تغير غير متوقع يحدث في العلاقة بين طالبان والشيعة في أفغانستان، وصل إلى درجة أن الحركة التي كانت توصف بالسنية المتطرفة أصبحت تضم رجال دين شيعة.
ففي موقعه الذي يشغله بوصفه قائداً عسكرياً، لم يستولِ مولوي مهدي على أي أراضٍ ولم يقتل أمريكيين في أية معركة. لكن حركة طالبان تصف ابن الهزارة صاحب الـ33 عاماً بأنه "هبة من السماء"، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
في العام الماضي، عيَّنت الجماعة المسلحة مهدي ليكون حاكم ظل في مسقط رأسه. ثم أظهرته في فيديو على موقعها لتمجيد مؤهلاته. وفي رحلة حديثة إلى كابول، مكث في فيلا ذات حديقة، تخصصها طالبان عادة لكبار القادة لديها. ويعرف مهدي السبب.
فقد قال: "إنني جسر بين طالبان وبين مجتمع الهزارة".
العلاقة بين طالبان والشيعة.. من الصراع إلى محاولة التعايش
على مدى تاريخ طالبان مع الجماعات الأفغانية الأخرى، لم تُعذَّب جماعة أكثر من أقلية الهزارة. عندما وصلت حركة طالبان إلى سدة الحكم لأول مرة في أواسط تسعينيات القرن الماضي، قيل إن طالبان استأصلوا آلافاً من الهزارة الشيعة، معتبرين أنهم كفار. ونسب للحركة أنها دمرت مواقع التراث الثقافي للهزارة، وامتد تهميشهم السياسي والاقتصادي عن طريق الأنظمة الأفغانية المختلفة. وفر عشرات الآلاف من الهزارة من البلاد.
الطريقة التي تتعامل بها طالبان مع الهزارة في نظامها الجديد سوف تجسد مقياساً لتقييم ادعاء الحركة بأنها تغيرت وتستحق الاعتراف الدولي والدعم المالي، حسبما ورد في تقرير ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post.
على أحد المستويات، يجسد صعود مهدي تغيراً طرأ على نهج الماضي، وهو تغير قائم على حسابات استراتيجية لجذب الدعم المحلي في مجتمعات الأقليات، وخلق مظهر التنوع بين صفوف الحركة المسلحة. ومن أجل تلك الغاية، بعثت طالبان مهدي إلى مناطق الهزارة ليكون مبعوثاً للحركة وكي يؤسس محاكم شيعة غير رسمية لأول مرة من أجل اجتذاب مزيد من الهزارة.
قال مهدي، بينما كان يرتدي عمامة سوداء ويضغط على حبات مسبحة صفراء: "الإمارة الإسلامية الجديدة ليست مثل الإمارة الإسلامية القديمة. يهيمن عليها علماء دين لا يتحركون بناء على العرق، بل لتأسيس نظام إسلامي فحسب".
لكن مهدي يجسد كذلك تذكاراً بحدود نوايا طالبان المعلنة. في خطابات سلمية معلنة هذا العام، تعهد مسلحو الحركة، التي ينتمي غالبية أعضائها إلى البشتون، أمام الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي بأن حقوق وتطلعات الهزارة والجماعات العرقية والقبلية الأخرى سوف تكون مكفولة في أفغانستان التي تشمل الجميع.
ولكن في حكومة طالبان المؤقتة، لم يكن أي من وزراء الحكومة الـ33 من الهزارة، لكن المسلحين وسعوا لاحقاً من جهاز الحكومة ليشمل أحد أبناء الهزارة في منصب نائب وزير الصحة.
وفي الشهر الماضي، طرد مسؤولون من طالبان في خمس ولايات مئاتٍ من عائلات الهزارة قسراً من منازلهم ومزارعهم، وذلك وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش.
ومؤخراً، التقى كبار مسؤولي طالبان بعائلات منفذي التفجيرات الانتحارية لتسليمهم أموال وأراضٍ وعدوهم بها. وكثير من هؤلاء الانتحاريين قتلوا مئات من أبناء الهزارة في هذه الهجمات الانتحارية، حسب التقرير.
قصة القيادي الشيعي الذي انضم لطالبان
يحتل مهدي منصباً قيادياً صغيراً داخل طالبان: إذ إنه يشغل الآن منصب رئيس الاستخبارات في ولاية باميان، وهي منطقة ذات غالبية من الهزارة. يقول المشككون إنه غطاء لمنع أي انتفاضة شاملة ينفذها الهزارة، وليس ممثلاً جدياً للمصالحة.
قال علي عديلي، وهو باحث أفغاني يركز على شؤون مجتمع الهزارة كان قد فر مؤخراً إلى فرجينيا الشمالية بالولايات المتحدة: "إنه ليس من نوعية الرموز الوطنية التي تجذب مجتمع الهزارة. إنه صغير وغير متعلم كذلك".
وقال المحللون وقادة مجتمع الهزارة إن طالبان لم تُخضِع حتى الآن مقاتليها أو الموالين لها للتحقيقات أو الانضباط بسبب الجرائم التي ارتكبوها ضد الهزارة.
وقالت أشلي جاكسون، الخبيرة في شؤون طالبان في معهد التنمية الخارجية (ODI) في لندن: "كان ذلك سيبعث رسالة أقوى. ذلك النوع من المساءلة كان سيحمل معنى أكبر لكثير من الأشخاص، سواء في مجتمع الهزارة أو المجتمع الدولي، بدلاً من التصدير الرمزي لأحد أبناء الهزارة".
وتابعت قائلة إن مهدي يعد "محاولة علاقات عامة" في أفضل الأحوال، مضيفة أنه "يبدو تجميلياً للغاية".
ظلمه أبناء طائفته ثم صلى مع طالبان في السجن
وُلد مهدي في قرية صغيرة تسمى هوش تقع في شمال أفغانستان، وكان يبلغ من العمر 8 أعوام عندما استولت طالبان على كابول في عام 1996. وبعد 3 سنوات، فجرت طالبان منطقة بلخاب التي يعيش فيها. فرّ مهدي مع عائلته إلى إيران، مثل كثير من الهزارة، ولم يعد إلا بعد إزاحة طالبان من السلطة بعد الغزو الأمريكي الذي وقع إثر أحداث 11 سبتمبر/أيلول.
وبعد عودته إلى هوش، ذهب مهدي إلى المدرسة وبدا مستعداً لتولي شؤون مزرعة عائلته. ولكن في بدايات العشرينيات من عمره، استولى قائد محلي فاسد من الهزارة متحالف مع الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة، على أراضي عائلته، وذلك حسبما أوضح مهدي. وانتقاماً مما فعله هذا القائد، اختطف مهدي وأصدقاؤه ابنه، وهو ما قاله أهل القرية والمحللون. وبعد تدخل من كبار المنطقة، أعاد القائد الأراضي وأطلق مهدي سراح ابنه.
في تلك الليلة، أحاطت قوات هذا القائد منزل مهدي. وعندما حاول الهروب، اندلعت اشتباكات. أُصيب مهدي وأودع في المستشفى، ثم سُجن بعد ذلك. وقضى في السجن السنوات الـ7 التالية لهذه الأحداث، حيث قابل نزلاء من طالبان وتفاعل معهم.
صار مهدي أكثر تديناً في السجن، فدرس القرآن وكان يصلي مع أعضاء طالبان جميع الصلوات المفروضة يومياً.
وقال سلمان أخلاقي، أحد أصدقاء الطفولة لمهدي: "لقد قابل كذلك ملالي طالبان داخل السجن. عندما أُطلق سراحه، رأيت تغيراً كبيراً في سلوكه وفي جسده".
وشكل تجمع لأبناء الهزارة موالي لطالبان
وعندما عاد إلى منزله في عمر الـ29، بدأ يعقد اجتماعات ليشجع أبناء الهزارة الآخرين على الانضمام إلى طالبان، وكان حديثه ضد الجيش الأمريكي وفساد الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة. وقد اعترف بأنه صار منبوذاً هو والمجندون حديثاً معه في صفوف الحركة.
قال مهدي: "المجتمع الشيعي نظر إلينا عبر عدسات سوداء. اعتبرونا متوحشين. حتى إن مجتمعي المباشر ارتأى أني خائن".
لكن ميليشيا مهدي المؤيدة لطالبان نمت، وحاول أمير حرب من أبناء الهزارة الموالين للحكومة أن يحصل على ولائه. أوضح مهدي أنه رفض عرضه لأنه كان "على الطريق الخطأ. لقد فضّل المنازل والرفاهيات الأخرى على الدين والبلاد".
وبعد وقت قليل، تعرضت ميليشيا مهدي لهجوم من جانب القوات الحكومية. ويروي مهدي أنه فرَّ إلى ولاية سمنغان المجاورة.
ومع ذلك، كان الملف الشخصي لمهدي جذاباً بالنسبة لطالبان. في السنوات الأخيرة، سعت طالبان لتجنيد أعضاء من الجماعات العرقية الأخرى في أفغانستان لتصور نفسها على أنها جماعة تمرد وطني. واليوم، تضم الحركة بين صفوف مقاتليها أعضاء من جماعات عرقية مختلفة من الأوزبك والطاجيك والتركمان.
الحركة سمحت بإقامة الاحتفالات الشيعية
وبعد السيطرة على كابول، زار قادة طالبان مجتمع الهزارة في العاصمة وطمأنوهم بإحلال السلام والأمن. وسمحوا بإقامة الاحتفالات الدينية الشيعية.
منحت الحركة المتشددة مهدي لقب "مولوي"، وهو لقب ديني يُمنح إلى علماء الدين، في محاولة منهم لتعزيز أوراق اعتماده وجاذبيته.
قال نائب المتحدث باسم حكومة طالبان، بلال كريمي: "مولوي مهدي يتبع أوامر وقواعد الإمارة الإسلامية. الناس مسرورون للغاية به بسبب خدماته. إنه شخص متفانٍ للغاية".
زار مهدي مؤخراً أحد معلميه ويُدعى هشام جوادي بلخابي، وهو رجل دين موالي لطالبان من الهزارة، وذلك في مجمع سكني غرب كابول، حيث يعيش غالبية أبناء الهزارة من سكان العاصمة.
ومحكمة شيعية غير رسمية
وفي أحد المكاتب، كان رجلا دين شيعيان من أعضاء طالبان يعقدان محكمة غير رسمية لحل نزاع على أحد الأراضي. زعم رجل أن مجتمعه ابتاع الأرض في عام 1986، لكن الطرف الآخر زوّر الصك في عام 2003 وادعى ملكيته بعد أن دفع رشوة إلى المسؤولين المحليين كي يدعموه.
يقول الرجل: "على مدى 20 عاماً، سيطر الظلم. منذ اليوم الذي سيطرت فيه الإمارة الإسلامية، يبدو الناس سعداء. وتلقى شكواهم آذاناً مصغية".
رد القاضي بأن الطرف الآخر في هذا النزاع مريض وطلب 4 أيام لتحضير دفاعه. وأضاف: "بعد استعراض جميع الوثائق، سوف نتخذ قراراً نهائياً. سوف ننفذ العدالة. صاحب الحق سوف يتملك الأرض".
وبعد ذلك، استشعر القاضي الآخر فرصة علاقات عامة سانحة. فأومأ إلى أحد صحفيي صحيفة The Washington Post الأمريكية بمراقبة الجلسة وقال للرجل: "أخبرهم أنكم سعداء بالحكومة الجديدة". فكرر الرجل عبارات الإطراء.
يبدو أن الحركة سوف تجتذب دعم الشيعة بهذه السياسة
قال مهدي: "إذا استمرت طالبان في سياستها الناعمة مع الهزارة، فهذا سوف يجذب الدعم في نهاية المطاف من المجتمع".
ولكن من ناحية أخرى، يبدو التغيير الواضح الذي طرأ على طالبان تجاه الشيعة مشكوكاً فيه. إذ تفكر الحركة في إلغاء دستور 2004، الذي يحمي الحقوق القانونية للشيعة، وبدلاً منه سوف تتبنى البلاد أجزاء من دستور 1964 الذي وُضع خلال حكم محمد ظاهر شاه، آخر ملوك أفغانستان.
قال عديلي: "ذلك الدستور لا يعترف بالفقه الشيعي".
الأفعال التي تنتهجها طالبان تقوّض من جهود مهدي. وصف المسؤولون في طالبان الإجلاء الجماعي لأبناء الهزارة بأنها صراعات قبلية. كذلك وصفوا المذبحة التي وقعت في شهر يوليو/تموز ووثقتها منظمة العفو الدولية، بأنها حملة دعائية ضدهم، برغم الأدلة والشهادات التي قدمها النشطاء والتي تؤكد أن ادعاءات الحركة غير صحيحة.
وعندما سُئل عما إذا كانت طالبان أخضعت أياً من مقاتليها للمساءلة على الاعتداءات الأخيرة، رد كريمي بأنه "ليس هناك عمليات قتل تستهدف مجتمع الهزارة" أو "أي من المدنيين استناداً إلى العرق".
سار مهدي على خطى طالبان. فقد استنكر عمليات الطرد ووصفها بأنها "أفعال شخصية"، ووصف المذبحة بـ"الأخبار الزائفة والدعايا".
قالت ناشطة من باميان، تحدثت بشرط عدم الكشف عن هويتها: "تريد طالبان استخدام مهدي لنزع فتيل تمرد يقوده الهزارة ضدهم"، مضيفة أن "الهزارة لا يستطيعون أن يثقوا في البشتون"، في إشارة إلى الجماعة العرقية المهيمنة في البلاد. وقد شاركت هذه الناشطة في احتجاج ضد طالبان قبل أن توقفه الحركة وتحذر من قول أي آراء سلبية عنها.
قال ناشط آخر شارك في الاحتجاج إن طالبان أصدرت هذا التحذير.
أنكر مهدي وقوع هذا الاحتجاج، ووصف الادعاءات بأنها حملة دعائية.
فيما قال بلخابي إن العنف كان كفيلاً بإقناع مزيد من الهزارة بقبول طالبان، إذا كان ذلك من أجل الحماية فقط.
وقال رجل الدين بوجه مبتسم: "عدو عدوي هو صديق لي".