كلٌّ منا يُؤمن بنظرية مؤامرة واحدة على الأقل، وهذه حقيقة بعض الشيء، وفقاً لدراسات علمية جادلت بأن هذا التفكير يمتد من النظريات المرتبطة بشبكات الجيل الخامس وصولاً إلى القناعة بأن حكم المباراة متحاملٌ على فريقك فعلياً. ولكن ماذا عن هواتفنا الذكية؟ إذ نشعر أنّها تتنصت على أحاديثنا بطريقةٍ ما. وإلا كيف تفسر إعلانات المنتجات التي تظهر أمام أي أحد منا لمجرد حديثه عنها؟
هل تتنصت هواتفنا علينا؟
يقتنع كثير من الناس بأن هواتفهم تتنصت على أحاديثهم، لاستهدافهم بما يناسبهم من الإعلانات، وحول ذلك يقول ماريانو ديلي سانتي، مسؤول القانون والسياسة في جمعية Open Rights Group الحقوقية للدفاع عن حماية البيانات في بريطانيا، إن شهدنا بعض الحالات الهامشية لتطبيقات تفتح ميكروفون الهاتف وتبدأ في الاستماع لحديثك، لكن الفكرة تكمُن في أنّ المعلنين ليسوا بحاجة إلى الاستماع لك حتى يعرفوا كل شيءٍ عنك.
وحول شعور البعض بأن هذه الأجهزة تتنصت على من حولها أيضاً، كأن تصلك إعلانات لمادة تمنع التسرب في البلاط دون أن تعرف السبب، حتى تكتشف أن شريكك في المنزل يبحث عن هذا المنتج منذ فترة، يقول سانتي في حديثه لصحيفة The Guardian البريطانية، إن هذا ما يطلق عليه اسم: "الإعلان السلوكي"، حيث يتم بناء ملف شخصي عنك بمرور الوقت، بناءً على نشاطك على الإنترنت.
وتستطيع الشركات المزايدة على تلك المعلومات من أجل استهدافك بإعلاناتها. وهذا يشمل البيانات التي تربطك مع شريكك، مثل الموقع الجغرافي، أو حتى اختياركما لنفس عنوان التوصيل عند التسوق عبر الإنترنت. وكانت جماعة Open Rights Group قد تقدمت بشكوى إلى مفوّض المعلومات في بريطانيا، لأنه لا يحق لأحد تسجيل أنشطتك دون موافقتك.
هل نحن أمام أكبر انتهاك لأسرارنا وخصوصيتنا كمستخدمين؟
يقول سانتي حول تسلل الإعلانات إلينا، إن الأمور تسير بالطريقة التالية: هناك صناعاتٌ كاملة تبني نفسها على أساس حصد أكبر قدر ممكن من البيانات عنا، وقد صار الإفلات منها أكثر صعوبة.
وبسؤاله عن الشركات التي تفعل ذلك، قال سانتي إن فيسبوك وجوجل من أهم تلك الشركات، إذ تم اتهامهما برفع أسعار الإعلانات، فضلاً عن قضية الاحتكار المرفوعة ضدهما داخل الولايات المتحدة، لكن منظومة الإعلانات على الإنترنت تقوم في الأساس على آلاف الوسطاء، وهي شركات تجمع البيانات وتقوم بتداولها، وهو ما يُضخّم التكلفة في المعتاد.
وهذا أمرٌ مثير للقلق وخطير لدى كثير من الناس، يوضح سانتي أنّ هناك تقريراً صدر مؤخراً من مؤسسة Panoptykon Foundation، الداعية لحرية الإنترنت، حول الكيفية التي يستغل بها المعلنون على فيسبوك الصدمات النفسية للمستخدمين.
يقول سانتي: لننظر إلى عملية الحَمْل مثلاً، فهو حدثٌ مربح للمعلنين، بسبب حاجة الأم لشراء الكثير من الأشياء، ولكن تخيّلوا لو أن إحدى الأمهات أُجهض حملها مؤخراً ولم تخبر أحداً، ومع ذلك توقفت إعلانات الحمل. نحن هنا أمام مشكلة استبعاد، مثل اختيار خوارزمية فيسبوك عدم إظهار بعض إعلانات التوظيف لمجموعات بعينها من المستخدمين، وذلك لقناعة الخوارزمية بأنّ إعلانات تلك الوظائف ليس ذات صلة بهم، كما هو الحال مع ظهور محتوى سياسي أقل على حسابات النساء، لأنّ الخوارزمية تعتقد أن المرأة لا تحب السياسة.
تتبع البيانات عبر الكاميرا والميكروفون
وكانت كلية علوم الكمبيوتر في جامعة نورث إيسترن قررت إجراء دراسة للتقصي حول هذه النظرية، قبل نحو عامين، حيث أجريت تجربة على أكثر من 17000 تطبيق أندرويد، لدراسة ما إذا كانت هذه التطبيقات تستخدم هواتف الجوالات لتسجيل الأصوات، وركزت هذه الدراسة على تطبيقات متصلة بفيسبوك، وحوالي 8000 تطبيق ترسل معلومات لفيسبوك.
وبحسب موقع "gizmodo" الأمريكي، فإن الدراسة لم تتوصل إلى أي دليل بأن هذه التطبيقات تستطيع أن تشغل مسجل الصوت، أو أن ترسل تسجيلات عندما لا تكون خاصية السماح بهذه العملية مفعلة.
ولمهنيتهم العالية، رفض العلماء الذين عملوا على هذه الدراسة أن يصرحوا بأن دراستهم توصلت إلى أن الهواتف لا تتنصت على المحادثات، لكنهم أكدوا أنه لا دليل لديهم على أن هذه العملية لا تتم، لكنهم في المقابل توصلوا إلى نتيجة أخرى، فالهواتف تلتقط صوراً لشاشاتها وترسلها إلى أطراف أخرى.
من بين كل هذه التطبيقات التي أخضعوها للدراسة، أكثر من 9000 لديها الإذن لدخول الكاميرا، ومكبر الصوت، وهكذا فإن احتمالية سماع محادثات صاحب الهاتف حول احتياجاته أو رغباته عالية، وباستخدام 10 هواتف أندرويد، استخدم الباحثون برامج مختلفة للتفاعل مع هذه التطبيقات وتحليلها، حيث حاولوا متابعة حركة الملفات التي أرسلت، وتحديداً عندما كانت تُرسل إلى أطراف غير متوقعة.
الشيء الغريب الذي لاحظوه بأن صوراً للشاشات وفيديوهات حول ما يفعله الناس بالتطبيقات كانت تحفظ وترسل لأطراف أخرى، مثلاً عندما كان أحد هذه الأجهزة يستخدم تطبيق GoPuff الخاص بوجبات التوصيل، للناس الذين يتناولون الوجبات السريعة، فإن هذه التطبيقات تتفاعل وتبدأ بتسجيل معلومات تحليلية للشركة، من ضمنها فيديو يحتوي على صور للشاشة، حيث يتم إدخال المعلومات الشخصية للمستخدم.
هذه لم تكن مفاجأة، فموقع التطبيقات Appsee يعلن عن إمكانيته تسجيل ما يقوم به المستخدمون على مواقعه، لكن ما أثار الباحثين هو عدم وضوح هذا للمستخدم، وهو ما لم يكن مذكوراً في سياسة الخصوصية الخاصة بالتطبيق السابق، وبعد أن تواصل الباحثون مع القائمين على التطبيق، تم إضافة هذا البند إلى صفحته.
وبكلمات أخرى، فإن لم يتخذ مصنعو الهواتف خطوة لإبلاغ المستخدمين عن وجود أطراف تسجل هذه المعلومات، فعليك أن تحتاط. ولم يقدم الباحثون نتائج حاسمة كون دراستهم لم تتطرق إلى كل السيناريوهات، التي تخص الأطراف الثالثة، فهواتفهم كانت خاضعة لبرنامج آلي، وليس من خلال أناس عاديين، كما كانت الهواتف ضمن بيئة مسيطر عليها تماماً، لذا كان من الصعب التلاعب بها.
خلال الأشهر الأولى للدراسة، وُضعت أجهزة الجوال بالقرب من الطلاب في المختبرات، في أجواء محادثة عادية، ونسي الباحثون أن يدرسوا إمكانية تسجيل الهواتف لمحادثاتهم الصوتية وتحويلها إلى رسائل نصية وإرسالها لأطراف أخرى.
ديفيد تشوفنيس، أحد القائمين على الدراسة، قال: "ما لا يفهمه الناس أن هنالك عمليات تتبع كثيرة في حياتنا اليومية، غير كاميرات الهاتف أو سماعته، وهي أيضاً تقدم معلومات لطرف ثالث عن أمور تخصنا".