"ستسحق أي دبابة أمريكية".. كان هذا هو المتوقع من "الدبابة الروسية تي 95″، التي كانت تُوصف بالدبابة الخارقة أو الفائقة، وكان يُنتظر أن تُعالج واحدةً من أكثر نقاط الضعف شيوعاً لدى الجيش الروسي.
فمنذ أن فاجأ الروس الألمان بالدبابة الأسطورية T-34، خلال الحرب العالمية الثانية، والمنحنى البياني للدبابات السوفييتية يتراجع أمام نظيراتها الغربية، فازداد الفارق في الحجم والقدرات بين الجانبين، الذي انتهى بمذبحة الدبابات العراقية أمام الدبابات الأمريكية في حرب الخليج عام 1991.
أظهرت هذه الحرب أن الدبابات السوفييتية أقل حجماً وتدريعاً وقدرة من الدبابات الغربية بشكل صدم الروس والصينيين على السواء، ولكن الروس كانوا يراهنون على تفوقهم العددي الهائل، إذ كانوا يمتلكون أعداداً كبيرة من الدبابات خلال الحرب الباردة، تعادل أضعاف دبابات شمال الأطلسي"الناتو" التي كانت موجودة في أوروبا.
ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بدأ الروس يفقدون هذه الميزة، وأصبحوا يفكرون في إنتاج دبابة خارقة تستطيع أن تتفوق نوعياً على دبابات الناتو، ومن هنا كان مشروع تطوير الدبابة الروسية الخارقة تي 95 "T-95″، التي يقول عنها تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية بأنها كان يُتوقع أنها لو نُشرت في ساحات القتال، لتفوقت على كل دبابة معاصرة لها من الدبابات التابعة لحلف الناتو.
ورغم أن تاريخ المدرعات السوفييتية والروسية يحتشد بنماذج أولية من "الدبابات الخارقة"، التي روَّجت لوعود بمستويات فائقة من التدريع والفتك على نحو تتفوق به على أي مدرعة معاصرة لها، فإن موسكو نجحت بالفعل في نهاية الحرب الباردة في تطوير نموذج أولي واقعي لـ"الدبابة الفائقة"، التي عُرفت إعلامياً باسم "تي 95" T-95، أو (مشروع الكائن 195).
وقد واصلت روسيا تطوير المشروع حتى عام 2010، قبل أن تتخلى عنه لصالح الدبابة الأحدث "تي 14 أرماتا" T-14 Armata.
ومع ذلك، فإن بعض الخبراء العسكريين الروس يقولون حتى يومنا هذا إن "الدبابة الروسية تي 95" كانت الدبابة الأفضل. والسؤال إذن: ما الذي جعل هذه الدبابة توصف بأنها جيدة إلى هذا الحد؟ وإذا كان الحال كذلك لماذا نُبذت لصالح المضي قدماً في مشروع الدبابة الأحدث "تي 14″؟
الدبابة الروسية تي 95.. مواصفات استثنائية
كان الدبابة الروسية تي 95، المعروف رسمياً باسم"مشروع الكائن 195″ مشروعاً طموحاً إلى حدٍّ لا يصدق، بدأ تصميم الدبابة في عام 1988، تحت اسم المشروع "88 المحسَّنة". وكانت الفكرة هي إنشاء دبابة تتفوق على أغلب مدرعات الناتو المنافسة لها على نحو مشابه لما مثَّلته الدبابة "تايغر الألمانية" German Tiger من مفاجأة في تفوقها الواضح على المدرعات السوفييتية حين تقديمها لأول مرة.
وعلى هذا النحو، كان من المتوقع أن يكون لهذه الدبابة مدى فاعلية أطول، وأن تكون أكثر قابلية للصمود، وأن تحوز قوة نارية أكبر من أي دبابة سوفييتية سابقة.
مقصورة منفصلة لضمان حماية الطاقم
ولتعزيز قدرات الدبابة الروسية تي 95 على الصمود في ساحات المعارك، عمد المصممون إلى نقل أفراد الطاقم الثلاثة إلى مقصورة منفصلة خاصة بهم، معزولة عن مكونات الدبابة الأخرى، وتحويل برج الدبابة إلى التوجيه دون تدخل بشري. ومع أن هذا النموذج استُخدم بعد تطويره في الدبابة "تي 14 أرماتا"، لكن مشروع الدبابة "تي 95" شهد أول استخدام له.
كان من المتوقع أن يكون لها نظام تعليق هيدروليكي جديد بخصائص تكيفية.
بالإضافة إلى إعادة تصميم مقصورة الطاقم، استخدمت الدبابة "تي 95" أنظمة الحماية النشطة (APS) والدروع التفاعلية المتفجرة (ERA)، والدروع المركبة.
ومن الجدير بالذكر أن تصميم الحماية النشطة الخاص بالدبابة "تي 95" قد نُسخ مباشرة في الدبابة "تي 14 أرماتا"، إلا أنه كان يحظى بعدد من القاذفات ذات "الاعتراض والتصدي المباشر" (Hard-kill) مخزنة في الجزء السفلي من البرج.
كما حظيت الدبابة "تي 95" بأنظمة "الاعتراض والتصدي غير المباشر" (Soft-Kill)، وإن كانت إمكاناتها غير معروفة على وجه الدقة. أما نظام الدروع التفاعلية المتفجرة في نموذج الدبابة الروسية تي 95، فكان النسخة المبكرة من دروع "ريليكت" الثقيلة التي طورت في النسخة الثانية من نظام التدريع "كونتاكت 5". وفي حين أن دروع ريلكت قد أصبحت شائعة الآن في كثير من الدبابات الروسية الحديثة فقد طُوِّر في الأصل للاستخدام في الدبابة "تي 95".
برج أطول
زاد طول البرج أيضاً في الدبابة "تي 95″، وهو ما يتيح الحصول على انخفاض أكبر في المدفع وتزايد في نطاق الارتفاع.
كان السوفييت يميلون تقليدياً إلى التضحية بقوة الضغط في المدفع للحصول على مزيد من أنظمة السلاح متحدة المحور المثبتة بجانب المدفع الرئيسي، لكن التغيير في الدبابة الروسية "تي 95" دلَّ على أن المصممين ربما خلصوا إلى تبني فلسفة إخفاء "الهيكل السفلي" الغربية.
مدفع عملاق
من ناحية التسلح، اعتلى نموذج الدبابة "تي 95" المدفع 2A83 من عيار 152 ملم، (مقارنة بمدافع عيار 12 ملم في الدبابات الغربية) وهو مدفع ذو سبطانة ملساء، وأقل ما يقال عن إمكانيات المدفع هو أنها مثيرة للإعجاب، حسب المجلة الأمريكية.
إذ تبلغ سرعة انطلاق القذيفة من الفوهة ما يقارب 2000 متر في الثانية للذخيرة من نوع القذائف الخارقة للدروع. ويمكن تزويده بذخيرة مدافع هاوتزر من عيار 152 ملم، ما يتيح للدبابة إطلاق جميع أنواع قذائف المدفعية، وحتى القذائف النووية المحتملة. كما خضعت الصواريخ الموجهة المصممة خصيصاً للدبابة لتعديلات تتيح لها الوصول إلى مسافات أبعد من نطاقها العادي.
علاوة على ذلك، زاد التسلح المحوري للدبابة "تي 95″، ففي حين أن معظم الدبابات تلجأ إلى مدفع رشاش من عيار 7.62 ملم أو 12,7 ملم كسلاح ثانوي لها، فقد زُوِّدت الدبابة "تي 95" بمدفع 2A42 عيار 30 ملم. ويعد المدفع الآلي للدبابة "تي 95" أحد أكبر المدافع ذات التثبيت المحوري ولها نطاق صغير من الحركة المستقلة.
قدرة عالية على الرصد والتصويب
حازت الدبابة الروسية تي 95 على المناظير الحرارية والبصرية المعتادة ذات المستويات العالية من التكبير، لكنها تميزت برادار أسفل الماسورة مباشرة. وهو يمكن استخدام هذا الرادار في المواقف التي تكون فيها ساحة الاشتباكات مليئة بالدخان الذي يشوش المشاهدة البصرية والحرارية.
وفي حين أنه من المتوقع أن تحوز الدبابة "تي 14" الرؤية الرادارية، لكن لا يبدو أنها ستحظى بمنظار راداري مخصص للمدفع مثل "تي 95".
حظيت الدبابة الروسية تي 95 أيضاً بـ"منظار بانورامي" لقائدها مع تصوير حراري، كان القائد يبحث عن أهداف باستخدام منظاره بينما يتولى مسؤول المدفع عملية التصويب وإطلاق النار. هذا يتيح مهاجمة الأهداف بشكل أسرع.
قيل أيضاً إن الدبابة "تي 95" لديها شبكة من الإمكانات الكبيرة للاشتباك في ساحة المعارك والاستفادة من نطاق المدفع عيار 152 ملم. وقد صُممت الدبابة لتكون قادرة على الاشتباك مع الأهداف التي ترصدها طائرات بدون طيار أو أي وحدات أخرى في الأفق.
كانت T-95 أكبر بكثير من دبابات MBT الروسية السابقة، من حيث الأبعاد والوزن، فقد اقتربت من الدبابات الغربية الحديثة، مثل Challenger 2 البريطانية، وLeopard 2A7 الألمانية وM1A2 Abrams الأمريكية.
لماذا تم إلغاء هذا المشروع لصالح الدبابة "تي 14″؟
في مايو/أيار 2010، أعلن نائب وزير الدفاع الروسي فلاديمير بوبوفكين، أنه سيتم إلغاء عدد من برامج تطوير أسلحة جديدة، الضحية الرئيسية هي برنامج Object 195، كان السبب المقدم لذلك هو حقيقة أن T-95 قد عفى عليه الزمن بالفعل، حيث كان قيد التطوير منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، لكن بعض المصادر تكهنت أن الأمر له علاقة أكبر بالتخفيض في الميزانية العسكرية الروسية.
يبدو للوهلة الأولى أن نموذج الدبابة الروسية "تي 95" كان أقوى بكثير من الدبابة "تي 14″، التي خلفتها، فالأخيرة تمتلك تسليحاً أساسياً ومحورياً أقل قوة، ولديها أنظمة رؤية أقل، ومستوى التدريع نفسه.
ومع ذلك، فقد تقدمت التكنولوجيا بشكل كبير منذ إلغاء مشروع T-95 في عام 2010.
وفي المقابل، يقال إن T-14 تتميز بقدرات تشويش واسعة النطاق ضد صواريخ العدو، كما أنها تحظى بمنظومة رادار يتفوق بكثير على رادار "شورتا 2" المركَّب على الدبابة "تي 95″، مع رقائق التشويش وصرف الصواريخ الموجهة إلى الدبابة.