إعلان رئيس المفوضية العليا للانتخابات الليبية، عماد السائح، فتح باب الترشح للرئاسيات والتشريعيات المقبلة، في النصف الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الداخل، بما يعني أن الأطراف الليبية بدعم أممي وغربي، حسمت أمرها لصالح الاعتراف بقوانين الانتخابات، وتهميش دور المجلس الأعلى للدولة، الذي رفض الاعتراف بشرعيتها.
لم تستجب المفوضية العليا للانتخابات لطلب المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) بوقف العمل بقوانين مجلس النواب في طبرق؛ نظراً لعدم احترامها مواد الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي.
ويشكك مجلس الدولة والعشرات من النواب وعدد من الأحزاب، في شرعية قوانين الانتخابات، لعدم تصويت النواب على قانون الانتخابات الرئاسية واعتماده مباشرة من رئاسة البرلمان، وعدم بلوغ النصاب القانوني (120 نائباً) بالنسبة لجلسة التصويت على قانون الانتخابات البرلمانية، ناهيك عن عدم التشاور مع مجلس الدولة، كما ينص عليها الاتفاق السياسي.
غير أن رئيس مفوضية الانتخابات الذي دخل بوقت سابق في صراع مع المجلس الأعلى للدولة، همّش تماماً دور الأخير، واعترف بقانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، رغم ما شابهما من خروقات دستورية وسياسية، بحسب عدة أطراف ليبية.
خريطة طريق غير مكتملة
لم يضع رئيس مفوضية الانتخابات، عماد السائح، خريطة طريقة مكتملة بتواريخ محددة، خاصة ما تعلق بإعلان قائمة المترشحين النهائية وبداية الحملة الانتخابية.
بالمقابل قدّم السائح، في ندوته الصحفية الأحد، ملامح خطة تنفيذ الانتخابات، التي تتضمن نشر قوائم الناخبين، الإثنين، وإتاحة الفرصة للطعن خلال 48 ساعة، قبل تسلم البطاقات.
بالموازاة مع ذلك، اقترح السائح على مجلس النواب تعديلات تقنية، بحيث تجرى الانتخابات البرلمانية بالتزامن مع الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، بينما تضمن قانون الانتخابات الذي أصدره مجلس نواب طبرق إجراء الانتخابات بعد 30 يوماً من اعتماد نتائج الانتخابات الرئاسية.
وحضر السائح جلسة لمجلس النواب، عقدت الإثنين، لمناقشة مقترحات تقدمت بها المفوضية بشأن قوانين الانتخابات.
وإن لم يصدر قرار نهائي بشأن هذه التعديلات التقنية، إلا أن مجلس النواب أعلن عمله على تسهيل عمل المفوضية العليا للانتخابات "وتذليل كل الصعوبات التي تعترض سير العملية الانتخابية"، وانعقاده الدائم إلى "حين إنجاز الاستحقاق الانتخابي".
ما يرجح إمكانية استجابة مجلس النواب لطلب مفوضية الانتخابات في ظل تفاهم غير معلن بينهما على تهميش أي دور للمجلس الأعلى للدولة.
ففي تصريح صحفي للسائح، حصر تنظيم العملية الانتخابية في: مجلس النواب (إصدار قوانين الانتخابات)، والمفوضية العليا للانتخابات (إعداد قوائم الناخبين والمرشحين وتنفيذ الانتخابات)، والمجلس الأعلى للقضاء (تشكيل لجان الطعن)، بالإضافة إلى وزارة الداخلية، التي توكل لها مهمة تأمين الانتخابات.
مجلس الدولة لم يبق له سوى القضاء
يبدو موقف المجلس الأعلى للدولة، برئاسة خالد المشري، هشاً، أمام سعي أطراف ليبية ودولية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية لتهميش دوره، وتحميله مسؤولية فشل ملتقى الحوار السياسي، في إعداد القاعدة الدستورية.
ويفترض أن مجلس الدولة يمثل المنطقة الغربية، مقابل مجلس نواب الذي يمثل المنطقة الشرقية.
وطبقاً للاتفاق السياسي، فإنه لا يمكن لمجلس النواب أن يصدر قانوناً دون استشارة المجلس الدولة.
ويجد مجلس الدولة، نفسه في موقف صعب إزاء محاولة تهميشه من تحالف يضم مجلس النواب ومفوضية الانتخابات، ودور مرتبك للبعثة الأممية، وإصرار واشنطن وحلفائها الأوروبيين على إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول، حتى وإن كانت معيبة.
وما يضعف موقف مجلس الدولة، أن القوى الفاعلة في المنطقة الغربية، لا تقدم الدعم الكافي له، بل فيهم من ينتقد التنازلات التي قدمها لمجلس النواب، خاصة ما تعلق بالمناصب السيادية.
وباستثناء تصريحات رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، التي حذر فيها من أنه سيحث المرشحين في الانتخابات "على عدم المشاركة، ما لم يكن هناك توافق بينهم على الإطار القانوني للتصويت"، فإن حكومة الوحدة الوطنية، ماضية في تنظيم الانتخابات، عبر تخصيص ميزانية للمفوضية، التي تنسق مع وزارة الداخلية بشأن تأمين الاقتراع.
إلا أن هناك شخصيات نافذة في المنطقة الغربية، بحجم فتحي باشاغا، وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق، وبدرجة أقل أحمد معيتيق، عضو المجلس الرئاسي السابق لحكومة الوفاق، أبديا رغبتهما في الترشح للرئاسيات، وعدم اعتراضهما على قوانين الانتخابات.
فباشاغا، الذي له ثقله السياسي وحتى العسكري، في المنطقة الغربية، خاصة وأنه ينحدر من مدينة مصراتة، دعم بشكل صريح خطة مفوضية الانتخابات، قائلاً في إحدى تدويناته: "جهود كبيرة تبذلها المفوضية العليا للانتخابات وفريقها لضمان تمكين الليبيين من يوم الاقتراع في 24 ديسمبر القادم، لانتخاب رئيس وبرلمان يمثلان الشعب وإرادته. كل الشكر والمساندة".
وسبق لباشاغا أن لعب دوراً حاسماً في تمكين حكومة الوفاق من دخول طرابلس في 2016، رغم اعتراض رئيس حكومة الإنقاذ حينها خليفة الغويل، ورئيس المؤتمر الوطني (البرلمان التأسيسي) نوري بوسهمين.
ونفس السيناريو يوشك أن يتحقق مع انتخابات 24 ديسمبر، خاصة وأن حزب العدالة والبناء (إسلامي) أكبر الداعمين للمجلس الأعلى للدولة، انقسم إلى حزبين، بعد تشكيل رئيس السابق محمد صوان، حزباً جديداً تحت اسم "الحزب الديمقراطي".
وفي غياب ضغط شعبي مؤازر له، لم يبق أمام المجلس الأعلى للدولة، سوى اللجوء للقضاء والطعن في دستورية قوانين الانتخابات، ما سيدخل البلاد في متاهة جديدة على غرار ما جرى في 2014، إذا ما ألغت المحكمة العليا قوانين الانتخابات.
وهذا ما أوضحه عبد القادر حويلي، عضو مجلس الدولة، بأنهم سيجؤون إلى القضاء "للطعن في قوانين مجلس النواب المخالفة".
وهذا السيناريو سيقودنا إلى انتخابات مطعون في شرعيتها، وقد يتم إلغاؤها أو أن أحد الأطراف لن يعترف بها، ما سيبقي على مجالس النواب والدولة والرئاسي والحكومة لفترة أطول، مع استمرار الأزمة بأشكال جديدة.
مرشحون محتملون
فقبيل أقل من 60 يوماً على موعد الانتخابات، برزت عدة أسماء مرشحة بقوة لرئاسة البلاد، أبرزهم ثلاثة: فتحي باشاغا، وخليفة حفتر قائد قوات الشرق، وسيف الإسلام القذافي نجل زعيم النظام السابق معمر القذافي.
وهناك اسم جديد قد يدخل سباق الانتخابات الرئاسي، وهو عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية.
ورغم أنه كان هناك توافق في ملتقى الحوار، على ألا يترشح أعضاء المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة، للانتخابات، فإن رئيس مفوضية الانتخابات أعلن أن الدبيبة بإمكانه الترشح للرئاسة.
وأوضح السائح أن "ديباجة قانون انتخاب الرئيس لم تتضمن نتائج ملتقى الحوار السياسي وشروط الترشح لم ترِد بخصوص من تولوا السلطة في اجتماع جنيف، ولهذا يحق لرئيس حكومة الوحدة الوطنية الحالي الترشح للرئاسة".
غير أن هناك ناشطين سياسيين تحدثوا عن إمكانية تعديل مادة في قانون الانتخابات الرئاسية تفرض على المترشح الاستقالة من منصبه (السياسي) قبيل 3 أشهر من موعد الاقتراع، على غرار ما هو معمول به مع العسكريين، ما سيمنع الدبيبة من الترشح.
وفي مؤشر قوي على ترشح حفتر، سلّم مهامه لقائد أركان قواته عبد الرزاق الناظوري، قبل 3 أشهر من موعد الانتخابات، حيث يتيح قانون الانتخابات الذي صمم على مقاسه، ودون عرضه لتصويت النواب، بالترشح للرئاسيات.
وفي حال فاز حفتر بالرئاسة فذلك سيوفر له حصانة ضد المتابعة القضائية في الولايات المتحدة بتهم جرائم حرب، لكن الأطراف التي حاربته طيلة أعوام في المنطقة الغربية من المرجح أنها سترفض الاعتراف به رئيساً للبلاد.
أما إذا انهزم حفتر، فسيعود لقيادة قواته، وعلى الأغلب لن يعترف بسلطة الرئيس الجديد، إلا شكلياً، ما يضع البلاد في أزمة جديدة، لكن الأخير سيكون موضوعاً تحت طائلة العقوبات الأمريكية.
بالنسبة لباشاغا، فسيواجه منافسة شرسة داخل مدينة مصراتة التي ينحدر منها، حيث من المحتمل أن يترشح منها معيتيق والدبيبة، وجميعهم لهم ثقل في المدينة، ما سيؤدي إلى تشتيت الأصوات في ثالث أكبر مدينة في ليبيا.
أما سيف الإسلام القذافي، فقبول ترشحه ليس محسوماً، خاصة وأنه صدر في حقه حكم غير نهائي بالإعدام، ناهيك أنه مطلوب لدى المحكمة الجنائية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
بينما لا يملك عارف النايض، السفير الليبي السابق لدى أبوظبي، حظوظاً كبيرة للفوز بالانتخابات الرئاسية، رغم أنه رجل أعمال معروف، ولديه حضور في الأوساط الصوفية في البلاد، ونشاط دولي في الخارج، كما أنه محسوب على معسكر حفتر.
أما عقيلة صالح، فيبدو متردداً للترشح للرئاسيات المقبلة، ومازال يجسّ نبض الأوساط الداخلية والخارجية التي من الممكن أن تدعم ترشحه.
غير أنه في ظل ترشح حفتر للرئاسيات، قد يتراجع صالح، إلا إذا كان الهدف أن يدعم أحدهما الآخر في الدور الثاني، وقد يفضل الأخير الترشح للانتخابات البرلمانية التي يملك فيها حظوظاً أكبر.