أعلنت كل من الهند وإسرائيل والإمارات وأمريكا من تل أبيب إنشاء منتدى اقتصادي رباعي جديد يركِّز على التجارة وتغيُّر المناخ والطاقة والأمن البحري، وهي القضايا التي أكَّدها الحوار الأمني الرباعي "الأكثر رسوخاً" بين أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، لكن الرباعيتين مختلفتان من نواحٍ أخرى. فما وراء انضمام الهند للرباعي الجديد الذي ينطلق من الشرق الأوسط، وما أهدافه؟
ما المنتدى الرباعي الجديد في الشرق الأوسط ولماذا انضمت الهند له؟
تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية، إن الرباعية الجديدة يمكن أن تخدم أهداف السياسة الخارجية للهند؛ إذ تمكِّن نيودلهي من توسيع دورها على المسرح العالمي، والانخراط بصورةٍ أعمق في الشرق الأوسط، وتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة.
ويبدو أن الرباعية الجديدة تنبع من التعاون سريع التنامي بين الدول الأعضاء فيها كالإمارات وإسرائيل. في العام الماضي، أسفرت اتفاقية التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب عن سلسلةٍ من الاتفاقات الجديدة التي تركِّز على الاستثمار والطاقة والرعاية الصحية.
وفي غضون ذلك، عزَّزَت الهند التي يحكمها الحزب الهندوسي اليميني بقيادة ناريندرا مودي، علاقاتها مع إسرائيل. وفي العام 2017، أصبح مودي أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل، وهي خطوةٌ مهمة نظراً لارتباط نيودلهي طويل الأمد بالقضية الفلسطينية. وأخيراً، استمرَّت العلاقات الأمريكية الهندية في التعمُّق.
وتعد الهند ثالث أكبر شريك تجاري آسيوي لـ"إسرائيل" منذ 2014، وعاشر أكبر شريك تجاري بشكل عام، حيث وصلت تجارتهما البينية إلى 5 مليارات دولار، مقارنة بـ200 مليون دولار فقط لدى استئناف علاقاتهما الدبلوماسية في 1992، وفقاً لسفارة الهند لدى دولة الاحتلال.
وتقول فوريس بوليسي إن انضمام الهند إلى المجموعة الرباعية الجديدة، يعكس في المقام الأول رغبتها في الاضطلاع بدورٍ أكبر على المسرح العالمي والردِّ على انتقادات المراقبين بأنها تضغط بصورةٍ أقل من ثقلها العام. ويوفِّر المنتدى الرباعي لنيودلهي فرصةً للاقتراب أكثر من الشركاء الرئيسيين دون المساس بسياساتها الخاصة بالاستقلالية الاستراتيجية- كما هو الحال مع الرباعية الأخرى، فإن هذا المنتدى عبارة عن تجمُّعٍ فضفاض وليس تحالفاً.
ترى نيودلهي أيضاً أن الشرق الأوسط مهمٌ من الناحية الإستراتيجية. وهي تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على وارداتها من الطاقة، ويعيش ما يقرب من 9 ملايين عامل هندي في منطقة الخليج. عزَّزَت الهند دبلوماسيتها مع العديد من الأطراف الإقليمية، بما في ذلك المملكة السعودية، لكن إسرائيل والإمارات كانتا هدفين رئيسيَّين منذ فترةٍ طويلة. وتوصَّلَت دراسةٌ استقصائية أُجرِيَت عام 2019، على المتخصِّصين في السياسة الخارجية والأمن الهنود، إلى أن البلدين كانا يُعتَبَران من أهم شركاء الهند في الشرق الأوسط.
حاجة الهند لإسرائيل والإمارات
تتمتَّع كلٌّ من إسرائيل والإمارات بمزايا يمكن أن تفيد الهند؛ إذ تُعتَبَر إسرائيل مورِّداً رئيسياً للأسلحة إلى الهند، ولديها أيضاً تقنياتٌ زراعية متطوِّرة يمكن أن تساعد في تعزيز إدارة المياه. وفي الوقت نفسه، يمكن للإمارات تزويد الهند بتمويل البنية التحتية الذي هي في أمسِّ الحاجة إليه. في العام 2015، أعلن البلدان عن صندوقٍ للبنية التحتية بقيمة 75 مليار دولار، ولكن 3 مليارات دولار فقط هي ما استُخدِمَت حتى الآن. ويمكن للهند الاستفادة من الرباعية الجديدة في إحراز تقدُّمٍ إضافي في تشغيل الصندوق، وهو هدفٌ تقول الإمارات إنها تدعمه.
علاوة على ذلك، تقدِّم الرباعية الجديدة دفعةً لعلاقات نيودلهي مع واشنطن. فهي توسِّع النطاق الجغرافي لتعاون البلدين خارج آسيا، مِمَّا يضيف إلى مجموعتهما مع الشركاء متعدِّدي الأطراف. ولا يمثِّل المنتدى الرباعي الجديد أيَّ نوعٍ من المنافسة مع الرباعي الأصلي، فالمنتديان كيانان متمايزان ولهما اختصاصاتٌ جغرافية مختلفة، رغم أن مجالات تعاونهما قد تتداخل.
ويبدو أن المنتدى الاقتصادي الجديد لا تعنيه الرغبة الجماعية لمواجهة الصين. وفي الأشهر الأخيرة، عزَّزَت إسرائيل والإمارات تعاونهما التجاري مع الصين، لا سيما في قطاع الشحن. في المقابل، فإن الدولة الأقرب إلى الجمع بين أعضاء الرباعية الجدد هي إيران، وهي خصمٌ لدودٌ لإسرائيل والولايات المتحدة. لكن كلاً من الإمارات والهند لا تزالان حريصتين على إيجاد طرقٍ للتعامل مع الإيرانيين، رغم النزاعات الإقليمية وتراجع علاقات الطاقة.
لكن من المُحتَمَل أن ترى الولايات المتحدة في هذه الرباعية فرصةً لإقناع إسرائيل والإمارات بإبعاد نفسيهما عن الاستثمار الصيني. ويتوافق هذا الهدف مع مصالح الهند؛ إذ سترحِّب بتقليص البصمة الصينية في منطقةٍ تحرص على وجودها فيها.
من المستهدف من هذا المنتدى الرباعي؟
في يوليو/تموز الماضي، أصدر "معهد الشرق الأوسط" للدراسات السياسية (مقره واشنطن) تقريراً بعنوان "تحالف هندو- إبراهيمي في صعود: كيف تنشئ الهند وإسرائيل والإمارات نظاماً جديداً عابراً للإقليم؟"، متنبئاً بإنشاء المنتدى الذي ستنضم إليه الولايات المتحدة الأمريكية ليصبح رباعياً بعد 3 أشهر، وسيكون لديه القدرة على "تغيير الجغرافيا السياسية والجيواقتصادية في المنطقة"، بحسب وصف المعهد.
وحينها، علق على ذلك التقرير مستشار ولي عهد أبوظبي والأكاديمي المقرب منه عبد الخالق عبد الله، بالقول إن "تحالفاً جيوسياسياً وجيواقتصادياً جديداً قيد التشكل في غرب آسيا يضم الهند والإمارات وإسرائيل لمواجهة التمدد الإيراني والعبث التركي ويستعد لملء الفراغ في حال تراجع الحضور الأمريكي من المنطقة".
في الوقت نفسه، أشار تقرير المعهد الأمريكي إلى أن "الديناميكيات متعددة الأطراف بدأت تتشكل على مدى السنوات القليلة الماضية، لكنها تسارعت بشكل أكبر في عام 2020 مع توقيع اتفاقيات التطبيع، وسعي تركيا لسياسة خارجية أكثر عدوانية، وتباعد المسافة بشكل متزايد بين باكستان والإمارات"، وفق تعبيره.
ويوضح التقرير أهداف المنتدى الجديد، بأنه "على الرغم من أن القوى الثلاث (إسرائيل والإمارات والهند) ما زالت لم تتبنَّ التجمع ككتلة جيوسياسية رسمية، إلا أن الحوار الاستراتيجي الهندي- الإبراهيمي هو احتمال وثيق"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن اليونان دعت إلى إقامة حوار ثلاثي مع الهند والإمارات، ويبدو من المحتمل أن يتم توسيعه ليشمل (إسرائيل) في المستقبل؛ نظراً لدورها الأساسي في موقف اليونان في غاز شرق البحر المتوسط".
في حين أن "الجغرافيا السياسية قد تكون السبب الرئيس لمثل هذا الاتفاق عبر الإقليم غير المسبوق، حيث لا ينبغي الاستهانة بالجانب الجغرافي الاقتصادي أيضاً"، بحسب التقرير.
ويواجه التحالف "الهند-إبراهيمي" تحدياً من نوع آخر مع المكان الذي تقف فيه المملكة العربية السعودية، معقل الإسلام وأكبر اقتصاد عربي، فقد عززت الرياض علاقات جيدة مع "تل أبيب" ونيودلهي، وقد تنظر إلى هذا التجمع كفرصة استراتيجية على المدى الطويل، بحسب المعهد.
وأكّد المعهد الأمريكي أن "صعود الكتلة الهندية الإبراهيمية في غرب آسيا يمكن أن يوفر لواشنطن حلاً جيوستراتيجياً للتحدي المُلِح بخصوص الوجود الأمريكي في المنطقة، وكيفية القيام بالمزيد من النفوذ عبر موارد أقل، مع ربط كتلة منطقة المحيطين الهندي والهادئ بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة".