"مليون فرصة عمل، وقرض للشباب قدره 11 ألف دولار"، كانت هذه أبرز محتويات برنامج الحكومة المغربية الجديدة الاقتصادي، الذي جاء طموحاً لدرجة لافتة، ولكنه قوبل بالتشكيك من قِبل المعارضة وبعض الخبراء، فإلى أي مدى تستطيع حكومة عزيز أخنوش تنفيذ هذا البرنامج.
ففي 11 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، استعرض رئيس الحكومة المغربية الجديدة عزيز أخنوش، برنامج حكومته للنقاش، في أول ظهور له أمام البرلمان عقب تعيينه.
وضمّت التشكيلة الحكومية وجوها جديدة، جلهم من التكنوقراط، والفريق الحكومي الجديد مكون من 24 وزيراً، بينهم 7 نساء، بالإضافة إلى رئيس الحكومة، وتشكّلت الحكومة من حزبي التجمع الوطني للأحرار الذي يتزعمه أخنوش والأصالة المعاصرة، وكلاهما يعتبر مقرباً من القصر، ويصنف ضمن الصف الليبرالي، وحزب الاستقلال الذي يُصنف ضمن وسط اليمين، إضافة إلى الوزارات السيادية التي تتولاها شخصيات غير منتمية لأحزاب أو ما يُعرف بوزراء التكنوقراط الذين يعينهم الملك محمد السادس مباشرة.
10 التزامات كبرى لبرنامج الحكومة المغربية الجديدة
قال أخنوش في كلمته أمام أعضاء البرلمان بغرفتيه (النواب والمستشارين)، إن حكومته حددت 10 التزامات كبرى تفعيلاً لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتيسيراً لتتبع وتقييم الحصيلة الحكومية.
وبحسب "أخنوش"، فإن أبرز هذه الالتزامات تتمثل في توفير مليون فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة.
وبعد يومين على تقديم البرنامج الحكومي، نالت حكومة أخنوش ثقة البرلمان، في 13 أكتوبر/تشرين الأول، وذلك بالأغلبية المطلقة.
وانتقدت المعارضة البرلمانية في مجلس النواب البرنامج الحكومي الذي قدّمه عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، أمام البرلمان بغرفتيه، طبقاً لأحكام الفصل 88 من الدستور.
واعتبر عدد من قادة فرق المعارضة في مجلس النواب، أن ما قدمه رئيس الحكومة مجرد "إعلان نوايا" لا يرقى إلى برنامج حكومي.
ويتساءل المتتبّعون للشأن السياسي والاقتصادي في المغرب، عن التأثير المتوقع لبرنامج حكومة "أخنوش" على انتعاش الاقتصاد المحلي.
وكان حزب التجمع الوطني للأحرار، المصنف ليبراليا، والمقرب للقصر، قد شارك في حكومتي حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية على مدار عشر سنوات، وأدار فيها وزارات أساسية مثل الزراعة، التي يتولاها رئيسه عزيز أخنوش منذ 2007.
وترث حكومة أخنوش وضعاً اقتصادياً للبلاد أفضل نسبياً من معظم الدول العربية، وأفضل مما كان عليه الحال قبل قيادة حزب العدالة للحكومة قبل عشر سنوات.
فرغم الحملة التي وُجهت لحزب العدالة بسبب أدائه الخدمي والاقتصادي، فإن الواقع أن المغرب في ظل حكم حزب العدالة لديه واحد من أفضل التجارب الاقتصادية في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على الإطلاق.
وتأثر الاقتصاد بشكل كبير جراء جائحة كورونا، ولكن هناك توقعات من مؤسسات دولية بأن الاقتصاد المغربي سوف يتخطى هذه التداعيات بسرعة.
ولا يقتصر الأمر على مؤشرات عامة لنمو الاقتصاد، ولكن الواقع أن المغرب حقق خلال السنوات الماضية تطوراً نوعياً في مجالات الطاقة والصناعة، حتى إن الرباط أصبحت من أهم الدول المصنعة للسيارات، وباتت لديها قدرة تصنيع تبلغ 600 ألف سيارة في السنة، وتعد من مصنعي السيارات الكبار في العالم، حسب وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي المغربي، مولاي حفيظ العلمي.
ورغم ذلك فقد خلقت الجائحة تحديات اقتصادية كبيرة أمام المغرب، خاصة أنه يعتمد على السياحة بشكل كبير، كما أن البلاد تعاني فروقاً طبقية ومناطقية كبيرة.
وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة فريدريش إيبرت، ينتقد العديد من الشباب الفساد في قطاع الصحة، والذي يؤدي إلى تفاوت في معاملة المرضى، كما يتعرض قطاع التعليم للنقد أيضاً.
ويصف بعض الخبراء المغرب بـ"البلد المنقسم"، فمن ناحية يوجد عدد كبير للسكان في المدن، ومن ناحية أخرى لا يزال عدد المناطق المستفيدة من التنمية قليلاً، حيث يضطر الشباب في بعض المناطق الريفية إلى مشي خمس ساعات إلى المدرسة.
ولذا تسعى حكومة أخنوش إلى تقديم نفسها باعتبارها الحكومة التي ستنتشل فئة كبيرة من المغاربة من الفقر، وتقلل البطالة.
إجراءات فورية للتغلب على تداعيات كورونا
تواجه الحكومة الجديدة التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19، التي سببت العام 2020 ركوداً غير مسبوق منذ 24 عاماً، بمعدل 7% حسب أرقام رسمية، مع توقعات باستئناف النمو هذا العام بمعدل 4,6%.
حدد برنامج الحكومة المغربية الجديدة الذي نشره مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) في موقعه الإلكتروني، إجراءات فورية لإنعاش الاقتصاد الوطني، في أعقاب أزمة فيروس كورونا.
وتقول الحكومة الجديدة، إنها "تواجه الحالة الطارئة المتعلقة بأزمة كورونا، بتنفيذ سياسة وطنية للتحول الاقتصادي".
وتلتزم حكومة "أخنوش"، "ابتداء من 2022، باتخاذ "تدابير طارئة لإنعاش التشغيل".
وتشمل التدابير "برنامجاً لورش العمل العامة، وأخرى لدعم أولويات عمل الحكومة من أجل التشغيل، والمتمثلة في الرفع من إدماج الشباب والنساء في سوق الشغل".
وابتداء من العام المقبل، تلتزم الحكومة بإبرام عقود عمل مؤقتة، لمدة سنتين، لـ"لإدماج العاطلين عن العمل من خلال برامج مبتكرة".
وتقول الحكومة إن هذا البرنامج "سيمكن من خلق ما لا يقل عن 250 ألف فرصة عمل مباشرة في غضون سنتين".
كما ستقدم الحكومة ابتداء من 2022، برنامج "الفرصة" لدعم مبادرات الشباب الفردية، و"ستمنح قروضاً للشباب بقيمة 100 ألف درهم (11 ألف دولار)، تسدد على مدى 10 سنوات".
البرنامج الحكومي ذاته يلتزم بـ"إحداث إطار تنظيمي وضريبي يدعم المقاولات الناشئة، من خلال منح إمكانية التعامل بالعملة الأجنبية في حدود 500 ألف درهم (55 ألف دولار) سنوياً".
المشكلة في مصادر التمويل
وقال عمر الكتاني، الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي بجامعة محمد الخامس بالرباط (حكومية)، في تصريح للأناضول: "آمل فعلاً أن تتحقق الأرقام الاقتصادية، التي جاء بها البرنامج الحكومي، خصوصاً ونحن في فترة الأزمة المتعلقة بالجائحة".
واستدرك: "إلا أن هناك تساؤلات حول إمكانية تحقيق تلك الأرقام، والوعود التي تضمنها البرنامج الحكومي، من حيث التمويل أساساً".
وأضاف: "من الناحية الاستثمارية يُطرح السؤال حول وسائل التمويل التي ستوظف، من غير اللجوء إلى المديونية، هل هناك سياسة للتقشف تعتزم الحكومة اتباعها لتحقيق موارد مالية كفيلة بتنفيذ البرنامج الحكومي".
وتابع: "الاستثمارات المزمع تنفيذها، يفترض أن يتم تنفيذها في ظل ظروف الأزمة التي يعيشها المغرب وباقي دول العالم، والمرتبطة بالجائحة".
وتساءل عن مدى وجود سياسة لمقاومة حقيقية للفساد، لتوفير ميزانية تغطي كلفة تنفيذ البرنامج الحكومي".
وقال أمين السعيد، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية المغربية، إن "برنامج الحكومة المغربية الجديدة يراهن على معالجة التداعيات السلبية للجائحة، وتحقيق النمو الاقتصادي الذي يتضمن دعم المقاولات وتشجيع الاستثمار، لكن هذه التحديات ستصطدم بالقيود المالية الدولة في السنوات المقبلة، لأنه من الصعب تطبيق جميع محتويات البرنامج الحكومي والتجاوب مع كافة المطالب الشعبية".
ولفت السعيد إلى أن "القدرات المالية المحدودة للدولة يعكسها مشروع قانون المالية المقبل، وهو ما يجسد التخوف القائم بخصوص مدى قدرة الحكومة على الاستجابة لمطالب المواطنين"، معتبراً أن "التحدي الآخر يرتبط بالوقت الزمني المحدد لتنفيذ كل المشروعات؛ ولهذا يتساءل حول مدى استطاعة الحكومة تطبيق تلك المشاريع في ولاية واحدة".
تقليل الاستيراد وإعطاء الأولوية للصناعة المغربية
وتقول الحكومة إنها ستعمل من "أجل تقليص الاعتماد على الاستيراد، عبر تنفيذ سياسة طموحة تستعيض عن الواردات بالمنتجات المحلية".
وأوضح البرنامج الحكومي أن هذه السياسة تهدف إلى "تحقيق إنتاج محلي لما قيمته 34 مليار درهم (3.8 مليار دولار)، مع إمكانية خلق 100 ألف فرصة عمل".
وتعتبر الحكومة أن "تشجيع وسم (صنع في المغرب) سيكون هو المحرك للسياسة الاقتصادية، فيما يتصل بالمشتريات العمومية".
وستلجأ الحكومة إلى "فرض إلزام بتفضيل المنتج الوطني كلما كان ذلك ممكناً".
التركيز على المناطق الريفية
والتزم برنامج الحكومة المغربية الجديدة بخلق طبقة وسطى في الريف، من خلال استراتيجية "الجيل الأخضر".
وتطمح الحكومة إلى إدخال ما بين 350 إلى 400 ألف أسرة ريفية إلى الطبقة الوسطى.
وستتيح هذه الاستراتيجية، بحسب وثيقة البرنامج الحكومي، تثبيت مداخيل 690 ألف أسرة، إضافة إلى إبراز جيل جديد من المقاولين الفلاحين الشباب.
ورأى الكتاني أن "الطبقة الوسطى لا يمكن أن تحدث في وقت وجيز، لأن أول شرط لإحداثها أن تكون متعلمة".
وأضاف: "لا يمكن خلق الطبقة المتوسطة في فئة من الناس ترتفع لديهم نسبة الأمية"، مشيراً إلى "وجوب التأهيل والتدريب للرفع من الإنتاجية".
تطوير الصناعة
أكد البرنامج الحكومي، أن تطوير الصناعة "قد تمحور أساساً حول صناعات ثقيلة تتطلب استثماراً مهماً في اليد العاملة".
وأضاف: "الحكومة عازمة على مدى السنوات الخمس المقبلة، تغيير النموذج التنموي عبر تعزيز الاندماج المحلي لصناعات قائمة على استثمار مهم في رؤوس الأموال".
وتابع: "خطة الإنعاش المقترحة ستتيح خلق أكثر من 400 ألف فرصة شغل خلال الفترة الممتدة ما بين 2022 و2026".
وزاد: "إذا نظرنا إلى قطاع السيارات كأول قطاع مصدر في المغرب، نتوقع رفع معدل الاندماج من نسبة 60% حالياً إلى %80 بفضل الإنتاج المحلي لعشرات المنتجات الصناعية عوض استيرادها".
وسيتم "ضخ 21 مليار درهم (2.3 مليار دولار أمريكي) على مدى خمس سنوات، لدعم نمو المقاولات الصغيرة والمتوسطة وتحفيز الصادرات وخلق مناطق صناعية".
مليون فرصة عمل.. هل هو رقم واقعي؟
تعتزم حكومة أخنوش توفير مليون فرصة عمل في خمس سنوات، وفقاً لما ورد في برنامج الحكومة المغربية الجديدة.
ويرى الخبير الاقتصادي عمر الكتاني أنه "رقم واقعي"، لافتاً إلى أنه "في السنوات الماضية، تقدم نحو 250 ألف شخص للحصول على مناصب عمل، تستوعب منهم الدولة ما بين 150 و200 ألف".
وزاد: "تشغيل مليون شخص في ظرف 5 سنوات، في الظروف الحالية، يظل طموحاً واقعياً، لكن هذا التشغيل هل سيشمل القرى أيضاً، أعتقد أن المستفيد الأكبر من المجهود الذي ستبذله الحكومة هم سكان المناطق الحضرية".
لا تنمية بدون محاسبة وحريات
ويرى منتقدو الحكومة أن تحقيق تنمية فعالة في البلاد مرتبط بتدعيم المساءلة والمحاسبة والتقييم، وهذه الضوابط تقتضي سلسلة لا متناهية من الإصلاحات، منها تدعيم الحريات السياسية والفردية، وتعزيز دور وسائل الإعلام، والحق في الحصول على المعلومة، وتدعيم دور القضاء المستقل والنزيه، ووضع قوانين فعالة وعامة تطبق بشفافية وعلى الجميع دون استثناء.
وهذه الإصلاحات، حسب منتقدي الحكومة الحالية، لن تتحقق إلا بوجود حكومة معبرة عن إرادة الناس، حيث ينتقد البعض استمرار وزراء الحقائب الوزارية السيادية التي تقرر مصير ملايين المغاربة وتقودها شخصيات غير منتخبة.
ورداً على الانتقادات التي وُجهت لهيكلة الحكومة، التي خلت من قطاعات مثل حقوق الإنسان، قال أخنوش إن الحكومة تَعتبِر الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات "قضايا أفقية رئيسية ومشتركة بين عدد من القطاعات، ويحتاج النقاش فيها إلى روح جديدة وتناسق وتوافق ناجع".
وأوضح أخنوش أن من أولويات حكومته "تحصين الاختيار الديمقراطي، وتعزيز آلياته"، معتبراً أن المغرب قطع "أشواطاً مهمة في تعزيز الديمقراطية والإصلاحات السياسية"، وبات يتمتع اليوم "بمشروعية سياسية وتاريخية وثقافية مستمدة من الملكية المغربية ذات التاريخ العريق والوطنية الدائمة، والنفس الإصلاحي العميق والمبادرات الجريئة".
كما أشار إلى مواصلة الحكومة تكريس المبادرات، التي سبق أن اتخذها المغرب، سواء تعلق الأمر بالمصادقة على دستور 2011، أو إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، أو التغييرات التي عرفتها قانون الأسرة، وإقرار المفهوم الجديد للسلطة، والجهوية المتقدمة.
وأضاف أخنوش أن حكومته ستعمل على استثمار هذه المبادرات لتعزيز "بناء دولة الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية والمجالية".
المعارضة تقول إن بيان الحكومة إنشائي يخلو من الأرقام والجداول الزمنية
وقال النائب البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية محمد ملال، في تصريح لـ"هسبريس"، إن "رئيس الحكومة الجديدة ما زال رهناً لنشوة انتصار 8 سبتمبر/أيلول 2021، ويعتبر أن الانتخابات مرت في أحسن الظروف، لكن الأمر عكس ما يحاول تصويره".
وأشار ملال إلى أن "عرض رئيس الحكومة تضمن نوعاً من الإنشاء والتكرار والإغراق في العموميات"، منتقداً عدم تضمن البرنامج الحكومي التزامات أحزاب التحالف الثلاثي وخلوه من أرقام يمكن اختبارها على أرض الواقع.
هذا الشح في الأرقام، اعتبره المتحدث "محاولة للهروب إلى الأمام، خاصة أن رئيس الحكومة كرر الحديث عن تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد والتشغيل".
وأضاف النائب البرلماني المعارض أن رئيس الحكومة لم يقدم جديداً بخصوص برنامج الحماية الاجتماعية، الذي يعتبر برنامجاً ملكياً بدأ تطبيقه في عهد الحكومة السابقة، كما لم يتطرق إلى الآليات والكيفية التي يريد من خلالها إصلاح القضاء ومنظومة العدالة.
من جهته، لاحظ رشيد الحموني، رئيس فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، أن "تصريح رئيس الحكومة غابت عنه لغة الأرقام، ولم يتقيد بأجندة زمنية محددة، كما لم يعلن موقف الحكومة من قضايا كثيرة، من قبيل إصلاح صندوق التقاعد وصندوق المقاصة وإنقاذ قطاع السياحة، فضلاً عن عدم ذكره لأي رقم بخصوص تحسين قطاع الصحة".