تشهد المملكة المتحدة قمة الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي، وهو التجمع الذي وصفه رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون بأنه "نقطة تحول للبشرية"، فلماذا تعتبر الصين تحديداً عامل النجاح أو الفشل؟
والمقصود بمصطلح التغير المناخي هو التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية لكوكب الأرض. وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مسببة فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في نفس الأماكن، مما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه، والنتيجة باختصار هي نقص الغذاء.
وبعد أن أصبحت صور الفيضانات والحرائق تتصدر عناوين الصحف حول العالم، وفي ظل إصدار خبراء المناخ في الهيئة التابعة للأمم المتحدة توقعاتهم الجديدة بشأن مستقبل الكوكب، والتي مثلت "جرس إنذار للجميع"، اكتسبت قمة المناخ القادمة في غلاسكو أهمية مضاعفة.
لماذا الصين مهمة لهذه الدرجة؟
تناولت صحيفة The Times البريطانية قصة التجمع الأكبر الذي سيضم 25 ألف شخص من حول العالم في غلاسكو لحضور قمة الأمم المتحدة بشأن تغيُّر المناخ، قائلة إن الاتجاه الذي تسير إليه الإنسانية لن يتحدّد على يد الدبلوماسيين والمندوبين والناشطين، بل من قِبَلِ رجلٍ واحدٍ على الجانب الآخر من العالم.
والرجل الواحد هو الرئيس الصيني شي جين بينغ؛ إذ تُعَدُّ الصين إلى حدٍّ كبير أكبر منتجٍ للغازات المُسبِّبة للاحتباس الحراري في العالم، فهي تمثِّل 28% من الانبعاثات العالمية، مقارنةً بـ15% من الولايات المتحدة، و1% من المملكة المتحدة.
وقال بيت بيتس المفاوض السابق في مجال المناخ في المملكة المتحدة وكان له دورٌ فعَّال في صياغة اتفاق باريس للمناخ قبل ست سنوات، للصحيفة البريطانية: "الصين مهمة أكثر من أيِّ طرفٍ آخر في هذا المجال. وهو مهم بشكلٍ مُضاعَف لأنه في الوقت الذي تنخفض فيه انبعاثات الدول الأخرى، لا تزال انبعاثات الصين آخذة في الارتفاع".
لكن من المُتوقَّع أن يبقى الرئيس شي جين بينغ في بكين. وقد يكون غيابه حاسماً، إذ كان آخر مؤتمرٍ رئيسي للأمم المتحدة بشأن المناخ، في باريس عام 2015، قد نجح إلى حدٍّ كبير لأن الصين والولايات المتحدة اتفقتا على الأهداف مُسبَّقاً. بينما فشل مؤتمر كوبنهاغن عام 2009، ولا يزال يُلقَى باللوم في ذلك الفشل على تردُّد الصين في التوصُّل إلى اتفاق.
وبدون تعاون الصين، يعتقد العلماء أن الحدَّ من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية- أي النقطة التي يُعتَقَد أن تغيُّر المناخ بعدها يصبح خطيراً بشكلٍ متزايد- أمرٌ مُستبعَد للغاية.
وكان سيل الكوارث المناخية في أنحاء العالم، من الفيضانات في ألمانيا والصين إلى الحرائق الهائلة في أوروبا وأمريكا الشمالية مروراً بموجات القيظ في كندا، قد تسبب في تسريع قيام العلماء بالكشف عن التقييمات الجديدة والتوقعات المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة العالمية وارتفاع مستويات المحيطات وحتى اشتداد الظواهر المناخية القصوى.
الصين بلد المتناقضات
ومع ذلك تظل الصين بلد المتناقضات. ففي حين أن الفحم، وهو أقذر أشكال توليد الطاقة، يوفِّر 70% من الكهرباء في الصين، كانت الصين واحدةً من أولى الدول التي ترى إمكانات تصدير الطاقة المتجدِّدة، واستثمرت المليارات في الطاقة الكهرومائية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
ولدى الصين ثلث قدرة الخلايا الكهروضوئية في العالم، ونصف السيارات الكهربائية على الأرض. وستكون توربينات الرياح التي بنتها العام الماضي وحدها كافية لتزويد كلِّ منزلٍ في المملكة المتحدة بالطاقة ثلاث مرات. وفي يوليو/تموز، بدأت في بناء واحدة من أولى المحطات الرئيسية لاحتجاز الكربون وتخزينه في العالم، وتقول إنها ستكون جزءاً رئيسياً من طريق البلاد نحو مستقبلٍ خالٍ من الكربون.
يأخذ الساسة الصينيون تغيُّر المناخ على محمل الجد، ويرجع ذلك جزئياً إلى القلق المتزايد بشأن تلوُّث الهواء في المدن الصينية، وأيضاً بسبب تعرُّض سكَّانها للفيضانات والجفاف والطقس القاسي. ووافقت الصين مؤخَّراً على وقف تمويل الفحم في الخارج- وهو طلبٌ رئيسي لمؤتمر الأمم المتحدة لتغيُّر المناخ.
ومن الجدير بالذكر أنه في حين تتفوَّق انبعاثات الصين على انبعاثات الدول الأخرى، عند تصنيف نصيب الفرد في الصين تنخفض الصين إلى المرتبة 42 في جداول التلوُّث العالمي. وكلُّ فردٍ من السكَّان الصينيين مسؤولٌ عن متوسط 7.3 طن في السنة، أي نصف مثيله في الولايات المتحدة (ولكن أكثر بقليل مِمَّا في المملكة المتحدة).
هل تقدم الصين مفاجأة سارة للعالم؟
إذاً، ما مدى احتمالية أن تنزل الصين إلى الملعب الأسبوع المقبل؟ هل ستفاجئ العالم بالالتزام في اللحظة الأخيرة؟ بدت الأمور جيِّدةً في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.
فقد قال شي جين بينغ بشكلٍ غير مُتوقَّع إن الصين ستصل إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول العام 2060- وهي واحدةٌ من أوائل الاقتصادات الناشئة التي حدَّدَت مثل هذا الهدف الطموح. وحدَّدَت الصين أيضاً هدفاً مؤقَّتاً لانبعاثات الذروة لعام 2030. لكن الخبراء يأملون في تقديم موعد القمة في الوقت المناسب، ويُفضَّل أن يكون ذلك حتى عام 2025.
قال جون سوفين، المدير التنفيذي لمنظمة السلام الأخضر في المملكة المتحدة: "إذا لم تصل الصين إلى ذروة الانبعاثات قبل عام 2030، فلن نصل إلى خط النهاية. تحتاج الصين إلى خفض انبعاثات الكربون بسرعة إذا أرادت غلاسكو أن تأخذ مكانها إلى جانب باريس كقمةٍ أحدثت فرقاً حقيقياً في العالم".
ويضيف بوب وارد، مدير السياسات في معهد غرانثام لأبحاث تغيُّر المناخ في كلية لندن للاقتصاد: "إن تقديم موعد الذروة هذا إلى الأمام هو حقاً إما تحقيق لـ1.5 درجة مئوية أو كسر لها".
يصرُّ المفاوضون البريطانيون على أن الصين لا يزال بإمكانها الخروج بالتزامٍ جديدٍ وطموح، ربما في اجتماع مجموعة العشرين في روما الذي يبدأ السبت المقبل 30 أكتوبر/تشرين الأول. وقال أحد المسؤولين: "فاجأتنا الصين مراتٍ عديدة من قبل، ويمكنها أن تفعل ذلك مرةً أخرى". لا يزال البعض يأمل في أن يحضر شي جين بينغ في غلاسكو، لكن العديد من المواعيد لتقديم الطلبات النهائية قد انقضت وتتضاءل الآمال حالياً في الحصول على التزاماتٍ صينية مهمة.
يقول بيتس: "لا يمكنك التنمُّر على الصين، ولا تستطيع أن تخبر الصين بما يجب أن تفعله. ولكن الأمر يتعلَّق بما إذا كانت الصين قد توصَّلَت إلى استنتاجٍ مفاده أنها ستتعاون من أجل مصالحها الخاصة". وهذا، كما يقول، لا يتعلَّق بالاعتبارات الدولية بقدر ما يتعلَّق بالسياسة الصينية، وهذه هي العقبة الرئيسية.
في حين أن الصين متلزمةٌ بإزالة الكربون على المدى الطويل، فإنها تواجه على المدى القصير أزمة طاقة حادة. أعقب حالات انقطاع التيار الكهربائي وإغلاق المصانع في الأسابيع الأخيرة ارتفاعٌ في الطلب على الطاقة بسبب انتعاش الاقتصاد العالمي، إلى جانب الفيضانات الشديدة في مناطق إنتاج الفحم في مقاطعتيّ شانشي وخنان. ورداً على ذلك، أمرت الحكومة مناجم الفحم بزيادة الإنتاج.
فالصين تواجه تفاقماً في أزمة الطاقة بصورة غير مسبوقة؛ إذ تستعد المصانع الصينية وعملاؤها في جميع أنحاء العالم، لاضطرابات إمدادات الطاقة التي ستصبح جزءاً تقليدياً من الحياة، في ظل السعي الحثيث للرئيس شي جين بينغ، على دفع ثاني أكبر اقتصاد في العالم للتخلي عن الفحم.
لكن بعد شهور من نقص في إمدادات الطاقة أدى إلى قطع الكهرباء عن المنازل في شمال شرقي الصين وحتى عن المصانع في جميع أنحاء البلاد، لا يزال الطلب على الطاقة يرتفع وسط مستوى قياسي من الطلب على الصادرات الصينية، لكن المشاكل بصدد أن تتفاقم مع الانخفاض المحتمل لدرجات الحرارة في الشتاء.
كما تشدِّد إيزابيل هيلتون، مؤسِّسة "حوار الصين"، وهي منظمة تعزِّز فهم التحديات البيئية في الصين، على أن الوضع الدولي لم يساعد، بالأخص التدهور في العلاقات الصينية الأمريكية. وتقول: "ليس هذا وقتاً رائعاً للدبلوماسية الدولية"، مشيرةً إلى أن اتفاق باريس أصبح ممكناً لأن شي جين بينغ والرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما تمتَّعا بعلاقةٍ جيِّدة ودبَّرا الكثير من التفاصيل مُسبَّقاً"، قائلةً: "هذا بالتأكيد ليس عام 2015".
في المؤتمرات السابقة لتغيُّر المناخ، وضعت الصين نفسها كقائدةٍ للعالم النامي، وشكَّلَت تكتُّلاتٍ تفاوضية مع الدول الضعيفة والاقتصادات الناشئة، مثل البرازيل وجنوب إفريقيا. وهي أيضاً عضو في كتلةٍ تفاوضية مؤثِّرة، ومزعجة في كثيرٍ من الأحيان، تتضمَّن الهند وإندونيسيا ومصر والمملكة السعودية.