لا تزال مخاوف اللاجئين السوريين المقيمين في الأردن تنصبّ على العودة إلى بلادهم، خاصةً في ظل التطبيع المتسارع في العلاقات بين عمان والنظام السوري، وما نتج عنه من إعادة لفتح معبر "جابر- نصيب" الحدودي بين البلدين، أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، والاتصال النادر الذي أجري بين العاهل الأردني عبد الله الثاني ورئيس النظام بشار الأسد مؤخراً.
اللاجئون السوريون على طاولة الاجتماعات بين عمّان ودمشق
ورغم التطمينات التي يُطلقها النظام السوري حول عودة اللاجئين بين الفينة والأخرى، فإن التشاؤم لا يزال يسيطر على اللاجئين، وسط قلق من مصير مجهول ينتظرهم، كالبطش أو الاختطاف أو التعذيب بعد العودة.
من جانبها، تسعى عمان جاهدة بأن تزيل حملاً ثقيلاً فاقم من ضغوطاتها الاقتصادية والأمنية، بعد استضافتها لنحو 1.3 مليون سوري، استقبلتهم خلال سنوات الأزمة من جارتها الشمالية بحكم القرب الجغرافي.
وفتح التحسن في مستوى العلاقات بين الجانبين خلال الأشهر القليلة الماضية -بعد سنوات من الجفاء السياسي- باب الحديث عن عودة مرتقبة للاجئين السوريين إلى بلادهم قسراً، وسط اجتماعات رفيعة المستوى بين الجانبين، تناولت التنسيق الأمني، وهو ما يضع بطبيعة الحال محور اللاجئين على قائمته.
ما الذي يخشاه اللاجئون السوريون في الأردن؟
من جهته، يقول خالد النواصرة، مدير عام جمعية التكافل الخيرية (تتبع لوزارة التنمية الاجتماعية الأردنية)، التي تُعنى بشؤون اللاجئين السوريين في شمال الأردن، لوكالة الأناضول، إنه "من خلال استطلاع آراء بعض اللاجئين تبيّن أن العودة محفوفة بالمخاطر، وخاصة لفئة الشباب بين 18 و35 عاماً، بسبب الخدمة الإجبارية (التجنيد)، وإرسالهم إلى مناطق ساخنة، وربما الانتقام والتصفية وإلصاق التهمة".
وأشار إلى أن هؤلاء "لا يجدون علاقة للأمن والأمان بفتح المعبر أو إغلاقه بين الأردن وسوريا، فالقضية داخلية تتعلق بسلوك النظام السوري، وما زالت حالات الاغتيال مجهولة الفاعل، والخطف والتعذيب عندهم، وما زال مصير آلاف السجناء مجهولاً لا يُعلم مماتهم من حياتهم".
وأضاف النواصرة: "اللاجئون يرون أنه من الممكن أن تستفيد فئة محددة من فتح المعبر، وربما يفشل بسبب عدم المعاملة بالمثل في الدخول لكلا البلدين، والتهريب لمواد مسكرة ومخربة إلى الأردن يشكل هاجساً للحكومة الأردنية، وخاصة من ميليشيات محسوبة على إيران".
وأردف: "لا توجد أي رغبة لدى اللاجئين في العودة إلى سوريا، والملاحظ أن الرغبة أكبر في الهجرة من الأردن إلى دول العالم الغربي، خوفاً من الخدمة الإلزامية لفئة الشباب حتى عمر 35 عاماً، والاحتياط حتى سن 40، وخوفاً من الملاحقة الأمنية بتهم غريبة، منها المشاركة بأعمال إغاثية للداخل والمخيمات، فضلاً عن الفقر المدقع وندرة العمل والغلاء الفاحش وعدم توفر الكهرباء والمواد النفطية".
ولفت النواصرة إلى أن "اللاجئين يخشون من استمرار دوامة العنف وارتباطها بشكل وثيق مع وجود النظام السوري والميليشيات الدخيلة، فكل فرع أمني يشكل دولة داخل الدولة ولا يوجد تنسيق بينهم". وتابع: "إلى الآن لم يحصل أي تغيير حقيقي في سوريا، والوضع الأمني والاقتصادي مترديان، والبيوت المهدمة ما زالت ركاماً".
وزاد: "كثير من اللاجئين حريصون على المشاركة في إعادة البناء والنماء إذا توفرت أسباب الاستقرار الأمني والمعيشي، وهذا غير متحقق في هذه الفترة على حد قولهم". ووفق النواصرة، فإن "وضع اللاجئين السوريين في العالم وليس في الأردن فقط تابع لقرار دولي بإيجاد حل نهائي لهذا الملف، وهو لا شك قرار سياسي".
"لا عودة قبل إيجاد حل سياسي"
من جهته، توقع فواز المومني، الخبير في شؤون الهجرات القسرية أن تطبيع العلاقات "سيركز على الجانب الاقتصادي لتحسين الأوضاع الاقتصادية في الأردن بشكل رئيسي".
ورأى المومني في حديث للأناضول، أن "الأزمة السورية ستمتد إلى 10 سنوات تقريباً، فالبنى التحتية منهكة والأوضاع المعيشية والأمنية سيئة جداً". وقال: "لهذا فإن الأغلبية من اللاجئين السوريين في الأردن غير راغبين في العودة إلى بلادهم".
وأضاف: "هناك جهات دولية وإقليمية هي التي ستحدد ملامح السيناريوهات في سوريا، مثل إيران وميليشياتها وأذرعها في العراق ولبنان، وكذلك الحال بالنسبة لروسيا والولايات المتحدة الأمريكية".
ورأى المومني أن الأردن "ملتزم بالعودة الطوعية للاجئين السوريين، ولكن ذلك لن يتم ما لم يكن هناك حل سياسي دولي، يضمن العودة الآمنة". وأشار إلى أن الأردن "يحترم القوانين الدولية، لذلك لن يقدم على إرغام اللاجئين على العودة القسرية، لأنه سيواجه عقوبات دولية، وهو لن يلجأ إلى هذا الخيار".
ونوه المومني إلى أن تطبيع علاقات الأردن والنظام السوري "سيؤدي بالتأكيد إلى تفاهمات وتنسيق أمني، ولكن هذا لا يعني العودة القسرية للاجئين".
قرار العودة إلى سوريا طوعي حتى الآن
بدوره، أوضح محمد الحواري، متحدث مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أنه "منذ إعادة فتح معبر جابر- نصيب الحدودي السوري الأردني، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، عاد 41 ألفاً و500 لاجئ مسجل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن إلى ديارهم".
وأضاف الحواري في حديثه للأناضول: "في عام 2021 عاد 5 آلاف لاجئ"، مشدداً بأنه "لا يزال قرار العودة إلى سوريا قراراً طوعياً يتخذه اللاجئون أنفسهم".
وأشار إلى أنه "مع إعادة فتح الحدود بعد وباء كورونا لم تلاحظ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن أي تغيير في أعداد اللاجئين العائدين إلى بلادهم".
ويرتبط الأردن وسوريا بمعبرين حدوديين رئيسيين، هما "الرمثا" و"جابر" الأردنيان، اللذان يقابلهما "الجمرك القديم" و"نصيب" على الترتيب من الجانب السوري.
وأظهرت الأرقام الأخيرة التي نشرتها مفوضية شؤون اللاجئين على موقعها، في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، بأن أعداد اللاجئين السوريين في المملكة المدرجين في سجلاتها هو 670 ألفاً و364.
لكن عمان تُعلن باستمرار عن استضافتها نحو 1.3 مليون سوري، وهو العدد الإجمالي لمن يحملون صفة "لاجئ"، إضافة لمن دخلوا الأردن قبل بدء الثورة في بلادهم بحكم النسب والمصاهرة والمتاجرة.
ويعد الأردن من أكثر الدول تأثراً بما تشهده سوريا، بسبب ارتباط الدولتين بحدود جغرافية تصل إلى 375 كيلومتراً.
ويرى مراقبون أن سرعة تطبيع العلاقات بين الجانبين، التي تمثلت بزيارات واتصالات رفيعة، أبرزها اتصال رئيس النظام بشار الأسد مع الملك عبد الله الثاني، أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي، هي معطيات تؤشر إلى أن عمان تسعى بالوسائل كافة وعبر منظومة العلاقات الدولية وارتباطاتها مع واشنطن وموسكو، إلى إنهاء أزمة أثقلت كاهلها سياسياً واقتصادياً وأمنياً.