أثار إعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلغاء حالة الطوارئ في مصر تفاؤلاً حذراً في أوساط المعارضة المصرية والحقوقيين وحتى رواد مواقع التواصل الاجتماعي العاديين، ولكن القرار أثار تساؤلات حول كيف سينعكس على الحياة السياسية في البلاد، وحياة المواطن العادي وبالأخص وضع الأعداد الكبيرة من السجناء السياسيين في البلاد.
وبينما فرض حالة الطوارئ أمر موجود في العديد من البلاد في ظل الظروف الاستثنائية، فإن مصر شهدت تحديداً فرض حالة الطوارئ لفترات طويلة نسبياً خاصة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، إذ بدأ فرض القوانين العرفية في مصر قبل أكثر من مئة عام، وخلال هذه الفترة الطويلة كانت الأيام التي قضتها مصر في ظل سلطة هذه القوانين أكثر مما قضتها تحت مظلة القوانين الطبيعية.
ما هو قانون الطوارئ الذي ألغى السيسي تطبيقه؟
وفقاً لأحكام الدستور المصري فإن تطبيق حالة الطوارئ في البلاد يعني تطبيق القانون رقم 162 لسنة 1958 حيث يكون لرئيس الجمهورية أن يتخذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام.
يعطي قانون الطوارئ صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية والحكومة، حسبما ورد في تقرير لموقع صحيفة "المصري اليوم".
إذ يسمح باتخاذ إجراءات استثنائية بموجبه، من بينها وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والمرور في أماكن أو أوقات معينة، وإحالة المتهمين إلى محاكم أمن الدولة وحظر التجول في بعض المناطق ومراقبة الرسائل، أياً كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها، فضلاً عن تمكين السلطات الأمنية من فرض الأمن.
كذلك يمنح القانون الرئيس والحكومة صلاحية تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها، ومصادرة أي منقول أو عقار والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات، وإخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة.
كما يسمح لأجهزة الدولة أن تتخذ الإجراءات المناسبة بحظر كافة أشكال التجمع والتظاهر إذا ثبت وراء ذلك خطورة قد تمس الأمن الوطني أو تنال من استقرار البلاد أو أمن المواطنين.
ويمنح قانون الطوارئ للجهات الأمنية اتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب، وحفظ الأمن بجميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين.
ووفقاً للدستور أيضاً، فإن الحالات التي يتوجب الاستناد إليها لفرض الطوارئ، تشمل الحرب أو حالة تهدد بوقوع حرب، وحدوث اضطرابات داخلية أو كوارث عامة أو انتشار وباء، مما يعني تعرض الأمن العام في أراضي الجمهورية أو مناطق منها للخطر.
مصر.. تاريخ طويل من الأحكام العرفية وحالات الطوارئ
منذ عام 1914 أيام الاحتلال البريطاني، واشتراك بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، شهدت مصر فرض قوانين استثنائية توسّع صلاحيات السلطات الحاكمة وقتها للتصرف بما تراه مناسباً لفرض الأمن والنظام في البلاد، حيث فرض الاحتلال البريطاني الأحكام العرفية في مصر للمرة الأولى، وعيّن حاكماً عسكرياً للبلاد.
وتضمن دستور البلاد 1923 النص الأول الذي ينظم تلك الأحكام العرفية، حيث نصت المادة (45) من الدستور على أن يكون الملك هو من يعلن الأحكام العرفية، مع ضرورة عرضها فوراً على مجلس الأمة، ليقرر استمرارها أو إلغاءها.
وبين عامي 1939 و1943 أُعيد فرض الأحكام العرفية مجدداً في البلاد، وبقيت سنوات مفروضة نظراً إلى الظروف حينها، خلال الحرب العالمية الثانية، ثم فرضت مجدداً بعد دخول الجيش المصري في حرب فلسطين، وبقيت نحو سبع سنوات، الأمر ذاته تكرر في يناير/كانون الثاني 1952، عقب أحداث حريق القاهرة، قبل أشهر قليلة من ثورة يوليو/تموز 1952، بقيادة الضباط الأحرار واستمرت طوال السنوات الأولى من عمر الثورة.
بعد زوال الاحتلال البريطاني وخروج القوات العسكرية من مصر، ظهرت تسمية "حال الطوارئ" ذاتها جاءت للمرة الأولى مع العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، الذي شنته القوات البريطانية والإسرائيلية والفرنسية، عقاباً لمصر بعد تأميم قناة السويس التي كانت تديرها بريطانيا، حسبما ورد في تقرير لموقع "إندبندنت عربية".
وأصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، والذي ظل معمولاً به طوال 12 عاماً من حكمه، حسبما ورد في تقرير لموقع صحيفة "أخبار اليوم" المصرية.
مصر بلا حالة الطوارئ لمدة 18 شهراً فقط
وتم فرض حالة الطوارئ أثناء حرب 1967، حيث استمرت لمدة 13 عاماً، قبل أن يلغيها الرئيس أنور السادات قبل اغتياله، في عام 1980، ولكنها أعيدت إثر اغتياله في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1981 مما يعني أن مصر بقيت بلا حالة الطوارئ في مطلع الثمانينات لمدة لمدة 18 شهراً.
ولكنها ستدخل بعد ذلك في أطول حالة طوارئ مستمرة في تاريخها، حيث استمر العمل بها طوال فترة حكم خلفه الرئيس حسني مبارك على مدى 30 عاماً، وهو الأمر الذي استنكرته جهات حقوقية عدة آنذاك.
وكانت الطوارئ في عهد مبارك تجدد سنوياً، ولاحقاً حدد مجلس الشعب المصري تجديدها ثلاث سنوات حتى 2010، حين قرر البرلمان في مايو/أيار 2010 تجديدها عامين فقط.
وعلى الرغم من أن إلغاء الطوارئ كان من بين المطالب الرئيسة التي دعا إليها المحتجون في ميدان التحرير خلال ثورة يناير/كانون الثاني 2011، فإن فرضها عاد مجدداً بعد اقتحام "محتجين" مقر السفارة الإسرائيلية بالقاهرة في سبتمبر/أيلول من العام ذاته، وجرى تجديد العمل بها حتى مايو/أيار 2012 (أعلن حينها رسمياً إيقاف العمل بالطوارئ) في نهاية عهد المجلس العسكري الذي حكم البلاد إبان حكم مبارك.
وبينما لم تفرض حال الطوارئ على مدى عام حكم الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين (يونيو/حزيران 2012، يوليو/تموز 2013)، إلا في حالة واحدة شملت محافظات مدن قناة السويس بعد أحداث عنف شهدتها في ذكرى ثورة يناير/كانون الثاني عام 2013 لمدة شهر.
وعاد فرض قانون الطوارئ مع قمع مؤيدي مرسي عقب الإطاحة به.
وجاء أول فرض لها مجدداً في أغسطس/آب 2013 في أعقاب فض اعتصامي رابعة والنهضة في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، وبقيت شهراً أيضاً.
بعد تولي السيسي السلطة وبعد إقرار دستور 2014، نظمت مادته (154) إعلان حال الطوارئ في البلاد، استناداً إلى قانون الطوارئ رقم (162) الذي صدر عام 1958، إذ تخول لرئيس الجمهورية إعلانها بعد أخذ رأي مجلس الوزراء، مع إلزامه بعرضها لاحقاً، خلال مدة لا تجاوز سبعة أيام، على مجلس النواب وموافقة غالبية أعضاء المجلس لتمريرها.
كما نصت المادة على أن تعلن حال الطوارئ لمدة محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وألا تجدد إلا لمدة مماثلة بعد موافقة ثلثي عدد النواب، موضحة أن رئيس الجمهورية هو من يعلن حال الطوارئ، وهو من يعلن انتهاءها، كما ينتهي العمل بها إذا رفض البرلمان إقرارها.
وفرض السيسي حال الطوارئ في سيناء منذ نهاية 2014، واتسعت لتشمل كل أراضي الجمهورية منذ أبريل/نيسان 2017، وتحديداً بعد حادثة استهداف كنيستين بالإسكندرية وطنطا، أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، ومنذ ذلك الحين يجري تجديدها كل ثلاثة أشهر بموافقة مجلس النواب.
وبصفة عامة في عهد السيسي، فرضت حالة 9 مرات ومددت 8، لأن الدستور ينص على أنها تفرض كل ثلاثة أشهر، حسبما ورد في تقرير لموقع "مصراوي".
وكان آخر مرة فرض فيها حالة الطوارئ – في 25 أبريل/نيسان 2021، قد ربطت بالأوضاع الأمنية وكذلك الصحية مع تفاقم جائحة كورونا.
كيف سينعكس إلغاء حالة الطوارئ في مصر على أرض الواقع؟
ينتظر محامون وحقوقيون وأسر عدد من سجناء الرأي والحريات في مصر، خطوات إيجابية، في أعقاب إصدار الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، قرار إلغاء مد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد لأول مرة منذ سنوات، حسبما ورد في تقرير لموقع "العربي الجديد".
وقال المحامي والحقوقي اليساري والمرشح الرئاسي السابق خالد علي إنه وفقاً للمادة 19 من من قانون الطوارئ التي تنظم وضع القضايا حال إلغاء تطبيق حالة الطوارئ "فإن القضايا التى مازالت فى التحقيقات ولم تصدر النيابة قرار بإحالتها للمحاكمة، عندما تحال بداية من الغد تكون المحاكمة أمام القضاء العادي وليس أمن الدولة طوارئ.
أما القضايا التي صدر بشأنها قرارات حتى تاريخ اليوم بإحالتها للمحاكمة أمام الطوارئ تظل محاكم أمن الدولة طوارئ هي التي تنظرها، وينطبق عليها قانون الطوارئ رغم إنهاء حالة الطوارئ اليوم.
ونفس هذه القاعدة الأخيرة تنطبق على القضايا التى رفض الحاكم العسكري التصديق على الأحكام الصادرة فيها، وقرر إعادة محاكمتها أمام محاكم الطوارئ ووفقاً لإجراءات قانون الطوارئ.
وأشار إلى أن من هذه النصوص ما هو مطعون عليه أمام المحكمة الدستورية للفصل في مدى مخالفتها للدستور من عدمه.
وذكر المحامي الحقوقي المصري، طارق العوضي، في بث مباشر على صفحته في "فيسبوك"، مساء الإثنين، كلاماً مشابهاً في رده على أسئلة أسر السجناء السياسيين وأهاليهم.
وقال إنه لن يستفيد من القرار المحالون على محاكم أمن دولة عليا طوارئ أو جنح أمن دولة طوارئ أو الصادر ضدهم أحكام من محاكم أمن الدولة عليا طوارئ ما زالت في مرحلة التصديق أو رُفض التصديق عليها وإعادة المحاكمة.
وأضاف أنّ "هؤلاء سيخضعون للمحاكم الاستثنائية التي تصدر حكماً واحداً لا يقبل المعارضة أو الاستئناف أو النقض، ولا يلغيه إلا التظلم إلى الحاكم العسكري، وهو رئيس الجمهورية أو من يفوضه".
ومع ذلك، فقد أبدى العوضي تفاؤلاً بالطعن على أحكام أمن الدولة عليا طوارئ لاحقاً، ولا سيما أنّ قانون الإرهاب وقانون الطوارئ يشوب بعض موادهما شبهة عدم الدستورية.
كما أبدى العوضي تفاؤله بإعلان المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أنّ هناك قرارات أخرى ستتبع قرار إلغاء قانون الطوارئ.
أما النوع الثاني من السجناء السياسيين ممن سينتفعون من هذا القرار، فهم المحبوسون احتياطياً على ذمة قضايا دون أن يحالوا على المحاكمة أو المخلى سبيلهم على ذمة قضايا سياسية، بحسب العوضي لأنهم سيُحالون على المحاكم العادية الخاضعة لقانون الإجراءات الجنائية، وسيُطعَن في تلك الأحكام من خلال النقض وإعادة الإجراءات والمعارضة والاستئناف في ما يتعلق بالجنح.
من جهته، طالب أستاذ القانون والفقيه الدستوري المصري، نور فرحات، بإلحاق خطوة إلغاء الطوارئ "الضرورية والمهمة" في مصر، بخطوات لا تقل عنها ضرورة من أجل إعطائها "مضموناً حقيقياً بحماية الحريات العامة ومبدأ سيادة القانون العادل واستقلال القضاء، إذ ما زالت الترسانة التشريعية حافلة بنصوص مخالفة للدستور ولأحكام المحكمة الدستورية وللمواثيق الدولية لحقوق الإنسان".
وعلّق فرحات على قرار إلغاء الطوارئ بالقول، في منشور على صفحته في "فيسبوك"، مساء الإثنين، إنّه "لا بد من ضبط مواد التجريم في قانون الإرهاب والكيانات الإرهابية بحيث يمتنع تطبيقها على أصحاب الرأي المعارض، ويقتصر تطبيقها على الإرهابيين الحقيقيين الذين يرفعون السلاح أو يهددون، به وهو الأمر المتعارف عليه دولياً".
وقال أيضاً إنه "لا بد من مراجعة قانون الإجراءات الجنائية بالعودة بالحبس الاحتياطي إلى الضوابط المستقرة في القانون المقارن كإجراء تحفظي لا يجوز اللجوء إليه إلا استثناءً ولمدد قصيرة".
من جانبه، قال المحامي الحقوقي ناصر أمين: كل النصوص الاستثنائية التي تبيح القبض والتفتيش والحبس دون التقيد بقانون الإجراءات الواردة في قانون الطوارئ تم نقلها إلى قوانين أخرى ما زالت سارية ولا يتطلب تطبيقها إعلان حالة الطوارئ.
وقالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في بيان صحفي إن رفع حالة الطوارئ خطوة إيجابية تنتظر تفكيك البنية التشريعية القمعية وإطلاق عشرات الآلاف من السجناء السياسيين.
وقال خالد أبو بكر، المحامي بالنقض الذي ينظر له أنه مقرب من الحكومة في تصريحات تليفزيونية، إن قرار إلغاء حالة الطوارئ سيكون له مردود على البورصة، وستتحدث عنه وسائل الإعلام العالمية، التي لطالما هاجمت مصر، وسينعكس كذلك على زيارة مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء الحالية إلى العاصمة الفرنسية باريس.