور الروسي الفاعل مؤخراً في القضية الفلسطينية، وتحديداً في مسار المصالحة الحالي، نابع من عدة اعتبارات أهمها غياب الولايات المتحدة الأمريكية عن المشهد، وفقدان الثقة بها من قِبَل السلطة الفلسطينية، مما ترك مساحة من الفراغ استثمرته روسيا بطريقة جيدة".
وأضاف أن "الروس لم يعودوا مكملين للمشهد في الشرق الأوسط، بل باتوا أحد الفاعلين فيه، بدليل أن الحضور الروسي أصبح قريباً من الناحية الجغرافية من خلال تواجدهم السياسي والعسكري في سوريا، وارتباطهم بعلاقات وثيقة الصلة مع الأطراف المؤثرة في المنطقة كتركيا وإيران والسعودية ومصر".
وتابع المتحدث أن "روسيا تسعى لمزاحمة الولايات المتحدة في إدارة مسار التسوية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، مستغلة الانشغال الأمريكي في قضايا العلاقات المتوترة مع الصين وإيران، لذلك فإن أولوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بالنسبة لإدارة بايدن ستكون متأخرة نسبياً، والمتوقع منها أن تكون في النصف الثاني من ولاية بايدن، لذلك فإن ترسيخ العلاقات مع السلطة والفصائل الفلسطينية سيمنحها تفوقاً على الدور الأمريكي في ملف التسوية".